Saturday, November 7, 2009

برمهنسا يوغانندا: في محراب معرفة الذات


-->
برمهنسيات
تأملات في محراب
معرفة الذات
ترجمة: محمود عباس مسعود
مزيد من تعاليم المعلم برمهنسا على الرابط التالي:
تفضلوا بزيارة موقع السويداء يوغا وقراءة المواضيع التالية بالنقرعلى العناوين أدناه: الأرواح الراقية والمحبة * مع الحلاج في أشواقه * ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت * طاغور يتحدث عن الروح * الروح عند فلاسفة الإسلام * البحث عن معنى الحياة * عالم جديد * طاقة التركيز * الروح عند الأقدمين * روح الشرق * التحدي الأساسي * مفتاح سحري * أنوار مباركة * فلسفة الحياة * أنفاس الصباح * هذا العالم * لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك * فلذات * مناجاة المدركات العليا * تلك النفس الشريفة * هذه المعرفة الروحية * مطلب واحد يستحق العناء * قانون ونظام وتسلسل منطقي * رسالة الإنسان الراقي * الغذاء المغناطيسي أو الفكري * عربي في ضيافة طاغور - الحلقتان * نثرات ضياء * قراءة في ألفية شبلي الأطرش * الفكر سجن وحرية * ثم همس الروح خلطة سحرية مشاهد من الهند لماذا رفض أرفع المناصب الموت بداية أم نهاية الكشف عن الكنوز بوذا والعاشقة في محراب معرفة الذات من الهوة إلى الذروة عندما أنذر الصمت همس الأعماق

أنتَ ينبوع المباهج والمسرات.
أنت جوهر الحب وجواهر الحكمة المتناثرة في حقول الأبدية.
أنت الحرية والتحرر من كل الأوهام.
أنتَ الوحدة المطلقة التي لا تتجزأ.
أنت الوعي الكوني الكلي..
أنت البداية والنهاية
والغاية التي ما بعدها غاية.
إنني سائح في أرضك وسائر على دروبك.
فخذ بيدي ووجه خطاي إلى أقرب السبل المفضية إليك.
علني أبتهج بك إذ أتعرف عليك.
بساتينك المباركة ذات الأثمار الشهية تناديني لأرتادها وأستمتع بدانيات قطوفها.
ألا ما أعذب ثمار المعرفة وما ألذ رحيقها العرفاني!
فليتنا نشتهي دوماً فاكهة الروح المغذية المنعشة
ونشرب من مياه السلام التي تفيض بها أنهار الحب المقدس.
امنحني نقاء القلب وصفاء الروح
واغسل كياني بمياهك المشعشعة من كل الشوائب والأدران
علني أتحسس حضورك وأبصر وجهك الجميل
الذي طالما تصورت حسنه البديع وحنـّت روحي شوقاً لرؤياه.
واملأ كياني بالشكر والامتنان ليدك الكريمة وأفضالك العميمة.
وليخفق قلبي بحبك ما دام في الوجود نجم يومض وقلب ينبض.
بارك أفكاري كي تتجه تلقائياً إليك علها تتبارك بجمال رؤيتك ورؤية جمالك.
وهبْ لي القدرة على التقاط ألحانك المتماوجة في رحب الأثير
علني أنتشي بأنغامها العلوية التي تشتاق الملائكة سماعَها.
ألا ليتني أحس بروحك المبارك في كل ذرة من ذرات كياني.
وأغذي مداركي بزادك الرباني الذي هو خبز الوجود
وفيه أكسير الحياة وسلسبيل الخلود.
يا لتني أستنشق أنسام حضورك السعيد في واحات الوجد والهيام
وأبصر نيّرات حبك متألقة في سماء روحي المشتاقة إليك.
إنك المعين المعيل!
وحياتي تتوقد بتيارات حضورك وإشعاعات نورك.
ليت روحك المبارك يسكن هيكلي ولا يفارقني أبدا.
أنت النور والمنارة.
وأنت الشعاع والإشعاع.
يا أصل الجود وسيد الوجود!
