Thursday, December 18, 2014

نفائس روحية



نفائس روحية
حِكم وأشعار وحكايات للمعلم

برمهنسا يوغانندا
Image
PARAMAHANSA YOGANANDA
ترجمة محمود عباس مسعود



لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء الضغط
 على Older Posts أو  Newer Posts

في أسفل الصفحة أو أحد السهمين


تلك القوة الإلهية
ستعضدكم وتقوّيكم
مثلما عضدتني وأمدتني دوماً بالقوة.
أتكلم بهذه الحقائق من تجربتي الشخصية
ولو لم أختبر هذه الأمور في حياتي
لما تمكنت من الحديث عنها.
إنني أحيا بالإيمان بالله
الله هو قوّتي
ولا أؤمن بقوة غير قوة الله
وعندما أركّز على تلك القوة المباركة
توافيني وتعمل من خلالي

عندليب السماء
إلهي..
أنا عندليبك الصاعد إلى سموات حضورك الكوني
في بحث دائم عن قطرات غيث حقيقتك.
لقد ابتهلتُ لك بثقة عميقة
كي ترسل من غيوم الصمت القاسية زخـّات رحمتك.
وإذ كنتُ في منتهى العطش
فقد تلقفت بشوق كل نقطة مقدسة من إدراكي لك.
آه كم تحرّقتُ لأحس بحضورك في داخلي ومن حولي!
لم ينطفئ عطشي المزمن إلا عندما برّدتْ لمستك
نفسي المضطرمة وكياني المتأجج حماساً.
لقد انقضى موسم جفاف اليأس والقنوط
وتلاشت يبوسة المنغصات لدى انهمار مطر سلامك.
والآن أحوم بهدوء وأحلـّق مترنماً بأناشيد القناعة والرضى.

أنا عندليبك الذي لا يشرب سوى مياه عزائك
المنحدرة بلا انقطاع من علياء وجودك.

* * *

الكلمة المفتاحية بالنسبة لمعظم الناس في هذه الحياة هي "أنا".
ذو الطباع والميول الروحية يفكر بالآخرين مثلما يفكر بنفسه.
الذين لا يفكرون إلا بأنفسهم يجلبون لأنفسهم عداوة وسخط الناس
من حولهم. أما الذين يراعون مشاعر ومصالح الغير فيجدون أن
الآخرين يفكرون بهم ويراعون مشاعرهم.

إن كان هناك مائة شخص في بلدة ما، وكل واحد يريد أن يأخذ من
الآخر فسيكون لكل واحد تسعة وتسعون خصماً. أما إن كان كل واحد
يحاول مساعدة الآخر فسيكون لكل واحد تسعة وتسعون صديقاً.

لقد عشت بتلك الكيفية ولم أفقد شيئاً بمقاسمة ما لديّ مع الآخرين.
بل أن كل ما أعطيته عاد إليّ مضاعفاً من فضل اللهً. والآن لا أتشوق
لشيء لأن ما أملكه في أعماقي أكبر وأثمن من أي شيء يمكن أن
يمنحه لي العالم. ما يجدّ الإنسان في طلبه هو تحقيق السعادة
ومتى امتلك السعادة تنعدم الحاجة إلى الظروف الموصلة إليها.

ضماني في هذا العالم هو مشاعر الناس الطيبة نحوي.
فإن تمكن المرء من العيش في قلوب أحبته وأصدقائه
فهذا هو الغنى الحقيقي.

عندما نكون إيثاريين نصبح سعداء. وإن انتهجنا هذا السبيل سيتأثر
الآخرون من حولنا بسلوكنا ويحاولون محاكاتنا. يجب التخلص من
الأنانية التي هي علة كل الشرور الفردية والإجتماعية.

كيف ولماذا تبدأ المشاكل

كل إنسان  يسعى – بوعي منه أو بغير وعي -  للتوصل لقناعة ذاتية  بأنه لا يُقهر وغير قابل للفناء. وفي كل طموحاته الخارجية، سواء عن طريق العلم أو التجارة أو الطب أو أي من مناحي الحياة الأخرى – يسعى الإنسان لتحقيق السلام والأمن لنفسه والتحرر من المعاناة وبلوغ السعادة الدائمة.

لا بأس من ذلك، بل هذا حقه وميراثه الطبيعي الذي يريده له خالقه شرط أن يريد نفس تلك البركات أيضاً لغيره مثلما يريدها لنفسه.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن معظم الناس يحاولون تحصيل ذلك الميراث اللامحدود واللامتناهي عن طريق وسائل محدودة ومتناهية.

إن إنجازات الإنسان ستتعزز وتكتسب استحقاقاً أكبر لو أنه – بالإضافة إلى اكتشاف العالم  قام أيضاً بالمجهود اللازم لاستكشاف الإمكانات والقوى الروحية في داخله!

ما من شك أن التقدم المادي يستحق الإعجاب، لكن ما من قدر من النجاح الخارجي وحده سيمنح الإنسان الرضاء والأمن الداخليين اللذين يجدّ في طلبهما.

لقد ساعد العلم في القضاء على الكثير من الأوبئة التي هددت الأجيال السابقة وساعد على ابتكار أساليب متطورة للإنتاج، قادرة على القضاء على الجوع والفقر. لكن مع كل ذلك من الصعب الإحتفاظ بالتوازن الصحيح في هذا العالم بالإعتماد على الإنجازات المادية وحسب.

 يحرز الإنسان تقدماً في مجال ما فيُفاجأ بظهور مشاكل غير متوقعة تنغص عليه إنجازاته.
 
هذا لا يعني أنه لا ينبغي للانسان أن يحاول إيجاد حلول لمشاكله عن طريق الوسائط الخارجية، إنما المقصود هو التوازن وعدم الجنوح إلى جانب واحد على حساب الجانب الآخر.

 لقد وهب الله الإنسان العقل وقوة الإرادة، ولا بد من استخدامهما لتحسين ظروفه في العالم.. و في الوقت الذي تُبذل فيه الجهود الطيبة يتعين إدراك المصدر الداخلي للقوى والذكاء والتناغم مع ذلك المصدر لأن الإخفاق في ذلك التوافق هو السبب من وراء مشاكل الإنسان وأخطائه.

لقد امتلك الإنسان الخبرة في ميادين العلم والتكنولوجا والطب ومجالات أخرى مكّنته من توفير أساليب الراحة، لكن هذا لا يعني أن بمقدوره الإستغناء عن خالقه وإلا فقدت الإنجازات قيمتها  فتبدأ المشاكل الإجتماعية والأسرية والسياسية والبيئية بالظهور والإنتشار، لأن الإنسان باعتماده التام على الأمور الخارجية يفقد الحكمة التي تمكّنه من التعامل مع الطاقات الهائلة التي أطلقها باستخدام الأساليب والوسائل العلمية.

ونتيجة لذلك تصبح الحياة شديدة التعقيد بالنسبة له بحيث يتعذر عليه التعامل معها، بل وتصبح مصدراً للقلق وعدم اليقين.

* * *

يجب أن يحيا الشخص بكل أفكاره ومشاعره وبصيرته
 وأن يكون يقظاً ومتنبهاً لكل ما يدور حوله
 تماماً كالمصور البارع الذي يتحين أنسب الفرص
 لالتقاط أروع الصور لأبهج المناظر.
سعادة الإنسان الحقة تكمن في استعداده الدائم
 للتعلم والتصرف السليم والمحترم.
 وكلما قوّم نفسه
كلما ساعد في ترقية الآخرين من حوله وإسعادهم.
قلائل هم الذين يحللون أوضاعهم
 ويقررون ما إذا كانوا يتقدمون على الطريق
 أم يرجعون القهقرى.

وككائنات بشرية مزودة بالإدراك والحكمة والفهم
فواجبنا الأكبر توظيف حكمتنا ومدركاتنا
بطرق صحيحة حتى نعرف
 ما إذا كنا نتقدم للأمام أو نعدو للخلف.
وإن داهمنا الفشل على نحو متكرر
فيجب أن لا نيأس ولا نفقد الأمل.
الفشل يجب أن يعمل كمحفـّز
لا كمثبّط لنمونا المادي والروحي.

* * *

المتاعب والمضايقات تحدث بسبب عدم دراية الإنسان  بأعماله الماضية التي قام بها في مكان ما وفي زمن ما.  فمعاناته الحالية ناجمة عن أفكار وأفعال صدرت عنه  فتجسّدت بذوراً تغلغلت في تربة الوعي فأنبتت نبتاً وأخرجت ثمراً له نفس مواصفات الأفكار التي أطلقها والأفعال التي قام بها.

المحن والبلايا لا تأتي لتحطم الإنسان وتشلّ إرادته بل لتجعله يقدّر الله حق قدره ويحترم قوانينه التي من خلالها يمكنه الحصول على السعادة الحقيقية.

الله لا يرسل تلك التجارب القاسية لأنها من صنع الإنسان في المقام الأول. وما على الإنسان إلا إيقاظ وعيه من سبات الغفلة وابتعاثه من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة.

في معظم الأحيان تعدنا الحواس بقليل من المسرات الوقتية الزائلة لكنها تمنحنا في النهاية آلاماً ومعاناة طويلة.

 أما الفضيلة والسعادة الحقة فلا تعِدانا الكثير لكن في النهاية تمنحانا فرحاً نقياً ودائماً.

 لهذا السبب أعتبر السعادة الباطنية الدائمة فرحاً  والملذات الحسية المؤقتة متعاً.

إن كانت هناك عادة سيئة تضايق الإنسان وتقض مضجعه فللتخلص منها يمكنه تجنّب كل ما من شأنه أن يوقظها أو ينبهها  دون التركيز عليها بغية قمعها. تلك هي الطريقة غير المباشرة
لمكافحتها. ولكن هناك أيضاً طريقة إيجابية مباشرة تكمن في توجيه الفكر نحو عادة طيبة  والعمل على تنميتها حتى تصبح جزءاً من حياته يمكنه الركون إليه والإعتماد عليه.

* * *

البيت: ميدان النصر الأعظم

إن صرَفَ الإنسان حياته في إثارة تلو الإثارة فلن يعرف طعم السعادة الحقيقية. يجب العيش ببساطة والتعامل مع الحياة براحة.

من المستحسن أن يختلي الإنسان بنفسه ويقف مع ذاته بين الحين والآخر ويمارس السكينة النفسية التي فيها شفاء وانتعاش وتجديد للقوى.

إن كانت المشتتات حاضرة طوال الوقت ومنبهات أخرى تحاصر الحواس كل حين فستعاني الأعصاب نتيجة لذلك وتـُصرف كميات كبيرة من الطاقة الحيوية في اللاشيء وستشعر النفس بالتوتر والضيق. كما ينبغي عدم الإهتمام الزائد بإصلاح الآخرين بل يجب على الإنسان أن يقوّم نفسه قبل محاولته تقويم الغير.

وليكن معلوماً أن البيت هو ميدان النصر الأعظم. فالشخص الذي هو ملاك في بيته سيكون ملاكاً في أي مكان. إن عذوبة الصوت والسلام الذي يوحي به السلوك النبيل تمس لهما الحاجة في البيت أكثر من أي مكان آخر.

* * *

أفضل تحضير لحياة أفضل

إن أردنا أن نستمتع بالحياة فالوقت هو الآن.. ليس غداً ولا في العام القادم ولا في تجسد آخر بعد الموت.

إن أفضل تحضير لحياة أفضل في السنة المقبلة هو أن نحيا حياة مثمرة وتوافقية وذات معنى
في هذا العام. إن إيماننا بحياة مستقبلية أعظم إنجازاً وأعمّ سعادة لا قيمة له ما لم نترجمه
على أرض الواقع الآن.

فاليوم.. يجب أن يكون بالنسبة لنا الأهم والأكثر معنى في حياتنا.

* * *

الراغبون في الزواج يجب أن يتعلموا التحكم بعواطفهم وانفعالاتهم ويجب أن تلقّن المدارس التلاميذ هذا الفن، وكذلك تنمية الهدوء وتركيز الفكر.

هناك الكثير من البيوت غير السعيدة والأسر الممزقة لأن هذه الناحية الحيوية يتم إغفالها، سواء في البيوت أو المدارس.

كيف لشخصين غير منضبطي الميول والأهواء أن يتعايشا معاً  بسلام وراحة نفسية؟

في بداية الزواج يُحمل العروسان على بساط من العواطف والإثارة لكن بعد فترة..  عندما تبدأ هذه المشاعر بالتلاشي الحتمي، تبدأ طبيعة الزوجين الحقيقية بالظهور، ومعها الشجار والخلاف والمهاترة وخيبة الأمل.

القلب يلزمه الحب الحقيقي والصداقة، وعلاوة على كل شيء يحتاج إلى الهدوء والسلام.
عندما يتحطم السلام بفعل الانفعالات العنيفة يتصدع ركن هام من أركان الزواج.

* * *

الأعضاء والمشاعر تحتاج إلى جملة عصبية سليمة كي تحتفظ بصحتها وحيويتها ورهافتها.
وللإحتفاظ بالجملة العصبية في حالة جيدة من المهم التحرر من العواطف المدمرة مثل الخوف والغضب والجشع والحسد مع تمنياتنا للجميع بالصحة والسعادة والسلام.

* * *

سعادتك هي نجاحك فلا تدع أحداً يسلبك سعادتك.

احمِ نفسك من أولئك الذين يحاولون إزعاجك. عندما كنت صغيراً كنت أضيق ذرعاً بالذين يختلقون عني إشاعات لا صحة لها لكنني أدركت فيما بعد أن رضاء ضميري أهم بكثير من رضاء الناس عني. 

الضمير هو إدراك حدسي يسجل بأمانة ودقة أفكار الإنسان ودوافعه. عندما يكون الضمير راضياً ويدرك الشخص أنه يفعل الصواب فلن يخيفه شيء.الضمير النقي هو شهادة استحقاق من الله. ومن يتمتع بنقاء الضمير يسعد بحياته ويحصل على بركات ورضى الرب.

* * *

كل كلمة يتلفظ بها الإنسان يظل مفعولها راسخاً في الدماغ والعقل. وعندما تغادر روح الإنسان جسده بالموت سيتوقف دخولها إلى عالم آخر على الحكم الذي تصدره (كرماه) الناتجة عن الكلام الصالح أو الشرير.

الكلام الطيب الصادر عن فكر نبيل سيخترن نتائج حسنة للروح، في حين الكلام الشرير المدفوع بالعادات السيئة سيكنز كرما karma شريرة أو نتائج رديئة للنفس.

 الكلمة مركبة من ثلاثة اهتزازات: اهتزاز  سببي أو فكري، واهتزاز حركي أو كوكبي، واهتزاز مادي أو مظهري.

في كلمة "السلام" ثلاثة اهتزازات مميزة:

1. اهتزاز الفكر أو الإرادة عند نطق كلمة "السلام"
2. اهتزاز الطاقة في الدماغ والحبال الصوتية واللسان المدفوع بالإرادة عند نطق كلمة "السلام"
3. اهتزاز الحبال الصوتية والتأثير الجسدي عن نطق كلمة "السلام"

لذلك فإن كل كلمة صالحة أو شريرة تترك اهتزازاتها أي آثارها في الجسد أو الدماغ وفي طاقة الحياة والفكر على هيئة ميول ورغبات. وعلى هذا الأساس فإن اهتزازات كل الكلام تترك ميولاً صالحة أو رديئة في الفكر.

إن الذي تخلص من دوافع تشويه الحقيقة يؤسس في داخلة قوة هائلة بحيث لا يشهد زوراً ويكون كل كلامه صائباً.

