Sunday, January 4, 2015

مصابيح تنويرية



مصابيح تنويرية
تعاليم الحكيم برمهنسا يوغانندا
PARAMAHANSA YOGANANDA


ترجمة محمود عباس مسعود



لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء الضغط
 على Older Posts أو  Newer Posts

في أسفل الصفحة أو أحد السهمين


نحمد الله ونشكره على هبة كل سنة جديدة وما تحمله لنا من آمال ووعود بالتحقيق.

لا توجد قوة أعظم من الإبتهال الوجداني الخالص والعميق للتواصل مع الله، ولإحداث تغيرات رائعة في حياة الأفراد وفي الظروف العالمية، ولتحقيق السلام والإخاء الإنساني. 

نتمنى على الله أن تتحول الدعوات الفردية الصادقة والمدركات السامية والمعارف المتنامية إلى قوة روحية مباركة تحدث تغييراً فعلياً على أرض الواقع.

باركنا يا رب كي نستهدي بنورك  ونضيء مصابيح تنويرية على الدروب، وكي نوقظ حبك في قلوبنا وقلوب الآخرين ونحمل مشاعل من النور الحي ونوظف ملكاتنا فيما يرضيك وينفع الناس.

وساعدنا كي نجعل من أنفسنا قنوات سالكة تنساب من خلالها طاقتك الكونية ونورك الهادي لمساعدة الآخرين وتخفيف الشقاء والمعاناة عن كاهلهم، إذ بفضلك نمتلك القوة لمساعدة البشرية وأنفسنا.

باركنا كي نتعاطف مع المتألمين
ونبث الأفكار والإرادات الطيبة في ربوع هذا العالم
علّ السلام والإخاء يصبحان تجربة معاشة
"كما في السماء كذلك على الأرض"

{السلام إسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم}

* * *
 
قال أحد التلامذة للمعلم برمهنسا بأنه يجد صعوبة في استبدال عاداته الضارة بأخرى نافعة وطلب منه النصيحة،  فقال:

يجب أن لا تتخلى عن الأمل في التحسّن الذاتي.

يصبح الإنسان عجوزاً فقط عندما يرفض بذل المجهود للتغيير الإيجابي.

تلك الحالة الآسنة هي حالة "الهرم" الفعلي في تقديري.

عندما يقول الشخص "لا أستطيع التغيير" ويكررها عوداً على بدء
أقول له:

 "حسناً، بما أنك قررت أن تكون كذلك فابقَ حيث أنت"

مهما كانت حالة الشخص الراهنة، يمكنه التغيير نحو الأفضل بواسطة الإنضباط والتهذيب الذاتي  والتغذية الصحيحة واتباع قوانين الصحة.

لماذا تفكر بأنك غير قادر التغيير؟ الخمول الفكري هو السبب الخفي للضعف.

كل واحد لديه خاصيات تحدّ من تقدمه. تلك الخاصيات لم يضعها الله في الطبيعة البشرية بل هي من صنع الإنسان نفسه. وتلك هي الشوائب التي يتوجب عليك التخلص منها، وبإمكانك ذلك.

وتذكر بأن عادات الشخص هي لا شيء سوى تعبيرات ظاهرية لأفكاره الباطنية.

عندما تعقد العزم على التغيير ستتضافر قوى عديدة لتعضيدك وتعزيز مقرراتك الإيجابية.

وبالله التوفيق.

حديقة العام الجديد

لقد تلاشت أصداء العام المنصرم بما فيها من أحزان وضحكات

وها صدى أنشودة العام الجديد يشدو مشجّعا ً، مبشّرا ً بالأمل، وهامسا ً:

" صُغ حياتك من جديد بصورة مثالية

اهجر الأعشاب الضارة للمخاوف القديمة

ومن حديقة الماضي المهجورة استجمع وادّخر فقط بذور الأفراح والتحصيلات والآمال والأفكار والأفعال الطيبة والرغبات السامية النبيلة.

وفي التربة الندية لكل يوم جديد ازرع تلك البذور الجبارة واسقها واعتن ِ بها حتى تنمو وتعبق حياتك بمزايا التفتح النادرة.

العام الجديد يهمس:

"يقّظ الروح أسيرة العادات واستحثها للقيام بجهود نافعة جديدة. لا تكف عن المحاولة ولا تسترح قبل بلوغ الحرية الأبدية والتفوق على الكارما {نتائج الأعمال السابقة الدائمة المطاردة والتعقـّب}.

وبفكر منتعش ومنتش ٍ بالسرور الدائم التجدد، فلنفرح معا ولنسر يداً بيد قاصدين البيت السماوي حيث لن نخرج بعدها خارجا ً.

قصــــــــــة نجــــــــــاح

لا زلت أذكر المرة الأولى التي استخدمت فيها الإرادة الفعالة كي أساعد الآخرين.

فأحد أصدقائي وأنا كنا صبيين صغيرين آنذاك. وذات يوم قلت له:

 "سنقوم بإطعام خمسمائة شخص (فقير) "

فأجاب متعجباً: "ولكننا لا نملك فلساً واحداً !"

فأكدت له قائلاً: " سيتم المشروع بالرغم من ذلك، وأعتقد أن المال سيأتي عن طريقك."

فأجاب مستهزئاً : "يا له من مشروع! هذا مستحيل!"

واستحثني إحساس يقيني لأن أقول: "لا تزعج والدتك بأية صورة، بل قم بكل ما تطلبه منك ."

بعد يوم من ذلك أتى إليّ راكضاً وأخبرني قائلاً:

"كنت أستحم، فنادتني أمي. وكنت على وشك أن أجيبها قائلاً "لا تضايقنني الآن حيثني أستحم" لكن بدلاً من ذلك سألتها عما تريده فطلبت مني أن أذهب لرؤية خالتي التي تسكن على مقربة من بيتنا، فقلت لها: سمعاً وطاعة."

"وعندما ذهبت لمشاهدة خالتي، كان أول ما قالته لي: "من هو ذلك الصبي المجنون الذي ترافقه؟ هل فقدت عقلك؟ ما هذا المشروع الذي سمعت به بأنكما ستطعمان خمسمائة شخص؟!"

فغضبت منها وقلت لها: "يجب أن أذهب الآن" وشرعت بمغادرة منزلها. لكنها استوقفتني قائلة: "صديقك قد يكون معتوهاً لكن فكرته طيبة. خذ هذه الورقة النقدية من فئة العشرين روربية" (كان ذلك مبلغاً لا بأس به في مطلع القرن العشرين).

كاد الولد أن يغشى عليه لشدة دهشته، فأتى إليّ مهرولاً للحال وقصّ عليّ النبأ. وعندما ذهبنا لابتياع الأرز وبعض الحاجيات الأخرى للوليمة كان الجيران قد سمعوا بخطتنا المزمعة وقدموا المزيد من الطعام، وفي النهاية أطعمنا ألفيّ شخص (2000)!

إن نفس الإرادة المشحونة بالتيار المقدس استحدثتْ أول مكتبة أسستها وهي مكتبة ساراسواتي في كلكتا.

عندما تعقد النية على القيام بأعمال طيبة فإنك ستنجزها فيما إذا استخدمت الإرادة الديناميكية الفعالة.

 ومهما تكن الظروف والأحوال، فإن تابعت المحاولة سيخلق الله الوسائل التي بواسطتها ستتمكن من تحقيق ما تريد.

تلك هي الحقيقة التي أشار إليها السيد المسيح عندما قال: "إن كان لكم إيمان ولا تشكّون... فإن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون."

[وفي الحديث الشريف: إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء.]

إن استخدمت إرادتك دوماً، فمهما كانت المعاكسات ستتمكن مع ذلك من تحقيق النجاح والصحة والقوة لمساعدة الآخرين، وعلاوة على كل شيء ستحقق التوافق مع الله.

تلك هي الإرادة التي يجب تنميتها: الإرادة التي تجفف محيطات التردد والإخفاق لعمل الخير وتحقيق المأمول."

* * *

أنظروا إلى الأعماق المشعة في كيانكم، وهناك ستجدون إمكانات غير محدودة من الجمال والحكمة والنقاء.

نسأله تعالى أن تستقبلوا العام الجديد بقناعة تامة أن لديكم القدرة على إظهار الطبيعة العليا في داخلكم.

لقد غلفتكم البيئة ونتائج الأعمال الماضية بخصالٍ وسماتٍ وعادات محددة، لكن هذه مجرد مظاهر مؤقتة، وتحتها تكمن طبيعتكم الحقة – النفس الشريفة – التي تمتلك الحرية المطلقة لاختيار المزايا والخاصيات التي ترغبون بارتدائها أثناء أداء أدواركم على مسرح هذا العالم.

هل من طموحات روحية تعتمل في نفوسكم وتخفق في قلوبكم وتستحثكم كي تضعوها على جدول أعمالكم في العام القادم؟

إن كان الجواب بالإيجاب، فانسوا الماضي واحتفظوا بالدروس المستفادة منه، وامضوا على بركة الله في تحقيق ما تريدون تحقيقه.

