Thursday, June 4, 2009

مناجاة المدركات العليا

يمكنكم أيضاً زيارة موقع السويداء يوغا وقراءة المواضيع التالية بالنقرعلى العناوين أدناه:
الأرواح الراقية والمحبة * مع الحلاج في أشواقه * ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت * طاغور يتحدث عن الروح * الروح عند فلاسفة الإسلام * البحث عن معنى الحياة * عالم جديد * طاقة التركيز * الروح عند الأقدمين * روح الشرق * التحدي الأساسي * مفتاح سحري * أنوار مباركة * فلسفة الحياة * أنفاس الصباح * هذا العالم * لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك * فلذات * مناجاة المدركات العليا * تلك النفس الشريفة * هذه المعرفة الروحية * مطلب واحد يستحق العناء * قانون ونظام وتسلسل منطقي * رسالة الإنسان الراقي * الغذاء المغناطيسي أو الفكري * عربي في ضيافة طاغور - الحلقتان * نثرات ضياء * قراءة في ألفية شبلي الأطرش * الفكر سجن وحرية * ثم همس الروح خلطة سحرية مشاهد من الهند لماذا رفض أرفع المناصب الموت بداية أم نهاية الكشف عن الكنوز بوذا والعاشقة في محراب معرفة الذات من الهوة إلى الذروة عندما أنذر الصمت همس الأعماق

