Saturday, November 7, 2009

برمهنسا يوغانندا: العودة إلى التجسد

العودة إلى التجسد

رحلة النفس نحو الكمال

المعلم برمهنسا يوغانندا

Paramahansa Yogananda

ترجمة: محمود عباس مسعود

مزيد من تعاليم المعلم برمهنسا على الرابط التالي:

www.swaidayoga.com


تفضلوا بزيارة موقع السويداء يوغا وقراءة المواضيع التالية بالنقرعلى العناوين أدناه:
الأرواح الراقية والمحبة * مع الحلاج في أشواقه * ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت * طاغور يتحدث عن الروح * الروح عند فلاسفة الإسلام * البحث عن معنى الحياة * عالم جديد * طاقة التركيز * الروح عند الأقدمين * روح الشرق * التحدي الأساسي * مفتاح سحري * أنوار مباركة * فلسفة الحياة * أنفاس الصباح * هذا العالم * لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك * فلذات * مناجاة المدركات العليا * تلك النفس الشريفة * هذه المعرفة الروحية * مطلب واحد يستحق العناء * قانون ونظام وتسلسل منطقي * رسالة الإنسان الراقي * الغذاء المغناطيسي أو الفكري * عربي في ضيافة طاغور - الحلقتان * نثرات ضياء * قراءة في ألفية شبلي الأطرش * الفكر سجن وحرية * ثم همس الروح خلطة سحرية مشاهد من الهند لماذا رفض أرفع المناصب الموت بداية أم نهاية الكشف عن الكنوز بوذا والعاشقة في محراب معرفة الذات من الهوة إلى الذروة عندما أنذر الصمت همس الأعماق


العودة إلى التجسد هي عملية ارتقائية غايتها تطوير النفس من خلال تجسدات عديدة على المستوى الأرضي، تماماً كالتدرج في عدة صفوف ومراحل مدرسية قبل التخرّج النهائي الذي هو الاتحاد بالوعي الكلي.

النفوس التي تحيا حياة غير صحية وغير منضبطة لا تدخل مباشرة – إثر فقدان الجسد بالموت – حالة المعرفة السامية. الإنسان مخلوق على صورة الله ولكنه تقمص شوائب ومحدوديات الجسد المادي بسبب التحقق معه والإرتباط به. وما لم يتخط الإنسان الوعي البشري المحدود لن يتمكن من إدراك هويته الروحية.

يقال أن أحد الأمراء هرب من قصره ولجأ إلى حي وضيع. ونتيجة لمعاقرة الخمر ومخالطة رفاق السوء فقد فقدَ تدريجياً هويته الفعلية. ولم يتذكر أنه كان بالفعل أميرا إلا بعدما عثر عليه والده وأعاده إلى القصر.

وهذا ينطبق أيضاً على كل من غادر بيته السماوي ونسي طبيعته الحقة. البشر يألفون الأجساد البشرية فيلازمونها لفترات طويلة جداً بحيث ينسون ميراثهم المقدس.

ومع العودات المتكررة إلى الأرض يكوّنون المزيد من العادات والرغائب الجديدة. وهكذا يعود الإنسان إلى هذه الدنيا مرارا وتكرارا حتى يحقق رغباته أو إلى أن يتخلص من تلك الرغبات بالحكمة المتنامية. الرغبات يجب تحقيقها أو الإستغناء عنها. ولكن مع تحقيق الرغبة تبزغ رغبات جديدة في التكرار ومعاودة الإختبار مما يضاعف قبضة الرغبة واستحكامها ما لم يكن عقل الشخص جباراً.

من الأفضل تحقيق الرغبات الطفيفة، لأنه بذلك يمكن التخلص منها. ولكن ينبغي فعل ذلك بحكمة وتمييز، وإلا فقد تعود حتى الرغبات الصغيرة بقوة أكبر معززة بمداومة الممارسة. عندما يترفع المرء عن التعلق بثمار الأعمال يبلغ حالة عميقة من السلام المؤسسة على تهذيب النفس. أما غير الراسخين بالحكمة فتتقاذفهم الأهواء وتستبقيهم التعلقات المادية أسرى قبضتها الحديدية.