اعتبروا أن كل يوم هو فرصة جديدة للسيطرة على العادات والأهواء المغايرة وللعيش بسلام ومنح المحبة ونشر التفاؤل والمسرّة في هذا العالم.

في اللحظة التي توقظون فيها إرادتكم لإحداث تغييرات إيجابية وتدعمونها بأفعالكم، تبدأ القوى الكونية غير المنظورة من لدن الرب الرحيم بتعضيد جهودكم. 

وكلما ثابرتم على مقرراتكم ستتعاظم قوى الخير في حياتكم وتزداد زخما،ً وهذا قانون إلهي لا يتغير.

اليوم الأول قد يكون صعباً، لكن اليوم الثاني قد يكون أسهل بقليل، واليوم الثالث أكثر سهولة. وبعد بضعة أيام ستجدون أن النجاح مستطاع. ومن يثابر ويواصل جهوده على مدى عام كامل سيجد أنه أصبح شخصاً آخر.

وللطامحين الروحيين نقول: لتكن الرغبة في التواصل مع الله هي الأعظم في حياتكم. إنه من خلال التفكير بالله والتأمل عليه نحصل على التأكيد القاطع بأنه يحبنا محبة أبدية لأننا خاصته بغض النظر عن الخطوات غير السديدة التي خطوناها في الإتجاه المغلوط. 

عندما نشعر بأننا محبوبون محبة غير مقيدة بشروط، ألا يحفزنا ذلك على بذل قصارى جهدنا ويساعدنا على التخلي عن الماضي بكل إخفاقاته وإحباطاته؟

عندما نحس بأننا نحب وأن هناك من يحبنا نطمئن وتبتهج قلوبنا.

وبالرغم من كل الواجبات والنشاطات، يجب أن نحتفظ ببعض الوقت، نخصصه للغوص في أعماقنا واستكشاف ذواتنا وإنعاش نفوسنا بحب الله وسلامه.

إن أحببنا الله وعملنا بإخلاص على مرضاته كل يوم، فلن يقوى شيء على إعاقة تقدمنا الروحي.

تذكروا ذلك يا أصدقاء وبعونه تعالى ستتذوقون في العام الجديد سعادة ربما لم تحلموا بوجودها من قبل.

* * *


بإرادة مشحونة بالهمة
وبثقة تامة بقدرات النفس البشرية
وبإيمان لا يتزعزع بالله
فلنودع هذا العام ولنستقبل العام الجديد.

وبالرغم من التغيرات التي يمر بها العالم، والأثر الذي تتركه تلك التغيرات في حياتنا، فإن نظرنا إلى ما وراء الأحداث اليومية المتسارعة بعين الحكمة والتبصر سنكتسب فهماً ونتعلم دروساً.

إن لكل منا دوراً يؤديه على مسرح الزمن حيث تتحول وقائع اليوم إلى أحلام في المستقبل.  

الأحداث الدرامية وما يصحبها من ظروف وملابسات تحدث لغرض واحد هو إيقاظ مزايا الخير العديدة في نفوسنا، الواحدة تلو الأخرى.

إن كل تجربة نمر فيها تقابلها قوة كامنة فينا للتعامل معها بحكمة وفعالية.

لدينا قدرات كبيرة أودعها الله في نفوسنا، وعندما يتم تفعيلها تصبح مصدراً حيوياً من البركة في حياتنا.

وحتى إن لم تكن الظروف الخارجية تحت سيطرتنا على الدوام، يمكننا دوماً اختيار ما نريد أن نكون عليه في داخلنا حيث يكمن مفتاح تقدمنا وتقدم الإنسانية.

يتعين على كل نفس راغبة في التحرر أن تلتزم التزاماً واعياً بالتغير نحو الأفضل، والوقت الأنسب هو الآن حيث النوايا مركزة على اتخاذ المقررات والإلتزام بالتغيير.

يجب ألا يكون الإنسان قطعة أثرية غير قابلة للتجدد النفسي والروحي.

ويجب إيقاظ المزايا البطولية في داخلنا والتخلص من أثقال الخوف وعدم اليقين.

عندما يُقنع الإنسان نفسه بأن الله يحبه وبأنه معه على الدوام،  فلن يقدر الماضي على تكبيله ولا المستقبل على ترهيبه.  

ما وراء شرارة الحياة البشرية تكمن الشعلة الإلهية
وما وراء شعاع الفكر الإنساني يسطع نور الله الأعظم
وما وراء موجة العقل التمييزي يزخر بحر العلم الكلي
وما وراء الحب البشري ينبض الحب الإلهي الذي يملأ القلب ويرضي أشواقه.

إن العنصر الثابت الذي لا يتغير في عالم يسوده التقلب والتغيير هو صلتنا بالله.

فليكن القرار الأسمى تمتين تلك الصلة المباركة والعيش في توافق واع ٍ مع المانح الأكرم للحياة والقوة والحب والسعادة.

وليتعرف الإنسان على خالقه في خلوة روحه وتأمله العميق..

وليسأل نفسه يومياً ما إذا كان يناغم حياته مع نواميس الحق والمحبة التي هي نواميس الكون الإلهية.  

فلنعتصم بسلام الله في داخلنا
ولنصغ ِ لصوت الضمير
ولنوسع نطاق تعاطفنا ليشمل الآخرين.

بأفكارنا الإيجابية وأفعالنا التوافقية يمكننا تعزيز قوى الخير الكفيلة بإحداث تحولات جوهرية في هذا العالم بفضله تعالى.  

* * *

اليوم قد يؤكد الإنسان لذاته أنه سينتهج خطاً مستقيماً وغداً يحيد عنه ويجد نفسه ميالاً للتخلي عن مقرراته الإيجابية.

يجب عدم قبول نقاط الضعف في حياتنا. من يستطع الثبات على مبادئه بالرغم من كل الإغراءات والمؤثرات الخارجية هو في طريقه إلى التحرر، ومن يتخذ الحكمة نبراساً سيتغلب على أوهام الحياة وقيودها وعوائقها.

الحكماء يحتفظون بحكمتهم حتى النهاية ويواجهون الحياة بجرأة وإيمان راسخ مهما كانت الظروف التي يتحتم عليهم مواجهتها.

من يتخلى عن إرادته ويستسلم لظروفه ويكف عن بذل المجهود يحكم على نفسه بنفسه وسيتخطاه الزمن.  

الإنسان هو من يغذي عاداته الصحيحة والمغلوطة، وعندما يقول لا يمكنني التغيير فإنه يحكم على نفسه بالإخفاق.

عندما يؤكد الشخص لذاته بأنه قوي ومتحرر بالرغم من هجمات العادات السيئة والأفكار السلبية، وبأنه لن يكف عن المحاولة في عمل الأفضل يفسح المجال لقوى الخير الكامنة في ذاته كي تأتي لنجدته وتعضيده.

ومهما كانت تصرفات المرء خاطئة، يجب أن يشخّص حياته ويبذل المجهود لمساعدة نفسه وعمل الصواب وستتغير كل التصرفات الخاطئة إلى أعمال طيبة بعونه تعالى. 

من الأرشيف: الغضب وذاكرة الفيل

على الراغبين في السلام الذاتي فهم الطريقة التي يتولد فيها الغضب ويتسبب في كثير من الأحيان بعواقب وخيمة.

ونظراً لفقدان التوازن الداخلي بفعل الغضب فقد تحول العديدُ من البشر ضد إرادتهم إلى مجرمين وسفاكي دماء.

إعاقة الشهوات تعمي الفكر.. وعندما يسيطر ضباب الشهوات على فكر الإنسان فإنه يفقد رشده ويتصرف تصرفاً لا يليق بالمقام الإنساني النبيل.

فقدان الرشد يربك التمييز الفطري الذي هو القوة الدافعة وراء كل عمل سليم ونية طيبة.

عندما تتعطل عجلة القيادة في سيارة الإنسان العقلية فإنه لا محالة سيتعرض لحادث وقد يجد نفسه في خندق التألم والشقاء.

مثال على ذلك: يكون الزوج سائقاً السيارة بفرح، وفي الطريق نحو المنتزه تطلب منه زوجته أن يغير الإتجاه للذهاب إلى بيت أهلها بدلاً من المنتزه، وهنا ينقلب فرحه غضباً.

لقد انتقيت هذا المثال لأنه شائع الحدوث. في الحالات العادية تكون النتيجة إما رفض الزوج لطلب زوجته أو موافقته بحنق واستياء، وهذا ما يحدث على العموم.. وفي كلتا الحالتين يكون الغضب قد أصبح سيد الموقف فيتعكر الجو ويتكدر الصفاء.

في بعض الحالات يتحول الغضب بالنسبة لذوي المزاج العنيف إلى مأساة، وقد يؤثر الغضب على الذاكرة أو قد ينسى السائق القيادة بحذر وانتباه، أو قد يغفل مراعاة إشارات المرور، والنتيجة حادث اصطدام أو وفاة لا قدر الله.