با ركني يا رب حتى أستخدم صوتي لخدمة الحقيقة
من خلال نطق الكلام العذب والنافع والمنعش.
واعزف ألحانك الخالدة على ناي حياتي
حتى أتبارك باهتزازت أنغامك القدسية.

* * *

البطانية السابحة

في إحدى المرات كان صديقان يتمشيان على ضفة النهر فأبصرا ما بدا لهما بطانية عائمة، ألقى أحدهما بنفسه في النهر وسبح حتى وصل إلى "البطانية".

لكنه تأخر في العودة إلى الضفة، وقد لاحظ صديقه أنه يجد صعوبة في معالجة "البطانية" وأنها سبب تأخر عودته فصاح به قائلاً:

 لماذا لا تتركها وتعود؟

فأجابه صديقه: هذا ما أحاوله ولكن البطانية تتشبث بي ولا تسمح لي بالإفلات والعودة.
ولفرط دهشته أدرك بعد فوات الأوان أن ما ظنه بطانية لم يكن سوى دب سابح.

هذه القصة أجدها ذات دلالات وتنطبق على جوانب كثيرة من حياة الإنسان. وأرى أن المقصود منها هو التبصر وعدم الإندفاع إلى ما قد لا تحمد عقباه.

هذه البطانية قد تكون مجرد مفهوم عائم في نهر الفكر يتحول عند اكتماله إلى استحواذ طاغٍ يصعب السيطرة عليه..

أو قد تكون عادةً ضارة ما أن تترسخ في الدماغ حتى تضرب أطنابها وتمد جذورها وتصبح جزءاً لا يتجزأ من كيان المرء فيصبح أسيراً في قبضتها.

أو قد تكون استهواءً من نوع آخر.. استثمار في غير أوانه ومحله يؤدي إلى خسارات كبيرة، مادية ومعنوية..

أو قد تكون أيديولوجية تبدو منطقية وعملية فيعتنقها الشخص ويدرك بعد تغلغلها في كيانه أن مخبرها يختلف كثيراً عن مظهرها..

أو قد تكون توجهاً أو انجرافاً غير محسوب العواقب..

أو قفزة في الظلام..

ولذلك قيل: قدّر لرجلكَ قبل الخطو موضعها.

* * *

منتهى الترحال

طويلاً تعثـّرتُ على دروب الشكوك الملتوية
 وعبرتُ وهاداً خيالية فصلتني عنك دهوراً مديدة
 وقطعتُ صحاري لا عد لها
 وتعقبتُ مطامحَ كثيرة
 وأخيراً حررتُ نفسي
من دوامات الحزن واللذة
 فأكملتُ رحلتي  وبلغتُ منتهى مسيرتي.
والآن أنظر بسرور إلى آلامي الماضية
 إذ من كل صخرة من صخور عذاباتي القديمة
تتفجر عين من دموع الغبطة.
وفي تلك المياه المقدسة
لعبرات حبي لك أطهّر ذاتي كل يوم.

* * *

فيما مضى كان عندي مصباح سري.
وبتلهف كنت أرسل شعاعاً خاطفاً حولي
في سكينة الظلمة الداخلية.

كثيراً ما أبصرت أسماكاً صغيرة لأفكار خلاقة
وقد علقت في السطوع المباغت.
هذه استخدمتها كطعم
لاقتناص كائنات أكبر في لجج وعيي
ولكن العديد منها أُفلت
خلف دائرة الضوء الصغيرة.
من مريديك الكاملين
الأغنياء بالأناشيد الفضية والأحلام الذهبية
وبنقود المحبة ابتعت شباكا مشعة نيّرة لمدركات الروح
وصنعت منها شبكة جبّارة من النسيج النوراني
فاكتسحت محيط حكمتك بحثا عنك
وكان الصيد وافراً وثميناً!
إذ غنمتُ أسراباً من المشاعر الطيبة والسعيدة
وكنوزاً من الذكريات المقدسة المفقودة
وعلاوة على هذا وذاك
فقد عثرت عليك
وأمسكتُ بك يا كنز الكنوز!

* * *

في أيام صيف الحياة
أستجمعُ الرحيق الوجداني
من زهور المزايا العذبة
التي تنبت في بساتين النفوس الطيبة
 واختزن في قلبي
 العصارة المستقطرة
 من رياحين التسامح الباسقة
 وبراعم التواضع ذات الشذى الناعم
 والنوّارات النادرة للأفكار اللوتسية الغضة.
وعندما تنهمر حولي
 ثلوج تجارب الشتاء الباردة
 والفراق الأرضي الأليم
 ألتمس الدفء والسلوى
 في الرحيق المختزن في خلية قلبي.
في تلك الخلية المباركة بحضورك
 غالبا ما أجد النحلة الإلهية
 ترتشف حلاوة أشواقي المعتـّقة
 فأشعر بالطمأنينة والبهجة والعزاء.

* * *

إنني أؤمن بإخوة البشر وبالمحبة الشاملة والفهم والتعاون بين الناس على تخفيف أعباء الحياة أحدهم عن الآخر.

يجب إدخال أهداف عالمية نبيلة إلى هذا العالم وانتهاج مُثل ترتقي بالإنسان إلى مستويات عالية.. تهذب أفكاره وتشذب رغباته وتصقل مواهبه السامية.

وهذه يمكن تفعيلها بالقدوة الروحية والمناهج الجيدة لا بالقوة الغاشمة والحروب الطاحنة.
فالقوة السياسية خطيرة دون مبادئ روحية تتحكم بها وتسيّرها.

عندما أشير إلى المبادئ الروحية فلا أعني بذلك مذاهب أو طوائف بعينها أو انتماءات معتقدية محددة بل ما أقصده القوانين الكونية: نواميس البر والفضيلة التي تنطبق على الجميع وتجلب لهم الخير والرفاهية  والسلام.

* * *

لماذا يصرف الإنسان وقته بحثاً عن فتات من الحب البشري وحفنة من المال وهذا الشيء أو ذاك، في الوقت الذي يستطيع فيه العثور على كل شيء في الله الذي هو مصدر كل حب وقوة؟!

 إنما يجب أن لا نطلب الله طمعاً في القوة بل رغبة في المحبة. عندها سنعثر على الكنز العظيم.  وعندما نحب الله محبة قلبية عميقة يستجيب لنا ونحس بحبه ينبض في قلوبنا.

الحياة تحلو بالتأمل على الله.. وكلما تأمّل الراغب وظل عقله راسخاً في الحالة الروحية أثناء العمل كلما زادت قدرته على الإبتسام.  إنني في ذلك الأفق الآن وعلى الدوام.. في الوعي الإلهي المغبوط. لا شيء يؤثر بي.  وسواء كنت بمفردي أو مع الآخرين يبقى فرح الله نابضاً دوماً في كياني.

لقد تمكنت من الاحتفاظ بابتسامتي... ونفس تلك الابتسامات موجودة أيضاً في داخلك.. نفس فرح ونعيم الروح موجودان بك.  لا حاجة لك لاكتسابهما بل فقط لاستعادتهما. لقد فقدتهما فقداناً مؤقتاً بسبب تحقيق الذات مع الحواس، وبإمكانك استردادهما.

من يعتقد أن الأشياء المادية التي يمكن التمتع بها عن طريق البصر والسمع والذوق والشم واللمس تمنح فرحاً نقياً يخطئ خطأ كبيرا.

 الحواس لا تمنح الإنسان السعادة بل بالأحرى تسلبه إياها. إن وضعت شروطاً حول سعادتك كأن تقول: "لا يمكنني أن أكون سعيداً ما لم أرَ ذلك الوجه" فلن تتذوق أبداً طعم الغبطة الصافية النقية، لأن المتع الحسية لا دوام لها.

 الأيام والأعوام تفعل فعلها المدمر بالجمال الجسدي.  كل ما في العالم المادي يخضع لقانون التغيير.  وهكذا فلو تمكن الإنسان من رؤية كل الوجوه الجميلة في العالم، ولو استمع لكل الأنغام ولمس كل ما يرغب في ملامسته، لن يعثر مع ذلك على السعادة الحقيقية.  ومع ذلك فقد يتوهم بأنه سعيد.

أحياناً بعد أن يكون قد بذل مجهوداً فائقاً للحصول على شيء ما يجد أن لا سعادة في الشيء ذاته.  ومع ذلك فإنه يحصل على بعض الرضاء جرّاء الجهد الذي بذله في سبيله، ولهذا يفكر بأنه سعيد.  لكن هذا النوع من الرضاء وقتي وسريع الزوال.

فمن العبث إذاً التفتيش عن السعادة في الحواس.  يجب العثور على الفرح الروحي وإظهاره في الكلام وقسمات الوجه.  عندما يفعل الشخص ذلك فإن بسمة صغيرة منه ستشحن الجميع بمغناطيسته المباركة حيثما كان، وسيشعر الآخرون بالسعادة.

لكن الله وحده هو القادر على تغيير القلوب.  يجب ألا نعزو لأنفسنا القدرة على فعل الخير.  فاعل الخير الأوحد في الوجود هو الله. هذا العالم عالمه.  فإن شعرت بقربه وأدركت أنه المتصرف في كل شيء.. وإن رفعت له كل شيء: الأعمال الطيبة وحتى غير الطيبة ستندهش لتجد أن كل أعمالك ستتحول إلى أعمال طيبة بعونه تعالى.

·        * *
·         
في اللحظة التي نفكر بها بمودة بشخص آخر يتمدد وعينا ويتسع أفق تفكيرنا. عندما نفكر بجارنا ونبدي تعاطفاً نحوه فإن جزءاً من كياننا يذهب إليه مع تلك الفكرة وليس فقط التفكير هو ما تمس إليه الحاجة بل الإستعداد لتطبيق تلك الفكرة على أرض الواقع.

يجب أن لا نستثني أحداً من دائرة محبتنا {وقريبك مثل نفسك}.. {جارك.. ثم جارك.. ثم جارك..}

في الزواج درس من دروس الإيثار شخصان يتقاسمان الحياة أحدهما مع الآخر ثم يأتي الأولاد فيتقاسم الأبوان الحياة معهم لكن من الأنانية التفكير بالأسرة الصغيرة فقط لأن الأحبة يفارقوننا ذات يوم وهذا تذكير لنا بأن الغاية من العلاقات البشرية هي توسيع نطاق الوعي بالتضحية من أجل الآخرين ومشاركتهم في الخيرات المادية  والمشاعر الودية.

* * *

عندما تنام تقوم بتسكين الأفكار والإحساسات  تسكيناً سلبياً،  أما عندما تتمكن من تهدئة الأفكار والإحساسات  بطريقة واعية بالتأمل  تختبر أول ما تختبر حالة من السلام فتشكل عضلات الوجه ذاتها  على هيئة ابتسامة تعكس سلام القلب.

ولكن يجب أن تتطلع إلى ما بعد حالة السلام  كي تبصر نقاء روحك.

 ذلك النقاء الذي لا تشوبه ولا تشوهه  الإثارات الحسية أو ردود الفعل التلقائية
الناجمة عن الأفكار المقترنة بالحواس.. والحالة التي تختبرها عندئذ  هي غبطة دائمة التجدد.

الأنبياء والقديسون يمتلكون هذا الفرح  في قلوبهم على الدوام.  وإذ يشعرون بالأمن والطمأنينة المباركة  لا تهزهم ولا تهزمهم عواصف الغضب  ولا تتطرق إليهم الهموم والمخاوف. 

وباستخدامهم مِبضع العقل أو البصيرة  فباستطاعتهم تشريح أفكارهم أو أفكار الآخرين
 على مشرحة العقل مع الاحتفاظ بثباتهم وهدوئهم. 

في غبطة النفس تنعدم الكآبة كلياً ويبزغ التمييز الروحي في كيان المريد السعيد  فيزيده رسوخاً في الذات العليا.

* * *

الإبتسامة الحقيقية هي ابتسامة السعادة الروحية المتحصلة من التأمل والتفكير بالله  والإحساس بحضوره.

 ابتسامتي تنبع من ابتهاج عميق في كياني..  ابتهاج يمكن لكل إنسان أن يحصل عليه. 
فهو يشبه أريجاً متضوعاً من قلب وردة النفس المتفتحة.

 هذا السرور العظيم يدعو الآخرين للابتراد في مياه الغبطة المقدسة.

هناك أربع حالات يعرفها الشخص العادي:
فهو يشعر بالسعادة لدى تحقيق رغبة ما
 ويشعر بالتعاسة إن امتنع عليه تحقيقها.
  أما عندما لا يكون سعيداً ولا مكتئباً فيشعر بالضجر. 

ولدى تخطي هذه العواطف أو الحالات النفسية للذة والألم والضجر يشعر بالسلام.

السلام حالة مرغوبة جداً ناجمة عن انعدام حالات الحزن واللذة وغياب السأم.  وهذه الحالات هي دائمة التماوج على صفحة النفس.

  فبعد امتطاء هائج صاخب لموج الألم واللذة  بما في ذلك انغماسات متكررة في لجج الضجر
 هناك متعة في العوم على صدر بحر السلام الهادئ.

 لكن أعظم من السلام هي النشوة الروحية.. غبطة النفس.. منتهى السعادة.  إنها فرح متجدد لا يختفي أبداً بل يلازم الروح طوال الأبد.

 ذلك الفرح الأعظم يمكن بلوغه فقط  بإدراك الحضور الإلهي.

* * *

لدى كل إنسان قدرات كامنة لم يستثمرها بعد.  ولديه كل القوى التي يحتاج إليها. العقل بحد ذاته هو قوة عظمى.. ويجب تحريره من العادات والمفاهيم المقيدة البالية.

إن تأثير الكواكب والنجوم على حياة البشر  ناجم عن القوى المتداخلة من جذب ودفع بين الكواكب وأجسام البشر.

الأفكار الشريرة تقود صاحبها إلى بيئة شريرة كي يعبّر عن ذاته حسبما يشتهي ويريد. لكن الإنسان يمكنه تغيير فكره ووعيه بقوة الإرادة،  ويمكنه بالتالي تغيير بيئته.

 أما إن بقي الشخص في بيئة شريرة لفترة طويلة فإن تلك البيئة تبدأ بالتأثير عليه بصورة لاشعورية. ومع مرور الأيام يخسر بالمرة حريته في اختيار بيئة سليمة وصحية ويصبح رهن المؤثرات السلبية للبيئة السيئة.

أما صاحب الإرادة القوية فيتوافق مع الله ولا ينتظر حتى تتفضل عليه الكواكب والنجوم بابتساماتها.. بل يتابع مسيرته كالشهاب الثاقب غير متأثر سوى بنجم الله الهادي الذي هو شمس الشموس  ورب الناموس والنفوس.

أحد خيارين

في قديم الزمان عاش زاهد متنسك على ضفاف نهر مبارك، وقد صرف سنوات طويلة من عمره في التأمل العميق لكن للأسف لم تكن جهوده مثمرة ولم يفرح بجني محصول وافر من السلام بالرغم من مجهوده في البحث والتنقيب عن أسرار الحياة ومنابع الغبطة.

ومع أن صاحبنا كان محاطاً طوال الوقت بجو سماوي من حيث المناظر الخلابة والنفوس الطيبة والكتب القيّمة وحلقات الذكر المباركة، ظل عقله مع ذلك يفكر بأنسب الطرق لتشليح الناس وإلحاق الأذية بهم.