إلى متى سيبقى وعيي مشبعاً باهتزازات هذه الدنيا؟
ومتى سأبصر روحك المبارك في كل صور الخليقة؟
أبتهل إليك يا رب أن تفتح بصري وبصيرتي
علني أعاين نورك البهي مشرقاً في داخلي وعلى الكون والكائنات.
فيتبدد ظلام الجهل وتنزاح الظلال
وتغتبط روحي برؤية وجهك ذي الجلال.
إنني ذرة صغيرة من كونك اللامتناهي، هائم على دروب الزمن
تتقاذفني عناصر الطبيعة وما وراء الطبيعة، فأين أنتَ وكيف لي أن أعثر عليك؟
لقد طال انتظاري في غربتي الموحشة وكدت أفقد الأمل بملاقاتك بعد فراق مديد.
لكنك أوحيت لي بأن جوهري هو من جوهرك وذاتي من ذاتك
فرحت أتأمل ما في كياني من أسرار وأحاول النفاذ إلى قلب الحقيقة.
لا لن أفقد ذاتي ما دام الارتباط قائماً ما بيننا، وهو قائم وسيدوم.
ومهما كانت إغراءات الحياة كثيرة كبيرة،
والتجارب صعبة ومريرة
أعلم علم اليقين بأن اللقاء ما بيننا صائر إلى تحقيق
ولذلك سأواصل السير على الطريق
إلى أن أعثر عليك فينتهي المشوار الطويل، الطويل
وترتاح روحي من الترحال والتجوال عبر الدهور والآجال.
يا من تعرف خفايا الوجود وأسرار الحياة والموت!
يا من تكمن في ذات الأكوان وأعماق الإنسان.
لقد انبثقتْ عنك الخليقة انبثاق الشعاع عن القرص الذهبي المشع
فلا وجود لها إلا بك، ولا غاية لها إلا الرجوع إليك.
لقد دمغتَ نفوسنا بعلامتك المميزة منذ الانطلاقة الأولى
ووهبتا التمييز وحرية الإختيار.
فمهما بعُدنا عنك أو تباعدنا
يبقى روحك الأمين يسكن فينا
يلهمنا، يعزينا
يستنهض قوانا، وينخينا
كي نستغل الطاقات اللانهائية التي أودعتها كياننا
ونقف وقفة جادة مع الذات، ننقب في تربتها
علنا نكتشف ونكشف عن الكنوز الدفينة التي أودعتها فينا.
يا من تعرف مصائر البشر وترقب المسيرة العظمى
الدائمة الزحف على الدروب الكونية التي حدودها عند حدود اللانهاية.
ليتني أعرف إلى أين سأنطلق بعد انطلاق الروح من هذا الجسد.
وهل سأحتفظ بوعيي بعد الرحيل وأستطيع التواصل معك والتحدث إليك؟
أم هل ستخونني الذاكرة فأنسى نفسي وكل ما اتصل بها من أناس وأحداث؟
ليتني أمتلك ذاكرتك الجبارة التي لا تنسى
وعقلك الذي يحوي الكون بل الأكوان.
ولأن ذاكرتك لا تعرف الغفلة والنسيان، فلا بد أنك ستحفظني فيها
وهل من سعادة تقارن بتذكـّرك الدائم لي؟
لستُ وحيداً ما دامت الذاكرة الكونية تحتويني
ولن أخشى هجمات المصائب وزمجرة التجارب
ما دامت الأنفاس المباركة تنفحني وتشحنني بالقوة والرجاء.
ومهما تواريتُ عن الظهور في أرجاء الكون اللامتناهية
سأبقى تحت أنظاره الرحيمة أنعم بالأمن والأمان
بعيداً عن المتاهات المربكة والمنعطفات الحادة الخطيرة.
وعندما يسكب في روحي شلالات معرفته
ستشرق عليّ شموس اليقين
وتغمرني بالعلم والأنوار
فعجّل بذلك اليوم، عجّل
لأنني مشتاق وفي الإنتظار!
أنت البحر الكوني الذي لا ساحل له.