واستنتاجاً، الغضب يقفل مقود الإرادة في عربة الحياة ويعيقها عن بلوغ غايتها المادية والروحية.

ذاكرة الفيل

القوة المدعوة "ذاكرة" موهوبة للإنسان من الله، ويا لها من نعمة كبيرة! والذاكرة مُنحت للحيوانات أيضاً، إذ لولاها لتعذر عليها التعرّف على صغارها. بعض الحيوانات يتمتع بذاكرة جيدة كما تبيّن القصة التالية عن أحد الفيلة.

بينما كان فيل ضخم ينقل الأخشاب كما يفعل الكثير من الفيلة المدربة في الشرق، اقترب منه غلام ووخزه بإبرة على خرطومه وولى هارباً.

مرّ عام على هذه الحادثة، والتقى نفس الفيل بنفس الغلام في الطريق، وكانت فرصة سانحة بالنسبية للفيل كي يأخذ بثأره. فما كان منه إلا أن لفّ خرطومه حول الغلام وقذفه بعنف إلى الجانب الآخر من الطريق.. إذاً الحيوانات تمتلك ذاكرة.

***

لقد حلمت أحلاماً عديدة، والآن فإنني متيقظ.. وعلى مذبح روحي أوقد شموع تذكري الدائم لك يا إلهي.

وبعينيّ اللتين فارقت هجعة السبات جفونهما أرنو إلى وجهك الجميل وأتلذذ برؤية أنواره القدسية..

وبنعمتك أصبحتُ أدرك أن الصحة والمرض

والحياة والموت

كلها ضروب من الأحلام.

لقد انتهيت من رواية الأحلام المرتسمة بألوان زاهية
على ستارة الأوهام البراقة

والآن أبصرك الحقيقة الوحيدة في الوجود.

إبقاء القنوات سالكة

معظم الناس لا يفكرون بالله تفكيراً جاداً إلا عندما يواجهون مشاكل عصيبة، وعندها يتوقعون منه أن يتدخل وينقذهم مما هم فيه.

كان أحد المستنيرين يقول: "إن لم تدعُ الله ليكون ضيفك في صيف عمرك فلن يأتي إليك في شتاء حياتك." 

هذا لا يعني أن الله لا يرغب في مساعدتنا، فهو يريد أن يمد لنا يد العون ويخلصنا مما نعانيه، ولكن عندما نعيش لسنين طويلة بكيفية مناقضة لقوانينه، ولا نتواصل معه في التأمل، يصبح العقل مثقلاً بركام الأوهام وتصبح قنوات التواصل مع الله مسدودة بالخوف والرغبات الأنانية والمزاج المتقلب ونوبات الغضب والإرادة العنيدة العمياء والعادات السيئة والسلبيات، فلا تبقى هناك قناة مفتوحة يمكن للعون الإلهي أن ينساب من خلالها إلينا.

إن أخفقنا في تحضير أفكارنا وإبقاء القنوات سالكة فلن نتمكن من مواجهة - والتغلب على - المشاكل التي لا بد أن تعترض سبيل كل منا أثناء مشوار حياتنا.

يُحكى أن مُحباً لله عثر على الله من خلال ترديد إسمه المبارك بتركيز عميق وحب فائق بصرف النظر عما كان يفعله. لقد بدأ تلك الممارسة عندما كان طفلاً وواظب عليها مواظبة تامة بحيث أنه كان يردد إسم الله حتى أثناء نومه.

وعندما كبر كان يجتاز الغابات الكثيفة التي تعج بالنمور الكاسرة وأفاعي الكوبرا والعقارب والحشرات السامة، ولم يرتدِ سوى قطعة قماش وصندل.

كان الناس يدهشون من جرأته ويسألونه متعجبين: "ألم تتعرض أبداً للأذى من تلك الوحوش الضارية والحشرات الضارة؟"  فكان يجيبهم:

"إطلاقاً، لم أتعرض لأذى أبداً، لأنني أحمل إسم الله معي على الدوام وتلك هي حمايتي."

ونحن أيضاً يمكننا أن ندرك أن حماية الله تشملنا. فهو دائماً حاضر ليخفف مصائبنا ويساعدنا في التغلب على مشاكلنا، ولكن يجب أن نـُبقي أنفسنا متقبلين لبركاته، بالتفكير به والإبتهال له ومناجاته في قلوبنا أثناء أداء واجباتنا.

إن فعلنا ذلك فيمكننا الصمود في وجه الأعاصير ولن تقدر المشاكل المستعصية والأزمات الحرجة على هزيمتنا أو فل عزيمتنا. 



الكبرياء الروحي

التواضع هو أعظم المزايا على الطريق الروحي، وفي تنمية التواضع تسريعٌ للنمو الذاتي وحماية له.

يجب أن يكون التواضع الركيزة التي يبني عليها المريد حياته الروحية فيما إذا كان يرغب في بلوغ هدفه الذي هو التوافق مع الله والإحساس بحضوره.

العالم يشجع على التفاخر بالإنجازات والممتلكات والمناصب والسعي لاكتساب رضا الآخرين واستحسانهم، لكن على المريد أن يحوّل انتباهه من الذات الصغيرة "الأنا" إلى الذات العليا.

التواضع الفعلي يعني المعرفة اليقينية بأن الله هو الكل في الكل، والتخلص من الطموح لإرضاء الأنا بتنمية طموح أكبر لاكتساب رضا الله.

وهو أيضاً التخلي عن الأنانية بتنمية الحب الإلهي والتوجه إلى الله الذي هو مصدر كل ما نبحث عنه ونسعى للوصول إليه أو الحصول عليه.   

الكبرياء الروحي هو إغراء شفاف ويتعين على المريد أن يلتزم الحذر حيال هذا الداء لأنه يطمس أي إدراك لله أو إمكانية التواصل معه.

وما لم يسعَ المريد بكل إخلاص لاكتساب التواضع سيكون عرضة للسقوط في شراك الوهم ومصائد الغرور.

وفي الحقيقة قد يتغلب الشخص على الكثير من نقاط الضعف ويحرز تقدماً كبيراً على الطريق، ومع ذلك قد يسقط بسبب إغراء الكبرياء.

إن سيد الأكوان وفاحص الضمائر يعرف ما بداخل القلوب، والذين يباهون بروحانيتهم سيفقدونها.

من يفتخر بتجاربه الروحية يتلوث حبه بالأهمية الذاتية، أو بعبارة أخرى يبدأ بالتفكير بأنه شخص مميز، وقد يخسر ما حصل عليه من بركات.

إن من يطغى كبرياؤه الذاتي على النعم الإلهية في داخله يسيء استخدام المواهب الروحية، وعندئذ يعطي الله درساً في التواضع لذلك المريد فيسحب بركاته منه حتى يحصل على الفهم الروحي ويعدّل مساره، لكنه يفعل ذلك بدافع الحب، لأنه عندما ينفتح قلب المريد لله بكل تواضع، مدركاً أنه يعتمد اعتماداً كلياً على الله، يحصل عندئذ على قدر كامل من النعمة الإلهية.

عندما تصبح حياة المريد عابقة بالتواضع، يسترعي أريج التواضع العناية الإلهية فتحل البركات على المريد وتمتلئ حياته بالسلام والمحبة.






طبيعة الإنسان الداخلية

الفكر غير محدود، إذ مهما كان مجال دراستك أو تخصصك، ما أن تضع فكرك على تلك المادة حتى ينطلق إلى ما لا انتهاء في ذلك الاتجاه،  كما أنه لا توجد نهاية للحكمة أو المعلومات التي يمكن أن تستعين بها وتستفيد منها.

هل تعلمون يا أصدقاء أن كل واحد منكم يفسر هذا الكلمات تفسيراً يختلف بعض الشيء عن تفسير الآخرين لها؟ والسبب يعود إلى أن عملية التفكير تختلف من شخص إلى آخر.

ولأن الإنسان فريد بطبيعته وطريقة تفكيره، فإن تفاعله وردود فعله في أي موقف يختلف عن تفاعل وردود فعل أي شخص آخر. وطبيعته الداخلية هي مجموع أفكاره ومشاعره واستجاباته ودوافعه – وهذه بدورها تحدد نوعية مغناطيسيته أي قوة الجذب التي يمتلكها.

المغناطيسية هي أعظم قوة يمكنك من خلالها أن تجذب إليك الأصدقاء والتعاطف الودي والإرادة الطيبة.

كلنا نرغب في أن يلاحظنا الآخرون ويأخذوننا في الإعتبار، وما من أحد يريد أن يتم تجاهله أو تناسيه. وحتى الطفل يتعمد التصرف بكيفية ما في محاولة منه للفت الإنتباه.