ذلك التفكير كان خارجاً عن إرادته وعلى ما يبدو كان ناجماً عن أسباب كارمية موغلة في القِدم. وكلما كان يحاول طرد تلك الأفكار غير المرحب بها كانت تقتحم عقله بقوة أكبر فتعكر سلامه وتحرمه راحة البال.

أخيراً وعد نفسه قائلا: "سأواصل الدعاء والإبتهال ولن أتوقف حتى أتحرر من هذه الأفكار المقلقة التي تطعن خاصرة سلامي أثناء تأملي."

مرت ساعة، ثم ساعتان والأفكار الشريرة تتوارد على ذهنه كالإعصار فتضرب هيكل تأمله وتهزه هزاً عنيفاً.

أخيراً وبعد انقضاء ثلاث ساعات من المحاولة المضنية، تلاشت الأفكار المزعجة فجأة من عقله وبدلاً منها أبصر في رؤية جميلة ولياً من أولياء الله واقفاً بلحمه ودمه أمامه.

لم يبدُ الولي المتألق حياً وحسب بل نطق بعبارات غاية في الرقة قائلاً:

"يا بني، في تجسدك السابق كنت لصاً محترفاً لا هم لك سوى الإيقاع بالآخرين وسلبهم ممتلكاتهم. إنما قبل وفاتك بقليل استفاق ضميرك فعقدت العزم على التصحيح وعاهدت نفسك على أنك ستغير مسلكك المشين وتتبع مسار الخير. لهذا السبب ولدتَ في هذه الحياة بتصميم روحي قوي لأن تكون إنساناً صالحاً ولكن مع ذلك جلبت معك أيضاً أفكاراً سيئة كانت محور حياتك في تجسدك السابق.

"ومن المؤسف يا بني أنك تعيش في هذه الأجواء المباركة وحولك أصدقاء طيبون وحلقات ذكر وتأملات ومع كل ذلك تعيش في جحيم من القلق النفسي والأفكار المتلاطمة الهدامة."

بعد برهة من الصمت واصل الولي حديثه:

"لذلك، ووفقاً للقانون الكوني، ولأنك لم تبذل قصارى جهدك للإستفادة من الفرص الروحية المتاحة لك في هذا التجسد فإنك ما لم تضاعف جهودك التأملية الآن سيتحتم عليك عند الموت أن تختار بين أمرين إثنين:

إما العيش في الجنة مع عشرة حمقى أو العيش في الجحيم مع حكيم واحد، فأيهما تفضل؟"

فأجاب المريد دون تردد:

"يا ولي الله، أحبذ العيش في الجحيم مع حكيم واحد لأنني أعلم من تجربتي الذاتية أن عَشرة حمقى يصنعون من النعيم جهنماً، في حين أؤمن في قرارة نفسي وأعلم علم اليقين أنني إن كنت مع حكيم واحد، حتى في قاع العالم السفلي سيساعدني على تحويل الجحيم إلى جنات النعيم."

* * *

كثيرون من الناس يشبهون الفراشات.. يرفرفون وينتقلون هنا وهناك دون غاية يحققونها أو هدف يصلون إليه وإن توقفوا فلبرهة وجيزة من بعدها ينجذبون إلى تسلية أخرى طلباً للهو وتمضية الوقت أما النحلة فتعمل بجد وتحضّر للأوقات الصعبة في حين تعيش الفراشة ليومها فقط.

وعندما يحل فصل الشتاء تقضي الفراشة بينما تستمتع النحلة بما اختزنته  من غلة الربيع والصيف. وهكذا يجب أن نتعلم كيف نستجمع شهد السلام الإلهي والقدرة على التعامل مع الظروف الصعبة التي تواجهنا في الحياة.

حالات نفسية

لا يستطيع الشخص أن يظل طوال الوقت محمولاً على موج البهجة أو مغموراً تحت مياه الحزن المضطربة أو غارقاً في لجج الضجر.

ففي هذا العالم الذي يتميز بالثنائيات المتصارعة،  يخضع الشخص العادي للتقلبات صعوداً وهبوطاً.. يرتفع على موج الفرح ويغوص إلى أغوار اللامبالاة وتشقلبه أمواج عاتية من الحزن.. ونادراً ما يعرف حالة أخرى من حالات الوعي.

السماح للظروف بأن تتقاذف الفكر على هذا النحو  يعني استسلام الإرادة لقدَر نزوي متقلب الأطوار.  ما يحتاجه الإنسان كي يحيا حياة ناجحة ومُرضية  هو امتلاك الإتزان العقلي  وهذا يمكن تحقيقه فقط بتركيز الذهن  والسيطرة على الملكات النفسية.

حتى أشد الأحزان يشفيها الزمن فلا فائدة من استحضار الحزن في كل يوم من أيام حياتنا.

إن الحزن المستدام على عزيز مفارق لا يساعده ولا يساعدنا  ولا يغير من الواقع شيئاً.

كما أن تنمية عقدة النقص أو معاقبة الذات على أخطاء أو إخفاقات ماضية لا يجدي نفعاً
بل يجعل الحياة تعيسة بائسة ويشل القدرات العقلية.

يجب أن لا نسمح لأنفسنا بالسقوط  في حفر الروتين الممل لأن تلك حالة نفسية أبعد ما تكون عن الراحة كونها تقلق الفكر وتحرق القدرات الكامنة في أتون اللامبالاة.

* * *

إن الله يرسل لنا الدروس التي نحتاجها في الحياة كي نستفيد منها  ونكتسب فهماً وخبرة.
من يتهرب من تلك الدروس سيضطر لأن يتعلمها مهما طال الزمن.

كل اختبار هو صديق إن تعلمنا منه وهو طاغية مستبد إن فرطنا في الفرصة المتاحة وأسأنا استخدامها بالتذمر والإستياء وسوء التقدير.

عندما نمتلك الفهم السليم والموقف الصحيح تجاه الحياة فإنها تصبح جميلة وخالية من التعقيد.

* * *

لا يمكن لأحد أن يسيّرني أو يسلبني إرادتي ما لم أسمح لأفكار الآخرين وأفعالهم بالتأثير عليّ.

يا رب.. إنني  أدرك أن أمامي فرصة لا متناهية لاستكشاف قدراتي ومعرفة إمكاناتي الروحية.

سأستبدل التعلقات المادية بالطموحات العليا وسأدرك أن الروح الأمين معي على الدوام.

اليوم سأشحن أفكاري بجرعة من التفاؤل وسأفصُل ذاتي عن الإختبارات غير المستحبة وسأمارس ما من شأنه أن ينمي الجسم والعقل والروح على نحو متوازن ومتسق.

إن رقصة الحياة والموت متواصلة على الدوام لكنني سأحرر نفسي للأبد بإنقاذ هويتي الروحية
وعندما تواجهني عواصف التجارب والمحن سأنطلق بقارب روحي عبر بحر الحياة إلى الشواطئ الإلهية الآمنة.

عندما أعمل وأبدع سأتذكر أن الله يعمل من خلالي إنه سيد الكون ويمكنني الإتصال به بالتأمل العميق عليه.

يا إلهي الحبيب، إنني أدرك أن أفكاري ستجلب لي إما الفشل أو النجاح اعتماداً على أيهما الفكرة الأقوى في حياتي. لذلك سأحاول أن أتذكر بأنك تمد لي يد العون وتهيئ لي أسباب النجاح. عندما تحل المصائب والبلايا سأستنهض همتي وأقوّي تصميمي للتغلب عليها.

سأنتهج الإخلاص والصدق في معاملتي وتعاملي مع الجميع وسأطلق أفكار المحبة والأماني الطيبة عندئذ سيؤيدني الله بقوته وحكمته.

يا رب.. سأستخدم قوة إرادتي وفكري لإنجاز الأشياء الصغيرة أولاً وبعدها أتحول إلى إنجازات أكبر.

حتى ولو تحققت كل الطموحات المادية فإنها لا تمنح مع ذلك سوى سعادة منقوصة.
وبالعثور على الله سأكتشف خزانات الغبطة التي لا تنضب ولا تكف عن التدفق والجريان
في بساتين الروح ومروجها الدائمة الخضرة.

* * *

الله هو أثمن ما في حياتي
فهو يستوي على عرش ضميري
ويلهمني كلمات الحكمة
ويرشدني إلى السبيل
 الذي ينبغي لي أن أنتهجه.

إن الحياة المتزنة
التي تراعي كل القوانين الإلهية والطبيعية
وتجمع بين النشاط والهدوء
تجلب السعادة وتحقق مصير الإنسان.  

البيت المملوء بالجواهر لا يمكن رؤيته في الظلام
وهكذا الحضور الإلهي لا يمكن الإحساس به
ما دام ليل الجهل ضارباً أطنابه.

إن لم يكن إدراكنا لله فعلياً
بحيث لا يمكننا إنجاز واجباتنا اليومية بدونه
فمن الواضح أننا لم نشعر بأية صلة بين الله والحياة.

عندما نمتلك طموحاً ونكلله بفكرة خدمة الآخرين
فإننا نساعد أنفسنا بمساعدتنا للآخرين.

يا رب
مع انتشار أشعة الشمس الحيوية
سأنشر أشعة الأمل في قلوب الفقراء والمهجورين
وأشعل مصابيح العزيمة والثقة بالنفس
 في قلوب من يظنون أنهم فاشلون.

عندما ندرك بأن الحياة مدرسة لتعلّم وأداء الواجبات
وفي نفس الوقت هي حلم عابر
سنعرف عندئذ أن الله معنا.

يجب أن تقوم الحياة على الخدمة
إذ بدون ذلك الهدف النبيل
لن يحقق العقل الذي وهبه الله للإنسان
الغاية التي من أجلها وُجد.

التسليم لله يجعل الإنسان ينجز كل أعماله
بإحساس من الفرح والإمتنان لله
فبالتسليم وحده نشعر بالسلام.

سأحرق كل نقاط الضعف الفكري والخُلقي
في نار التصميم
لإنني ما لم أتخلص من نقاط الضعف تلك
لن أتمكن من رؤية الشعلة الإلهية.

يا رب
سأصمم اليوم على إنجاز أشياء محددة
ثم أقوم بعمل ما خططت له.

سأتأكد أولاً من صوابية قصدي
وعندئذ سأحس بقوتك
وأحقق بعونك وبركتك ما أنوي القيام به.

* * *

مزيد من التأكيدات الذاتية الرمهنسية

إنني أعلم علم اليقين بأن قوة الله لا متناهية
وبما أنه وضع بي قبساً من نوره
فإنني أيضاً أمتلك القوة
 للتغلب على كل ما يعترض سبيلي
 من عوائق وعقبات.

إنني وسيلة للإعراب عن الذكاء والجمال
ولذلك سأكرس أفكاري ودوافعي
 لفعل الخير وخدمة الإنسانية.

اليوم سأراقب أفكاري وكلماتي
بحيث لا تستقطب إلا ما هو جميل ونبيل.

وسأنصّب الخير على عرش نشاطاتي
وأستخدم تفكيري الخلاق للنجاح
 في كل مسعىً طيب وعمل نافع أقوم به
مدركاً أن الله يساعدني إن أنا ساعدت نفسي.

اليوم سأحرث حديقة الحياة
وأغرس فيها بذور الحكمة والصحة والسعادة
وسأشكر الله عندما تتكلل مساعي بالنجاح
وأحصل على منية قلبي.

اليوم سأساعد المشاكسين من حولي
باهتزازاتي الطيبة
وسأبدد عتمة التوتر والتنافر
بنور أمانيَّ الطيبة.. الصامتة والمتواصلة.

وسأعمل ما بوسعي
 وأستخدم القوى التي وهبها لي الله
على نحو يفيدني ويفيد الآخرين.

سأنطلق بإيمان كلي بقوة الخير الأعظم
للحصول على ما أحتاجه
موقناً أن الله سيمد لي يد العون
ويجود عليّ من فضله.

حالما تحتشد قوى الظلام
 لمهاجمة سلامي الباطني
سأوقظ في داخلي
 قوى النور والصدق وضبط النفس
كي تتصدى لقوى الظلام
وتبدد شملها تبديدا.

* * *

عندما تقوم بتركيز أشعة الشمس من خلال عدسة مكبّرة على نقطة صغيرة فإنها تنتج حرارة وتلك الحرارة يمكنها إشعال الخشب والقماش والورق وغيرها..

وبالمثل، عندما تركز العقل تركيزاً دقيقاً يمكن لطاقته المركزة أن تحرق شرور وشروش الشك علة كل فشل وتجعل نور الحكمة يسطع بوهج وتألق.

عندما يتناغم الفكر مع الله منبع كل الخيرات ومصدر كل القوى المباركة يصبح على دراية بالحضور الإلهي ويمتلك كل مقومات النجاح. تلك المقومات هي وثيقة الصلة بقوة الله الجبارة
القادرة على خلق أسباب جديدة للنجاح في أي مضمار. كلل الله المساعي الحميدة والجهود الخيرة بالنجاح.

الغذاء المغناطيسي

عندما يتحدث الناس عن الغذاء أو التغذية فإنهم يقصدون بذلك الغذاء المادي الذ يتم تناوله لإعالة الجسد. لكن هناك أنواعاً أخرى من الغذاء لا تقل أهمية عن الغذاء المادي، بل هي أكثر أهمية في أحيان كثيرة.

ومن تلك الأغذية الفكرية أو الروحية:

النشاط العقلي أو تركيز الذهن والحكمة والتمييز الروحي.

الغذاء المادي يعيل خلايا الجسم أما الغذاء الفكري فيشحن العقل بالأفكار الصحية، في حين يقوم غذاء الحكمة بإنعاش النفس وتطوير ملكاتها.

الغذاء الفكري يتألف عادة من الأفكار التي يفكرها الإنسان وتلك التي يتلقاها من الآخرين بفعل الإتصال بهم والتفاعل معهم.

ذوو الطباع الهادئة والطبائع النبيلة يساعدون على جعل أفكارنا مغناطيسية وصحية.

 ليس صعباً تحديد ما إذا كان الشخص يستمد غذاءه الفكري من بيئة مسالمة أو مشاكسة. فالقلق النفسي والإضطراب والتشويش.. كلها تنجم عن مخالطة النوع المغلوط من الناس، سواء من الأصدقاء أو الأقرباء، مما يتسبب في أفكار قلقة ومزاج معكر.

الجسم يستمد الطاقة والنشاط من الأغذية المادية، في حين تقوم الأغذية المغناطيسية بإمداد الجسم والعقل معاً بشحنات من الطاقة أسهل هضماً من الأطعمة الجامدة والسائلة التي لا يمكن تحويلها بسهولة إلى طاقة حية.

* * *

عندما تتمكن من تحويل الجهل إلى حكمة..
والضعف والوهن إلى صحة وحيوية..
والسير بثقة وجرأة – ولو بمفردك - على دروب الحياة..
والإبتهاج الباطني لامتلاكك ضميراً حياً ويقظاً..
والإيمان القاطع بعدل الله وبانتصار الحق على الباطل والحقيقة على الوهم..

وعندما تحاول كل يوم إطلاق أفكارك نحو مستويات أرق وأرقى..
وتمتلك قلباً محباً وشكوراً..
ونوايا طيبة نحو الآخر..
يكون غذاؤك الفكري مغناطيسياً..
وستجذب إليك عندئذٍ كل ما هو جميل ونافع..
من أشياء وأشخاص وظروف..
تمس لها الحاجة في مواصلة المسيرة نحو شواطئ الأمن وبر الأمان.

وليس آخراً..

