Wednesday, June 3, 2009

الروح عند الأقدمين

يمكنكم أيضاً زيارة موقع السويداء يوغا وقراءة المواضيع التالية بالنقرعلى العناوين أدناه:
الأرواح الراقية والمحبة * مع الحلاج في أشواقه * ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت * طاغور يتحدث عن الروح * الروح عند فلاسفة الإسلام * البحث عن معنى الحياة * عالم جديد * طاقة التركيز * الروح عند الأقدمين * روح الشرق * التحدي الأساسي * مفتاح سحري * أنوار مباركة * فلسفة الحياة * أنفاس الصباح * هذا العالم * لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك * فلذات * مناجاة المدركات العليا * تلك النفس الشريفة * هذه المعرفة الروحية * مطلب واحد يستحق العناء * قانون ونظام وتسلسل منطقي * رسالة الإنسان الراقي * الغذاء المغناطيسي أو الفكري * عربي في ضيافة طاغور - الحلقتان * نثرات ضياء * قراءة في ألفية شبلي الأطرش * الفكر سجن وحرية * ثم همس الروح خلطة سحرية مشاهد من الهند لماذا رفض أرفع المناصب الموت بداية أم نهاية الكشف عن الكنوز بوذا والعاشقة في محراب معرفة الذات من الهوة إلى الذروة عندما أنذر الصمت همس الأعماق