كما نريد أيضاً أن يحبنا الآخرون ونكون موضع تقديرهم. ولكن كم منا يمنح الفهم والإعتبار للآخرين بنفس المقدار الذي نظن أننا نستحقه منهم؟

إننا نتعاطف إلى أقصى درجة مع ذواتنا ونتسامح مع أنفسنا بخصوص هفواتنا في حين نكون على أتم الإستعداد لانتقاد الآخرين وشجب تصرفاتهم الخاطئة.  

هل نستطيع أن نقف أمام الآخرين ونخبرهم بكل عيوبنا منذ الطفولة؟ الجواب هو  لا.

ولكن ما لم نتعلم حسن التصرف لا يمكننا أن نبيّن للآخرين التصرف الحسن.

 وليس لنا الحق في أن نضيق ذرعاً بمواطن الضعف في الآخرين إن كنا نحن أيضاً نعاني منها.

العالم مليء بالراغبين في إصلاح الآخرين ولكن ليس أنفسهم. وما لم نقيّم أنفسنا تقييماً نقدياً بنّاءً فستمر الأيام والأعوام دون أن نتغير.

ما نحتاجه هو الإصلاح الذاتي، لأننا عندما نصلح ذواتنا سنتمكن من إصلاح الآلاف بقدوتنا الحسنة.

حقاً أن الأفعال أبلغ من الأقوال.

* * *

الإلهامات الروحية هي دائمة التجدد وتجلب معها طمأنينة وبهجة.

الوعي الروحي يبدأ كنسيم رقيق ثم يزداد قوة إلى أن يصبح ريحاً مباركة  تكنس حطام الجهل وركام الشر وأكداس الأنانية.

هناك مؤشرات مشجعة تظهر في رغبة عدد متزايد من محبي التنوير بالإرتقاء إلى مستوىً عالمي من الإنسجام والفهم الروحي.

وعلى قدر تناغمنا مع أمواج السلام نصبح أكثر إدراكاً لطبيعتنا الروحية ولصلتنا بمصدرنا الإلهي. 

الحب الإلهي ينقي الأفكار
 ويصفي المشاعر
 ويروحن الوعي.

الحكمة الإلهية عميقة وبسيطة وسامية، ومن يتناغم معها يمتلك بوصلة ذاتية تبين له الإتجاه الصحيح فلا يضل السبيل.

الحكمة الإلهية والحب الإلهي قريبان بقدر ما تسمح لهما أفكارنا بالقرب منا.

وكما يمدّ مولـّد كهربائي واحد أضواء المدينة بالطاقة الكهربائية، هكذا يحصل المتناغمون مع الله على طاقة نورانية تساعدهم على ملاشاة الظلمة في نفوسهم ومن حولهم.

إن الذين يحبون الله محبة صادقة ويوفقون حياتهم مع النواميس الكونية يشعرون بفيض من القوة والسلام والبركة.

نسأله تعالى أن يسكب علينا البركات والإلهامات العليا
وأن يشحن عزائمنا بالهمة والقدرة على العمل المثمر والخدمة الإيثارية
وأن نحيا في تذكر دائم له .. منبع كل خير وفضل وجود.


من الأرشيف: قصة شجرة الأماني

في سالف الأزمان عاش ناسك يدعى هاري في هندوستان وأمضى سنيناً طويلة متنقلاً في جبال الهملايا بحثاً عن شجرة نادرة تدعى شجرة الأماني.

الأساطير تقول أن هذه الأشجار العجيبة لا يعثر عليها إلا المتوحدون مكافأة لهم على تقشفهم وممارساتهم الجادة للرياضات الروحية الصارمة. ويقال بأن لهذه الأشجار القدرة على تحقيق أماني وأشواق كل من يجلس تحت أغصانها.

الناسك هاري أحس في قرارة نفسه بأنه يستحق العثور على تلك الشجرة بفضل ممارساته الطويلة لتقشفات شتى وتذوقه الإختياري لشظف العيش والالتزام بنهج الإنضباط الدقيق الذي رسمه لنفسه.

ولكن مع كل هذه النشاطات الروحية كانت هناك دروس لم يتعلمها بعد. صحيح أنه كان يرغب في الحصول على المعرفة الإلهية ولكنه كان يمتلك أيضاً رغبات أخرى أقل شأناً.

من بين تلك الرغبات كانت رغبة العثور على شجرة أماني. فالمسالك الجبلية الوعرة أكلتْ شقفة أو شقفات من قدميه الحافيتين في بحثه المتواصل الحثيث عن مُنية القلب ورغبة الرغائب. وكان إحساسه الباطني يؤكد له دوماً أن تحقيق الوطر أمر حاصل وأن الشجرة بالإنتظار كثمرة طبيعية لجهوده الروحية التي تفوق طاقة واحتمال الشخص العادي.

كان صاحبنا مصيباً في حدسه. ففي إحدى الوديان في مرتفعات الهملايا عثر على شجرة ذات أوراق عريضة عرف للفور بفضل بصيرته الروحية أنها الكنز الذي طالما بحث عنه وتشوق للعثور عليه.

وعلى الفور وبلهفة عظيمة اقترب من أغصان الشجرة المرحبة وجلس تحتها. ولكي يختبر القوى الخارقة لهذه الشجرة الفريدة أغمض هاري عينيه وقال في نفسه: "إن كانت هذه شجرة أماني فلتجسّد لي قلعة حصينة!"

وما أن مرّ الخاطر في ذهنه حتى بزغ بجانب الشجرة قصر فخم تحيط به حدائق غناء فيها ما فيها من الورود الناضرة والرياحين العابقة والأشجار الباسقة.

ابتهج هاري لهذه المعجزة وغمرته نشوة الظفر بأعز أمنياته، إذ أخيراً عثر بالفعل على شجرة الأماني التي طالما بحث عنها. ولم ينتظر طويلا قبل أن يعرب عن أمنيته التالية، فقال: "أريد أن أرى من حولي جوقة من الصبايا الحلوات يقدمن لي أفخر وأشهى المأكولات على أطباق من ذهب ويسقينني شراباً ولا أطيب من أباريق فضية في كؤوس مشعشعة كالإبريز المتوهج.

ومثل لمح البصر تحققت أمنيته إذ وجد أمامه مائدة عامرة فيها من كل ما لذ وطاب في صحون ذهبية وحوريات بارعات الجمال يقدمن له ألواناً من الطعام والشراب تليق بالملوك والأمراء.

وبعد أن استمتع بالمأدبة المترفة الباذخة راح صديقنا يتفقد صرحه الجديد. فصعد الدَرَج الرخامي الصقيل وتمشى في الحجرات المرصعة بالجواهر ذات البريق الأخاذ.

أخيراً تعب ناسكنا المحظوظ من المشي فالتمس السكينة والراحة في إحدى غرف الطابق الأرضي. وكانت النوافذ المنخفضة لتلك الغرفة تظللها الأغصان المديدة لشجرة الأماني المجيدة.

وإذ استلقى على سرير قريب من النافذة لاحظ أن الأغصان الكثيفة لشجرة الأماني قد حجبت النور عن النافذة فشعر بالوحدة وتسرب الخوف إلى قلبه. ولم يقطع حبل السكون سوى بعض الأصوات التي راح يتساءل ما إذا كانت آتية من الحديقة أو صادرة عن حيوانات الغابة الكاسرة التي تسرح وتمرح وتصول وتجول خلف جدران القصر.

فقال لنفسه: ماذا لو تمكن أحد نمور الغابة من الدخول من النافذة؟ والحالة هذه سيفترسني وستكون النهاية بالنسبة لي.

وما أن راودته فكرة الخوف تلك حتى انقضّ نمر كاسر من النافذة فحمل الناسك المرعوب وانطلق به ليتعشاه وبئس المصير.

للأسف لم يكن هاري يدرك أن شجرة الأماني لا تميّز بين الأفكار الصالحة والشريرة. فغايتها هي تحقيق الأفكار التي تعتمل في نفوس أصحابها. وبالفعل فقد جسّدت شجرة الأماني التصوّر الذهني القوي للناسك هاري وتلك كانت فكرته الأخيرة.

كل إنسان يعيش تحت شجرة أمانيه التي تحقق كل رغباته. تلك الشجرة هي الإرادة. فإرادة الإنسان التي هي انعكاس للإرادة الإلهية تملك في جوهرها القوة الكافية لتحقيق آمال وأماني الشخص.

لكن من لا يعرف كيفية التحكم بأمانيه ورغباته وأفكاره فليحمد ربه ألف مرة لأن أفكاره غير المنضبطة لا تتحقق على الفور، وإلا لتسببت الرغبات الجامحة بتجسيد تلقائي لنمور كاسرة جارحة تمزق طمأنينة النفس وتسحق عظم السعادة وتجعل واحة السلام الروحي قاعاً صفصا.

وفي هذا موعظة حسنة لتركيز الفكر على الأشياء الإيجابية الطيبة أثناء الجلوس تحت أغصان شجرة الأماني التي هي ليست سوى إرادة الإنسان القوية وفكره الجبار.