عندما تبذل المجهود لتحصيل ما تحتاجه
وتقنع بما ييسره الله لك تكون أغنى نفساً وأكثر رضاءً
من المتهالكين على الدنيا.. الطامعين في حطامها.

* * *

عندما يطلب الإنسانُ الله الذي هو الصديق الأوحد خلف كل الأصدقاء يصبح بالإمكان ترسيخ الصداقة الصادقة في كافة العلاقات البشرية: العائلية، الأخوية، الزوجية والروحية.
الصداقة عنصر حيوي في العلاقات الزوجية ويجب أن تكون الأولوية للتقارب الفكري والوجداني والإحساس بالجاذبية المعنوية والحب الحقيقي والصداقة.

الذين لا يميزون ما بين الحب الحقيقي والجاذبية الحسية يخيب أملهم المرة تلو الأخرى.

عندما يؤسَّس الزواج على مُثل راقية واحترام متبادل يصبح اتحاداً سعيداً وموفقاً بين روحين متحابين ومتعاونين على تخفيف أعباء الحياة عن بعضهما  وتبديد هموم العيش بالتعاطف  والفهم الودي المشترك.

* * *

إن قمت بتشكيل قطعة من الصلصال على هيئة مزهرية  وشويتها في النار حتى اكتسبت صلابة
وأردت بعد ذلك إعادة تشكيل الصلصال على هيئة صينية فلن تستطيع ذلك.

لكن يمكنك سحن المزهرية وإضافة مسحوقها إلى صلصال جديد  ومن بعدها تشكيل الصينية.

وبالمثل، إن كانت هناك عادة سيئة مستحكمة في الدماغ وأردنا تغييرها، سيتعين علينا أولاً استخدام قوة الإرادة لسحن تلك العادة وتحويلها إلى أفعال جيدة لينة يمكن إعادة تشكيلها على النحو المرغوب.

الإرادة القوية تعني قناعة راسخة. وفي اللحظة التي يقول فيها الشخص لنفسه:  "لستُ مقيداً بتلك العادة"  ويعني ما يقول ستتفتت تلك العادة وتتلاشى  كما لو لم تكن.

* * *

لا أفرض رأيي على أحد ولا أسمح لأحد بأن يفرض رأيه عليّ أو أن يجعلني أفعل شيئاً  أعلم في قرارة نفسي أنه لا ينبغي لي أن أفعله.

إنني أفكر جيداً بما أنوي القيام به وأسترشد بالحكمة فيما أنا مُقدم عليه وأتحمل مسؤولية تصرفاتي ولا ألوم شخصاً آخر على نتائج أعمالي.

تلك الحرية الذاتية تعلمتها من معلمي واحتفظت بها على الدوام ولن أتخلى عنها أبداً.

القوة المغناطيسية الأسمى

قال السيد المسيح:  "اطلبوا أولاً ملكوت الله... والباقي يُعطى لكم"

الله هو القوة المغناطيسية الأسمى خلف كل القوى الكونية.

وهو الحب خلف كل حب.. وهو المبدع الكوني والفنان الإلهي  خلف كل فن وإبداع.

عندما تحصر فكرك في الله: القوة المغناطيسية الأسمى في الوجود فإنك تشحن نفسك بمغناطيسية مباركة ويمكنك أن تجذب إليك كل ما تحتاجه.

وإن فكرت بالله بتأمل عميق وأحببته من كل قلبك وشعرت بسلام كامل في حضرته
دون أن تتمنى شيئاً آخر فإن مغناطيسية الله المقدسة ستجلب إليك كل ما حلمت به
وأكثر من ذلك بكثير.

{وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}

"إلى الله في السماء"

النجاح وبحبوحة العيش وشفاء الأمراض المستعصية والتحكم بالعادات.. كل هذه يمكن بلوغها وتحقيقها.  إن كنت قد استهلكت كافة الأساليب والجهود المادية ووجدتها غير مجدية، افتح الباب الداخلي وستتدفق القوة الروحية وتطرد كل ضعف وفشل وإحباط.

إن التمست عون الله في التأمل والتركيز الهادئ العميق فستكتشف خزاناً لا ينضب من القوة الروحية. الله ليس محابياً ويستجيب لكل من يلتمس عونه بإخلاص.

عندما عثرتُ على الله في داخلي وجدته في كل مكان.

لقد امتلكتُ حنيناً عارماً له منذ نعومة أظفاري، وذات مرة عندما كنت طفلاً صغيراً حررت له رسالة.. نعم كتبت رسالة إلى الله وعنونتها على النحو التالي:

 "إلى الله في السماء" ووضعتها في صندوق البريد.

عندما نكتب إلى أحدهم فإننا نتوقع جواباً، وعندما لم أحصل على الجواب ذرفت دموعاً غزيرة، لكن الجواب أتاني أخيراً ليس من خلال كلمات مطبوعة على الورق، بل في رؤية نورانية مدهشة.

كل واحد يمكنه الحصول على استجابة من الله إن كانت المحاولة جادة والمجهود متواصلاً.

إن وجّهت أسئلتك إلى الله وغلفتها بإحساس عميق وبعثتها ببريد التأمل، فبصدق وبكل تأكيد ستحصل على الجواب.

* * *

هناك فزيولوجيا روحية  تقوم عليها الجملة العصبية  تتيح للإنسان على نحو فريد بلوغ أسمى مراحل تطور الوعي.

فدماغ الإنسان الأكبر من أدمغة معظم الحيوانات  باستثناء الحوت والفيل هو أكثر تعقيداً ويمتلك أكبر قدرة على التفكير.

مما يجعل من الدماغ البشري أداة مناسبة للإنسان الذي يمتلك وعياً أكثر تطوراً من وعي باقي المخلوقات. وتلافيف الدماغ الدقيقة والمعقدة تتيح للإنسان أكبر قدر من التفكير الكبير العميق.

ولذلك فالإنسان وحده قادر على بلوغ مستويات متقدمة من التمييز، وبالتالي معرفة خالقه..

والحكيم هو من يوظف قدراته العقلية في خدمة ومنفعة البشرية على الصعيد المادي والعقلي
والروحي.

* * *

لكَ أنشد أغنيةً
 ما ترددت من قبل على لسان بشر..
وإليك أهدي لحني الأصيل
 الذي يعزفه قلبي في أعماقه
وعلى أوتاره.

لقد ابتكرتُ نشيدي البكر هذا
وها أنا أرفعه إليك تقدمة خالصة.
لن أقدّم لك ألحاناً عقلية ناشفة
أو أنغاماً منمّقة من تأليف الغير.
ولن أهديك سوى
 ألحان قلبي البسيطة الساذجة.
لن أضع أمامك ورودا مستنبتة
 في بيوت زجاجية
ومشبعة بالعواطف والإنفعالات
بل أقدم لك زهوراً بريّة نابتة للتو
في حقول أشواقي
 ومروج حياتي.

* * *

لكي أستمع إليك
 أيها الملاك الحارس
 فقد ناغمت مذياع بصيرتي
بلمسات المحبة الناعمة.
غالباً ما أصغيت في التأمل
 إلى أعذب ألحان قديسيك القريبين منك:
 لسيمفونيات روحية رائعة
 ولمقطوعات من إبداعات قلبي
 ولشدو رخيم من حنيني القديم لك.
بصبر وأناة ضبطتُ مؤشر أحاسيسي العميقة
 وعندما أثقل النعاس جفوني
 وكدت أن أستسلم للكرى
 تدفقتْ من خلالي ترنيمتك الأصيلة.
وها أنا الآن أبث أصداءً منتشية
من أنغام غبطتك
وأضم صوتي إلى جوقة متعبديك
 فتزداد الترانيم زخما
ويتعاظم الشوق والحنين.

* * *

من ينتهج الأنانية الشريرة درباً، سيحاول الآخرون سلبه كل ما لديه، أما إن كان بخلاف ذلك فسيبدي الآخرون كرماً نحوه وتعاطفاً معه.

وما يبثه أو يبعث به الفرد للآخرين – قولاً وفعلاً وفكراً – سيجذبه إلى نفسه بنفس النوع والمقدار.

 ماهيته الحقة ستظهر من خلال قسمات وجهه وأفعاله.

الآخرون سيشعرون باهتزازاته أو أمواجه النفسية وستكون ردود أفعالهم تجاهه موازية لنوعية تلك الإهتزازات.. سلباً أو إيجاباً.

لا يمكننا امتلاك كل شيء. ما لدينا قد وهبه الله لنا كي نستعمله استعمالاً مؤقتاً أثناء وجودنا على هذه الأرض، وعاجلا أم آجلا سنضطر للتخلي عن ممتلكاتنا، إما بفعل الحوادث أو السرقة أو التآكل والإهتراء أو الموت.

وهكذا عندما نحاول التمسك بأي شيء أو الإحتفاظ به لمجرد امتلاكه، فإننا نخادع أنفسنا.

وحتى هذه الأجسام التي عشنا ونعيش فيها لسنين عديدة سنتخلى عنها ذات يوم. لذلك من الخطأ أن نفرض على النفس الإعتقاد بامتلاك أشياء لا يمكن في الأصل امتلاكها في المطلق.

عندما يُعطى لنا شيء ما يجب أن نعلم أنه لنا فقط لفترة ما، ويجب أن نكون على استعداد لمشاركة الآخرين به.

عندما يطمع الشخص بأكثر مما يحتاجه فهناك مشاكل كبيرة في انتظاره.

ما من شك يجب أن يكون لدينا احتياجات أساسية كالطعام والمأوى والثياب وبعض الضمان المادي، ولكن في بحثنا عن هذه الأمور يجب أن نتخلص من الإحتياجات غير الضرورية، وبذلك أعني الرغبات الجامحة والتحرّق لامتلاك أكثر من اللازم.

* * *

لا يمكننا أن نحيا في العالم كأفراد.. إذ نحتاج للإعتماد على إخوتنا وأخواتنا البشر حتى نتمكن من العيش والتمتع بالحياة.

هذا صحيح روحياً ومادياً. لا يمكننا المحافظة على مستوى لائق من المعيشة دون تبادل السلع والخدمات.

يمكننا التسريع من تقدمنا الفكري والروحي بتبادل اختباراتنا واكتشافاتنا.

وعندما نوحّد أفكارنا الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية يمكننا أن ننمّي مواهبنا ونطور قدراتنا كأسرة بشرية واحدة.

* * *

في روضة أحلامي الليلية
 تنبت أزاهير عديدة:
 نوّارات خيالي النادرة.
 هناك.. حيث النور الكوكبي الدافئ
 تتفتح براعم الآمال الأرضية
 ناشرة بتلات زاهية
 من التحقيق والرضاء.
في وهج تلك الأحلام
ألمحُ أطيافاً لوجوه حبيبة منسية..
ومشاعر عزيزة دفينة
توسدت منذ زمن بعيد
 تربة اللاشعور..
 كلها تنهض بأثواب برّاقة.
واستجابة لنداء ملائكة الأحلام
أبصر قيامة كل الاختبارات الماضية.
يا رب، لقد وهبتنا الحرية
 كي ننسى متاعبنا اليومية
 بالزيارات الليلية إلى أرض الأحلام.
ساعدنا كي نستيقظ بك
وننجو للأبد من الحسرات والأحزان البشرية.

* * *

أيها الملجأ الإلهي!
 إنني أسبح في بحر الحياة
 تتقاذفني أنواء المحن العاتية.
 سواء كنت عائماً فوق أمواج المسرات
 أو غارقاً بين الحين والآخر في لجج الآلام
 أحن للإفلات من الثنائية
 ببلوغ شواطئك الأثيرية الفائقة.
 ومع كل دفعة من ابتهالاتي
 أدنو منك يا ملاذي الأوحد.
لن أكفّ عن المحاولة
لأنني أعلم بأنك تتلهف لقدومي
وتنتظر بشوقٍ عودتي!
أنا عصفور الجنة: طائر الفردوس
الذي صاغته أياديك المباركة.
لقد جمّلتني بالظـُرف
 والألوان البديعة..
 بزغب الرقة وريش التفتح الروحي المذهّب.
 لقد حلـّقتُ عاليا
في أجواء الحياة العابسة المكفهرة
بحثا عن جنة الغبطة
فتلطخ ريشي الزاهي
 ببقع اليأس القاتمة.
تعالَ يا إلهي
واغسل طائر فردوسك
 بأشعة الحكمة
 ومياه السلام العذبة النقية.

محور سلامي ومرساة سعادتي

مع أنني أعمل جاداً وجاهداً للتعرف عليك من خلال اتباع قوانينك ونواميسك يجب أن أدرك يا رب أنك فوق كل  القوانين والنواميس.

أيتها الأم الكونية، إنكِ تسكنين في قلب كل أم بشرية. إملأي كل الأمهات بحكمتك ورقتك
علهن يظهرن قدراً أكبر من محبتك اللامتناهية.

إلهي الحبيب، أعلم أن حضورك القدسي موجود في كل مكان.

وكما أن الزيت النقي مخبوء في الزيتون غير المعتصر هكذا حضورك الأسنى موجود في الكون
وطوبى لمن يستخدم معصرة التفكير بك والتأمل عليك لاستخلاص زيت حضورك الرباني المغبوط.

بالأعمال الطيبة والأفكار الإيجابية الخلاقة سأنمّي بذرة معرفة الذات وسأسقيها بمياه التأمل والأشواق إلى أن تتفتح زهرة الحب الإلهي في بستان حياتي.

الدنيا تحاول تقييد وعيي بحبال متينة من الرغبات الكثيفة لكنني سأعمل على تقطيع تلك الحبال بسكين الفهم والتمييز كي يتحرر وعيي وينطلق نحو الألطاف الإلهية.

إن قوة التفكير والكلام والعمل تأتي منك يا خالقي ساعدني كي أستخدم تلك القوة

فقط من أجل الأفكار الطيبة والكلام اللطيف والأعمال النافعة. بالتأمل يزداد حبي إليك إلى أن يغمر كياني بأسره ويزيح من دروب حياتي كل العوائق والعراقيل.

بما أنك خالق هذا العالم الأرضي الحالم فإن واجبي الأول هو نحوك وليس نحو هذا العالم الوهمي.

الصراعات والإضطرابات تحاول أن تبعدني وتصدني عن إدراك حضورك المبارك لكنك ستظل دوما يا رباه محور سلامي ومرساة سعادتي.

* * *

هناك مناجم من المعرفة وكنوز من الحكمة تكمن في داخل الإنسان بانتظار اكتشافها والكشف عنها بالتأمل المعمق والتنقيب الجاد.

الإنسان يستعمل الطاقات الكامنة به دون وعي، أو بصورة لا شعورية في كل ما يفعله ويحصل على بعض النتائج ولكن إن عرف كيف يستثمر تلك الطاقات ويتحكم بها تحكماً واعياً فسينجز أشياء كثيرة وكبيرة.

عندما تتشبع النفس بالحكمة الطبيعية وبالحيوية الطبيعية وبمحبة الخير والإرادة الطيبة
إذ ذاك..  وكما تبحث النحلة عن الزهور سيبحث عنك النجاح ورخاء العيش والمعرفة وكل نعم الحياة الأخرى بفضله تعالى.

* * *

على هذه الأرض يعمل الله على استنباط وتطوير الفن العالمي للحياة السعيدة عن طريق بث مشاعر الإخاء في قلوب الناس وغرس احترام وتقدير الآخرين في نفوس بعضهم البعض.

 لذلك فهو – سبحانه –  لم يسمح لأية أمة  بأن تكون كاملة بذاتها.  فلأفراد كل شعب وهب قدرات وكفاءات خاصة بهم واختصهم بنبوغ فريد من نوعه  بحيث يمكنهم أن يساهموا مساهمة متميزة  في مسيرة الحضارة العالمية.