لقد سلـّم علماء كبار بهذا الإلهام الخارجي ولو أنهم هم أنفسهم لم يكونوا ملهمين. فنجد مثلا سير أوليفر لودج عالم الطبيعة المعروف يتحدث عنه في محاضرة له ترجع إلى سنة 1915 قائلاً: "ولنذكر في هذا المقام أننا لسنا أجساماً فقط، بل كل منا مركـّب من عقل وروح فضلا عن الجسم. ويتصل الإنسان بهذه الكائنات العليا ويناجيها بغير حواسه البدنية، ويرتاح إلى الإتصال بها أكثر مما يرتاح إلى اتصاله بهذا العالم المادي الذي قضي عليه أن يعيش فيه إلى حين.
...كل العظام كانوا يرتاحون إلى مناجاة المدركات العليا أكثر مما يرتاحون إلى الأمور الدنيوية. وإذا عملنا على تقوية مداركنا وقوانا اطلعنا على أكثر من ذلك، ومكننا الإلهام من معرفة أمور لا نقدر أن ندركها بغيره. إن طرق البحث المادية ليست كل طرق البحث، ولم يزل الرجال (والنساء) العظام منذ قديم الزمان يرون رؤى، ويطلعون على حقائق وتظهر منهم بدائه يحاولون تدوينها كيما ينتفع بها غيرهم... ولكني قد وصلت إلى نتائج من طرقي العلمية المألوفة لا تختلف عن تلك التي وصلوا إليها.
وفي هذا الإتجاه أيضاً يقول كارل ياسبرز الفيلسوف الألماني المعاصر وعالم النفس: "إن ما ندركه في التأمل الميتافيزيقي والخلوة الروحية، تلك التي ترفعنا فوق أنفسنا في معيشتنا اليومية، لا ينبغي أن يتهافت أو يتضاءل، كما أنه لا ينبغي أن يأخذ أهمية المعرفة التجريبية حين يضطرنا العقل إلى امتحان قيمته. وينبغي أن يظل مطلبنا الأساسي أن نتبيّن هل أضأنا في أنفسنا منائرَ الحرية أو أطفأناها، وهل أذكينا في حياتنا كنوز الداخل أو بددناها؟!" كما يقول أيضاً "إن الوجود المشهود لا يمكن أن يستوعب كل الوجود، فمن الموجودات ما لا تبلغه المعرفة العلمية..."
كما نجد الدكتور شارل ريشيه (جائزة نوبل في الفسيولوجيا) يعلن قائلاً: "لقد استطعت في أدنبرة أن أؤكد أمام مائة من علماء الجسم أن حواسنا الخمس ليست هي الوسائل الوحيدة للمعرفة، بل أن ثمة شذرات من الحقيقة ترد أحيانا للإدراك بطرق أخرى... والحقيقة النادرة الحدوث ليس معناها أنها غير موجودة، وهل تنهض صعوبة الدراسة سبباً في عدم فهمها؟! إن الذين سخروا من علم ما وراء (الطبيعة) ودمغوه بالغموض سوف يخجلون من ذواتهم... فسلام إذاً على العلم الجديد الذي سوف يغيّر اتجاه العقل البشري..."
وفي نفس الإتجاه نحو الإعتراف بالإلهام الذي لا تعرفه المدارس المادية في تعليل المعرفة ولا تعترف به، لأنه يعترف بقوى وراء المادة والحياة معاً أسمى منها نجد بول برينتون وهو دكتور في الفلسفة وبحاثة معروف في الروحية الحديثة يقرر "أن ثمة شيئاً ضمن عقل الإنسان والحيوان لا هو بالعقل ولا بالشعور، بل أعمق من كليهما يمكن أن يكون وصف الإلهام ملائماً له. وعندما يتمكن العلم أن يفسر حقيقة كيف يمكن للحصان أن يتعرف طريقه حاملاً فارسه مخموراً لمسافة أميال خلال الظلام حتى يصل به إلى المنزل، وكيف تتجه الخراف للإحتماء بجانب الجبال قبل العاصفة، وما الذي ينذر السلحفاة بنزول المطر قبل نزوله حتى تنسحب للإحتماء في مخبئها، وما الذي يقود النسور لأميال عديدة حيث توجد جثة حيوان ميت... فإلى أن يتمكن العلم من تفسير ذلك علينا أن نتعلم أن الإلهام قد يكون أحياناً مرشداً أفضل من الذكاء. إن العلم أمكنه أن ينتزع من مخالب الطبيعة بعض الأسرار المذهلة لكنه لم يكتشف بعد مصدر الإلهام.
فالذكاء الذي أمكنه أن يعرض ألغازاً كثيرة متعلقة بالإنسان وبقدَره وموته عاجز أن يجد لها حلا. وعندما ينجح العلم في غزو العالم، وفي كشف القناع عن آخر لغز فيه، فإنه سيواجه مع ذلك أعظم المشكلات قاطبة وهي "هل توصل الإنسان إلى معرفة نفسه؟"...
وقد وصلت الفلسفة الهندية أيضاً إلى التسليم بالإلهام "فالقوة المفكرة في تقديرها باردة، أما العقل الروحي فحارٌ تموجُ حياته بالكثير من المشاعر السامية ومنه تفيض الإلهامات. فالشعراء والرسامون والمثـّالون والكتـّاب والخطباء وغيرهم من الموهوبين تلقوا عنه هذه الإلهامات منذ القدم كما يتلقونها اليوم وغداً. ومن هذا المعين تلقى الحكيم حكمته.
ويستطيع الإنسان بإنماء وعيه الروحي أن يرتفع بنفسه حتى يتصل بهذه المراكز الرفيعة من طبيعته العليا حيث تضفي عليه من العلم ما لم تجرؤ على أن تحلم به قوته العاقلة وذكاؤه المعتاد. إذا عرفنا كيف نكون واثقين مؤمنين بقوة الروح، فإنها تقابل ثقتنا بأن تبعث في عقولنا الومضة من الإلهام بعد الومضة حتى تستنير العقول.
وكلما تقدم الوعي الروحي إزاء اعتماد الإنسان على صوت الروح كلما أمكنه أن يميّز بين ذلك الصوت العلوي، وبين مواقف الغرائز الدنيا من كيانه وعقله، ويتعلم أن يسلم للروح قياد نفسه حتى تعتمد على تلك اليد العليا التي تأخذ بيدها وتقودها إلى سبيل الرشاد. ليس هذا خيالاً ولا مجازاً، إنما هو واقع وحقيقة من حقائق الحياة عرفها كل من وصل إلى مراحل الطريق، إذ يجد نفسه وقد أمسكت بزمامها يد الروح تسير بها في الطريق القويم."
وتقول نفس الفلسفة أيضاً: "امضوا في الحياة صعداً نحو الروح، وافتحوا قلوبكم لاستقبال نورها، وكونوا دائماً مستعدين لسماع صوت (السكون)، مستعدين للإنقياد لليد التي ترشد في الخفاء واثقين غير هيابين، لأن فيكم شرارة من النار الإلهية. تلك هي الروح، ذلك هو النجم المشرق. ذلك القبس من نور الله. إنه كالسراج في المشكاة يضيء نوره موطئ أقدامكم حتى لا تضلوا الطريق وحتى تتقوا العثرات."
المصدر: الإنسان روح لا جسد للدكتور رؤوف عبيد

No comments:

Post a Comment