وليحذر الإنسان من التركيز على، ومداومة التفكير في، الخوف والفشل والمرض والجهل خوفاً من أن تبزغ هذه السلبيات كالغيلان من ظلمة المجهول وتخلق مشاكل خطيرة يصعب التعامل معها أو التحكم بها.

الأفكار السلبية لا تجلب على صاحبها سوى الضرر، فليستبدلها بالأفكار الإيجابية إن هو أراد الخير لنفسه ولغيره. وبالله التوفيق.

* * *

إن الله يمنحنا، بالإضافة إلى الهبات المادية، الإيمان والفهم الروحي..

وللذين يتوجهون إليه ويثقون به يمنح الوعي الإلهي الأسمى.

الهبات المباركة هي تلك التي تلامس القلوب وتغير الطبائع القاسية وتوقظ النفوس من الغفلة الروحية وتشجع على التعارف والتآلف بين أبناء الأسرة البشرية الواحدة.  

العارفون بالله لا يعلّمون فقط من خلال أقوالهم الحكيمة وقدوتهم المثالية، بل يمنحوننا الحب الإلهي النقي وغير المقيد بشروط. وفي نور ذلك الحب نحصل على رؤية جديدة لإمكانياتنا العليا.

يأتي أصفياء الله إلى هذا العالم ليمنحوننا معرفة من فضله تعالى، ويظهرون لنا النور الباطني الذي يأخذ بيدنا ويقودنا إلى البيت السماوي علّ قلوبنا تتحرر من كل أنواع القنوط والظلمة الدنيوية، ويشجعوننا مؤكدين لنا بأن لنا نصيباً في الميراث الإلهي وأن بإمكاننا التواصل مع الوعي الكوني.

ومع تناغم الإنسان مع خالقه تتهاوى خطاياه وتتحول نقاط ضعفه إلى قوة ويدرك أن روحه في جوهرها نقية وقريبة من الله.

عندما يشرق النور الإلهي الدائم الإشعاع على الراغب يدرك أن الجوهر الإلهي موجود في نفسه وفي الآخرين أيضاً، بالرغم من الحجب الكثيفة التي تحول دون سطوعه في النفوس الخاضعة لقبضة الوهم.

نسأله تعالى أن يمنحنا هبة الهبات: الإحساس داخل وعينا بالسلام الفائق والحب الأسمى والفرح الذي يعصى على الوصف.

ما علينا إلاّ أن نتوجه بكل محبة وثقة إلى القلب الكوني الذي لا انتهاء لحبه ولا حد لعطائه.

إن الله يريد أن يباركنا ويعطينا من فضله، لكن يتوجب علينا أن نفتح قلوبنا ونطـْلق أشواقنا ونجعل أنفسنا متقبلين لفيضه العميم.

عندما ننادي الله بكل جوارحنا تنزاح كل المعوقات من قلق وشكوك ومخاوف ونشعر بقربنا من الله وبقربه منا.
 
 تمنياتنا للجميع بالخير والبركة

والسلام عليكم أصدقاءنا

كن ضيفي الأبدي

يا رب، سدد خطواتي على الدروب المستقيمة
 وحرّك يديّ في أعمال الخير.

وبارك عينيّ كي تبصرا ما ينبغي لي أن أراه
 ودع إلهاماتك تنساب من خلال كلامي
واغدق لطفك على الآخرين من عباراتي العذبة الرقيقة.

ليتضوع شذاك من زهرة روحي
وليجتذب النفوس إلي هيكل حضورك.

لتبارك لمستك قلبي
عله يخفق بالتوافق والإنسجام مع الجميع.

اعمل من خلال أفكاري
علني آتي بالآخرين إلى ينبوع سلامك.

كن ضيفي الأبدي
واسكن معبد سكينتي وفرحي.

لن أنساكَ يا رب
ولن أسير على دروب الحياة بدونك.

لقد كنت تائهاً على دروب الزمن
فأريتني الطريق وأعدتني إليك.

امنحني الأشواق الوجدانية الغامرة
وفي صدى الإخلاص الحيّ لك
دعني أسمع صوتك المبارك.

* * *

قال المعلم مشجعاً أحد التلاميذ:

التعثر والسقوط في المطبات الخاطئة هو فقط ضعف مؤقت.

لا تفكر بأنك ضعت في متاهات الحياة ولن تتمكن من العثور على الدرب مرة ثانية، فنفس الأرض التي تسقط فوقها يمكنك استخدامها كدعم وسند كي تنهض من جديد، فيما إذا تعلمت من تجاربك.

إن تبيّنت أخطاءً محددة في حياتك وقررت عدم تكرارها، فحتى لو سقطت ثانية فإن زخم ذلك السقوط سيكون أقل بكثير مما لو لم تحاول على الإطلاق.

لا ينبغي أن نتوقع النجاح في كل محاولاتنا.

بعض محاولاتنا قد تفشل، ولكن محاولات أخرى سيكتب لها النجاح.

واعلم أن النجاح والفشل متداخلان، ولا يمكن لأحدهما أن يكون مستقلاً تماماً عن الآخر. لذلك يجب أن لا تأخذنا العزة في الغرور إن حصلنا على مقدار كبير من النجاح، ولا ينبغي أن نشعر بالتثبيط والإحباط إن تعرضنا للفشل. 

* * *

يحكى أن أستاذاً مشهوراً عاش معظم حياته في حالة صحية سيئة. وقبل بلوغه سن الأربعين كان قد عانى من انهيارين عصبيين وأصيب بمرض خطير في القلب.

كان من الصعب جداً عليه مواصلة عمله، وازدادت حالته سوءاً مع مرور الأيام حتى أصبح يعاني من صعوبة بالغة في المشي وإلقاء الدروس، إذ أن أقل حركة جسدية كانت تسبب له ألماً مبرحاً وشعوراً بالإختناق.

أخيراً – طالت أعماركم- أخبره أطباؤه أن أيامه أصبحت معدودة فزاد تشخيص الأطباء من شعوره بالعجز والقنوط.

بعد ذلك بقليل حضر خلوة روحية إلهامية جعلته يرى الأمور من منظور جديد، وشعر بالقرب من الله.

في عصر ذلك اليوم ذهب ليتمشى فدخل غابة من الصنوبر وجلس على جذع شجرة ليستريح، ووجد نفسه يبتهل من كل جوارحه سائلاً الله من أعماق قلبه كي يشفيه ويحرره من عجزه الجسماني.

ثم طلب من الله أن يأتي إليه ويتولى حياته ويصحح وضعه الجسدي.

وقد قال بهذا الخصوص: "هناك في الغابة حدث لي تواصل مع الله، وشعرت أن كل خلية في جسمي كانت ترتعش بالحضور الإلهي."

بعد ذلك بأيام قليلة تمكن من تسلق جبل، وهو نشاط لم يقوَ على ممارسته من قبل، وقال بهذا الصدد: "عندما بلغت قمة الجبل فارقتني مشاعر الخوف والضعف ولم أحس بها ثانية. ومنذ ذلك الحين أصبحت أشعر أن قلباً جديداً ينبض في صدري."

وهذا ما حدث بالفعل، إذ أصبح معروفاً بحيويته وطاقاته وإنتاجه الأدبي الغزير وعاش ما يقرب من الأربعين عاماً بعد ذلك التشخيص من أطبائه.

غالباً عندما لا نجد بداً من تغيير طرق تفكيرنا وتصرفنا – إما بفعل الحاجة أو الألم – نضطر للتسليم لله والبدء من جديد، فتبدأ العملية الخلاقة وتنساب قوة الحياة دون عائق إلى أفكارنا وأجسامنا.  لهذا السبب، وأثناء المعاناة النفسية أو الجسدية الحرجة يحصل التغيير الروحي الفعلي.

هناك ابتهال يدعى "دعاء التخلي" حيث يقول المتضرع:

"يا رب، في هذه اللحظة تواجهني هذه المشكلة، لكن النتيجة بين يديك يا إلهي الحبيب، فالأمر أمرك وسأقبل بمشيئتك وأرضى بما تريده لي."

طبيعي من الصعب لكثيرين الإبتهال بإخلاص على هذا النحو، إذ يعني ذلك التخلي عن الإرادة الذاتية وعن رغبات "الأنا"، وهذه من أصعب الأشياء بالنسبة للإنسان، ومن يقدر على ذلك يبرهن عن ثقة تامة بالله.

لكن هذا لا يعني أن نصبح سلبيين متواكلين، ومتوقعين من الله أن يحل كل مشاكلنا دون بذل أي مجهود من جانبنا. "وقل اعملوا"  لأن الإيمان دون عمل لا حياة فيه.

إن جلس شخص في غرفة وأغلق عليه الباب وراح يؤكد لنفسه بأن الله سيغنيه دون أن يفعل أي شيء أكثر من ذلك فلن يستجيب الله لدعائه، لأنه يتحتم عليه أن يعمل كي يحصل على الثراء أو أي شيء آخر."