 السلام على الأرض سيزهر ويثمر بين الأمم من خلال تبادلها البنـّاء لأفضل الخاصيات والمزايا لكل منها.

  وإذ نغض الطرف ونتغاضى عن عيوب الشعوب علينا أن نرى بوضوح فضائلها ونتشبه بها.
 ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن المُثل العليا قد تجسّدت في الأنبياء والرسل والقديسين عبر التاريخ حيثهم كانوا – وما زالوا – نماذج حية لأسمى التعاليم المقدسة.

{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}


تعريف "الأنا"


إن الحواس التي تستمد وجودها من الوعي والطاقة المنبثقين عن الله تـُظهر لنا العالم وتصور لنا النفس على أنها جزء منفصل عن مصدرها وعن باقي الخليقة.

القفص الجسدي قد أسَرَ النفس التي هي انعكاس للروح الكلي وقد طغى عليها النسيان فلم تعد تتذكر جوهرها الإلهي بل صارت تعتبر قفصها الجسدي على أنه ذاتها الحقة ولذا فهي تتقمص وتنسب لذاتها  جميع شوائب الجسد ومحدودياته.

النفس في مثل هذه الحالة تدعى "الأنا" ولكن عندما تدرك هذه الأنا أو هذه الذات الصغيرة المقيدة بأن ارتباطها بالجسد موقوت وأنها ذات جوهر خالد لا يموت عندئذ يمكن تسميتها بالنفس وكلما ترسخ إدراكها بطبيعتها الجوهرية وارتقى وعيها وتمدد كلما أحست بأنها على صلة وثيقة بالوعي الكوني وبأن البشرية جمعاء هي أسرتها العالمية.

* * *

ألا فلنضع هدايا لا تتلف
ولا يتطرق لها البلى
 من الإرادات الطيبة
والخدمات الإيثارية
والمحبة غير المقيدة بشروط
تحت شجرة الإنسانية
ذات الفروع المديدة
و الأغصان العديدة
التي تمثل الأعراق
والقوميات البشرية
على اختلافها وتشعبها.
تقبل الله تقدمات الخير
المدفوعة بالنوايا الحسنة.

يقظة ثانية

بكَ أشعر أنني في يقظة ثانية في عالم آخر. بين الفينة والأخرى أحلم بهذه الأرض وبأن جسدي موجود فيها لكنني مستيقظ في غبطة لا تنقطع وحلمي النهاري لهذه الحياة الأرضية معطر بأريج الذكريات المتناثرة كأوراق الورد.

أرى نفسي متهادياً عبر بانوراما الحياة المزخرفة بالأحلام المزدانة بمناظر عديدة من اختبارات مشهدية متنوعة حاملاً الذكريات المتأرجة لأحلامي الأرضية إلى يقظة الأفلاك الأبدية.

لقد اقتلعتُ أشواك الكوابيس من حديقة حياتي وغرست فيها وروداً من الإلهام حيث سيقبل محبوبي الكوني دعوتي المعطرة بمسك الأشواق ويأخذني معه إلى البيت السماوي الطافح بالمسرات المتجددة  والبركات التي ليس لها انتهاء.

* * *

الله حبه أثيري لطيف وهو يستجيب بكل تأكيد لكل من يبثه حنينه العميق وشوقه الأكيد.

يظن الناس أنهم يحيون بالطعام وليس بقوة الله.. كثيرون ينادونه بأفكار شاردة كريشة في مهب الريح معتقدين خطأ أنه لا يستجيب لابتهالاتهم..

ولكنه يساعد المؤمنين به دون أن يدركوا ذلك ومع هذا لا يعرفه كثيرون محتسبين أنه عنهم بعيد. عندما لا تفتر الهمة ولا تخور العزيمة ويتواصل النداء الوجداني بصمت وثقة ويُلتمس العون الإلهي بصدق ورجاء حتى عند الإصطدام بعوائق الضعف والقلق والعادات غير السليمة
أو الأفكار المشوشة.. سيأتي العون ومعه الفرج..

فالله يستجيب استجابة عميقة وصامتة لكل نداء صادق ونابع من أعماق القلب.


قيمة الإنسان الفعلية
يجب تدريب الإرادة والتخطيط السليم لما تنوي القيام به. فإن عقدت العزم وسرت في طريقك كالسهم الناري أو كالشعلة اللاهبة فإن كل العقبات التي تعترض سبيلك ستحترق وتتحول إلى رماد.

اختر عملاً ما لا تظن أن بمقدورك القيام به، ثم حاول قصارى جهدك إنجاز ذلك العمل. وعندما تنجح في هذه التجربة انتقل إلى شيء آخر أكبر وأهم. واصل تدريب إرادتك على هذا النحو وستلمس النتائج بنفسك.

أما إن كانت صعوبتك كبيرة فصلّ لله بحرارة وإيمان كي يمنحك القوة للتغلب على تلك الصعوبة.

يجب استخدام الإرادة إن كنت ترغب في القضاء على الفشل، ويجب أن يكون التصميم قوياً كالإعصار الجبار – إعصار الخير – الذي لا يقف في وجهه عائق ولا يدمر إلا الشرور.

لا يهم من هو الإنسان وما هي مكانته الإجتماعية. فقيمته الفعلية تتوقف على ما يمتلكه من إرادة طيبة وعلى استخدام تلك الإرادة في أعمال البر ومساعدة المحتاجين.

قوة الإرادة كامنة بك، ولو استخدمتها الاستخدام الصحيح لما عجزت عن تحقيق أي شيء.

إنها الإرادة التي تقود الإنسان من رغبة إلى رغبة حتى تجعله في النهاية يبذل أقصى درجات المجهود لإحراز النجاح في تحقيق الرغبة الكبرى: التعرف على نفسه وعلى الله.

الإرادة تنمو في الإنسان نمواً تدريجياً عاديا، لكن بالإمكان تسريع نموها بالتفكير السليم والعمل الصحيح.

التمسك بفكرة ما بإرادة فولاذية معناه تحقيق تلك الفكرة عاجلا أم آجلا بفضل العزيمة الصلبة التي لا تلين والتصميم الذي لا يعرف التخاذل أو التثبيط.

الإرادة البشرية محكومة وموجهة بالجهل وغالباً ما تقود إلى الخطأ والتعاسة. ولكن عندما يتم توجيه الإرادة بالحكمة والعمل الصحيح، وعندما يتم مناغمتها مع الإرادة الإلهية فإنها تعمل إذ ذاك لصالح الإنسان وسعادته. (فإذا عزمتَ فتوكل على الله.)

تدريب الإرادة أمر ضروري لجعلها متوافقة مع الإرادة الإلهية. فعندما تحوم الإرادة باستمرار حول هدف معيّن تصبح إرادة ديناميكية فاعلة. تلك هي الإرادة التي امتلكها الأنبياء والعظماء وذوو الإنجازات الجبارة في هذا العالم.

قبل الشروع بأي عمل فكـّر ملياً بالذي ستفعله. وتأكد أنك ستستخدم إرادتك في تحقيق أمور نافعة لنفسك وللآخرين. أما إن استخدمت إرادتك استخداماً مغلوطاً فستكون النتائج لغير صالحك بكل تأكيد.

لا تكن سلبياً، فالله وهبك الإرادة لتفعيلها والفوز في معركة الحياة. فتذكر أن إرادة الله تكمن خلف إرادتك.

الإرادة يمكن أن تحدث تغييرات فسيولوجية في الجسد. لا تحتاج إلى الوقت للتخلص من عادة من العادات المستحكمة ما دمتَ تمتلك ما يكفي من قوة الإرادة.

عندما بحث السيد بوذا عن الإشراقة الروحية جلس تحت شجرة البانيان (التين الهندي) وقال ما معناه:

ها أنا أجلسُ تحتَ البانيانْ
وأرددْ صادقاً هذا القسَمْ

أنا إن لم أكتنه سرّ الوجودْ
وأنل من بحثيَ الكنزَ الثمينْ

لن أغادرْ موضعي مهما يكنْ
حتى إن ذابتْ عظامي والجسدْ
سأظلْ جالساً حتى الأبدْ!

وأخيراً نجح غوتاما بوذا المتنور في مطلبه الإلهي..
وحصل على مبتغاه..
حقاً إن إرادة كهذه هي إرادة
متحدة مع الإرادة الكونية.

يوجد في داخلك تيارٌ من الطاقة الكونية يمد جسمك بالحياة إلى ما لا نهاية. ومع ذلك فحال حدوث شيء ما للجسد تنسى تلك الطاقة.

استخدام الإرادة لأغراض خاطئة يعني فقدان الإرتباط بالطاقة الكونية. أما تدريب قوة الإرادة تلك فيعني ملامسة ذلك الكم الهائل من قوة الحياة.

يجب الإحتفاظ بقوة الإرادة حية وناشطة في أعمال الخير والإنجازات النافعة والنبيلة في الحياة.

* * *

العادات هي أدوات وآليات سيكولوجية تلقائية الحركة تساعد في إنجاز أعمال ضرورية بيسر وسهولة.

كثيرون يسمحون لعادات الضعف والفشل باستعبادهم، وبإمكان الإنسان أن يحمي نفسه إذا ما عاش بكيفية مغايرة لذلك، شرط أن يكون جاداً في مكافحة العادات الضارة حتى يبلغ بر الأمان وشواطئ الظفر.

الرغبات ذات الجموح تشجع العادات غير الصحية عن طريق تغذيتها وتعليلها بالآمال والوعود الزائفة لسعادة وهمية ورضاء لا دوام له.

في تلك اللحظات.. لحظات الضعف والحيرة.. على الراغب في الإستظهار على العادات الجامحة أن يستنفر قواه التمييزية كي يدرك طبيعتها الحقيقة ويحسن التعامل معها.

العادات السيئة عواقبها وخيمة وثمارها مريرة وسامة.

هذه العادات الهدامة إذا ما بقيت دون ضابط يضبطها ستزداد قوة بحيث تستبقي على الشخص في قبضتها القوية ونفوذها الكاسح.

وما أن يقتنع العقل بعقم ومضار تلك العادات حتى يخف تأثيرها وتزول بالنهاية من حياة الإنسان.

* * *

تؤكد الكتب المقدسة أن الله يفوق إدراك العقل والفكر. إذ بالرغم من جبروتهما يبقى مجالهما قاصراً عن استيعابه والإحاطة به. لذلك العقلُ البشري عاجزٌ عن تكوين مفهوم فعلي عن الله ولا قدرة له على فهم ذلك الذي لا بداية له ولا نهاية.

عندما تنظر للشمس على بعد ملايين الأميال في الفضاء، فإن ذلك النجم الهائل يبدو أصغر بكثير من أرضنا. ومع ذلك فإن قطر الأرض هو 7900 ميلا على وجه التقريب، وقطر الشمس يفوق قطر الأرض بمائة مرة أو أكثر. فلو تمكنت من وضع كوكبنا الأرضي بمحاذاة الشمس لظهرت الأرض صغيرة مقارنة بالشمس. ولو افترضنا أن المجال الشمسي الجبار آخذ في التمدد والاتساع إلى أن تبتلع كتلته العملاقة السماء الزرقاء برمتها، فالسماء التي نراها هي ليست سوى جزء صغير بل ذرة دقيقة من الفضاء الذي يتخلل الكون اللا متناهي. ولو واصلت الشمس اتساعها وتمددها في الفضاء إلى ما لا انتهاء، لما تمكنت مع ذلك من الإحاطة باللانهاية.

الوهم الكوني للصغر والتناهي يحد ويصد العقل عن إدراك ذلك الاتساع الكوني. فمن أين أتى هذا الفراغ المطلق، وأين هي حدوده؟

إن الذي لا يخضع للأبعاد والمقاييس ولا حد له ولا منشأ هو الله الكلي الحضور والموجود في أقصى أقاصي الفضاء. إنه في النجوم البعيدة النائية وهو على دراية واعية بكل حيّز يشغله مهما كان صغيرا أو كبيرا.

الله ليس العقل لأنه خالق العقل ويفوق قواه، وإلا لاستطعنا إدراكه بواسطة العقل. ولكن يمكننا أن ندعوه على نحو صحيح ودقيق وعياً إلهياً، غبطة إلهية، حضوراً إلهياً؛ ولكن ليس عقلا.

ومع أن العقل عاجز عن الإحاطة بالوجود الكلي لكنه قادر مع ذلك على الشعور بوجود الله. إن الشعور بحضوره وقياسه هما تجربتان مختلفتان تماما.

الموجة لا تستطيع قياس المحيط، ولكن هناك نقطة تماس بينهما. وبالمثل، وهذه النقطة هي الوعي السامي. هذا الوعي يمكنه الشعور بالله أي ملامسة حضوره. فعندما نوسّع مجال العقل العادي حتى يتصل بالوعي السامي اتصالا وثيقاً، نتمكن عندئذ من الإحساس بالحضور الإلهي.

لقد انحدرنا من المطلق غير المحدود إلى المقيد المحدود. اليوغا هي سحب الذهن من الأشياء الخارجية بغية تركيزه على ينبوع الحق الباطني. وبهذه الكيفية وحسب يمكننا اكتشاف الطريقة التي استخدمها الله في تكثيف الوعي الكلي إلى الصور المحدودة لمخلوقاته وللأكوان التي تسكنها.

الجسم البشري هو أكثر خلائق الله دقة وتعقيدا. إن خلية أولية وحيدة لاندماج الجرثومة المنوية بالبويضة تنقسم، وبتضاعف عملية الإنقسام تبني حولها بلايين الخلايا كي تخلق الهيكل الجسدي الذي يأوي وعينا الروحي.

إنك لا تعرف مقدار الطاقة المختزنة حتى في غرام واحد من اللحم. فلو تم إطلاق تلك الطاقة لانتشرت الالكترونات التي لا حصر لها في الفضاء اللامتناهي. إن قوة ومجال الوعي الحالّ في الجسد يفوقان إدراك الإنسان. ومع أن بنيتنا الظاهرة مكوّنة من اللحم والدم والعظم، غير أنه خلف خلاياه الكثيفة توجد تيارات إلكترونية وتيارات حيوية. وخلف هذه الطاقات الرقيقة الدقيقة تكمن الأفكار والمدركات.

الفكر لا ينضب ولا يعرف النفاد. فمنذ تأسيس العالم وأفكار تفوق حد الخيال تتماوج في الأثير. لا يمكن إحصاء تلك الأفكار ولكن لو تأملتَ عدد الأفكار والمشاعر التي جالت بخاطرك وعبّرتَ عنها طوال عمرك لتكوّنت لديك فكرة عن تلك الأفكار التي تفوق الملايين عدا.

حاول إن استطعت أن تتذكر كل الأفكار التي فكرتها خلال سنة واحدة، أو يوم واحد فقط، ثم فكر بالكم الهائل لأفكار كل البشر المتراكمة عبر الأزمنة الغابرة حتى يوم الناس هذا. الله يعرفها كلها.

العقل لا يمتلك القدرة على قياس حتى الظواهر الطبيعية الدقيقة. كم من الالكترونات تدور في الكهرباء المنسابة إلى المصابيح الضوئية! هناك ترليونات تتراقص معا مؤلـّفة الضوء الذي نراه. هذه الجزيئات التي لا يمكن رؤيتها حتى في الميكروسكوب تنتقل من أي نقطة إلى أي مكان آخر في العالم في غضون ثوان قليلة. التجارب العلمية تؤكد ذلك.

