Wednesday, June 3, 2009

الروح عند فلاسفة الإسلام

يمكنكم أيضاً زيارة موقع السويداء يوغا وقراءة المواضيع التالية بالنقرعلى العناوين أدناه:
الأرواح الراقية والمحبة * مع الحلاج في أشواقه * ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت * طاغور يتحدث عن الروح * الروح عند فلاسفة الإسلام * البحث عن معنى الحياة * عالم جديد * طاقة التركيز * الروح عند الأقدمين * روح الشرق * التحدي الأساسي * مفتاح سحري * أنوار مباركة * فلسفة الحياة * أنفاس الصباح * هذا العالم * لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك * فلذات * مناجاة المدركات العليا * تلك النفس الشريفة * هذه المعرفة الروحية * مطلب واحد يستحق العناء * قانون ونظام وتسلسل منطقي * رسالة الإنسان الراقي * الغذاء المغناطيسي أو الفكري * عربي في ضيافة طاغور - الحلقتان * نثرات ضياء * قراءة في ألفية شبلي الأطرش * الفكر سجن وحرية * ثم همس الروح خلطة سحرية مشاهد من الهند لماذا رفض أرفع المناصب الموت بداية أم نهاية الكشف عن الكنوز بوذا والعاشقة في محراب معرفة الذات من الهوة إلى الذروة عندما أنذر الصمت همس الأعماق

القرآن الكريم يفيض بالآيات التي تتحدث عن الروح في خلودها وثوابها وعقابها، كما يفيض بالظواهر التي تتفق مع العلم الروحي الحديث، ومثله الأحاديث النبوية الشريفة...
فها هو مثلا الفيلسوف أبو نصر الفارابي يقول في كتابه (الثمرة المرضية) أن الروح الذي لك هو من جوهر عالم الأمر، ولا يتعين بإشارة، ولا يتردد بين سكون وحركة. فلذلك تدرك المعلوم الذي فات، والمنتظر الذي هو آت، وتسبح في عالم الملكوت، وتنتقش في خاتم الجبروت".
كما حاول الفارابي التوفيق بين تعريف كل من أفلاطون وأرسطو للنفس. فهو يقول كأفلاطون أن النفس العاقلة هي جوهر الإنسان عند التحقيق وأنها لا تفنى بفناء البدن، وأن المعرفة الحقة هي سبيل الصعود إلى العالم العلوي...
وها هو الفيلسوف الطبيب ابن سينا الذي يُعد إمام فلاسفة المسلمين في دراسة النفس، يقيم الأدلة الكثيرة على وجود النفس وعلى خلودها بعد الموت فيقول: "تأمل أيها العاقل في أنك اليوم في نفسك هو الذي كان موجوداً في جميع عمرك، حتى أنك تتذكر كثيراً مما جرى من أحوالك. فأنت إذاً ثابت مستمر لا شك في ذلك، وبدنك وأجزاؤه ليس ثابتاً مستمراً، بل هو أبداً في التحلل والإنتقاص. ولهذا يحتاج الإنسان إلى الغذاء بدل ما تحلل من بدنه... فذاتك مغيرة لهذا البدن وأجزائه الظاهرة والباطنة. فهذا برهان عظيم يفتح لنا باب الغيب، فإن جوهر النفس غائب عن الحس والأوهام."
كما يقول أيضاً: "... لو كانت القوة الناطقة قوة جسمانية لكان لا يوجد أحد من الناس (على مر السنين) إلا وقد أخذت قوته تنقص، ولكن الأمر في أكثر الناس على خلاف هذا. بل العادة جرت في الأكثر أنهم يستفيدون ذكاء في القوة العاقلة وزيادة بصيرة. فإذاً ليس قوام القوة المنطقية بالجسم والآلة، وإذاً هي جوهر قائم بذاته."