الذين يشعرون برغبة للمشروب مثلا يفكرون أنه لا بأس من التمتع اليوم والإمتناع غدا. ولكن بعد تكرار هذا الإختبار غالباً ما يجدون أن إدمان الشرب قد انطبع في النفس وأصبح من الصعب التخلص من تلك العادة. ونفس الشيء قد يحصل بالنسبة لأية رغبة أخرى.

الله ليس دكتاتوراً لأنه وهبنا الإرادة الحرة والعقل المميز لنفعل ما يحلو لنا. إننا نسمع الكثير عن أهمية السلوك الحسن، والبعض يزعم أننا عندما نموت نذهب تواً إلى الجنة. ولكن لو صحت هذه المقولة فما نفع التصرف باستقامة إبان وجودنا على هذه الأرض؟ لو كان الثواب واحداً للجميع عند انتهاء الحياة فلماذا لا يكون الشخص جشعاً أنانيا طالما الشر هو عادة الطريق الأسهل؟ ولو أننا كلنا – من صالح ورديء – نصبح ملائكة عند الموت لما اقتضت الحاجة للتشبه بالصالحين والسير على خطى الأنبياء والقديسين.

ومن ناحية أخرى لو أن الله ينوي إرسالنا إلى الجحيم لما توجب علينا الاهتمام بكيفية التصرف والسلوك في هذه الحياة. وهل من قيمة لمراقبة الإنسان أفعاله لو كانت حياتنا كالسيارات التي عندما تصبح عتيقة تلقى في كومة الخردة وتكون تلك النهاية بالنسبة لها؟ لو كان هذا كل ما هنالك في حياة الإنسان لما اقتضت الضرورة قراءة الكتب المقدسة أو ممارسة ضبط النفس.

ولكن إن كانت هناك غاية سامية في الحياة فكيف لنا تفسير ما يبدو إجحافاً كولادة طفل ميت على سبيل المثال؟ وماذا بخصوص أولئك الذين يولدون مكفوفين أو بكماً أو معوقين، أو يعيشون لسنين قليلة ثم يموتون؟ من يعش طويلا يمتلك الوقت والفرصة للسير في الطريق الصحيح ومقاومة الميول المنحرفة والمشتهيات الخاطئة. لو لم تتوفر فرصة أخرى – في حياة قادمة – للطفل الصغير الذي يموت بعد ستة أشهر من ولادته، فلماذا يمنح الله ذلك الوليد عقلا ولم يمنحه متسعاً من الوقت لتنمية قدراته العقلية الكامنة؟ عنصر الزمن هام للغاية في تقدمنا وتطورنا. فحياة واحدة لا غير ليست كافية لتطوير أنفسنا وتفعيل كل إمكاناتنا.

إن مات الطفل مبكراً في الحياة فهناك سبب لذلك الموت. ولأنه لم يمتلك وقتاً كافياً لإظهار طاقاته البشرية أو الإلهية الكامنة فإنه سيعطى فرصة أخرى لتطوير قدراته، شأنه في ذلك شأن الصبي المريض الذي لا يقوى على الذهاب إلى المدرسة. الصبي لا يترك المدرسة بالمرة، إذ حالما يتماثل للشفاء يعود إلى المدرسة ويعاود الدراسة من حيث توقف.

وهكذا هي الحياة. فإن لم نـُمنح الفرصة لتعلم دروسنا في هذا الوجود سنمتلك فرصاً أخرى لتعلم تلك الدروس في وجود آخر.

عندما تتمكن من رؤية ما يدور (خلف الكواليس) ستدرك أن الحياة هي شبيهة بعرض في مسرح العرائس. تبدو حقيقة لنا الآن، إنما ما نختبره هذه اللحظة سيكون غير حقيقي كالحلم بعد بضع سنين من الآن. وما نختبره الآن لربما كان سيبدو غير حقيقي لو أنه وُصف لنا منذ عدة أعوام. البارحة رأيتَ مشاهدَ تختلف عما تراه اليوم ومرت في ذهنك صوراً أخرى. ثم فكر بكل الذين عرفتهم ومضوا بعد أن لعبوا دورهم على هذه المسرحية الأرضية.