لقد ارتفعتْ مياه أنهارنا منك ولا يمكنها البقاء بعيداً عنك
فهي دائمة الجريان نحوك للامتزاج بخضمك اللامتناهي
والوصول إلى قلب محيطك الأعظم.
لا يمكننا البقاء بعيداً عنك لأن مصيرنا هو التوحد بك.
فاهمس لنا نداءاتك المباركة علنا نسمعها ونعود إلى المقر السعيد
فنبتهج بلقائك ونتنعم بسلامك العتيد.
الهمنا الكرامة والكرم علنا نحتفظ بقدسية صورتك النبيلة في داخلنا
ونترفع عن الأهواء والصغائر التي لا تليق بالصورة المباركة.
ابعد عنا سموم الأنانية القتالة وابعدنا عنها
ولنتذكر أننا انبثقنا عن جوهرك الكريم الذي لا حد لمكارمه
وساعدنا كي نتشبه بك ونبصرك في كل ما هو نبيل وأصيل.
أنت البحرُ والنهرُ والجدولُ والقطرة وكل الأمواج
ونحن كذلك.. كذاتك
ما دمنا نعرف ذاتنا وندرك وحدتنا الأبدية مع ذاتك.
طهر كياني بنار المحبة المقدسة
واحرق جهلي القديم العقيم
ومعه كل المشتهيات التي لا تليق بالنفس التواقة المشتاقة لارتياد آفاق السلام.
إن روحي تتلهف للاقتراب منك والإحساس بوهجك المبارك.
وحنيني يهمس أشواقي المتعاظمة إليك.
لا تبقني بعيداً عن مسارك وأنظارك
إذ لا يحلو العيش بدون التواصل معك
وملامسة حضورك البهيج
الأذكى من البخور والأريج!
أينما كنت في أرضك الواسعة، وحيثما انطلقت في أجوائك الرحيبة
أبقى قريباً منك لأن رباط الروح يشدني دوماً إليك.
وحتى عندما تفارق الحياة الجسد لن أفقد وعيي بك ولن أكون بعيدا عنك.
ولأن مصيري هو الإقتراب المتواصل منك فلن أطيق الإغتراب عنك.
وحتى في تلك الآفاق الكوكبية المرصعة بدراري الأثير سأفتش عنكَ
وأبصرك في البوارق ذات السطوع.
وإذ ألمح طيفك سابحاً بين النيّرات العلوية سأناديك بصوت الروح
وأنطلق انطلاقة النشاط الإشعاعي للوصول إليك..
لملامسة يديك.. والتحديق في عينيك.
إذ ذاك ستفجّر بلمسة واحدة خزانات النور وتطلب من المشاعل الكونية
كي تحرق بذور الظلام وتبدد أكداس الأوهام فيشفى القلب وتفرح النفس باستعادة مدركاتها المنسية
وتفرح بوعي التوحّد المغبوط.
بمجامع الفؤاد أتوجه إلى روحك الأقدس
وبفيض الحب المتفجر من منابع القلب أتوق إليك.
وبشوق المتعطشين للمال والشهرة أبحث عنك.
الدنيويون دائمو التعبد والتهجد في هيكل المادة.
والملحدون فخورون بكشوفاتهم العجيبة في دنيا الإلحاد.
وعشاق الكيف مهووسون بمتعهم السريعة الزوال.
ألا ما أقل الباحثين عنك.. المتشوقين إليك.. التواقين لرؤية وجهك الكريم.
أنت البحر الكوني الذي لا حدود لسواحله ولا بداية أو نهاية.
أعماقك تزخر بالكنوز الباطنية التي لا نظير لها في دنيا البشر.
ألا فلأبحث عن تلك الكنوز بالغوص في مياه الشوق العميقة
التي يطفح بها أوقيانوس الروح الأعظم.
وإنني لا بد واجدها مهما طال البحث وبدا التفتيش عقيما.
الكنوز موجودة ولا بد من اكتشافها
إذ لا قيمة للحياة دون امتلاكها..
الذي هو غاية الحياة وتحقيق الذات.
