Thursday, June 4, 2009

من حالات الإلهام الراقي

يمكنكم أيضاً زيارة موقع السويداء يوغا وقراءة المواضيع التالية بالنقرعلى العناوين أدناه:
الأرواح الراقية والمحبة * مع الحلاج في أشواقه * ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت * طاغور يتحدث عن الروح * الروح عند فلاسفة الإسلام * البحث عن معنى الحياة * عالم جديد * طاقة التركيز * الروح عند الأقدمين * روح الشرق * التحدي الأساسي * مفتاح سحري * أنوار مباركة * فلسفة الحياة * أنفاس الصباح * هذا العالم * لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك * فلذات * مناجاة المدركات العليا * تلك النفس الشريفة * هذه المعرفة الروحية * مطلب واحد يستحق العناء * قانون ونظام وتسلسل منطقي * رسالة الإنسان الراقي * الغذاء المغناطيسي أو الفكري * عربي في ضيافة طاغور - الحلقتان * نثرات ضياء * قراءة في ألفية شبلي الأطرش * الفكر سجن وحرية * ثم همس الروح خلطة سحرية مشاهد من الهند لماذا رفض أرفع المناصب الموت بداية أم نهاية الكشف عن الكنوز بوذا والعاشقة في محراب معرفة الذات من الهوة إلى الذروة عندما أنذر الصمت همس الأعماق