الإيمان الأعمى الخالي من "العمل" أو المجهود  الروحي يُخمِد وهج العقل، لكن إن استخدم الإنسان عقله واتخذ الإجراءات المنطقية وقام بالأنشطة البناءة سيحظى بالعناية المقدسة ويحصل على الإستجابة الإلهية.

* * *

الصداقة الحقة هي أعظم من أي ثروة في هذا العالم.
ومن يمتلك المحبة في قلبه سيعرف الآخرين حق المعرفة
تماماً كما لو كان ينظر من خلال زجاجة صافية فيرى ما بداخلها.

 ومعرفة الآخرين على هذا النحو تتأتى من محبة الله ومحبة الآخرين بتلك المحبة.

* * *

في الصورة: المعلم برمهنسا مع بعض أصدقائه الهنود الحمر الذين كانوا يثمنون صداقته ويسعون للتواصل معه ويستأنسون بلقائه


كثيراً ما نجد أنفسنا عالقين في ظروف نبدو عاجزين عن تغييرها. نحاول كل ما يمكننا التفكير به، بما في ذلك الدعاء المخلص لله لتغيير ظروفنا بحسب ما نعتقد أنه الأنسب لنا. وبالرغم من ذلك فقد لا يتحقق ما نتلهف عليه سواء كان معونة مالية أو صحة أو أي شيء آخر، فيعترينا القنوط ونشعر بالخذلان. 

لكن عندما لا نقدر على التواصل مع القوة الإلهية في داخلنا فذلك يعود إلى عدم فهمنا لمعنى التسليم.

كان أحد الحكماء ينصح بحل كل المشاكل عن طريق التأمل، لكن معظم الناس لا يدركون أن التأمل لا يعني محاولة الإمساك بالله أو الحصول على أي شيء آخر منه. يجب أن ندرك أولاً صلتنا بالله وأن نتخلى عن الذاتية الصغيرة أو "الأنا" التي تقف حجر عثرة في طريق حياتنا وتحد من انسياب القوة الإلهية إلينا.

هناك قصة عن امرأة ظلت عاجزة معتلة لثماني سنين، وكانت تصلي لله باستمرار ليشفيها كي تتمكن من القيام بعملها. أخيراً أصيبت بالإحباط جراء ما بدا لها أنها محاولات عقيمة وسلّمت أمرها لله مبتهلة على النحو التالي:

"أضع حياتي بين يديك يا رب. فإن أردتني أن أظل كسيحة مقعدة فهذا شأنك، لكنني أريدك أكثر من العافية، والأمر لك فيما تريد وتفعل."

وفي غضون أسبوعين تعافت بالكامل وغادرت سرير المرض.

هذا قد يبدو متناقضاً، لكن الفكرة الأساسية هي أننا غالباً ما نحاول الطلب من الله كي ينفذ إرادتنا بدلاً من التسليم لإرادته. فالابتهالات الصادرة عن إرادة ذاتية ورغبات أنانية تسد قنوات الدعاء. أكيد أن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم، وكلما قمنا بتمرين إرادتنا المتناغمة مع الإرادة الإلهية كلما جلبنا المزيد من القوى المباركة إلى حياتنا.

 لكن في بعض الأحيان لا تكون إرادتنا موجهة بالحكمة، ومع ذلك نصرّ على الحصول على شيء ليس من صالحنا الحصول عليه، فلا يتدخل الله لتغيير ظروفنا.

مواردنا الذاتية قد تكون كافية أحياناً للتعامل مع ظروفنا، لكن فيما بعد تواجهنا أمور خطيرة لا قدرة لنا على تغييرها، فنجد أنفسنا في مأزق. لكن إن تمكنا من إزاحة "الأنا" جانباً وصلينا بصدق وإخلاص: "لتكن إرادتك يا رب وليس إرادتي" نفتح قلوبنا لفيض الهداية فتنساب إلينا القوة الإلهية ومعها بركات غزيرة.

وبالرغم من بذل كل ما بوسعنا لحل مشكلاتنا يجب أن ندرك أن القوى البشرية محدودة وأنه يتعين علينا أن نفتح نفوسنا لقوة الله غير المحدودة، لكن على ما يبدو ينبغي لكثيرين أن يعانوا العجز التام قبل أن يدركوا هذه الحقيقة.

هناك ترنيمة مفادها: "عندما أعلقُ تأتي كي تحررني"

وتلك هي طريقة الله ليعلمنا أنه في نهاية المطاف هو وحده القادر على تغيير الظروف العصية وحل المشكلات المستعصية.  

* * *

مع أن الله يستمع لكل ابتهالاتنا (كي يفتقدنا بزيارة)
 لكنه لا يستجيب دوماً.

إن حالتنا تشبه حالة الطفل الصغير الذي ينادي أمه
 لكن الأم لا تجد ضرورة في أن تأتي إليه،
 فترسل له لعبة كي يتلهى بها ويسكت.

ولكن عندما يرفض الطفل أن يتعزى بأي شيء آخر
سوى حضور الأم نفسها، تأتي إليه.

وبالمثل، من يريد التعرف على الله
يجب أن يكون كذلك كالطفل
 الذي لا يرضى عن حضور الأم بديلا.

تنمية المغناطيسية

باستطاعة الشخص أن ينمّي المغناطيسية التي يختارها سواء لاجتذاب قوة الله العليا، أو لتحصيل القوى العقلية أو لجذب الضرورات الحياتية اليومية.

لقد منح الله الإنسان جسداً ويجب أن يعتني به ولكن من ينمّي ويستخدم مغناطيسيته في تحصيل الأشياء المادية والقوة العقلية لا غير سينخدع في النهاية. أما الذين ينمّون المغناطيسية الروحية فإن تلك القوة المباركة ستهتم بهم وتحقق كل احتياجاتهم المادية.

هناك قانون كوني يعمل بفعالية وقد جرّبته في حياتي وتأكدت من عمله.

من الضروري أن يمتلك الشخص جسماً قوياً معافىً يستجيب لأوامر العقل. تصوروا شخصاً متثاقلاً، فاقد الهمة، يذهب إلى عمله دون طموح أو نشاط.. ثم تصوروا حصاناً على أهبة الجري في حلبة السباق لمجرد حصوله على إشارة بالإنطلاق. هكذا يجب أن يكون الجسم.

أحياناً نلاحظ بعض المتقدمين في السن بصحة جيدة وبهمة الشباب،
أجسامهم تبدو فتية ومليئة بالمغناطيسية، إذ بالرغم من سنهم فإنهم يتمتعون بشخصيات جذابة.

الجلوس بتراخٍ و"انجعاء" يُذهب الحيوية.. لاحظوا الكيفية التي يجلس بها الناس في مقاعدهم..بعضهم يبدو متراخياً ونعساناً، بحيث ما أن تراه حتى تشعر بالتعب. شخص آخر يجلس باعتدال فتعرف أنه ذو حضور متوقد وما أن تنظر إليه حتى تتجاوب معه.

من يسمح لنفسه بالجلوس بتراخٍ وبلا مبالاة يساهم بتقوّس وانحناء عموده الفقري من خلال الجلسة غير الصحيحة وهذا النوع من الجلوس يؤثر أيضاً على الحالة النفسية ويجعل الفكر سلبياً.

الذين يجلسون باستقامة واعتدال هم أكثر إيجابية وتفاؤلاً. أما الذين لا يستطيعون – بسبب حالات خاصة – من الجلوس باعتدال فيمكنهم التعويض عن ذلك بتفاؤلهم ونظرتهم الإيجابية وحضورهم الذهني القوي.

ركز ذهنك دوماً على الشيء الذي تقوم به مهما بدا صغيراً وعديم الأهمية، وفي نفس الوقت احتفظ بعقلك مرناً بحيث يمكنك تحويله إلى اهتمام آخر إن دعت الضرورة. ولكن علاوة على هذا وذاك افعل كل شيء بتركيز تام لأن ذلك من شأنه تنمية مغناطيسيتك بشكل كبير.

معظم رجال الأعمال الناجحين في أي مجال يعرفون جيداً كيف يستخدمون القوة المغناطيسية.

ضبط النفس يمنح مغناطيسية وكذلك امتلاك عقل متوازن غير متأثر بالعواطف والانفعالات.

يجب تحويل الإنفعال العاطفي إلى قوة.. إلى نشاط ذهني.. ويجب أن تتحكم الحكمة بالعواطف حتى تظهر المغناطيسية.

الذكاء الممزوج بالعاطفة يخلق المغناطيسية. صاحب المغناطيسية يتكلم بثقة.

إنه يتكلم كلاماً عقلانياً لكنه يشرّب كلامه بالعاطفة. يجب أن نكون مخلصين في كل ما نقوله ونفعله لكن الإخلاص لا يعني إزعاج الآخرين وإحراجهم.