لو حاولت إحصاء عدد البروتونات والالكترونات المكثـّفة في كرتنا الأرضية فإن العقل سيواصل هذه العملية الحسابية قليلا ثم يتوقف. فالأشياء الظاهرة لعقل الباحث تبدو لا متناهية.

ولكن هناك نقطة تصبح الأفكار معها دقيقة للغاية بحيث يتعذر متابعتها. فمن ذلك المستوى الذي لا يمكن للعقل اختراقه والنفاذ إليه يسكب الله نوره الجوهري: الاهتزاز الكوني الذكي، الذي يبني الخليقة المحدودة ويعيلها.

الصداقة

هل الصداقة رداء مبارك منسوج من خيوط القلب؟
أم هل هي امتزاج عقلين في عقل واحد مترامي الأبعاد فسيح؟
أم نافورتا حبٍ منبثقتان من ينبوع واحد
لتعزيز فيض المحبة وإرواء تربة النفوس العطشانة؟
أم هل هي وردة وحيدة وسط غصنين نابتين على أيكة الفهم الودود؟
أم تفكير واحد في جسمين اثنين؟
وهل يمكن تشبيه الصداقة بجوادين
يسحبان – بالرغم من اختلاف لونيهما - مركبة الحياة معاً
نحو هدف سامٍ برؤية موحدة؟
أتقوم الصداقة على أسس التفاوت أم المساواة؟
وهل تشادُ جدرانها بحجارة التباين والتمايز ؟
وهل هي توافق أعمى على الخير والشر
والسير بهمة وابتهاج على دروب الطيش والحماقة
نحو هوة الخيبة وانجلاء الأوهام؟
الصداقة نبتة شريفة ومثمرة ومقدسة!
عندما يتعاهد اثنان على الوفاء المقيم
ويسيران على دروب الحياة بالرغم من عدم التوافق في الرأي..
وعندما يختلفان ويتفقان بمودة واحترام
فيعضد أحدهما الآخر .. ويتمنى له الخير كما لنفسه
ويفرح بنجاح صديقه فرحه بنجاحه..
حيث لا ينشد المحب المتعة أو الراحة على حساب المحبوب
عندئذ.. في روضة الإيثار تلك
تزهر وتزدهر الصداقة فتـنـتـشـي بعطر المحبة والإخلاص.
لأن الصداقة نبتة هجينة، مولودة من نفسين
وعبيرها منبثق من وردتين مختلفتين
ومحمولٌ على نسمات الحب الراسخ
الذي لا تهزه نائبة ولا تشوبه شائبة.
تولد الصداقة من قلب المحبة التي لا يمكن تفسيرها
وتنبجس ثرة من ينابيع المشاعر النقية.
وتنمو في تربة التوافق والاختلاف.
لكنها تهجع..تتجمد.. وتقضي في التباسط الزائد وانعدام الاحترام المتبادل
كما تختنق وتلفظ أنفاسها الأخيرة تحت أكداس الرغبات الأنانية الكثيفة.

أما قلبها الرقيق فلا يقوى عليه سوى التوقعات والمتطلبات..
والمخادعة والتضليل..
أجل.. هذه الآفات تعمل عملها في نبتة الصداقة وتنهش قلبها الورديّ نهشا.

أيتها الصداقة.. يا نبتة السماء الزاهرة الندية..
بيئتك المثالية هي التربة الغنية بالحب المجرد عن كل غاية وهوى..
حيث يسعى الأصدقاء لبناء وتدعيم بعضهم البعض
وتمهيد الطريق الواحد للآخر على طول الدرب..
لا شيء يروي جذورك أيتها الصداقة
غير مراعاة المشاعر واحترام أصحابها
ولا شيء يرطب أوراقك سوى رذاذ العذوبة المنهمر شفافاً
من سماء القلوب المخلصة المحبة..
أيتها الصداقة الصادقة..
حيثما تتناثر أوراق ورودك
تتقدس تلك البقعة
فتصبح معبداً مباركاً
يؤمه كل مؤمن بالله وبقدسية الحياة.

* * *

سأشعل نور الابتسامات.. ستتبدد ظلمة تعاستي، وسأبصر روحي على ضوء ابتساماتي المتوارية خلف الديجور الكثيف للأحقاب المتراكمة.

عندما أعثر على ذاتي سأسري في كل القلوب حاملاً مشعل ابتسامة روحي.

سيبتسم قلبي أولاً، ثم عيناي ومحيّاي. كل ذرة من كياني ستتألق بنور الابتسامات.
سأخترق مجاهل القلوب الكئيبة وأوقد ناراً جبارة تلتقم كل الأحزان.

أنا لهب الابتسامات الذي لا يُقاوم. سأنعش ذاتي بنسيم الفرح الإلهي، وأتوهَّج في دياجير العقول. وكل مَنْ يقابلني سيحصل على هَبَّة من سروري المقدَّس.

سأحمل مشاعلَ شافية من ابتساماتي إلى كل القلوب. سأبتسم أولاً ولو كان ذلك صعباً، وسأُلْـهِمُ البائسين الباكين كي يبتسموا.

في بهجة كل القلوب أسمع صدى غبطتك يا إلهي. وفي صداقة كل المخلصين أعثر على مودتك.

أتهلَّل وينشرح صدري لنجاح إخواني وتوفيقهم مثلما أفرح وأتهلَّل ليسري ورفاهيتي.

وإذ ألهم الآخرين الحكمة والفهم فإنني أضاعف كنوز حكمتي ومعرفتي.

وفي سعادة الجميع أعثر على سعادتي.

لا شيء سيُلاشي ابتساماتي. الفشل والمرض والمَنيّة لا تقدر أن ترعبني أو تثبط عزيمتي.

النكبات والكوارث تعجز بالحقيقة على أن تمسُّني بسوء لأنني أمتلك داخل روحي سرور الله الدائم المتجدد الذي لا يتغير ولا يُقهر.

أيتها الابتسامة الإلهية المقدسة الصامتة، تتوجي على محياي وابتسمي من خلال روحي.

سأحاول أن أكون ملياردير فرح، لأن ثروتي الحقيقية تكمن في خزائن حضورك المغبوط يا رب، وهكذا سأسد عوزي للنجاح الروحي والرفاهية المادية في نفس الوقت.

* * *

السلام يتدفق من قلبي
ويهبّ من خلالي كالنسيم اللطيف.
السلام يغمرني كالعطر الفواح.
السلام ينساب من خلالي كأمواج الضوء.
السلام يفري قلب الهمِّ والقلق، ويحرق أشواك الخوف والأرق.
السلام يتمدَّد اتِّساعاً ـ ككتلة نارية ـ ويملأ وجودي الشامل.
السلام كالمحيط يغمر الفضاء والأجواء.
السلام كالدَّم القاني، يبعث الحيوية في أوردة أفكاري.
السلام كالشفق المترامي يطوِّق جسد لا نهائيَّتي.
لهب السلام يندفع من مسامات جسمي، ومن الفضاء بأسره.
ضوع السلام ينفح حدائق الورود.
شراب السلام يتقطـّر على الدوام من معاصر كل القلوب.
السلام هو حياة الأحجار والأقمار، والأولياء والأنبياء.
السلام هو سلسبيل الروح
المتحلب  من خابية السكون.
والذي أترشفه بثغور ذرَّاتي التي لا حصر لها.

* * *

سأبتهل بحرارة قلب
إلى أن تتقد ظلمة التأمُّل
 بحضورك المتوهِّج با رب.
اليوم سأبثُّ أنشودة روحي في الأثير
 بتركيز ودّيّ عميق
علَّك تستجيب من خلال جهاز استقبال سكينتي.
يا مَنْ أنت الغبطة دائمة الوعي والوجود والتَّجدُّد!
حرِّر عقلي من أعباء اللامبالاة والنسيان.
دعني أتذوَّق رحيق وجودك المغبوط على الدوام.
مع اتساع سكوني الباطني والظاهري يأتيني سلامك.
سأحاول الإصغاء دوماً لصدى وقع خطواتك الأثيرية.
إنْ حصلت عليك كأعمق سرور لأعمق تأمُّل
أعلمُ عندها أنَّ كل الأشياء
من رخاء وصحَّة وحكمة ستـُعطى لي.
ساعدني كي أبحث عنك
 في أغوار مياه روحي المتعطشة إليك.

الحب

الحب هو عبير الزنابق المتفتحة
وكورس الورود الصامتة
المحتفية بجمال الطبيعة.
الحب هو أغنية الروح تنشد للحياة
ورقصة الكواكب الإيقاعية المتزنة
في انطلاقتها الدائمة في الفضاء السحيق.
إنه ظمأ الزهور لارتشاف أشعة الشمس
وتورّدها وارتواؤها بإكسير الحياة.
إنه شوق الأرض
لتغذية الجذور العطشى بلبنها
ورعاية كل صنوف الحياة بعصارة الحياة.
إنه إرادة الشمس الجبارة
لإبقاء كل الكائنات حية مفعمة بالنشاط.
وهو دافع الحياة
لتوفير الحماية والرعاية للقاصرين.
إنه بسمة البراءة تستمطر الحنان الأبوي
على الرضيع
والإذعان التلقائي في قلوب المحبين
لتقديم الخدمة والعزاء دون مقابل..
إنه نبض الصداقة
الذي يجبر الخواطر الكسيرة ويشفي الجراح..
إنه نداء القلوب الذي يعصى على الوصف
إنه الشاعر المترع بحب الإنسانية
المتألم لشقائها..
إنه دائرة الألفة بين أفراد الأسرة الواحدة
دائمة التمدد والإتساع نحو مساحات أوسع
ومجالات أرحب..
إنه همسة الحياة
في آفاق العقول المتفتحة
وسماء القلوب المرصعة بنجوم المشاعر النبيلة.
الحب هو نعيم الروح
الذي تصبو إليه النفوس المُحبة
وتحن للتوصل إليه والتواصل معه.

من الأرشيف: أقوال في النجاح والناجحين

الطفل قد يتصور النجاح على أنه امتلاك العديد من الألعاب والدمى، وربما سيارة صغيرة أيضاً كي يركب فيها. الطفل الفقير قد ينظر إلى النجاح على أنه امتلاك بعض النقود لشراء ما يحلو له، في حين قد يتبرّم الطفل الغني بما لديه من ألعاب ولا يعرف الراحة النفسية. وقد يصبح من الصعب إرضاء ذلك الطفل لكثرة الأشياء التي بين يديه.

عندما يتقدم بنا العمر نضحك على رغبات الطفولة. حتى الكثير من الأشياء التي يعمل الكبار من أجل الحصول عليها اليوم تفقد رونقها غداً أو بعد غد لتحل محلها رغبات أخرى جديدة.

من المستحسن أن يستعمل الشخص التمييز بين ما هو ضروري وما هو غير ضروري.

النجاح ضروري كي يتمكن الشخص من امتلاك ضرورات العيش من مأكل ومأوى وصحة وثياب. فإن لم يمتلك هذه الأشياء ولو بنسبة ضئيلة فهو في وضع بائس.

يجب أن يتمكن المرء من الحصول على حد أدنى من الراحة والسعادة اللذين يبحث عنهما. وسواء كان الشخص روحياً أم مادي الطباع فلا خلاف على وجود بعض الحاجيات الرئيسية التي ينبغي الوفاء بها بحيث يتمكن من الإحتفاظ بجسمه سليماً ومعافى. وما لم يكن معافى وسليماً (نفسياً على الأقل) فلن يتمكن من تحقيق النجاح.

لكن ما هو النجاح الحقيقي؟ فلو حصل الشخص على كل ما يريده في الحياة سيظل يشعر مع ذلك بفراغ لأنه روح والأشياء المادية لا قدرة لها على منحه السعادة التي هي حالة نفسية أولا وقبل كل شيء.

لنا القدرة على إسعاد أنفسنا مثلما لنا القدرة على إتعاس أنفسنا. وسرّ النجاح والسعادة يكمن في داخلك. قد تكون سعيداً في بيتك الصغير المتواضع أكثر من الملك في قصره الفخم. فمن يجد النجاح والبحبوحة خارج نفسه فهو ليس ناجحاً ولا سعيداً. هذا لا يعني أن المليونير غير سعيد، بل المقصود هو إن تمكنت من استخلاص السعادة من الحياة، سواء كنت فقيراً أم غنياً فأنت ناجح بكل المعايير.

اللذة التي تدوم للحظة وتترك في أعقابها حسرة وندامة ليست سعادة. في النجاح الحقيقي تبقى ذكرى تحقيق النجاح حية حتى ولو تلاشى إحساس البهجة بالإنجاز. إن كل الأشياء الطيبة التي فعلها ويفعلها الإنسان في حياته تحيا للأبد في الذاكرة كفرح دائم. ذلك هو النجاح الحقيقي الذي يحرزه الإنسان في حياته.

النجاح ليس شيئا بسيطاً، إذ لا يمكن قياسه بثروة الإنسان أو ممتلكاته. معنى النجاح هو أعمق من ذلك بكثير. النجاح الفعلي يمكن قياسه بقدرة الشخص على أن يكون سعيداً تحت كل الظروف.

عندما يكون ضميرك راضيا مرتاحا
ولا تكون متحيزاً لأحد أو مجحفاً بحق أحد
وعندما تكون إرادتك صلبة ومرنة في آن
وتمتلك إحساساً مرهفاً وتمييزاً صائبا
وعندما تقدر على تحصيل ما تحتاجه بطرق شريفة ومشروعة
فأنت من الناجحين.

الطفل غالباً ما يقنع ببعض الأشياء الصغيرة، لكن عندما يكبر يرغب في امتلاك أشياء كثيرة من فيلات وسيارات مع أنه يعلم أن أصحاب تلك الأشياء ليسوا بالضرورة سعداء.

الرضاء يكمن في العيش البسيط والأفكار الرفيعة. فالذي يُبقي عقله في عالم المثل –عالم الأفكار السامية – يشعر بسعادة أكبر مما لو حصر أفكاره بالأمور المادية لا غير. المنهمكون في الماديات دون سواها.. المهتمون في تكديس الكماليات (قصد الفخفخة والمباهاة) ليسوا على درجة كبيرة من الرقي.

من الأجدى للإنسان أن يقرأ الكتب والمواضيع النافعة بدلاً من إضاعة الوقت على نشاطات غير مثمرة. وأعظم من القراءة التفكير بالله والتأمل بعظائمه ومحاولة معرفة أسرار الحياة التي لا حد ولا انتهاء لها.

غاية الحياة هي أن يعرف الإنسان ذاته فيشعر بالمحيط الكوني ينبض في قلبه ويسري في عروقه ويغمر كيانه بالسلام والمحبة والفرح والطمأنينة.. وذلك هو النجاح الأعظم!

الجمـــال

الأشخاص ذوو العيون المبصرة يتذوقون الجمال في كل مكان. آخرون يتصرفون كما لو لم تكن لهم أعين، لا يبصرون ولا يعون  {صمٌ عميٌ بكمٌ فهم لا يعقلون } لأنهم يعجزون عن معاينة  أي شيء حتى في الأماكن الجميلة.

 إن أبهى الألوان الأرضية تبدو قبيحة وكثيفة مقارنة بالألوان الرائعة للعالم الكوكبي أو الأثيري.

على الصعيد المادي اكتشف الإنسان طرقاً شتى لتقوية قدرته البصرية. العين المجردة تستقبل انطباعات محدودة من اللون، ومع ذلك فإن بعض القطع الصخرية ذات اللون الأسمر الفاتح تظهر ألواناً متلألئة تحت الأشعة ما فوق البنفسجية. ولدى حجب تلك الأشعة تسترد الصخور لونها الأصلي القاتم.