كما أقام البراهين على أن الصلة بين الروح والجسد صلة عَرَضية. فلا يؤدي فناء الجسد إلى فناء الروح. ففي رسالته (معرفة النفس الناطقة وأحوالها) يقول "إعلم أن الجوهر الذي هو الإنسان في الحقيقة لا يفنى بعد الموت، ولا يبلى بعد المفارقة عن البدن بل هو باق لبقاء خالقه تعالى. وذلك لأن جوهره أقوى من جوهر البدن، لأنه محرك البدن ومديره ومتصرف به. والبدن منفصل عنه تابع له. فإذاً لم يضر مفارقته عن الأبدان وجوده..." إلى أن يقول: "ثم أن الإنسان في نومه يرى الأشياء ويسمعها، بل يدرك الغيب في المنامات الصادقة بحيث لا يتيسر له في اليقظة. فهذا برهان قاطع على أن جوهر النفس غير محتاج إلى هذا البدن، بل هو يضعف بمقارنة البدن ويقوى بتعطله. فإذا مات البدن وخرب تخلص جوهر النفس عن جنس البدن."
ثم يجيء دور فيلسوف آخر هو الإمام أبو حامد الغزالي... فنجده يتحدث عن النفس والروح ويفرق بينهما: "فالنفس لديه هي ذلك الجوهر الذي يجمع بين العالمين، وهما عالم العقل أي العالم الإلهي وعالم الحس أي العالم المادي. وقد وصف الغزالي هذين العالمين على نحو قريب جداً مما فعل أفلاطون، بل ذهب إلى أن العالم الثاني ظلٌ وخيال للعالم الأول، إذ يقول أن الرحمة الإلهية جعلت عالم الشهادة على موازنة عالم الملكوت، لأنه لا يوجد شيء في العالم الأول إلا وهو مثال لشيء من ذلك العالم وربما كان الشيء الواحد مثالاً لأشياء من عالم الملكوت، وربما كان للشيء الواحد من عالم الملكوت أمثلة كثيرة من عالم الشهادة"...
كما كان الإمام الغزالي يرى أن الجسد منزل أو مسكن للروح، وأنها تحل به لعناية إلهية، أي تزود لآخرتها من هذا العالم، وتظل في ذلك الجسد لمدة محددة لا تقبل زيادة ولا نقصاً ثم ينقضي أجلها. ويقرر أيضاً أن سعادة الإنسان لا تكمل إلا بعد الموت. وفي رسالته إلى ملكشاه يقول: "وهناك تختلف حظوظ الناس منها، فإن النفوس التي تشغل بالبدن فيلهيها ويصرفها عن الشوق وعن طلب الكمال الذي قدر لها، وعن الشعور بلذة هذا الكمال، لا تستطيع التخلص بعد الموت مما لحقها من ثقل البدن وشهواته... وتجد أن هناك نوعاً عظيماً من التضاد بين العالم الذي غادرته والعالم الذي انخرطت في سلكه، وحينئذ يشتد الأذى. ومع ذلك فإن هذا الأذى لا يدوم أبد الدهر لأنه لم يكن ذاتياً بل يرجع إلى أسباب عارضة. . والنفس تنمحي ذنوبها شيئاً فشيئاً حتى تصفو وتدرك هذه السعادة التي قدرت لها"...
كما يقول الغزالي أيضاً عن الروح أنه اللطيفة الربانية الروحانية وأن هذه اللطيفة على علاقة مع القلب الجسماني، وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقتهما، فإن تعلق الروح بالقلب يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات، أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة، أو تعلق المتمكن بالمكان. وهكذا في الوقت الذي يرمز النفخ من الروح الإلهية في الجنين المتقبل لها، إلى بداية الإتحاد بين الجوهر والعرض في الإنسان، فإن الموت رمز إلى عودتهما إلى الإنفصال، وكل ما يبقى بعد الموت هو الجوهر. ولا يعني الموت بالنسبة إلى جوهر الإنسان إلا اللحظة التي يتخلص فيها من العَرض. ولكن ما خلق كاستعداد عنده في جوهره يتحول في هذه اللحظة إلى شيء واقع. وبعكس الواقع الفعلي لروحه بعد الموت الآثار المتجمعة لمعرفته والأعمال التي قامت بها الروح أثناء وجودها في الجسد. وهذا يعني بعبارة أخرى أن جوهر الإنسان هو قدرته على المعرفة. ولكن هذه الطبيعة تسلم نفسها للتكيف عن طريق المعرفة الفعلية والتجارب التي يكتسبها في حياته. وهذه الطبيعة هي (الغريب) الذي يفد إلى هذا العالم لاكتساب المعرفة والخبرة بأعمال الله.