إن مفهوم الحياة كعرض متغير عابر ليس مفهوماً تشاؤميا. بل يجب أن يحفزنا كي لا نأخذ الحياة بجدية كبيرة على الإطلاق. الوهم الكوني يجعلنا نظن أن الجسد حقيقي جدا وإنه جزء لا يتجزأ من كياننا. ومع ذلك فقد يُفصل هذا الجسد عن الروح بغمضة عين عندما تحين المنية، والفراق ليس مؤلماً أبدا. ومع انتهاء تلك "العملية" لن تحتاج بعدها إلى مراعاة الوقت أو التقيد بالملبس والمأكل والمأوى.. ومع ذلك تبقى أنت ذاتك في عالم آخر من عوالم الله اللامتناهية. هذه الحقائق محتجبة لعدم تعمق الناس في معرفتها. مستحيل أن يكون مفارقو هذه الأرض قد تلاشوا للأبد. إنهم ما زالوا أحياءً عند ربهم يرزقون.

لقد منحنا الله المقدرة على التفكير المنطقي والتساؤل عن طبيعة المكان الذي أتينا منه وأيضاً المكان الذي سنذهب إليه. لكننا لا نكلف أنفسنا عناء البحث والتحليل، وإلا لأدركنا بالبديهة أن ما نحن عليه من خـُلق الآن سيستمر حتى بعد الموت، ربما أفضل أو أقل نوعاً ما، طبقاً للمجهود الذي نبذله في تحسين أنفسنا. الإنسان يعيش 365 يوماً في السنة، عاماً بعد عام، وقد يحرز بعض التقدم ولكن طبيعته ستكون بعد الموت كما كانت قبل الموت. لن يصبح الإنسان ملاكاً بفضل الموت! الجسد فقط يتغير. الموت لا يغيّر من حقيقة الإنسان. الموت هو أشبه ببوابة ينبغي عبورها. الجسد سيفنى ولكن صاحبه يبقى كما هو من كل النواحي الأخرى. فصاحب الطبع الشرس يرافقه طبعه ولن يتركه وراءه مع الجسد المادي بعد الموت. ذلك الطبع الشرس لن يترك صاحبه إلى أن يتم قهره. من يراعي قواعد العيش الصحي في حياته الحاضرة سيمتلك في التجسد القادم جسداً معافى. المرحلة الأخيرة من العمر هي أهم من الأولى لأن آخر العمر سيكون بداية الحياة الجديدة.

الجزء الأول من الحياة يصرف عادة بطيش وغباء، في حالة من الحيرة والتشويش. ثم يأتي الحب والغرام، وأخيراً المرض والشيخوخة فيبدأ الصراع مع الجسد. لقد ابتكرتُ تعبيراً هو "عيشة الترقيع" لوصف ضرورة الاستمرار في إعالة وصيانة الجسد كي يواصل قيامه بوظائفه. الجسد هو مصدر إزعاج في معظم الوقت. فمن شمعة إشعال مفقودة إلى إطارات مثقوبة ومكوّنات أخرى معطوبة. صداع وزكام، أوجاع معدة وأسنان بحاجة إلى تصليح وهكذا دواليك. إزعاجات.. مضايقات على الدوام! ولأجل هذا إن أردنا الإحتفاظ بسعادتنا فمن الضروري تذكير أنفسنا بأننا لسنا الجسد بكل آلامه ومشاكله وأوجاعه.. بل النفس الخالدة المتحررة من الأوجاع والآلام.

الحكماء لا يأخذون الحياة بجدية كبيرة. ولتناغمهم مع الله فهم على استعداد لمفارقة الجسد في أية لحظة. ما داموا في الجسد يستخدمونه خير استخدام ويوظفون طاقاته وإمكاناته في خدمة إخوتهم البشر وعندما تحين لحظة وداع الجسد يبتهجون لتحررهم من قيوده واندماجهم في روح الله الكلي.

هل من طريقة لمعرفة ما كنا عليه في تجسدنا السابق؟ بكل تأكيد نستطيع تحديد ميولنا الفكرية ومعرفة قدراتنا الذاتية من خلال تحليل ما نحن عليه الآن.