عندما تشحن الأشواق كياني ستشتد أجنحتي الروحية وتنطلق إلى الآفاق الرحيبة حيث التسامي والتسامح وقبول الرأي الآخر براحة وأريحية.
في تلك الآفاق العالية لن تحجب غيوم الكراهية شمس محبتي ولن تقدر أمواج العالم الكثيفة على بلوغ المستويات الشفافة العليا حيث الخواطر النبيلة والأفكار المتناغمة والمدركات السامية.
ولن تقوى أعاصير الشهوات ورياح التجارب العنيفة العاتية على بلوغ ذلك الفلك الأثيري الأثير الذي ينادي النفوس المشتاقة للوصول إلى منابع الجمال والابتراد في بحيرات المحبة السلام.
الشره المبطان الفجعان لا يعرف الشبع والامتلاء، ولا المشتهيات الحسية تعرف الاكتفاء والإرتواء لأنها:
تجهلُ الإشباعَ ما دام الغذاءْ
وإذا الزادُ استحالَ شبِعتْ!
فلتحترق وتتفحم كل المشتهيات السقيمة في أتون الفهم المقدس. ولتستلهم إرادتنا الحكمة والرشاد من الإرادة الكونية المعصومة في استخدام الحواس والتعامل مع الناس.
النار التي تدفئ الإنسان وتطهو طعامه يمكن أن تحرق بيته وتدمر ممتلكاته. وبالمثل فإن الحواس التي وهبها لنا الله لتكون لنا عوناً في العمل والتعامل مع هذا المستوى الأرضي الحسي، قد تهد حيل الإنسان وتهدم حياته ما لم يستعملها بحكمة وانضباط.
فلنستعمل هبة السماء: الحواس الخمس بما يخدم الجسم والعقل ويرضي الله والضمير.
أيها القلب الرباني الكبير!
لقد وهبتنا نعمة العقل والإرادة والضمير. فلنستغل تلك الهبات في عمل كل ما ينفعنا ويخدم غيرنا ويرضيك. ولنعمل بهمة ونشاط ما دمنا نقوم بأداء أدوارنا التي أوكلتها إلينا في مسرحية الحياة.
لستَ بعيداً عنا، إذ لولا حضورك فينا لاستحال وجودنا ولانعدمت أمكانياتنا.
ما من شيء في الوجود إلا وله مكانه في كونك اللامتناهي، من أدق مكونات الذرة إلى أكبر الأجرام السماوية.
إن عينك ساهرة أبدا، ترقب ما صنعته يداك وتسارع لنجدة المتكلين على عونك الدائم الحضور.. يا مصدر الحياة والنور. لقد كوّنتَ نفوسنا من جوهرك الفريد ووضعت فيها عنصراً دائم الإشعاع، يزداد تألقاً كلما لاح له نورُ حضورك في سماء القلب وأعماق الوجدان.
يا صانع العجائب والمعجزات.. يا ساكن أعماق الذات!
املأ كياني بفيض غبطتك التي ليس لها انتهاء.
وامنحني القوة والتصميم على مواصلة المسيرة حتى بلوغ المقصد الشريف.
وارفع عن عين بصيرتي حجب الوهم علني أبصر إشراقك وتغمرني إشعاعاته النفاذة.
وساعدني كي أدرك أهمية التفكير بك والتأمل عليك والتحدث الصامت إليك.
لا حد لكرمك ولن تحرم أحداً من مناعمك القدسية ما دام يطلبها من يدك الكريمة التي تحب العطاء.
لقد منحتنا مُنية قلوبنا، لكن الهبة الأعظم ما زالت بين يديك بانتظار من يطلبها بقلب متلهف وشوق متعاظم.
أجل.. إنها ذاتك الإلهية
التي هي هبة الهبات
ولا يضاهيها عطاء
في الأرض والسموات.
الحب الكوني يحيا فينا مثلما نحيا فيه. ومشاعر المحبة التي نحسها نحو الآخرين هي ترجمة وجدانية لذلك الحب الإلهي الذي هو منبع كل إحساس نبيل وحب نقي.