والذي يكتسبه هذا (الغريب) يولـّد اتجاهات وصفات تشبه اتجاهات وصفات الملائكة أو الحيوانات أو الشياطين ونزعاتها. وبالرغم عن أن هذه الصفات تصبح جزءاً لا يتجزأ من طبيعة الإنسان الأساسية في نموها إلا أنها مكتسبة. وكل ما هو أصيل في هذه الطبيعة هو الفطرة، أو ميل الإنسان إلى معرفة الله. لكن هذه الفطرة مرنة تتكيف في نموها الفعلي تبعاً للعلاقات التي تتأصل بينها وبين الشهوات والغضب. وهكذا تعكس هذه العلاقات المتأصلة الأحوال الفعلية لطبيعة الإنسان الأساسية، وعلى ضوء هذه الفطرة وحدها يمكن وصف هذه الطبيعة بأنها تحمل خصائص الملائكة أو الحيوانات أو الشياطين.
وعلينا دائماً أن نذكر الفرق الهام بين طبيعة الإنسان الأساسية كطاقة وميل، وبينها ككيان ينمو بصفات معينة لنفهم إصرار الغزالي على العلاقة الوثيقة بين طلب المعرفة وبين الرياضة الخلقية في نمو الإنسان. وما هي إذاً طبيعة الروح التي هي الطبيعة الأساسية للإنسان؟
إنها "اللطيفة الربانية التي تحل في الجسم وتقيم فيه، ونعبّر عنها بعبارات مختلفة حسب حياتها وأعمالها المختلفة في البدن. لكن اللطيفة نفسها التي يشير إليها أي من هذه العبارات هي فوق مستوى الفهم العادي. فهي من عالم الأمر، ولذلك تتحدى أي تعريف أو وصف. وعلى الإنسان أن يكتشف طبيعتها بنفسه وبمفرده. ويلجأ الغزالي أحياناً إلى الإستعارات، وأخرى إلى التشبيه، وثالثة إلى التعابير عندما يتحدث عن الروح...
ثم يجيء دور فيلسوف قرطبة القاضي أبو الوليد بن رشد وهو أبعد فلاسفة الإسلام ذكراً، وفي نفس الوقت يعد من أكبر شرّاح أرسطو. وهو يقول "إنا ندرك النفس وأشياء كثيرة، ولا ندرك حدها. ولو كنا ندرك حد النفس مع وجودها لكنا نعلم ضرورة من وجودها أنها في جسم أو ليست في جسم، لأنها إن كانت في جسم كان الجسم ضرورة مأخوذة في حدها، وإن لم تكن في جسم لم يكن الجسم مأخوذاً في حدها. فهذا هو الذي ينبغي أن يعتقد..."
وانحاز ابن رشد صراحة للإمام الغزالي قائلاً: "وما يقوله هذا الرجل جيد.. ولا بد في معاندتهم أن نوضح أن النفس غير فانية كما دلت عليه الدلائل العقلية والشرعية. وأن يوضح أن التي تعود هي أمثال هذه الأجسام التي كانت في هذه الدار لا هي بعينها، لأن المعدوم لا يعود بالشخص." فهو يتحدث عن الجسد الأثيري، وهو مثل الجسد المادي، وهو الذي يعود بالنفس إلى الدار الأخرى.
كما أن ابن رشد أقام البراهين على خلود الروح في كتابه (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة)، وفيه يبيّن كيف أن الإنسان لم يخلق عبثاً وإنما كيما يدرك الكمال في العلم والفضيلة. وليس إدراك ذلك ممكناً في هذه الحياة الدنيا لأنها عابرة، فلا مفر من التسليم بوجود حياة أخرى تعود إليها النفس كيما تلقى جزاءها، وهذا أول دليل على خلود الإنسان. والدليل الثاني استمده من طبيعة الصلة بين الروح والجسد وأنها صلة عابرة، إذ ليس الجسم سوى آلة تستخدمها النفس، ووسيلة إلى إدراك ما يحتوي عليه عالم الحس. وهو يرى أن الخلود لجميع النفوس دون أية تفرقة، وسواء أكانت نفوساً شقية أم سعيدة.
ومن يراجع أقوال فلاسفة آخرين مثل ابن باجة وابن طفيل يجد الكثير من حقائق الروح ومن البيانات عن خلودها وعن عوامل سعادتها وشقائها.