حلل نفسك وانظر فيما إذا كنت خلاقا منذ الطفولة. بعض الأطفال على سبيل المثال يفكرون دون مشقة بالأشياء الآلية ويرغبون في فتح وتفكيك تلك الأشياء بغية إعادة تركيبها. آخرون يجدون متعتهم القصوى في الرسم أو اللعب أو الاستمتاع بالموسيقى. ليس من الضروري أن يكون الشخص خبيرا ضليعاً أو مغنياً بارعاً من أجل إبراز علامات النجابة والروح الإبداعية في هذه الحياة. وحتى الأغاني الخفيفة من عيار "محسوبك درويش عَ البركة بعيش" هي من نتاج عقل خلاق.
إن كل ما يبدعه الإنسان، سواء فعله بمهارة أو بدون حذق هو تعبير عن حافز الإبداع الكامن في ذاته. التأهيل الفطري لكتابة الروايات أو للتمثيل أو للنقش على الخشب أو للرسم أو الموسيقى أو لاستخدام وتشغيل الآلات، يشير إن ظهرت بوادره في الحياة المبكرة إلى أن صاحب تلك الميول الآنية كان يمتلك نفس الميول والتوجهات في تجسد سابق.
الأزواج والزوجات يجب أن لا يسخروا من ميول بعضهم أو ميول أطفالهم الإبداعية. إن محاولة قمع الروح الخلاقة لشخص آخر هو خطأ فادح ضد عملية النشوء الإلهي.
سل نفسك إن كنت قد حاولت منذ الطفولة القيام بأفعال من وحي الضمير. هل كنت تراقب أفعالك باستمرار وتحاول تقويم ذاتك عندما كنت على خطأ؟ هل كان ذلك الصراع يعتمل في باطنك منذ الطفولة؟ وهل كنت تفكر بالله وكانت توجهاتك روحية منذ البداية؟
إن وجدت بموجب التحليل النفسي بأنك لم تبلغ بعد المراتب العليا فلا تظن أنك غير محظوظ ولا تستسلم للقنوط. إن كنت ترغب في التغيير نحو الأفضل فالوقت هو الآنَ.. الآنَ وليسَ غداً، وإلا ستأخذ حالتك الحاضرة معك إلى الحياة القادمة أيضا. عندما يحين وقت الرحيل تريد أن تشعر بأنك قد اجتزت ذلك "الصف" المقرر من صفوف الحياة وباستطاعتك التقدم إلى صفوف عليا. لذلك الغربلة وتبديل طريقة العيش هي الآن. حلل نفسك واعرف ما كنت من قبل، عندها تستطيع أن تعيد صياغة حياتك بمثالية أكبر.
يجب أن يتعلم الإنسان كبح جماح عواطفه والتغلب على طباعه. فالعواطف العنيفة التي قد تختبرها في الحاضر كلها من خلق الماضي. لو لم يكن ذلك فلماذا يظهر بعض الأطفال الغيرة والحسد منذ سنيهم المبكرة، بينما يتمتع أطفال آخرون في نفس الأسرة ومن نفس الأبوين بطبيعة هادئة ومحبة. هناك أطفال معاندون لا يسمعون الكلمة وآخرون طيعون وقريبون إلى القلب. وهناك أطفال يحبون سرقة ممتلكات الآخرين والإستئثار بكل شيء لأنفسهم، لماذا؟ هذه الخاصيات البارزة هي مؤشرات لنزوات مكتسبة من حياة سابقة.
في إحدى المرات وضع أحدهم طفلاً صغيرا بين ذراعي حكيم ليحمله، فكاد الحكيم أن يسقطه من يديه على الفور لأن الله أظهر له فجأة بأن ذلك الوليد كان قاتلاً وحشيا في حياة سابقة. ولكن الماضي يكون عادة سراً محجوباً. التفاصيل الحقيقية لا نعرفها إلا إذا أطلعنا الله عليها.

القيمة الذاتية والمكانة الإجتماعية

ذات مرة قالت لي امرأة كانت تقوم بأعمال مكتبية في معرفة الذات بأنها قابلت حكيما عليماً وأكدت لي بأنه وسيط روحاني ضليع في علم الكهانة وقراءة الغيب، وبأنه أخبرها عن أمور رائعة تتعلق بها، بما في ذلك أنها في حياة سابقة كانت ماري ملكة اسكتلندا.

لم أعتقد أنها كانت تلك الملكة فأطلقت دعاءً صامتاً لله كي يلهمها الصواب ويبدد أوهامها.

بعد ذلك بأيام قليلة حضرت إحدى الطالبات لمشاهدتي، وقالت بانفعال كبير:

"لقد قابلت للتو وسيطاً روحياً مشهوراً (نفس صاحبنا الذي ذكرته المرأة الأخرى)، وقال لي أنني كنت ماري ملكة اسكتلندا في حياة سابقة."

