Wednesday, June 3, 2009

ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت

يمكنكم أيضاً زيارة موقع السويداء يوغا وقراءة المواضيع التالية بالنقرعلى العناوين أدناه:
الأرواح الراقية والمحبة * مع الحلاج في أشواقه * ابن مسكويه يتحدث عن الخوف من الموت * طاغور يتحدث عن الروح * الروح عند فلاسفة الإسلام * البحث عن معنى الحياة * عالم جديد * طاقة التركيز * الروح عند الأقدمين * روح الشرق * التحدي الأساسي * مفتاح سحري * أنوار مباركة * فلسفة الحياة * أنفاس الصباح * هذا العالم * لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك * فلذات * مناجاة المدركات العليا * تلك النفس الشريفة * هذه المعرفة الروحية * مطلب واحد يستحق العناء * قانون ونظام وتسلسل منطقي * رسالة الإنسان الراقي * الغذاء المغناطيسي أو الفكري * عربي في ضيافة طاغور - الحلقتان * نثرات ضياء * قراءة في ألفية شبلي الأطرش * الفكر سجن وحرية * ثم همس الروح خلطة سحرية مشاهد من الهند لماذا رفض أرفع المناصب الموت بداية أم نهاية الكشف عن الكنوز بوذا والعاشقة في محراب معرفة الذات من الهوة إلى الذروة عندما أنذر الصمت همس الأعماق