ثم يجيء دور عالم معروف في الروح هو الإمام ابن القيم الجوزية. ومن يرجع إلى كتاب (الروح لابن القيم) يجد الكثير من البيانات عن أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة والآثار وأقوال العلماء. وفيه يبين كيف أن الأرواح قسمان: أرواح معذبة وأرواح منعمة. فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا. فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها... ويبيّن كيف أن الشواهد كثيرة على تلاقي أرواح الأموات، وكيف أن الأدلة أكثر من أن نحصيها...
ويصف ابن القيم الروح بأنها "تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها فإنها تتأثر وتنتقل عن البدن، كما يتأثر البدن وينتقل عنها، فيكتسب البدن الطيب والخبيث من طيب النفس وخبثها."
ثم ينتقل ابن القيم إلى المسألة التاسعة عشرة وهي "ما حقيقة النفس وهل هي جزء من أجزاء البدن، أو عرض من أعراضه، أو غيرها؟ وهل الأمّارة واللوّامة والمطمئنة نفس واحدة لها هذه الصفات أم ثلاث أنفس؟"
وبعد أن يستعرض شتى الآراء في هذه الأمور ينتهي إلى ترجيح الرأي القائل أن الروح جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني عُلوي خفيف متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم. فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء... وإذا فسدت هذه الأعضاء... فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح. ثم يضيف "وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، وأدلة العقل والفطرة، ونحن نسوق الأدلة عليه على نسق واحد".
ثم ها هو العلامة المشهور عبد الرحمن ابن خلدون يتحدث عن بعض أنواع من الجلاء البصري ويصفه بأنه "إدراك يتعلق بالروح لا بالبصر". كما يتحدث في مؤلفه (تاريخ العالم) الذي أصبح يعرف فيما بعد بمقدمة ابن خلدون عن مس الجان ويعزو إليه بعض حالات الجنون. كما يقول "إن الروح تؤثر في الجسم المادي كما تتولد الحرارة بالضحك أو الحزن". ويشير إلى اتحاد الروح بالشيء المادي "وكيف تتجلى فيه الطبائع السماوية العليا والطبائع الدنيوية السفلى"...
كما تحدث عن الخلود الإمام الأصفهاني قائلا: "إن الموت المتعارف الذي هو مفارقة الروح للبدن هو أحد الأسباب الموصلة للإنسان إلى النعيم الأبدي، وهو انتقال من دار إلى دار، فهو وإن كان من الظاهر فناء واضمحلالاً فهو في الحقيقة ولادة ثانية. فالموت أي مفارقة الهيكل إذاً ضروري في كمال الإنسانية، ولكون الموت سبباً للإنتقال من حال أوضع إلى حال أشرف وأرفع سماه الله تعالى توفياً وإمساكاً عنده، فقال تعالى "الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى".
ويقول ابن مسكويه "الموت ليس بشيء أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها، وهي الأعضاء التي يسمى مجموعها بدناً. كما يترك الصانع استعمال الآلة. وإن النفس جوهر غير جسماني وليست عَرضاً، وإنها غير قابلة للفساد، وأن هذا الجوهر مفارق لجوهر البدن، مباين له كل المباينة بذاته وخواصه وأفعاله وآثاره. فإذا فارق البدن على الشريطة التي شرطها من الخير بقي البقاء الذي يخصه، ونفى من كدر الطبيعة، وسعد السعادة التامة، ولا سبيل إلى فنائه وعدمه."
وأما أخوان الصفا "فقد أرجعوا خوف الناس من الموت وكراهيتهم له إلى أن هذا حتى لا تعلم النفوس أن لها وجوداً خلواً من الأجسام، لأنها لو علمت لفارقت أجسادها قبل أن تتم وتكتمل. وإذا فارقت أجسادها تكون مشغولة بتأييد النفوس الناقصة المجسدة لكيما تتم هذه وتكمل تلك وتتخلص من حال النقص وتبلغ حال الكمال وترتقي هذه المؤبدة أيضاً إلى حال هي أكمل وأشرف وأعلى، وأن إلى ربك المنتهى." والسلام عليكم.
المصدر: الإنسان روح لا جسد للدكتور رؤوف عبيد
أدناه Older Posts لقراءة موضوعات أخرى رجاء نقر


No comments:

Post a Comment