من حالات الإلهام الراقي

هذا المثال – اخترناه لقيمته الأدبية والخلقية – عن محاضرة للباحثة الفرنسية جان ديمونصو ألقتها على جمهور من الباريسيين في 14 نوفمبر سنة 1945 وموضوعها "الأرواح المعلمة والحارسة" وهي المحاضرة الثانية لها من سلسلة محاضرات في الإلهام. وفيها تروي أن وسيطاً من وسطاء الإلهام الروحي حرر لروحه المرشدة رسالة في لحظة من لحظات اليأس والقنوط. فلم تخيب هذه رجاءه بل ردت عليه على الفور بأحسن منها. والرسالتان قطعتان من الأدب الرفيع، لذا نقدمهما هنا كاملتين:
نداء الوسيط
" أين أنتَ أيها المعلم المحبوب؟ فمنذ مدة طويلة أبحث عبثاً عنك حتى لقد يئست من العثور عليك. لقد عرفت متع الطفولة العابثة، ومع ذلك فلطالما أذهلتني روائع الإله. وما كنت أعلم إلى من أتوجه كيما يكشف لي عن سرها. ثم دخل الإثم إلى قلبي مع متاعب الحياة وبدأت منذ ذلك اليوم أشكّ في إله النور، وأيقظ البناء الخفي الذي شيده الإنسان الجديد مخاوفي، إذ أن سلطان هذه الدنيا المادية غرر بي وبدا لي شديد الإغراء.
فكذب عليّ من جديد زاعماً مزهواً أنه مبدع الجمال، وما هو إلا متطاول عليه بالهدم حيثما وجده. كما أخذه الصلف فزعم أنه وهبني السعادة، حين طحنتني الشهوة. وانتحل لنفسه تاج العدالة، حين خدع البشر وقادهم إلى حتفهم. ثم حمل قناع الحكمة بفضل منطقه الذي لا يمت إلى الحقيقة إلا مظهراً حين أنه في مخبره جنون وحماقة. ووعدني المفلس بكنوز هذه الدنيا. وغامر اللعين بالشعلة القدسية التي فيَّ بأن استثار كبريائي ضد الناموس، وأراد أن يتخذ مني مِطية يستعيد بها مكانه الضائع منذ القدم، وهو الساقط الذي يوحي إلى النفس محبة (الجنون) والإخلاص للإلتواء، كما يوحي إليها الطقوس الزائفة وتحقير خيرة الأخيار وبر الحكماء.
ولطالما سقطت في فخه، ولئن كنت قد نجوت منه أحياناً فذلك بفضل الألم الذي فتح بصيرتي. وأعتقد أن بمقدوري أن أميّز الآن بين الحبة الجيدة وبين الحشائش الضارة. ولكني وحيد بصورة مخيفة وسط دنيا أحتقرها لمخازيها. فأية صلة مشتركة تربط بيني وبينها؟ ومن ينقذني من أعدائي الكثيرين؟ ومن يحول بيني وبين التردي في شراكها التي تتعقبني بشراهة وبغير توقف؟ إن سلطانها يريد أن يسحقني كفريسة تحاول أن تتملص من يده ويستثيره أن أرفض تسليم روحي إليه. ويفكر منتشياً في كأس الحسرة التي يحتفظ لي بها، ويود لو أضاف إليها أيضا آلام أحقاده الخاصة. وهو يعرفني جيداً منذ بدأنا نتصارع متلاصقين جنباً إلى جنب. وإذا ما قنـّع نظراته صرت لا أدري أين هو الشر وأين هو الخير. وأنه ليندمج فيَّ بمهارة في لحظة استسلامي فيستحوذ الشك عليّ وأصير حينذاك على استعداد لإنكار إيماني في مبدع الكون.
إني لأشعر أني مهجور فأين أنت أيها المعلم العزيز؟... وكيف سأتعرف عليك وسط الجمع الحاشد؟ وهل على سماتك مهابة الحكمة، أو جلال السيد الذي تنحني له الجباه؟ وهل يعلو وجهك هدوء الحزم وإشراقة النعيم وجمال المحبة؟ وبأي طريق تعتزم المجيء حتى أذهب إلى لقياك؟ فالكون هائل ولستُ سوى ذرة ضائعة في هول اتساعه. ولعلني لا أكون حينئذ مستعداً لاستقبالك فاعطني إشارة أو كلمة، وحينئذ سأقتلع جميع الحشائش الضارة من حقلي وسأفتح نوافذ منزلي على مصراعيها حتى تتطاير منه أدران الإثم فتتدفق إليه أمواج الهواء والضياء. وسأجعل منه مكاناً نقياً تدخله دخول ظافر منتصر، وحينئذ سأكون لك بكليتي لأني الآن مجرد من البغض والحب معاً.
إن مَثلي الأعلى ليستبد بي ويأبى أن يتخذ له شريكاً، وإني أريد أن أرقى خطوة فخطوة حتى أصل إلى القمة العليا حيث ترنم روحي في تمجيد الإله الواحد، ولكن أين أنت أيها المعلم العزيز؟"
إجابة الروح المرشد
"هاأنذا أيها الإبن. إنك تناديني، ولكني إذا ما هرولت نحوك لا تلمحني، ومع ذلك فكثيراً ما مررت بالقرب منك عبثاً. فتعلم أن تميز بين الكائنات والأشياء، وستعرف أن تميزني بعلامة أحملها على جبيني. إنني أعلم – منذ ولادتك – أن طريقينا سيلتقيان لأن وثاقاً روحياً يربط بمهارة بيننا. ولقد حضرت أثناء نومك لأتبادل وإياك حديث روح إلى روح. وكنتَ تستمع إليّ عندما كنتَ طفلا إلى أن فرقت بيننا الحياة، فعشتَ وأحببت وتألمت. وعادت إليك ذات يوم رغبة تذوق الحياة الأبدية فأردت أن تعرف وأن تزداد معرفتك أكثر فأكثر.
وأردتَ أن تغزو دون ما تلكؤ القمة المقدسة بين القمم التي يتأمل منها الإنسان ذاك الجمال وهو في طريقه نحو المعرفة فأصابتك العثرات. وإذ كان اليأس قد نال منك منالا في وقت من الأوقات فإنك لم تتوانَ في البحث عن الطريق. ولقد احتقرتَ الحياة حيناً من الوقت، ولكن عليك على العكس من ذلك أن تنظر إليها ملياً وتتعقب معالمها في وجوه الناس وفي الطبيعة وفي السموات. فلقد حضرتَ إلى الأرض لهذا الغرض لا لشيء سواه. وهل نسيتْ روحُك – على غير وعي منها – ما رسمته من قرار وما تقيدت به من قول؟ ألم تغادر مقرها السماوي للمحنة الحرجة التي تحررها من الظلمات، وكيما تهيئ لنفسها مكاناً في كنف الإله الواحد؟
وما عزلتك إلا ثمرة جهلك، فتعقب الحياة وستعلم حينذاك أي تدرّج رائع يوجد بين ما هو أمامك من الكائنات، وستتعرف من بينها على ذويك ومن يمتّ إليك بصلة القربى، ولن تشعر أنك وحدك بعد الآن.
وهل بمقدورك أن تقول أنك بلا بغض ولا حب كما لو كنت خليطاً مضطرباً؟ فلم لا تحب أيها الإنسان المخلوق على صورة الإله، وكل شيء في الوجود يحب حتى الله تعالى؟ فلا تغلقن دونَ الحب قلبك ولتعمره بحب عظيم: حب الخليقة المتناسقة. حب كل ما هو نقي وعادل وجميل. بل حب الجهلة والأشرار أيضاً حتى وإن كان حبهم سيكون أكثر مشقة لك، ولكنه أعظم جزاءً... فاحبب كل شيء ولا تتعلق بشيء.. وقدّر أيضاً أنك في منفىً يمكن أن تـُستدعى منه بين حين وآخر. ففيم تنفعك كنوز هذا العالم؟ كن بسيطاً مخلصاً فيمكنك أن تكشف بطريق اليقين النقابَ عن الخطأ وعن البهتان حيثما وُجدا.
ولا يضيرك أن يغضب التافهون من فضائلك فإنها لتأنيبٌ لهم. فهم يحاولون استدراجك إلى محيطهم الجهنمي الذي يطلقون عليه لفظ العالم. تعلم كيف تقاومهم بالتمييز الحسن، واحمل روحك على وجهك فيعرفك ذووك. وأما هؤلاء الآخرون فلن يروا شيئاً لأن النور الحق يعمي بصيرة الجهلاء وينير سبيل العقلاء. وفي ذلك الوقت ستدرك وجودي وسترى أني أشبه من الناحية الإنسانية كائنات أخرى. على أن شيئاً ما سيميزني أمام ناظريك، ولن يخدعك إلهام نفسك – بعد أن تتطهر وتتطور – فستراني في صور عديدة، ولكني سأكون مع ذلك كما أنا دائماً...
ولن يكون عملك وانتظارك عبئاً ضائعاً، فالمعلم على استعداد لاستقبال تلميذه في أية لحظة، لكن ليس بمقدور التلميذ أن يعرف معلمه على الدوام. وستعلم... كم هو مبهج... عندما تـُفتح أمامك الأبواب المقدسة ويغمرك نعيم عظيم لأنك ستجد الملكوت.
واحذر من أن يضيع منك بدداً شطر الحقيقة الموكول إليك، وأنت في انتظار ذلك اليوم المزدوج البركات الذي ستراني فيه ظاهراً أمامك لأنك ستحل يوماً محلي بالقرب من إنسان آخر غيرك، ثم ستناوله المشعل عندما تكون قد أحسنت الإمساك به بيد ثابتة مستقرة، وبشجاعة ولباقة"
المصدر: الإنسان روح لا جسد للدكتور رؤوف عبيد
أدناه Older Posts لقراءة موضوعات أخرى رجاء نقر

No comments:

Post a Comment