الخضار والفواكه لها خواص مغناطيسية، لا سيما الفاكهة فهي لا تعرقل أو تعيق عملية الهضم، في حين أن الإفراط في تناول البروتينات والنشويات يساعد على ترسّب السموم في الجسم.

أي عضو مريض سيخلق عدم توازن في الجسم. يجب إبقاء المعدة بصورة خاصة سليمة ومعافية، على سبيل المثال الغازات في المعدة تسبب المضايقة وبالتالي تؤثر سلباً على المغناطيسية.

كما أن استهلاك كميات كبيرة من الطعام له مضاعفات غير مستحبة في حين يساعد الصيام على إظهار المغناطيسية وكذلك الإستغناء عن بعض الوجبات بين الحين والآخر لكن هذا لا يعني تجويع النفس لدرجة الإضرار بالصحة.

الذين يأكلون اللحم ثلاث مرات في اليوم عيونهم كليلة ومغناطيسيتهم قليلة.. ومع ذلك فالغذاء الصحيح وحده لا يكفي بل الحاجة تمس للتفكير السليم والتصرف النبيل والسير باستقامة على دروب الحياة.

* * *

إن وثقت على الدوام

ثقة تامة لا يتطرق إليها الشك

بأن قوة الله تعمل في داخلك

خلف أفكارك وابتهالاتك وقناعاتك

لتمنحك قوة غير محدودة

لمواجهة كل ظروف الحياة

وإن آمنت بأن الله معك

وعنايته تواكب خطواتك

فستشعر دوماً ببركاته

وتلمس حضوره

 في كل مناحي حياتك


* * *
الله محبة وخطته للخليقة لا يمكن أن تكون منبثقة عن، أو متأصلة في أي شيء آخر غير المحبة . ألا تمنح تلك الفكرة البسيطة القلبَ البشري عزاءً وأملاً أكثر من أي منطق آخر؟
إن كل العارفين الذين نفذوا إلى لب الحقيقة شهدوا بوجود خطة إلهية كونية وأنها جميلة ومليئة بالمسرات.

لقد خلقنا الله ملائكة من الطاقة، مغلفين بتيارات من الحياة، تسري عبر المصابيح الجسدية.
لكن نظراً لتركيزنا على هشاشة ووهن المصباح الجسدي، نسينا كيف نشعر بالخصائص الخالدة وغير القابلة للفناء لطاقة الحياة الأبدية الموجودة داخل المصباح الخاضع للتقلب والتغيير.
عندما تتخطى وعي هذا العالم،
 مدركاً أنك لست الجسد ولا الفكر
 ومع ذلك تبقى على دراية بوجودك
 فطبيعتك الحقيقية هي ذلك الوعي النقي الطليق
الذي يحوي كل ما في الكون.
الحب الإلهي يصفّي كل الرغبات المادية ويحولها إلى طموحات نبيلة وتطلعات سامية، ويشفي القلب من الآلام التي غالباً ما تسببها الارتباطات غير القائمة على أسس ثابتة من المحبة الراسخة والفهم الأكيد والاحترام  المتبادل، أو تسببها وفاة شخص عزيز,
عندما نحب الله محبة تامة لا يمكننا أن نرضى بأي حب آخر ما لم يكن جزءاً من ذلك الحب الأعظم،  وفي تلك المحبة الإلهية سنجد حب كل القلوب لأن الله هو مصدر الحب في الكون.
كل ما يمنحه لك العالم ثم يأخذه منك ليتركك في حسرة أو ألم أو إحباط تجده في الله بمقدار أكبر بكثير .. ودون تبعات من الخيبة والأسى.
إنني أرمي بشبكة أشواقي
في بحر فكري الفسيح.

كثيراً ما أفلتت مني
أيها الحب الإلهي
أيها الصيد الثمين!
ومع ذلك فإنني أتابع الغوص
 في أعماق السلام.

وبلا توقف أرمي بشباك حبي نحوك
الواحدة تلو الأخرى
ولا بد أن أصطادك يوماً في
 شبكة حنيني اللامتناهي لك.

شبكة حبي هذه أرميها في كل مكان..
فوق أمواج الحياة المتلاطمة
وحول النجوم المتوامضة
وفي لجج النفوس الطيبة.

كل ما أعرفه هو أنني صياد
وسأتابع محاولتي الإمساك بك
يا أعز منية وأعظم كنز في الوجود!

* * *

لا قدرة للمعالجين الروحيين العاديين أو للكهنة على غفران الخطايا أو تحرير الخاطئين الذين يقصدونهم طلباً للنصح، إذ كل ما يقدرون عليه هو منحهم وصْفاتٍ روحية ليس أكثر.

أما العارفون بالله فقد بلغوا مراحل روحية متطورة جداً بحيث لا يكتفون بتقديم النصح الروحي وحسب للخاطئين، بل يمكنهم – بفضل الله وعونه - شحنهم بالقوة الروحية التي تحررهم من نتائج أعمالهم الآثمة.

إن كل الأعمال الصالحة والشريرة كامنة في خلايا الدماغ وتظهر على هيئة عاداتٍ أو نزعات صالحة أو شريرة في الفكر.

الإنسان الذي يعاني من عادات غير سليمة بسبب خلايا دماغه المشحونة بقوة تلك العادات يمكن تحرير نفسه بقوة الإرادة والتأمل والدعاء الصادق والتأكيد الإيجابي المتواصل إلى أن تتحول كل عاداته غير المرغوبة إلى عادات طيبة من السلام والهدوء.

هذا يحدث عندما تعمل قوة الحياة الموجّهة توجيهاً صحيحاً على تغيير الطبيعة غير السوية لخلايا الدماغ بحيث تصبح تلك الخلايا مفعمة بكل ما هو طيّب وصالح وجميل.

وهذا يعني أن خلايا الدماغ المليئة بالأفكار المغلوطة تكتوي بالنشاط الحيوي عند استجماعه بقوة في الدماغ واستخدامه للأغراض النافعة النبيلة.

الشخص المرتبط بقوة مع جسده المادي يستبقي على النشاط الحيوي منشغلاً بعضلاته وحواسه، لكن ذا الميول الروحية التأملية يُبقي عضلاته وجسده في حالة من الإسترخاء الناشط، وفكره بعيداً عن الحواس بحيث تكف قوة الحياة عن البقاء في الجهاز العصبي وتتجمع في الدماغ.

لهذا السبب فإن التأمل هو الوسيلة الأنجع لروحنة خلايا الدماغ واستئصال جذور أية عادة غير مرغوب بها من الفكر.

العادة قوةٌ، والناس يسيؤون استخدام تلك القوة باقتراف الأعمال الشريرة بدلاً من توظيفها في أعمال الخير.

إن الجهل، وعدم التروي، وعدم انتقاء المعشر الحسن، وإهمال الأعمال الطيبة، كل هذه غالباً ما توقع الشخص في أشراك وشباك العادات السيئة الشبيهة بالرمال المتحركة التي تبتلع السائر فوقها رغماً عن إرادته.

إن تأثير الصحبة لأقوى من قوة الإرادة ومن التمييز السليم:

(لا تصاحبْ من الأنامِ لئيماً .. ربما أفسدَ الطباعَ اللئيمُ)

الحكماء يتصرفون تصرفاً نبيلاً دون مجهود، أما محبو الأذى فيبدوا أنهم مجبرون على القيام بأعمال مشحونة بالضرر والأحقاد بفعل قوة العادة التي ترغمهم على مقارفة الإثم وارتكاب الشرور.

نسأله تعالى أن يلهمنا الأفكار الطيبة
كي نبصر الخير والجمال
ونميّز بين النافع والضار
وكي نتوجه إليه
ونتأمل عليه
مصدر كل خير
وينبوع كل صلاح

* * *

خلف ظلال هذه الحياة يكمن نور الله المدهش العجيب.

الكون بأسره معبد فسيح الأرجاء لحضوره المبارك.

عندما نفكر بالله تفكيراً جاداً معمقاً..
ونحبه محبة فائقة..
ونثق به ثقة مطلقة..
تنفتح أمامنا أبواب لا حصر لها.

وعندما نبصر نوره
ونلامس حضوره
لا تستطيع كل أحداث الحياة المريعة المرعبة
أن تسلبنا السلام والطمأنينة
اللذين نشعر بهما بالقرب من الله.

* * *

في الحياة وفي الممات
في المرض والمجاعة
أو الفاقة والشقاء..
وفي تقلبات العالم واضطرابه وهيجانه
أعتصم بك يا رب.. على الدوام.

ما هو الحب؟
الحب هو عبير الزنابق المتفتحة
وكورس الورود الصامتة
المحتفية بجمال الطبيعة.

الحب هو أغنية الروح تنشد للحياة
ورقصة الكواكب الإيقاعية المتزنة
في انطلاقتها الدائمة في الفضاء السحيق.

إنه ظمأ الزهور لارتشاف أشعة الشمس
وتورّدها وارتواؤها بإكسير الحياة.