إن ألواناً عديدة في العالم المادي كزرقة السماء هي خداع بصري يحدثه انعكاس الضوء على صنوف مختلفة من جزئيات المادة.  وبما أن العين لا يمكنها التقاط سوى مرتبة محدودة من الإهتزاز الذي يشكل كل ما في الكون لا يبصر الإنسان الأطياف الأثيرية اللطيفة المحتجبة في كل ما هو حوله.  ولو رأيتها لتعجبت من رونقها وجمالها.

وهكذا فلا العين ولا الأذن يمكنهما التقاط كل ما يمكن التقاطه. لا قدرة للإنسان على استنشاق الروائح الأثيرية الزكية أو مشاهدة أعداد لا تحصى من الأشكال والصور اللطيفة والانطباعات الرقيقة المتماوجة في رحب الأثير.

غالباً ما يعجز الإنسان عن إدراك حتى الأشياء التي تقع ضمن مجال إدراكه الحسي.

عندما زرت المكسيك ورأيت "الحدائق العائمة" لبحيرة زوكيميلكو ملأ حسنها قلبي وأحسست بروعة وعظمة الفنان الإلهي.

 كان هناك شخص آخر بدا مستغرقاً بتلك المحاسن الطبيعية، لكن شعوراً باطنياً أوحى لي أنه لم يكن يشاهد ما كنت أراه. سألته عن انطباعه عن تلك المرائي البهيجة فأجاب: "كنت أفكر في طريقة ناجعة لتصريف المياه بغية استثمار المزيد من الأرض."

لقد كان ينظر للبحيرة من منظوره الشخصي. وهكذا فإننا ننظر للأشياء طبقاً لأفكارنا وطباعنا الخاصة.

إن كل نفس مغلفة باهتزازات مختلفة من أحاسيس وأفكار ومشاعر.. كل العوامل التي تساعد على تكوين شخصية أو وعي الشخص.

لكل واحد تركيبة مختلفة.. اهتزاز مختلف.  كل الأشياء التي فعلها الشخص منذ الطفولة ما زالت محفوظة في الدماغ بصورة كبسولات مضغوطة من الميول والنزعات. وبما أننا لا نرى هذه الكبسولات غير المنظورة فإننا ندهش لتصرفات البشر كل على هواه.

البعض يستخفه الطرب دون سبب أو يغضب ويتعكر مزاجه بكيفية لا يمكن تعليلها حتى من قبل الشخص نفسه. آخرون دائمو الإنهماك بالانتقاد أو القلاقل وترويج الإشاعات وفضح الآخرين في حين أن بيوتهم النفسية بحاجة إلى الكثير من التعزيل والتنظيف.

  تلك النزعات النفسية تطمر النفس وتحول دون إظهار الشخص لمزايا ذاته العليا.

 يا لتعقيد البشر وتقييدهم لأنفسهم! إن كل شخص هو بحد ذاته رواية متعددة الفصول، متشابكة الأحداث ومتنوعة المَشاهد.

* * *

يجب طرد أفكار الفشل بأفكار النجاح الإيجابية وبالتفاؤل..
وتحجيم المخاوف بعدم تضخيمها..
وتبديد الأحزان بنور السعادة..
وكسف الفظاظة باللطف والإعتبار..
وملاشاة المهاترة بالمودة والمجاملة..
وخلع الأفكار المريضة عن عرش الصحة
بالأفكار السليمة والمشاعر الصحيحة..
وإزهاق الإضطراب والقلق
بالإيمان وتفعيل قوى العقل..
وتأسيس مملكة السكون في النفس
لملامسة الحضور المبارك
والشعور بالحماية الإلهية.

امنحي روحاً تتسم بالسخاء

دعني أدرك يا رب أن متع الحواس سطحية وقصيرة الأجل
 في حين أن فرح الروح هو حقيقي ومتجدد على الدوام.

الله هنا.. إنه ليس مجرد كلمة نتلفظ به
بل جوهر الحياة وسر الوجود.
قد لا نعرف مدى اتساعه اللامحدود
 لكن بإمكاننا أن نحس بوجوده ونلامس حضوره.

اليوم سأزيّن محراب السكينة
 بزهور الشوق الإلهي
 وأدعو إليه إله المحبة والغبطة.

أسأل الله أن يظهر لي ذاته
من خلال عيني الروحية
علني أرى نوره منتشراً في كل أصقاع الكون.

الله هو السكون الكوني الذي فيه تنعكس كل الأشياء
 ومنه تبزغ كل الأفكار النيّرة..

 لذا سأحاول ممارسة السكينة كي أشعر بحضوره السعيد.

إنني أدرك أن الله يصغي لكل همسة من همسات أشواقي.

هو الحب الكوني..
 ومن خلال الحب الإلهي يمكنني العثور عليه
إذ بالمحبة يقترب المريد من الله
 ويشرب من منابع الغبطة المقدسة.

ساعدني يا رب كي أشحن جسمي بطاقتك الكونية
وكي أشفي العقل بالتركيز والتفاؤل
وأشفي النفس بالمدركات الروحية وليدة التأمل.

في الحياة وفي المماة
وفي الأحزان والملمات
يبقى إيماني بك يا رب
قوياً لا يتضعضع
راسخاً لا يتزعزع.

*كل نفثة من نفثات حنيني وابتهالي
تفتح في روحي أبواباً ونوافذ
منها أعبر إلى نعيم الله.

مثلما تشع الشمس على أكثر الطرقات اكتظاظاً
هكذا سأبصر إشعاعات الحب الإلهي
في كل الأماكن المزدحمة لنشاطاتي اليومية.

باركني يا رب كي أوقظ روحي مع صحوة الفجر
وآتي بها إلى أعتابك المباركة

يا رب، امنحي روحاً تتسم بالسخاء
كي أشارك الآخرين بما عندي
وساعدني كي أبصر في بحيرة عقلي الساجية
انعكاس قمر روحي
متألقاً بنور حضورك.

اليوم سأغوص عميقاً في بحر التأمل والتفكير بالله
إلى أن أعثر على لآلئ الحكمة والفرح الإلهي.

سأحبك يا رب أكثر من أي شيء آخر
لأنني بدونك لا أقدر على محبة أي إنسان أو أي شيء.

في أغوار الجبال
والسموات الساكنة
وفي أعماق روحي
وكهف السكون
أحس بوجود الله
وأشعر بغبطته الدائمة
وأشرب من ينابيعه الصافية
التي لا تنقطع ولا تجف طوال الأبد.

سأعبدك يا رب
يا من يستوي حبك
على عرش كل قلبٍ طيب ومحب. *

* * *

المال ليس بالضرورة مؤشراً على امتلاك الذوق السليم. كثيرون من ذوي الثراء يبتاعون أشياء لا يحتاجونها فتتكدس في بيوتهم أكواماً لا روفق لها ولا فائدة.

لا حاجة للمال الكثير لجعل البيت جذاباً والذوق هو العنصر الأساسي في ذلك.

لكن فكرة تجميل البيت تستحوذ على البعض فينهوسون بها ويقيدون أنفسهم بالماديات.

لا بد إن كل من يتحتم عليه دفع فواتير متراكمة وملحّة يحنّ إلى حياة البساطة والتحرر من الضغوط المادية. لكن تلك الحرية لن تأتي بالإستسلام للتكاسل والخمول أو ترك كل شيء دون مبرر أو منطق.

حدث ذات مرة أن رجلاً ألمّت به خسارة جسيمة فقال:

"وامصيبتاه! لقد خسرت ثروتي وهجرتني زوجتي  ولذلك قررت أن أترك كل شيء وأصبح ناسكاً."

هذا الرجل، أيها الأصدقاء، لم يترك كل شيء بل كل شيء تركه!

البيئة النفسية والشعور بالرضا هما عنصران هامان لتحقيق السعادة. وبعد تمحيص وفرز كل الرغبات، بالإمكان عندئذ القول:

"لا توجد صعوبة في الحصول على الحاجيات المادية الضرورية وعدم القدرة على امتلاكها هو أمر لا مبرر له."

* * *

الحضور الإلهي
موجود في النجوم
وفي الأرض الطيبة
وفي ضربات القلب
ونبض المشاعر.

من يواصل السير نحو الغاية المباركة
ويتفكر بالله وروائعه
سيراه في رداء الكون الذهبي..
رداء النور المنتشر
فوق الأبدية
التي لا نهاية لها
و سيحس بوجوده النابض
في كل فكرة جليلة ونبيلة
وفي وكل خفقة من خفقات الوجدان.
كثيرون تحدثوا عن الله
وكثيرون بحثوا عنه
وكثيرون قرؤوا عنه
لكن قلائل هم الذين لامسوا حضوره..
والذين تذوقوا غبطته
هم الذين يعرفوه.

"تحميص" بذور الأعمال المدفوعة بالجهل


سأل أحدُ المريدين المعلمَ برمهنسا عن رأيه في القضاء والقدر والمعاناة والألم، فقال:

الإنسان هو الذي يصنع قدَرَه بإرادته، و يقرر مصيره بنواياه وأفعاله.

يمكنك تخليص نفسك من الآلام فيما إذا اخترت ذلك.

الله جوهره المحبة ولا يريد أن يعاني محبوه ويلات الآلام نتيجة للأفعال الخاطئة والتفكير المغلوط، وقد وهب الإنسان قوة التمييز وحرية الإختيار. لكن نتيجة للقرارات غير الصائبة والخيارات غير الحكيمة يجلب الإنسان على نفسه وعلى غيره المعاناة والألم.

يجب أن تتحرر وأن لا تسمح لأحد بمصادرة قرارك أو الهيمنة عليك، وأن لا تدع المحيط والعادات والتقاليد الخاطئة تقيدك وتتحكم بنهج حياتك. اعمل بوحي الحكمة واصغ لصوت الضمير وخذ نتائج الأفعال في الإعتبار قبل الشروع بما تنوي القيام به، وتحاشَ إلحاق الأذى بالآخرين بسبب تصرفاتك غير السليمة، واطلب من الله العون والهداية.

ما دام الإنسان فريسة للغضب والغيرة والحسد فهو ليس حراً. يجب أن يصبح سيد عواطفه وأعماله، وأن يتحرر من الغرائز المدمرة والأهواء الجامحة والرغبات الخاطئة.

إن كنت مخلصاً كل الإخلاص مع ذاتك
فستسند الحكمة تفكيرك
ويهدي الصواب قرارك
وينير الفهم عقلك.

يجب "تحميص" بذور الأعمال السابقة المدفوعة بالجهل على نار التأمل والحكمة بحيث تصبح غير صالحة للتفريخ والنمو ثانية.

هذا هو الطريق لرد وصد هجمات الخداع العاتية.

الوهم الكوني - أو إبليس - يخدع الإنسان بوعود خلبية ومغريات خلابة لتعقب سراب المتع الحسية، ويسيطر على ملكاته لأنه يعده بسعادة دنيوية لا حقيقة لها، وبذلك يعمل جاهداً على منعه من تذوق ثمار السعادة الحقيقية الموجودة بوفرة في بساتين الروح.

الفهماء يعرفون الفرق بين الحقيقة والأوهام ويحسنون التمييز.

وإذ يتعمقون في التأمل يصبحون على دراية وثيقة بأهمية الإرادة الحرة وبضرورة تفعيل حرية الإختيار لعمل الصواب وتجنب الأفعال ذات التبعات الضارة والنتائج غير السارة.

تأملات يومية

يولد الحب في جنائن التقدم والتجدد
اليوم سأحطم صورة الجهل
التي تدنس محراب النفس في داخلي
وسأتذكر أن نور الله الأقدس
يشع باستمرار على كياني
ويبدد ظلام الوهم من عقلي وروحي
وأن الذي خلقني لا يفارقني.

تحت كل موجة من أمواج الحياة
يقبع محيط الحضور الإلهي الزاخر
ووراء كل خفقة من خفقات الوجدان
يكمن بحر الإحساس الكوني اللامتناهي.

كل ليلة سؤأكد لنفسي بأنني لست الجسد
بل الروح الذي يسكن الجسد
وبأن كياني الروحي خالد مؤبد
وعندما أستيقظ سأتذكر التأكيد من جديد.

في هيكل النوم سأتعافى وأجدد قواي
لكن ذلك لا يكفي..
إذ أحتاج إلى محراب من السكون والتأمل
حيث يمكنني أن أعتكف كل يوم
لارتياد آفاق وعيي
 واستكشاف أسرار روحي.  

إنني أعلم علم اليقين
 بأن الله لا يتخلي عني لحظة واحدة
ومهما كانت أحوالي المادية
أبقى غنياً بالله لأن فيض نعمته
ينساب من خلالي على الدوام.

الحب هو نداء الله الصامت
لكل الكائنات الحية والجامدة
كي تعود إلى بيت وحدانيته.

يولد الحب في جنائن التقدم والتجدد
ولذلك سأعمل دوماً على تجديد ذاتي
وحفز روحي على المضي قدماً على مسار الإنجاز.

اليوم سأتجنب النقيضين: الغرور والسلبية.
سأتذكر أن الله يعمل من خلالي
وإن لامست حضوره
سأكون في مأمن من كل الشرور.

إنني أدرك بأن غاية الحياة هي السعادة
ليس السعادة الأنانية التي تستثني الآخرين
بل التي تشملهم فتزداد زخماً بإسعادهم. 

خلف القمر البدرُ الأعظم
وخلف الشمس قوة الله وحيويته
وخلف عقل الإنسان العقل الكلي
ولذلك لن أقيّد نفسي
بالذات الصغيرة: "الأنا".

يا رب
إن بحثنا عنك بكل قلوبنا
فستفتح الأبواب في وجوهنا
وترسل لنا كل ما نحتاجه للتقرب منك
والتعرف عليك.

سأبقي عقلي متفتحاً ومتقبلاً
عندها سأعاين الله في كل ما هو نبيل وجليل
وسأدرك أنني على تواصل حيوي
مع حضوره المغبوط.

عندما أفتح عينيّ على فرح التأمل
ستتلاشى الظلمة
وسيأخذني نور الإيمان
إلى مملكة الأنوار
حيث الله في الإنتظار.

سأتذكر أن الجهل هو مصدر كل الأمراض
الجسدية والعقلية والروحية.
سأبدد ظلام الجهل
بمعاينة نور الله.

اليوم سأتصل بأصدقاء الحكمة
من خلال كتبهم وتعاليمهم.
سأدخل من أبواب الدراسة الجادة المتأملة
إلى عوالم الفكر المدهشة العجيبة
سأقرأ كتباً ومواد ملهمة
عن الله منبع كل الإلهامات والأفكار العظيمة.

لقد وهب الله كل واحد منا قوة مميزة
لكي يأتي بشيء رائع لم يأتِ به سواه
إنها قوة مبادرة الإبداع
ولذلك سأبذل قصارى جهدي
لكي أنمي قوة المبادرة تلك. 

يا إلهي الحبيب
إنني أعلم بأنني أمتلك شرارة الألوهية في ذاتي
ولذلك سأقوم بنشاطاتي دون كلل
وستواصل قافلة حياتي المسير
مدركاً أن قواك الخلاقة اللامتناهية
تساعدني.. تسمو بهمتي.. وتشحن عزيمتي.

اليوم سأفكر جيداً قبل التصرف.
العادة هي نتيجة لأفعال مختلفة
والأفعال يمكن الحكم عليها بتأثيرها على النفس
لذلك سأبذل جهدي لتحرير نفسي
من العادات الخاطئة.