طلبت من عاملة المكتب الحضور وإذ وضعت "الملكتين" وجهاً لوجه، قلت: "أيهما منكما ماري ملكة اسكتلندا الحقيقية؟"

عندها أدركت السيدتان غلطتهما الناجمة عن التصديق الساذج والاستعداد للخلط بين القيمة الذاتية والمكانة الإجتماعية.

في الحقيقة الناس يحبون التملق والإطراء مما يساعد على استغلال ذوي الضمائر الزائغة لهم بين الحين والآخر. ما كان عليه الإنسان في حياة ماضية، وسواء كان عظيماً في عيون العالم هو أمر ليس على جانب كبير من الأهمية. من الأفضل أن يولد الإنسان بميول روحية وأخلاق سامية ومزايا جوهرية من صدق وإيمان ونفس غنية ونوايا طيبة.

مؤشرات ودلائل

الذين يحسون بانعطاف نحو بلد معين فلربما كانوا في ذلك البلد في تجسد سابق. إن نفوساً كثيرة من الشرق تتجسد في الغرب وبالمثل فإن نفوساً عديدة من الغرب تتجسد في الشرق للإنتفاع من كنوزه الروحية والمساهمة في تطوير وتنمية الجانب المادي للبلدان الشرقية.

هذا العالم هو أسرة الله الذي يحاول تحسين أوضاع كل الشعوب والأمم ولا يحبذ أحداً على الآخر إلا بالعمل الصالح والمسلك النبيل.

اختبار آخر لمعرفة الإنسان ماضيه هو تحبيذه لإحساسات بعينها. بعض الناس يحبون الحرارة كل الوقت. فهم اعتادوا الأجواء المناخية الدافئة في حيوات أخرى. آخرون يفضلون البرودة مما يبرهن على أنهم كانوا مولودين قبلا في مناخات باردة.

الذين يشعرون دوماً بميل نحو الجبال أو البحر يبرهنون على أنهم جلبوا معهم ذلك التعلق من حياة أخرى. هناك أناس يشعرون بالوحشة والإنقباض خارج المدن ولا يطيقون المكوث في الأماكن الهادئه. تلك الحالة النفسية قد نمت أيضا في الماضي.

النجاح والفشل

ذوو الطموحات الدافعة – طوال العمر – كانوا ذوي شأن من قبل. وامتلاك ذلك الميل دون تنميته هو كبت لطاقات النفس الهاجعة. فلو تهيأت البيئة والظروف المناسبة فلربما أصبح ذلك الشخص إنساناً ذا شأن.

هناك آخرون لا ينجحون في حياتهم بالرغم من كل محاولاتهم في التقدم مما يدل على أنهم جلبوا معهم بذور الفشل من الماضي. ولكن يجب أن لا يوقفوا المجهود للتغلب على الفشل مهما كانت الصعوبات التي تواجههم. وعليهم أيضاً أن يقهروا النزعات الذميمة الآن وإلا فستظهر بهم في تجسد قادم.

المخترع والصناعي المعروف جورج ايستمان [الذي أنتج آلة التصوير اليدوية كوداك وطوّر الفيلم الشفاف الذي استعمله أديسون لتطوير كاميرا الأفلام الناطقة] قال لي ذات مرة أنه عرض في السنين الأولى لشركة كوداك أسهماً بقيمة ربع دولار للسهم الواحد، ومع ذلك فلم يقبل عليها المستثمرون. كما أن أسرة الفتاة التي أراد أن يتزوجها رفضوا فكرة الزواج. الظروف الصعبة والمعاكسة كانت من القوة بحيث لم يتوقع النجاح. غير أن كل الأبواب انفتحت أمامه بعد فترة. لماذا؟ لأنه كان خلاقاً وذا طموح من قبل، وظل يعمل على تشجيع تلك الميول وتطويرها في هذه الحياة.

لقد رغبتُ منذ الطفولة بالمباني الكبيرة وبالجموع من حولي، وكذلك بالأشجار الظليلة والمياه حيثما توجهت. وهذا ما اجتذبته لأنني عرفت منذ الطفولة بأنني سأحقق هذه الأحلام، وأدركت يقيناً أنه عندما أرغب في الحصول على شيء ما وأعمل من أجله سأحصل عليه عاجلاً أم آجلا.

وهكذا عن طريق تحليل الميول القوية الحاضرة يستطيع الشخص أن يكوّن شعوراً بديهياً صائباً عن طبيعة الحياة التي عاشها في الماضي.