لو لم يودع الله ذلك الجوهر اللطيف في قلوبنا لما استطعنا أن نحس بالحب أو نعرف ماهيته. وكون الله محبة فهذا برهان ملموس على وجوده في ذات الإنسان. وكون الحب أجمل الأحاسيس التي يختلج فيها القلب فهذا دليل على أنه المظهر الإلهي الأقرب والأحب إلى الإنسان.
فيا من صنعت القلوب ووضعت فيها إكسيرك المقدس المُحيي، ليتنا نحبك ونفكر بك على قدر محبتنا وتفكيرنا بأعز الناس علينا وأحبهم إلينا.
مثلما يصعد إليك الكلام الطيب، هكذا ترتفع إليك الأفكار الطيبة التي هي أصل الكلام.
فلنفكر دوماً الأفكار الطيبة لعلها ترتفع إليك وتكون صلة الوصل بيننا وبينك.
ومع الأفكار الطيبة لنرفع إليك أناشيد الشوق الصامتة على أجنحة الحنين.
ولتهمس لك قلوبنا حكاية غرامها الكوني الأول التي بدأت مع فجر الخليقة وما زالت ألحانها متجاوبة في أرجاء الأثير الحي.
ولتكن الأشواق الروحية طائرتنا الكوكبية التي تقلـّنا وتنقلنا إلى حيث مقامك الأعلى وعرشك الأبهى كي نبتهج بالوصول ونفرح بالوصال.
ليتحول قلبي الصغير إلى بحر نقي من الشوق الإلهي..
لتتجمع أمطار حبك وتهطل كالغيث المدرار على أرض روحي المتعطشة لغوثك ونعمتك.
لتسطع شمس حضورك على حقول حياتي فتدفئ تربتها وتستحث نمو بذورها المتناومة المتنامية.
ولتهبّ نسائم حبك على واحات سلامي في صحاري الحياة الأرضية القاحلة.
ولتتفجر ينابيع الإلهام من تربة حياتي المروية بمياهك المباركة.
ولتتشبع تلك التربة بحضورك علها تنبت أشهى ثمار الروح وأندى زهورها.
ولتكن دوما الكوكب الهادي في سماء حياتي..
وعندها لن أضل سبيلي ما دمت أنت دليلي.
لولا قدرتك التي تشحن كياني بالحياة والحيوية لما تمكنت من التفكير أو التعبير أو التدبير أو البحث عنك في متاهات الحياة.
لقد وهبتني العقل لا لأحتفظ به محنطاً في سراديب الجمود، بل لأحفظه دائم النشاط بتمرينه وتحدّيه لإطلاق طاقاته المختزنة في خلايا الدماغ وتلافيفه.
ومنحتني روح الطموح الوثابة لأنطلق على جنح الأمل نحو مرتفعات الشوق التي تنادي الراغبين لارتياد قمم المعرفة والوصول إلى منابع الإلهام.
وأعطيتني الإرادة لاختيار كل ما هو طيب ونافع والابتعاد عن المطبات الوخيمة والمناقع الضارة مهما بدت ممتعة سارّة .
ولأنك أظهرت حبك لي واهتمامك بي فسأداوم التفكير بك والبحث عنك حتى يقربني مغناطيس الحب من مجالك فألتقيك يا ذا الجمال في نهاية الطواف والتجوال.
لا أطمح في أن أكون أكثر من نبضة في قلبك الكوني أو نغمة في عودك السماوي.
ولا أطمع في مكانة أو مكان في مجالسك الأنسية، بل في الأعتاب الكفاية ما دامت قريبة بما يسمح بمشاهدة أنوار وجهك وسماع همساتك الملائكية.
ولا أصبو لأن أكون معلماً يحدّث الناس عنك لأنني تلميذ صغير في الصفوف الأولى من مدرسة معرفة الذات – مدرستك!
ولا شيء يرويني ويرضيني سوى الإحساس بقربك الذي هو قلب اللباب وغاية الحياة لذوي الألباب!