الإيمان بالروح قديم قدم الإنسان، بما في ذلك الإعتقاد بخلودها وبالثواب وبالعقاب. وكلما تتبع الباحثون تاريخ المجتمعات البشرية وجدوا الإيمان واضحاً بهذا الخلود، بل وجدوا علامات كثيرة من التشابه في وصف الحياة الآخرة وربطها بالحياة الدنيا. ومن الإعتقاد بأن هذه الحياة الآخرة فيها كل مظاهر الحياة الدنيا مع تفاوت كبير في ظروف السعادة أو الشقاء. فذلك هو ما التقت عنده معتقدات الأقدمين وأساطيرهم وأشعارهم في شتى الحضارات المندثرة. وعند من يعرفون كيف أن الإلهام قد يوجه الحياة في كافة مستوياتها، وكيف أن عقول العباقرة والفلاسفة والشعراء كثيراً ما تكون هي "أجهزة الإستقبال" لهذا الإلهام الكوني العام، يبدو مفهوماً أمر تشابه المعتقدات المختلفة عند شتى شعوب الأرض في شأن الحياة الأخرى، لا في شأن التسليم بها فحسب.
وفي هذا الشأن يقرر الدكتور حسن عثمان الأستاذ بجامعة القاهرة في ترجمته العربية لكوميديا الشاعر دانتي أليجيري عن (الجحيم):
"لم يكن دانتي بطبيعة الحال أول من تناول في "الكوميديا" عالم ما بعد الحياة، ولقد تناولت ثقافة البشر هذه الناحية منذ أقدم العصور، من سيبيريا إلى الهند وبابل ومصر وسوريا وفارس واليونان وروما واسكندناوة وإيرلندا والأندلس.
نجد مثلا المصريين القدماء قد عرفوا في ديانتهم الجحيم المظلم بما يحتويه من ألوان العذاب، وتصوروا الفردوس بما في من أنواع النعيم والسعادة الأبدية. وعندهم أزويريس يزن أعمال الناس ويدفع بهم إلى الجزء العادل. وفي ديانة البابليين تهبط عشتروت إلى الجحيم حيث عذاب الزمهرير والجوع والعطش والبرص لتبعث تاموز إلى الحياة.. وفي ديانة الفرس جحيم ومطهر وفردوس، والإنسان ميدان معركة بين أهورا مازد إله الخير وأهريمان ملك الظلمات والعالم السفلي.
وفي ديانة الهند يهبط بودهيشتيرا إلى الجحيم حيث رائحة الألم والجثث والديدان والهوام والطيور والكواسر وأمواج اللهب. ويصعد البطل أرجونا إلى السماء مأوى المؤمنين حيث الأزهار الجميلة والأشجار الخضراء والأنغام السماوية، ويصل البطل محاطاً بالملائكة وصفوة البراهمة إلى حضرة رب الأرباب.
ويذكر هوميروس في الإلياذة عالم الموتى والأبالسة وأنهار الجحيم وأبواب السماء ونعيم الفردوس. ويتكلم في الأوديسية عن زيارة أوليسيس للعالم السفلي وحديثه مع أشباح الموتى. وتحتوي ثقافة الأترسكيين على عالم ما بعد الحياة، وما يشمله من الشياطين والرعب والفزع. وبعض رسوم مقابرهم تعتبر كمقدمات لجحيم دانتي..."
وهكذا يصدق على إيمان مواكب الشعوب بالروح وبالخلود، ما لاحظه أحد الحكماء من أنه "مما كتبه قدماء الفلاسفة من جميع الأجناس، وما أنشده فطاحل شعراء جميع الشعوب، وما جاء به حكماء جميع الأمم، نستطيع أن نجمع آثار هذا الإشراق الذي جاء الإنسان وهو تفتح الوعي الروحي. لقد تحدث عنه هذا بطريقة وذاك بأخرى، ولكن الجميع رددوا نفس القصة – قصة واحدة لا تختلف. كل الذين أشرق عليهم هذا النور ولو خافتاً باهتاً ضعيف الضياء يرون نفس المعالم.. وقرب الشبه بين ما تصنعه الأنشودة والشعر والتعاليم مهما بعد العصر واتسعت الحقبة بينها. إنها أنشودة الروح التي إذا سمعت مرة لا تنسى، سواء أنشدها المتوحش على صوت آلته البدائية أو عزفها المتحضر على أوتار الآلة العصرية المتقنة.
إنها هي التي انحدرت من مصر الفراعنة، أو من الهند، أو من أثينا وروما... إنها واحدة النبرات متشابهة النغم، ولكن صوتها يزداد ارتفاعاً كلما مر الزمن بانضمام المنشدين الجدد، كل بما في يده من قيثارة أو غيرها من آلات النغم إلى الفرقة العظمى."
والإعتقاد بإمكان الإتصال بين الأحياء و"الأموات" ليس بدوره أمراً جديداً بل أنه يمثل عقيدة كانت معروفة وشائعة في مجتمعات كثيرة. فروى المؤرخ "فسك" مثلا أن الإتصال بأرواح الموتى كان من أول العبادات التي عرفها أجدادنا على اختلاف أجناسهم التي عاشت في أفريقيا وآسيا والصين واليابان، وفي الشعب الآري الأوروبي، وفي قبائل الهنود الأمريكيين. كما يروي "آلين" أيضاً في "تاريخ المدنية" أن القبائل المتوحشة في كل العالم ذات إلمام بالنفس الإنسانية وعالم الروح والخلود بوجه عام.. وأن الوفاة ما هي إلا خلاص الجسم عن طريق هذه النفس العجيبة التي يعتقدون أنها تظل في مكان ما قريب، وأن الحب والكره في هذا العالم ينتقلان إلى العالم الاخر...
.. عالم الروح قديم قدم الحياة، وعالم المادة ظلٌ باهت له، وأولهما خالد لا يفنى وثانيهما عرضة للفناء. ويمكن الآن اعتبار أثير الفضاء – كما يقول الأستاذ جيمس آرثر فندلاي مدير المعهد الدولي للبحث الروحي – هو حلقة الإتصال الكبرى التي توحد ما بين عالم المادة وعالم الروح، لأن مادة الأثير مشتركة بين العالمين، وكلاهما محصور داخل هذه المادة، وكلاهما جزء منها، وكلاهما مكون منها. والعالمان جزء من كون واحد، والحياة في كليهما مقيدة به. فهنا في العالم المادي الذي نعيش فيه إنما نحس فقط بنوع من الإهتزازات المنخفضة الدرجة، أما في عالم الروح حيث تؤدي الحياة وظائفها أيضاً فإن الوعي يتأثر بنوع من اهتزازات أعلى درجة...
وإذا كان من رأي شيشرون مشرع الرومان ومحاميهم العظيم "أن الدفاع عن الفلسفة أجلّ خدمة يؤديها الإنسان لوطنه، لأن الفلسفة تثقف العقل وتهذب النفس وتغري بالتزام الفضيلة وتقي المرء شر الضلال"، فإن هذا القول لا يصدق على أمر قدر صدقه على هذه الروحية.. ففلسفة هذه الروحية التجريبية هي الجوهرة الثمينة التي تزين جيدها، بل هي ضوء الفجر المنبثق منها، والذي سيكون له أحسن الأثر – إن عاجلا أو آجلا – في تغيير اتجاه العقل البشري إلى وجهة روحية جديدة تمثل وحدها طريق النجاة من كثير مما تعانيه الإنسانية الآن من متاعب، وما يكتنفها من أخطار التخبط في دياجير المادية والإلحاد، أو التردي في هاوية الجمود الفكري والإستبداد.
المصدر: الإنسان روح لا جسد للدكتور رؤوف عبيد

(وتـُرى كل أمة جاثية، كل أمة تُدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون).
- قرآن كريم
"لتموتنَّ كما تنامون، ولتبعثنَّ كما تستيقظون، ولتجزونَّ بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءًا" - حديث شريف
أدناه Older Posts لقراءة موضوعات أخرى رجاء نقر

No comments:

Post a Comment