ربما تحس برغبة قوية في تعلم بعض اللغات الأجنبية وتمتلك إمكانية تعلمها بسرعة. السوبرانو الشهيرة مدام غالي كورشي على سبيل المثال أدهشتني للسهولة التي بها تعلمت عبارات عديدة من اللغة البنغالية. فمحبة بعض اللغات يعود أيضاً لارتباطات ماضية. إنك تحس بميل لتعلم لغة ما لأنك قد استعملتها من قبل.

قابلت مرة فتاة قالت لي: "إنني لم أدرس أية لغة شرقية من قبل، لكني غالباً ما أسمع عبارات غريبة في عقلي وباستطاعتي ترديدها، لكنني لا أعرف ماذا تعني."

وعلى الفور نطقت حوالي تسع كلمات باللغة البنغالية التي لم تدرسها أبداً في هذه الحياة، ولم تكن تعرف أي شخص يتكلم البنغالية. ومع ذلك عرفت تلك الكلمات ونطقتها نطقاً سليماً.

أثناء تنقلاتك تجد نفسك محبذاً لعض المناظر على سواها. فإن شعرت بميل خاص لمكان معين دون سواه فربما كنت قد عشت من قبل في تلك المنطقة.

وهكذا فمن خلال هذه الدلائل قد تتكشف لك بعض الأفكار العامة عن حيواتك السابقة. ومن هذه النقطة فصاعداً يتكفل التأمل بإظهار أعمق لما كنته في الماضي.

يحدث أحياناً أنك تذهب للمرة الأولى إلى مكان ما حيث تتعرف على مشاهد معينة، لكن الأشخاص الذين ارتبطوا في ذهنك بتلك المشاهد قد رحلوا. وأحياناً تقابل أناساً تشعر أنك عرفتهم من قبل. التعرف على الناس بالنسبة للمعلم العارف بالله يتم على الفور وخاصة بالنسبة للذين حصلوا على تكريس روحي منه في تجسدات ماضية.

حالة عجيبة

الحالة التالية الموثقة لتذكـّر اختبارات الحياة الماضية نالت شهرة عالمية واسعة. الحالة تتعلق بطفلة ولدت في قرية صغيرة من قرى الهند وراحت تذوب شوقاً بكيفية غامضة إلى قرية في طرف آخر من البلاد. وأصبحت حالتها من الخطورة بحيث نصح أحد الأطباء بأخذها إلى تلك القرية النائية.

حدث ذلك، ولدهشة مرافقيها فمنذ اللحظة التي دخلت فيها حدود القرية راحت تصف كل شيء فيها بتفصيل دقيق. لقد عرفت الناس بأسمائهم (مع أنها لم تزر تلك القرية أبدا من قبل) وتوجهت تواً إلى أحد البيوت حيث نادت رجلاً باسمه، قائلة أنه كان شقيقها في حياتها الماضية.

ولم تتوقف عند ذلك، إذ قالت بأنها في (جيلها) أي تجسدها السابق كانت قد خبأت بعض القطع الذهبية في ركن من أركان البيت دون أن تخبر أحداً بذلك. توجهت الطفلة إلى المكان في الجدار ولدهشة الحاضرين فقد كانت القطع الذهبية ما زالت على حالها. كما قامت بوصف ملابسها وكيف أنها كانت محزومة وموضوعة في ناحية ما من المنزل، فوجدت تماماً مثلما وصفتها.

إن التشكك بصحة وأهمية هذا الإختبار لا مبرر له إزاء البراهين القاطعة.

هناك حالة أخرى لرجل صالح في الشرق ذهب إلى ضفة أحد الأنهار وقال:

"لقد كان معبدي على مقربة من هنا. وهو الآن في النهر."

وعندما غاص السباحون وجدوا بالفعل معبداً قديماً جداً تحت الماء. فذلك الرجل كان من الأولياء الصالحين في حياة سابقة وكان المعبد المغمور مكرساً له.

إن استطعت التحكم بالغريزة الجنسية (بدل أن تتحكم هي بك) وإن كان قلبك نقياً بحيث عندما تنظر للآخرين لا تشعر بهم على أساس أنهم رجال أو نساء، فستتمكن دوماً من التعرف الفوري على تلك النفوس التي عرفتها من قبل.