نورك المجيد يسري في مكونات هذا العالم كما في طيات الأثير وعوالم الروح.
فمن هذا النور المبارك اقترضت النيّرات ضياءها وتألقت كالجواهر في قبة السماء.
ولأن توارى نورك خلف الحجب المنظورة والمستورة، لكنه دائم الإشعاع والسطوع، يبصره ذوو البصائر الرائية لما وراء ستارة المادة الكثيفة.
فتحية إلى ذلك النور السماوي الذي تجتمع في قلبه المشع كل أقباس الحب والقوة والحكمة والأمل الغبطة والسلام.
وتحية إلى صانع النور والحياة الذي هو حياة النور ونور الحياة.
إنكَ قريبٌ قريب من الذين يهمهم قربك، وبعيدٌ بعيد عن غير المبالين بك أو الميّالين للتعرف عليك. ولأنك فائقٌ لا تدركك العقول فلا يعني ذلك استحالة التواصل معك بطريقة أو بأخرى.
ما لأحد في الوجود القدرة على الاستغناء عنك لأنه لولاك لما نبضت القلوب ولما سرت الدماء في الشرايين والعروق. ومع ذلك ما أبرع الإنسان في مخادعة ذاته وإقناع نفسه بعدم جدوى التفكير بك أو التأمل عليك!
إنك دائم الإيحاء لعقل الإنسان بمواصلة الفتوحات الريادية والإنطلاق إلى مستويات كريمة تستحق الاجتهاد والإرتياد.
وإنك دائم التحدث إلى روحه من أريج الورود ودفء الشمس وجلال الليل وروعة السماء في الليالي الظلماء.
القوة في مظاهرك الكونية تكاد تمتزج بالرقة ما بين أعاصير جبارة ونسائم رقيقة، ورعد قاصف وأنغام هامسة، وبحار هائجة وجداول رقراقة صافية، وأمطار استوائية شديدة الهطول وقطرات ندية على أعشاب الربى وأزاهير الحقول.
وإنك لتنادي الإنسان بألف لسان ولكن صوتك رقيق خفيض بينما سمعه مثقل بأصوات العالم ذات الكثافة النوعية فلا عتب عليه إن هو عجز عن التقاط اهتزازات غير مألوفة وغير معروفة لعقله المقيد بالحواس.
كل ما في الوجود يتحدث عنك بفصاحة لا يخطؤها الذين بالإشارة يفهمون وإلى بلوغ الذرى يطمحون.
يا ذا المحبة اللامتناهية والقلب الكبير، الكبير الذي لا يحتويه الوجود بكل أبعاده. إنك قريبٌ من مريديك وشوقك لهم لا يقل عن شوقهم إليك ولهفتهم للتعرف عليك.
لا يحتاج الإنسان إلى مشاعر مرهفة ليتذوق متع هذا العالم الخشنة التي لم يعجز عن التلذذ بها حتى الإنسان البدائي وغيره من المخلوقات الأخرى. ومع ذلك ما أكثر ما يمجد الإنسان تلك الأحاسيس ويندفع اندفاع السيل الجارف لتحقيقها كما لو كانت خبز الحياة الذي يقيم أوده ويرد إليه روحه.
لكن الحكمة تقتضي تحليل تلك الأحاسيس وفرزها والتعامل معها بجدية لمعرفة سليمها من سقيمها وكريمها من ذميمها.
لقد أرادنا الله سادة نحسن التصرف والتعامل مع القوى المودعة فينا لا عبيداً ننساق وراء الأهواء ونقدس الشهوات.
أما المحافظون على قواهم الجسدية، غير الهادرين لطاقاتهم الحيوية.. فيستحقون التقدير والتحية!
ساعدني كي أحتفظ بفكري نقياً إيجابياً علني أجتذب اهتزازات الخير إلى حياتي.
عندما خلقتني من ذاتك وضعت فلذة من كيانك في ذاتي وغرست بذور حبك وحقيقتك في روحي.
كنوزك الثمينة موجودة أصلا في كياني وبانتظار الكشف عنها في منجم نفسي.