ورد في إحدى رسائل العلامة الفيلسوف ابن مسكويه ما يلي عن الخوف من الموت وكيفية علاجه:
لما كان أعظم ما يلحق الإنسان من الخوف هو الخوف من الموت، وكان هذا الخوف عامّاً، وهو مع عمومه أشدّ وأبلغ من جميع المخاوف وجب أن أقول: أن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدري ما الموت على الحقيقة أو لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن أنه إذا انحلّ وبطل تركيبه فقد انحلّ ذاته وبطلت نفسه بطلان عدم ودثور، وأن العالم سيبقى بعده كان هو موجوداً أو ليس هو موجوداً.
كما يظنه من جهل بقاء النفس وكيفية معادها.. أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض التي ربما تقدّمته وأدّت إليه وكانت سبب حلوله. أو لأنه يعتقد أن عقوبة ً تحل به بعد الموت. أو لأنه متحيّر لا يدري إلى أي شيء يقدم الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلـّفه من المال... وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها.
أما من جهِل الموتَ ولم يدر ما هو فأنا أبيّن له أن الموت ليس بشيء أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها وهي الأعضاء التي مجموعها يسمى بدناً كما يترك الصَنـّاع مثلاً استعمال آلاته. فإن النفس جوهر غير جسماني وليست عَرضاً وأنها غير فاسدة. وهذا البيان يحتاج إلى علوم تتقدمه وذلك مبينٌ مشروحٌ في موضعه. فإذا فارق الجوهر ُ البدنَ بقي البقاء الذي يخصه... وسعد السعادة التامة (إن هو عاش حياة تؤهله لتلك السعادة)، ولا سبيل إلى فنائه وعدمه. فإن الجوهر لا يفنى من حيث هو جوهر ولا تبطل ذاته، وإنما تبطل الأعراض والخواص والنسب التي بينه وبين الأجسام بأضدادها. فأما الجوهر فلا ضد له وكل شيء يفسد فإنما يفسد من ضده...
الجوهر الروحاني لا يقبل استحالة ولا تغيراً في ذاته وإنما يقبل كمالاته وتمام صورته فكيف يُتوهم فيه العدم والتلاشي؟
أما من يخاف الموت لأنه لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن بدنه إذا انحلّ وبطل تركيبه فقد انحل ذاته وبطلت نفسه وجهل بقاء النفس وكيفية السعادة فليس يخاف الموت على الحقيقة وإنما يجهل ما ينبغي أن يعلمه. فالجهل إذاً هو المَخوف إذ هو سبب الخوف. وهذا الجهل هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم والتعب فيه وتركوا لأجله لذات الجسم وراحات البدن واختاروا عليه النصَب والسهر ورأوا أن الراحة الحقيقية التي يُستراح بها من الجهل هي الراحة بالحقيقة وأن التعب الحقيقي هو لقب الجهل لأنه مرض مزمن للنفس والبرء منه خلاص لها وراحة سرمدية ولذة أبدية. فلما تيقن الحكماء ذلك واستبصروا به... ووصلوا إلى الروح والراحة، هانت عليهم أمور الدنيا كلها واستحقروا جميع ما يستعظمه الجمهور من المال والثروة الخسيسة والمطالب التي تؤدي إليها، إذ كانت قليلة الثبات والبقاء، سريعة الزوال والفناء، كثيرة الهموم إذا وُجدت، عظيمة الغموم إذا فـُقدت. فاقتصروا فيها على المقدار الضروري في الحياة... والإنسان إذا بلغ منها غاية تداعت إلى غاية أخرى من غير وقوف على حد ولا انتهاء إلى أمد. وهذا هو الموت (الإشتهاء المتواصل)، والحرص عليه هو الحرص على الزائل، والشغل به هو الشغل بالباطل. ولذلك جزم الحكماء بأن الموت موتان: موت إرادي وموت طبيعي. وكذلك الحياة حياتان: حياة إرادية وحياة طبيعية. وعنوا بالموت الإرادي إماتة الشهوات وترك التعرض لها، وعنوا بالحياة الإرادية ما يسعى لها الإنسان في الحياة الدنيا من المآكل والمشارب والشهوات. وبالحياة الطبيعية بقاء النفس السرمدي في الغبطة الأبدية بما تستفيده من العلوم وتبرأ به من الجهل، ولذلك وصّى أفلاطون الحكيم طالب الحكمة بأن قال له: مت بالإرادة تحيَّ بالطبيعة...
الجوهر الشريف الإلهي إذا تخلص من الجوهر الكثيف الجثماني خلاص نقاءٍ... فقد سعد وعاد إلى ملكوته وقرُبَ من بارئه وفاز بجوار رب العالمين...
من ها هنا تعلم أن من فارقت نفسه بدنه وهي مشتاقة إليه مشفقة عليه خائفة من فراقه فهي في غاية الشقاء والألم من ذاتها وجوهرها، سالكة إلى أبعد جهاتها من مستقرها، طالبة قرارها ولا قرار لها.
أما من يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض التي ربما قدّمته وأدت إليه فقد ظن ظناً كاذباً لأن الألم إنما يكون للحي والحي هو القابل أثر النفس (أي الجسم). وأما الجسم (الميت) الذي ليس فيه أثر النفس فإنه لا يألم ولا يحس. فإذاً الموت الذي هو مفارقة النفس البدن لا يُألم له لأن البدن إنما كان يألم ويحس بالنفس وحصول أثرها فيه. فإذا صار جسماً (هامداً) لا أثر فيه للنفس فلا حس له ولا ألم فقد تبين أن الموت للبدن غير محسوس ولا مؤلم...
وأما من خاف الموت لأجل العقاب فليس يخاف الموت بل يخاف العقاب. والعقاب إنما يكون على شيء باقٍ منه بعد الموت فهو لا محالة يعترف بذنوب وأفعال سيئة يستحق عليها العقاب وهو مع ذلك معترف بحاكم عدل يعاقب على السيئات لا على الحسنات، فهو إذاً خائف من ذنوبه لا من الموت. ومن خاف عقوبته على ذنب وجب عليه أن يحترز من ذلك الذنب ويجتنبه. والأفعال الرديئة التي تسمى ذنوباً إنما تصدر عن هيئات رديئة. والأفعال الرديئة هي الرذائل التي أحصيناها وذكرنا أضدادها من الفضائل. فإذاً الخائف من الموت على هذه الوجوه وهذه الجملة هو جاهل وما ينبغي أن يخاف منه، وخائف مما لا أثر له ولا خوف منه. علاج الجهل العلم ومن علم فقد وثق ومن وثق فقد عرف سبيل السعادة التي يسلكها. ومن سلك طريقاً مستقيماً إلى غرض أفضى إليه لا محالة. وهذه الثقة التي تكون بالعلم هي اليقين وهي حال المستيقن في دينه، المستكمل بحكمته.
وأما من زعم أنه ليس يخاف الموت وإنما يحزن على ما يخلفه من أهل وولد ومال، ويأسف على ما يفوته من ملاذ الدنيا وشهواتها فينبغي أن يُبيَّن له أن الحزن لأجل ألم ومكروه لا يجدي طائلاً...
وأيضاً لو جاز أن يبقى الإنسان لبقي من كان قبلنا. ولو بقي الناس على ما هم عليه من التناسل ولم يموتوا لما وسعتهم الأرض. وأنت تتبين ذلك مما أقول: ترى لو أن رجلاً واحدا ممن كان منذ أربعمائة سنة هو موجود الآن، وليكن من مشاهير الناس حتى يمكن أن يحصى أولاده الموجودين كأمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، ثم ولد له أولاد ولأولاده أولاد وبقي كذلك يتناسلون ولا يموت منهم أحد، فكم مقدار من يجتمع منهم في وقتنا هذا؟ فإنك تجد أكثر من عشرة آلاف رجل.. وإن بقيّتهم الآن... أكثر من مائة ألف رجل.
وأحسب كل من في ذلك العصر كذلك فإنهم إذا تضاعفوا هذا التضاعف لم تضبطهم كثرة. ثم أن الأرض معروفة المساحة ولا تسعهم قياماً متراصين فكيف قعوداً أو متفرقين. ولا يبقى موضع لعمارة تفضل عنهم ولا مكان لزراعة ولا مسير لأحد وذلك في مدة يسيرة من الزمان فكيف إذا امتد الزمان؟
فهذه حال من يتمنى الحياة الأبدية (على الأرض) ويكره الموت ويظن أن ذلك ممكن.. فإذاً التدبير الإلهي هو الصواب الذي لا مَعْدل عنه وهو غاية الجود الذي ليس وراءه غاية. فالخائف من الموت هو الخائف من عدل الله وحكمته. بل هو الخائف من جوده وعطائه. فالموت إذاً ليس برديء وإنما الرديء هو الخوف منه. فالخائف منه هو الجاهل به وبذاته وحقيقة الموت هي مفارقة النفس البدن وهو ليس فساداً للنفس وإنما هو فساد للتركيب(أي للجسم المركب).
فأما جوهر النفس الذي هو ذات الإنسان ولبه وخلاصته فهو باق... وإنما استفاد هذا الجوهر بالخواص والأجسام كمالاً. فإذا كمُل بها ثم تخلص منها صار إلى عالمه الشريف القريب إلى بارئه ومنشئه عز وجل. والرجل الذي يتصدق عن أخيه الميت ويقتضي عنه الدين يسعد بذلك الميت. والسلام
أدناه Older Posts لقراءة موضوعات أخرى رجاء نقر


No comments:

Post a Comment