لنفرض أنك رأيت طفلاً عمره ستة أشهر ولم تبصره ثانية إلا بعد مرور سنين طويلة بحيث يكون قد أصبح راشداً. إن كنت قد عرفت ذلك الطفل لفترة كافية بحيث انطبعت ملامحه في عقلك فستكتشف أن تلك الملامح بقيت على حالها. وبالمثل تلازمنا بعض القسمات أو الملامح من حياتنا السابقة. العينان ستظلان على حالهما فالعيون نادراً ما تتغير لأنها منافذ الروح. الذين تعكس عيونهم الغضب أو الجزع أو اللؤم يجب أن يحاولوا تغيير طباعهم لإزالة الصفات غير المحببة التي تحجب جمال الروح وتعيق ظهوره. ونظراً لتغير البنية والصحة فإن الجسد يتغير بعض الشيء، لكن التغيير الذي يحصل للعينين هو طفيف والإنسان يولد مجددا وملامحه الماضية في عينيه.

الرجل والمرأة متساويان

يستطيع الشخص أن يعرف – عن طريق الميول والنزعات – ما إذا كان رجلاً أو امرأة في وجوده السابق. هناك العديد من النساء المسترجلات والرجال الذي يرغبون في أن يكونوا كالنساء.

الرجل والمرأة كلاهما صورة الله ومتساويان من حيث القيمة في نظره. العقل والعاطفة كامنان في الرجال والنساء معا، لكن العقل أكثر بروزاً في الرجل في حين العاطفة هي الأقوى في المرأة. من الأسهل إقناع الرجل عن طريق العقل بدل الشعور. أما المرأة فتستجيب على الفور بالتقرب إليها عن طريق العاطفة.

بالتناغم المقدس تستطيع خلق التوازن بين هاتين الخاصتين في داخلك. أنا شخصياً لا أعترف بأنني رجل أو امرأة. إنني أتعاطف مع الآخرين بشعور الأم ولكن لا يستطيع أحد استمالتي بالتودد إلى عواطفي ضد قناعتي العقلية أو طبيعتي الأبوية.

إن تحقيق التوازن المقدس بين العقل والعاطفة يجب أن يكون هدف الرجل والمرأة معاً. الرجل يجب أن ينمي المزيد من العاطفة والمرأة يجب أن تنمي المزيد من المنطق.

هناك سر عميق لعدم سماح الله لنا غالباً بتذكر حيواتنا الماضية لأننا لو تذكرناها سنتشبث بالذين عرفناهم من قبل بدلا من توسيع دائرة محبتنا كي تشمل الآخرين. الله يريدنا أن نمنح الصداقة والمحبة للجميع، ولكن يجب أولا استكمال تلك المحبة في شخص واحد على الأقل.

عندما تقابل أصدقاء قدامى من جديد تستطيع أن تستكمل محبتك معهم. المريد هو الذي يستطيع المرشد الروحي العارف بالله إكمال حالة الصداقة المباركة معه. الذي يعملون بمبادئ وتعاليم المرشد الروحي الصادق هم مريدوه أي تلاميذه. رغبات المعلمين الصادقين موجهة بالحكمة الإلهية الفعلية لا الوهمية، والذين يعملون على توفيق أنفسهم معهم سيتحررون مثلما هم متحررون. لكن يجب اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في التمييز بين المرشدين الصادقين والمدعين الكذبة الذين لا هم لهم إلا استقطاب الأتباع بأي وسيلة من الوسائل لاستغلالهم لمآربهم الشخصية. الفرق بين المعلم الصادق والدعي هو كالفرق بين الألماس المشع والزجاج اللاصف. قد يبدو البريق متشابهاً لكن المعدن مختلف تماماً ولذلك يحسن التمييز بين الإثنين.

وعلاوة على كل شيء يجب أن يتعلم الإنسان الدروس النافعة من هذه الحياة وأن يسعى للترقي وبلوغ أعلى درجات النمو الروحي في مدرسة الحياة.

يجب أن نخاطب الله قلباً وعقلاً وروحاً. عندما نستطيع أن نفعل ذلك يغفر الله لنا كل نقاط الضعف المتصلة بصفوف الحياة الأخرى. ولكي يحرر الإنسان نفسه ويتخلص من دورة الولادة والموت فيجب أن ينمي الحكمة ويتصل بالوعي الإلهي والسلام عليكم.

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة


No comments:

Post a Comment