القوى اللامتناهية والمعرفة الكلية والسعادة التامة التي وهبتها لي هي في طور الهجوع بانتظار تحريكها وإيقاظها من سباتها الطويل.
فلأتعرف من جديد على طبيعتي الإلهية بالتفكير الدائم بك والتوجه الكلي إليك يا من أنت منبع الجود ومصدر كل خير في الوجود.
أيها النور الكوني الذي لا حد لسطوعه! كيف لنا أن نبصرك إن نحن أغمضنا أعيننا وأحجمنا عن النظر إليك.
أيها اللحن الإلهي الخالد! أنى لنا أن نسمع أنغامك المذيبة وفي مسامعنا وقر من الأصوات المادية الخشنة.
أيها النقاء الأصفى من زرقة السماء! ساعدنا كي ننقي دوافعنا ونصفي نوايانا علنا نشعر بحضورك ونبصر إشعاعات نورك.
لقد آن الأوان كي يستيقظ الإنسان من غفلته ويدرك وحدته معك.
فيا ذا اليقظة الدائمة، يقـّظ نفوسنا النائمة!
جوهرك هو الفرح فباركني بفرحك وفرّحني ببركاتك.
واطلق حمائم سلامك لتحلق في سماء حياتي ونسائم حبك لتبرّد هجير أيامي.
الحياة قصيرة والمجهول يقرع الباب، فاغرس اليقين في كياني وافتح بصري الروحي علني أحس بقربك وأواصل السير على دربك.
ساعدني كي أقتطع حجارة الوجد من مقلع قلبي وأقصّبها لأبني بها مزاراً متواضعاً للتأمل عليك والتفكر بك.
ومن بستان حنيني أقتطفُ فاكهة المحبة وزهور الشوق وأضمخها بندى الإخلاص لتكون تقدمة خالصة لك يا من ينبض القلب بحبك وتهمس الروح دوماً باسمك الأقدس.
كون المباهج والمتع الحسية لا دوام لها فدعني أنشد الفرح الروحي الدائم.
ولأن الأفكار السلبية تسلب الإنسان سلامه وراحة باله فلأفكر الأفكار الإيجابية التي تخلق الظروف الصحية الصحيحة في الحياة.
وكون الجهل يودي إلى المجاهل غير محسوبة العواقب، فهب لي الرشد والسداد للتمييز بين الغذاء النافع والسم الناقع.
وحيث العادات العاتية تدفع في دروب خطيرة خاطئة، فامنحني قوة الإرادة لاختيار دروب الخير التي هي دروبك الأمينة المأمونة.
ما من سعادة حقيقية دائمة غير السعادة الروحية التي لا يمكن بلوغها إلا بالتخلص من التأثيرات والمؤثرات السلبية التي تعبث بأشجار السلام وتحطم أغصانها.
السعادة هي منية النفوس ولا تأتي للإنسان من تلقاء ذاتها بل بإظهارها قولاً وفكراً وفعلاً.
تيار الروح المغبوط دائم الجريان في حقول النفس، يروي تربتها ويستنبت بذورها ويملؤها من الخيرات.
لقد وهبنا الله السعادة ويريدنا التمتع بها بالرغم من كل الحالات التي نختبرها والظروف التي تواجهنا. فلنستمتع بتلك الهبة السماوية المباركة التي تمنح للحياة معنى وللقلب أمناً وسلاما.ً
شواهق الروح وقممها تنادينا كي نتسلقها علنا نستشرف الآفاق الرحيبة التي في انتظار النفوس المجنحة التي تحن للإفلات من السجن الأرضي الذي يضيق بها وبتطلعاتها البعيدة.
ألا فلتتعاظم الأشواق لملامسة الوعي الإلهي الذي هو تحقيق الذروة وذروة التحقيق لأسمى غايات الحياة وأنبلها.
ويا أيها الروح الأمين اللطيف الذي يعصى على التوصيف!
فليشرق نورك المجيد على بصيرة الروح علها تراك بعين اليقين وتختبر الفتح المبين.
لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة


No comments:

Post a Comment