إنه شوق الأرض
لتغذية الجذور العطشى بلبنها
وإرواء الصنوف الحية بعصارة الحياة.

إنه إرادة الشمس الجبارة
لإبقاء كل الكائنات مفعمة بالنشاط.
وهو دافع الحياة
لتوفير الحماية والرعاية للقاصرين.

إنه بسمة البراءة تستمطر الحنان الأبوي على الرضيع
وهو الإذعان التلقائي في قلوب المحبين
لتقديم الخدمة والعزاء دون مقابل..

إنه نبض الصداقة
الذي يجبر الخواطر الكسيرة ويشفي الجراح..
وهو نداء القلوب الذي يعصى على الوصف.

إنه الشاعر المترع بحب الإنسانية
المتألم لشقائها..

إنه دائرة الألفة بين أفراد الأسرة الواحدة
دائمة التمدد والإتساع نحو مساحات أوسع
ومجالات أرحب..

إنه همسة الحياة
في آفاق العقول المتفتحة
وسماء القلوب المرصعة بنجوم المشاعر النبيلة.

الحب هو نعيم الروح
الذي تصبو إليه النفوس المُحبة
وتحن للتوصل إليه والتواصل معه.

* * *

الموت – طالت أعماركم - ليس النهاية، بل هو تحرر مؤقت يُمنح للإنسان عندما يقرر قانون العدل الكوني أن جسده الحالي وبيئته قد أديا الغرض منهما، أو عندما يصبح شديد الكآبة أو الإرهاق أو المعاناة بحيث لا يقدر على تحمل المزيد من أعباء الوجود الأرضي.

بالنسبة للمتألمين، الموت هو قيامة أو ابتعاث من عذابات الجسم الأليمة إلى يقظة السلام والسكينة والراحة.

بالنسبة لكبار السن، هو تقاعد اكتسبوه بسنين من الكفاح والعمل الجاد في معترك الحياة.

وبالنسبة لكل النفوس الطيبة هو استراحة مرحب بها.

آن للإنسان أن يفعّل القوى الكاشفة للحقائق في داخله. فالسعادة مقترنة بذلك الكشف وعلى الراغبين في بلوغ تلك الآفاق الذاتية بذل المجهود الهادف وتغذية العقل بالأفكار الخلاقة لملامسة ما أودعه الله بهم من حقائق والإستفادة من القوى المباركة التي يزخر بها كيانهم.

من يرغب في إشباع الحواس المادية دون تذوق لرحيق السعادة الروحية
من الينبوع الإلهي مصدر كل رضاء ومسرّة يستثمر استثماراً خاسراً فتبور تجارته ويكون محصوله المعرفي هزيلا.

الراغبون في التعرف على الله سيحقق الله رغبتهم لأنه كريم جوّاد لكن معظم الناس يهرولون خلف رغبات دنيوية يعللون النفس بسعادة مادية لا دوام لها فيعانون بسبب عدم تحقيقها.. أو بسبب تحقيقها!

وحتى الناجحون مادياً سيشعرون في نهاية المطاف بفراغ في حياتهم يصعب ملؤه.  أما الذين يقرنون حياتهم بالله فهم أثرياء أقوياء ويتمتعون بالرضاء والرخاء.

إن عدم الإمتثال لوحي الحكمة وإغفال الإصغاء لصوت الضمير يقودان إلى دورب ملتوية، زلقة ومحفوفة بالمخاطر والشقاء في حين يفضي السير على درب الرشاد إلى التحرر من القيود المكبّلة وامتلاك القوة اللازمة لعمل الصواب لا ما تمليه الغرائز الضالة والعادات المضللة.

بإمكان الباحثين عن السعادة الإستفادة من خبرة الحكماء الذين عالجوا معضلات الحياة وتوصلوا إلى إيجاد الحلول لها.

حقاً أن من ينسجم مع المقاصد الإلهية يعوم في بحر من القناعة والطمأنينة وأنه لذو حظ عظيم.

* * *

كل فكرة نفكرها تخلق اهتزازاً محدداً.

عندما تفكر بالله بكل كيانك وذهنك وجوارحك - وتهمس بعقلك وقلبك "يا رب" مراراً وتكراراً في داخلك، تشكّل بذلك اهتزازاً قوياً يستجلب الحضور الإلهي إلى حياتك.

عندما ندرك بأن الله هو حبيبنا الأزلي وصديقنا الدائم وأن محبته لنا أعظم من أية محبة أخرى، عندئذ نشعر بقربه ونلامس حضوره فتطمئن قلوبنا ونشعر بسلام روحي فائق.

عندما تتأمل على الله وتشعر بخفقات متزايدة من الفرح في قلبك وفي كل جسمك، وتأتيك هبّات من ذلك الفرح بين الحين والآخر، فاعلم أن الله قد استجاب لأشواق قلبك وأن أحاسيس الغبطة التي تختبرها هي البرهان على تلك الإستجابة المباركة.

العادات هي أدوات وآليات سيكولوجية تلقائية الحركة تساعد في إنجاز أعمال ضرورية بيسر وسهولة.

كثيرون يسمحون لعادات الضعف والفشل باستعبادهم، وبإمكان الإنسان أن يحمي نفسه إذا ما عاش بكيفية مغايرة لذلك، شرط أن يكون جاداً في مكافحة العادات الضارة حتى يبلغ بر الأمان وشواطئ الظفر.

الرغبات ذات الجموح تشجع العادات غير الصحية عن طريق تغذيتها وتعليلها بالآمال والوعود الزائفة لسعادة وهمية ورضاء لا دوام له.

في تلك اللحظات.. لحظات الضعف والحيرة.. على الراغب في التغلب على العادات الجامحة أن يستنفر قواه التمييزية كي يدرك طبيعتها الحقيقة ويحسن التعامل معها.

العادات السيئة عواقبها وخيمة وثمارها مريرة وسامة.

هذه العادات الهدامة إذا ما بقيت دون ضابط يضبطها ستزداد قوة بحيث تستبقي على الشخص في قبضتها القوية ونفوذها الكاسح.

وما أن يقتنع العقل بعقم ومضار تلك العادات حتى يخف تأثيرها وتزول بالنهاية من حياة الإنسان.

مثلما نفكـــــر هكذا نحن

فالميول المألوفة لأفكارنا تقرر ماهية مواهبنا وقدراتنا وشخصيتنا.

البعض يفكــــــرون أنهم كتاب أو فنانون أو نشيطون مجتهدون أو كسالى خاملون، وهكذا دواليك. لكن ماذا لو أردت أن تكون غير ما أنت هو الآن؟

قد تجادل أن البعض ولِدوا بمواهب خاصة تفتقر إليها لكن ترغب بامتلاكها. هذا صحيح. لكنهم عملوا على تنمية تلك القدرات أو الرغبة بامتلاكها من قبل. إن لم يكن في هذه الحياة ففي وجود سابق.

ولذلك، يجب أن تبدأ الآن بالعمل على رسم معالم ما تريد أن تكونه.

بإمكانك أن تغرس وترسّخ أي توجّه في وعيك الآن، شرط أن تضخ فكرة قوية في عقلك، وعندئذ ستمتثل أفعالك ويستجيب كيانك بأسره لتلك الفكرة ويعمل بموجبها.  

* * *

يولد الوعي الروحي في مهد المحبة التي هي أعظم بما لا يقاس من قوة الكراهية المدمرة.

فما نقوله أو نفعله تجاه الآخرين يجب أن يكون مدفوعاً بالمحبة.

يجب عدم إيذاء الغير وعدم إدانتهم بل محبتهم ومقاسمتهم ما يجود الله علينا به من نعم.

الأشياء التي نملكها هي ليست لنا في الحقيقة، بل مُنحت لنا لكي نستخدمها مؤقتاً، وستؤخذ منا عندما نغادر هذا العالم.

يجب أن نترفع عن وعي التملك وأن نعطي ما نقدر عليه وعندئذ سنجلب تلقائياً الخير والبركة لأنفسنا. من يعطي يُعطى له.

مرات كثيرة لم يكن معي فلس واحد لكن اعتمادي كان على البنك الإلهي وقد رافقتني البحبوحة المقدسة وعضدتني القوة الإلهية.

إن إيماني المطلق بالله وبعونه هو ضمانتي القصوى في الحياة، فهو لم يخذلني ولم يخيب رجائي أبداً.

عندما تمتلك الوعي الروحي، فأينما ذهبت، ومهما كانت حاجتك سيعمل القانون الكوني على تحقيقها لك.



تفضلوا بزيارة صفحة المعلم برمهنسا يوغانندا على الفيسبوك

وأيضاً موقع سويدا يوغا

  لقراءة المزيد رجاء الضغط على Older Posts أو  Newer Posts
في أسفل الصفحة



باراماهانسا يوغاناندا بارامهانسا يوغاناندا بارماهنسا  

يوغا  برمهنسا يوغانندا 

No comments:

Post a Comment