ساعدني يا رب كي أقوّي إرادتي
وكي لا أسمح للعادات باستعبادي.
خذ بيدي كي أطوّر نفسي روحياً
بالإنضباط الداخلي والخارجي.

لا يوجد أمن بدون الله
ولا سعادة بدونه
ولا حب بدونه
ولا راحة بدونه
ولا حياة بدون الله.

فراغ يصعب ملؤه

آن للإنسان أن يفعّل القوى الكاشفة للحقائق في داخله فالسعادة مقترنة بذلك الكشف وعلى لراغبين في بلوغ تلك الآفاق الذاتية بذل المجهود الهادف وتغذية العقل بالأفكار الخلاقة لملامسة ما أودعه الله بهم من حقائق والإستفادة من القوى المباركة التي يزخر بها كيانهم.

من يرغب في إشباع الحواس المادية دون تذوق لرحيق السعادة الروحية من الينبوع الإلهي مصدر كل رضاء ومسرّة يستثمر استثماراً خاسراً فتبور تجارته ويكون محصوله المعرفي هزيلا.

الراغبون في التعرف على الله سيحقق الله رغبتهم لأنه كريم جوّاد لكن معظم الناس يهرولون خلف رغبات دنيوية يعللون النفس بسعادة مادية لا دوام لها فيعانون بسبب عدم تحقيقها.. أو بسبب تحقيقها!

وحتى الناجحون مادياً سيشعرون في نهاية المطاف بفراغ في حياتهم يصعب ملؤه أما الذين يقرنون حياتهم بالله فهم أثرياء أقوياء ويتمتعون بالرضاء والرخاء.

إن عدم الإمتثال لوحي الحكمة وإغفال الإصغاء لصوت الضمير يقودان إلى دورب ملتوية، زلقة
ومحفوفة بالمخاطر والشقاء في حين يفضي السير على درب الرشاد إلى التحرر من القيود المكبّلة وامتلاك القوة اللازمة لعمل الصواب لا ما تمليه الغرائز الضالة والعادات المضللة.

بإمكان الباحثين عن السعادة  الإستفادة من خبرة الحكماء الذين عالجوا معضلات الحياة وتوصلوا إلى إيجاد الحلول لها.

حقاً أن من ينسجم مع المقاصد الإلهية يعوم في بحر من القناعة والطمأنينة
وأنه لذو حظ عظيم.

التواصل مع اهتزازات شفافة وشافية
 
من يفكر بالله يفتقده الله
فيملأ حياته بالبركة
ويجود عليه يتذوق رحيق الغبطة.

فلنبتهل لله كي يأتي إلى نفوسنا
ويوقظ الأشواق الروحية في قلوبنا.

ألا إن الوصال الإلهي متعة لا تفوقها متعة
وطوبى لمن تمكن من ملامسة القلب الكوني.

عندما يهز المريدَ الشوقُ لتوحيد حياته
مع الوعي الأسمى
يشعر بأهمية الإفلات من القيود المادية
والتواصل مع اهتزازات شفافة وشافية...

وعندما تزداد رغبته إلحاحاً
يفتح الله في روحه منفذا
يتنسم منه عبيراً سماوياً
ويبصر من خلاله قبسات من النور الرباني
فتفقد المغريات الرخيصة بريقها
وتقتات روحه بمدركات فائقة العذوبة.

وإذ يوجه أحاسيسه نحو مصدر ثمرات العرفان الأشهى
والإدراك الحي للحضور الأبهى
يحيا في هذا العالم دون أن يكون مقيداً به
ويفوق فرحُه فرحَ من عثر على كنز من الجواهر الثمينة.

فمن يعقد العزم الأكيد على التعرف على صلته
بذلك الينبوع الحي
يكون في توافق تام مع غاية الحياة
وكل مجهود يبذله يلقى بركة ودعماً من الله لا حصر لهما.

من لا يوقف التفكير والبحث عن سر الأسرار
ولا يبعد بصره عن الهدف المنشود
يشكر الله سعيه
ويكافئه على جهوده
ويكتب له الفوز المبين

المغناطيسية: تنميتها.. معوقاتها .. وفوائدها

باستطاعة الشخص أن ينمّي المغناطيسية التي يختارها سواء لاجتذاب قوة الله العليا، أو تحصيل القوى العقلية أو جذب الضرورات الحياتية اليومية.

لقد منح الله الإنسان جسداً ويجب أن يعتني به ولكن من ينمّي ويستخدم مغناطيسيته في تحصيل الأشياء المادية والقوة العقلية لا غير سينخدع في النهاية. أما الذين ينمّون المغناطيسية الروحية فإن تلك القوة المباركة ستهتم بهم وتحقق كل احتياجاتهم المادية.

هناك قانون كوني يعمل بفعالية وقد جرّبته في حياتي وتأكدت من عمله.

من الضروري أن يمتلك الشخص جسماً قوياً معافىً يستجيب لأوامر العقل. تصوروا شخصاً متثاقلاً، فاقد الهمة، يذهب إلى عمله دون طموح أو نشاط.. ثم تصوروا حصاناً على أهبة الجري في حلبة السباق لمجرد حصوله على إشارة بالإنطلاق. هكذا يجب أن يكون الجسم.

أحياناً نلاحظ بعض المتقدمين في السن بصحة جيدة وبهمة الشباب، أجسامهم تبدو فتية ومليئة بالمغناطيسية وبالرغم من سنهم فإنهم يتمتعون بشخصيات جذابة.

الجلوس بتراخٍ و"انجعاء" يُذهب الحيوية.. لاحظوا الكيفية التي يجلس بها الناس في مقاعدهم.. بعضهم يبدو متراخياً ونعساناً، بحيث ما أن تراه حتى تشعر بالتعب. شخص آخر يجلس باعتدال فتعرف أنه ذو حضور متوقد وما أن تنظر إليه حتى تتجاوب معه.

من يسمح لنفسه بالجلوس بتراخٍ وبلا مبالاة يساهم بتقوّس وانحناء عموده الفقري من خلال الجلسة غير الصحيحة وهذا النوع من الجلوس يؤثر أيضاً على الحالة النفسية ويجعل الفكر سلبياً. الذين يجلسون باستقامة واعتدال هم أكثر إيجابية وتفاؤلاً.

أما الذين لا يستطيعون – بسبب حالات خاصة – من الجلوس باعتدال فيمكنهم التعويض عن ذلك بتفاؤلهم ونظرتهم الإيجابية وحضورهم الذهني القوي.

ركز ذهنك دوماً على الشيء الذي تقوم به مهما بدا صغيراً وعديم الأهمية، وفي نفس الوقت احتفظ بعقلك مرناً بحيث يمكنك تحويله إلى اهتمام آخر إن دعت الضرورة. ولكن علاوة على هذا وذاك افعل كل شيء بتركيز تام لأن ذلك من شأنه تنمية مغناطيسيتك بشكل كبير.

معظم رجال الأعمال الناجحين في أي مجال يعرفون جيداً كيف يستخدمون القوة المغناطيسية.
ضبط النفس يمنح مغناطيسية وكذلك امتلاك عقل متوازن غير متأثر بالعواطف والانفعالات.
يجب تحويل الإنفعال العاطفي إلى قوة.. إلى نشاط ذهني.. ويجب أن تتحكم الحكمة بالعواطف حتى تظهر المغناطيسية.

الذكاء الممزوج بالعاطفة يخلق المغناطيسية. صاحب المغناطيسية يتكلم بثقة. إنه يتكلم كلاماً عقلانياً لكنه يشرّب كلامه بالعاطفة. يجب أن نكون مخلصين في كل ما نقوله ونفعله لكن الإخلاص لا يعني إزعاج الآخرين وإحراجهم.

الخضار والفواكه لها خواص مغناطيسية، لا سيما الفاكهة فهي لا تعرقل أو تعيق عملية الهضم، في حين أن الإفراط في تناول البروتينات والنشويات يساعد على ترسّب السموم في الجسم.

أي عضو مريض سيخلق عدم توازن في الجسم. يجب إبقاء المعدة بصورة خاصة سليمة ومعافية،على سبيل المثال الغازات في المعدة تسبب المضايقة وبالتالي تؤثر سلباً على  المغناطيسية.

كما أن استهلاك كميات كبيرة من الطعام له مضاعفات غير مستحبة في حين يساعد الصيام على إظهار المغناطيسية وكذلك الإستغناء عن بعض الوجبات بين الحين والآخر لكن هذا لا يعني تجويع النفس لدرجة الإضرار بالصحة.

الذين يأكلون اللحم ثلاث مرات في اليوم عيونهم كليلة ومغناطيسيتهم قليلة.. ومع ذلك فالغذاء الصحيح وحده لا يكفي بل الحاجة تمس للتفكير السليم والتصرف النبيل والسير باستقامة على دروب الحياة.

على أمل أن نتحدث إليكم مستقبلاً عن  تأثير المغناطيسية على الآخرين وعن المزيد من أسرارها.

وأراك متفتحاً في حديقة حبي..

أحسّ بك في أعماق فكري
وأشعر بقربك في أبلغ مشاعري
وأراك متفتحاً في حديقة حبي.
املأني بعطر وجودك
علني أنتشي بأريجك المبارك.
تعالَ إليّ من خلف السماء والنجوم
والأفكار والمشاعر
أرني وجهك الأقدس
ودعني أدرك حضورك  في روحي
ومن حولي
وفي كل مكان.
لقد بحثت عنك على مر الدهور والعصور
على دروب الرغبات والمطامح
والآن أدرك أنك تسكن نفسي
وتلهم أقدس أحاسيسي.
لا تحتجب بعد الآن عني
خلف زهور المشاعر
والأفكار ونبض الوجدان.
رصّع روحي بجواهر حكمتك
وانفحني بنسمات نعيمك
واقصِ عني الظلمة التي حجبتك
عن بصري وبصيرتي.
يا من أنت ما وراء النجوم والسماء الزرقاء
وخلف طبقات الجو وكل الكائنات والموجودات..
تقبل همسات عشقي
واغمر كياني بحبك ونورك وسلامك.

ذلك النور وخزائن الأزل

سيأتي اليوم الذي به أودّع هذا العالم، ولكن طالما بقيت على هذه الأرض فإن فرحي الأعظم يكمن في التحدث عن روائع الله للذين يثقون بي، ورغبتي تكمن في مضاعفة شوقهم لذلك النور الرباني الذي منحني التعزية والحرية والأمان الذي يعصى على الوصف.

إن تاريخ الكون بكامل تفاصيله وأدقها محفوظ في خزائن الأزل. ذلك بُعدٌ آخر.

هنا في هذا العالم المحدود نبصر الطول والعرض والسُمك والإرتفاع، لكن هناك مستوىً آخر لا توجد فيه هذه الأبعاد.

كل شيء شفاف في ذلك المستوى الأثيري.. كل شيء وعي وإدراك. حاسة الذوق هي شعور وكذلك حاسم الشم.

مشاعرنا وأفكارنا وأجسادنا كلها وعي. ومثلما نستطيع أن نرى ونسمع ونشم ونتذوق ونلمس في الحلم، هكذا يمكننا اختبار كل هذه الإحساسات بالوعي أو الشعور النقي الشفاف في العوالم العليا.

هذا ما أراه الآن بالضبط أثناء تحدثي في هذه اللحظة. فأنا لست في هذا الجسد، بل إنني جزء من كل ما هو كائن. والأشياء التي أراها هي حقيقية بالنسبة لي تماماً مثلما أنتم حقيقيون.

يجب أن يستيقظ الإنسان كي يبصر الله في كل مكان وكي يعلم الفرق بين الحلم والحقيقة.

كثيراً ما أبصر اللانهاية في المكان الذي أنا موجود فيه، وأبصر ذلك المكان في اللانهاية. كل شيء اقترض الحياة من ذلك المصدر الأبدي.

عندما كنت طفلاً جلستُ وصليتُ ليل نهار ولا من جواب أو مجيب.

على أحد الجانبين أبصرت البشرية وعلى الجانب الآخر الأبدية التي لم تتحدث إليّ.

ومع أنني ظننت بأنني كنت وحيداً وقد هجرني الجميع، لكن الله لم يهجرني لأنه كان كل الوقت حاضراً معي في الخفاء.. خلف أفكاري ومشاعري.

 وعندما بدأت أبصر النور في داخلي كانت روحي تمتلئ بكيفية غامضة بالعبير الإلهي المبارك.

كنت أرى جذور الأشجار والنسغ ينساب فيها، وشعرت بقربي من الله الذي منحني العزاء وجبر بخاطري.  لقد صليت وناديت المرة تلو المرة ليل نهار، وعندما فقدَتْ الأشياءُ رونقها ومعناها بالنسبة لي، زهدت بالدنيا وما فيها، بما في ذلك السعادة خوفاً من أن تكون سعادة مادية فعثرت على الله الذي هو معي الآن على الدوام.

العالم قد يهجرني لكن الله لن يتخلى عني لحظة واحدة.
الله هو كل شيء. فهذه القاعة والكون من حولها يعومان كصور متحركة على ستارة وعيي.
أنظرُ فلا أرى سوى الروح النقي والنور الشفاف والوعي اللطيف.
صورة جسمي وصور أجسامكم وكل الأشياء في العالم هي إشعاعات منبثقة عن ذلك النور الرباني الأوحد. وإذ أبصر ذلك النور لا أرى شيئاً عداه.

عندما تنظرون إلى الشاشة تبصرون صوراً متحركة، ولكن عندما تنظرون إلى الخلف (في السينما التقليدية) لا تبصرون سوى شعاع من النور يسلط الضوء على الشاشة. ذلك يبدو عديم التصديق لكن تلك هي الحقيقة.

في السابق كنت أتحدث عن هذه الأشياء، لكنني الآن لا أتكلم أمام الذين لا يكترثون لها ولا يهتمون بها. لكن الله سمح لي هذه المرة بالتحدث إليكم كي تعلموا أنه لا يوجد شيء يستحق العيش في سبيله غير الله.

كل شيء إلى زوال. صلوا من أجل الحصول على الذي يبقى ولا يزول.

إليك باقة من زهور الحب

إن محبتنا للآخرين مستطاعة
 بفضل حصولنا من يدك الكريمة
 على قوة الإحساس بالحب.
إلهمنا إذاً كي نقدّم لك
 حبنا الفائق وشوقنا المتقد!
لقد وهبتنا آباءً وأمهات
 إخوةً وأخوات
 أبناءَ وبناتِ أعمام وأخوال
 شريكَ أو شريكة حياة
 أطفالاً وأصدقاء
 علنا نتعلم كيف نحبك
 بتعبيرات مختلفة وفروقٍ طبيعية دقيقة
 لكل أنواع العلاقات البشرية.
أيها الودود الأزلي،
 أيها القريب الأسمى!
 علمني كي أضفر باقة
 من كل زهور المحبة البشرية
 وأضعها تقدمة في هيكلك المبارك.
أما إن لم أتمكن
 من تقديم الباقة بكاملها لكَ
بسبب كثرة واختلاط الولاءات
 فسأقطف زهرة واحدة
 من أفخر وأنضر الزهور
 وأضعها على أعتابك المباركة
 عسى أن تتقبلها مني!

وخزات الحياة وطعناتها المباغتة

يا رب الناموس الكوني
 ساعدني كي أتقلد جروحي وندباتي
 وليدة البلايا والمحن
 كنياشين وأوسمة من التأديب
 ممنوحة إليّ من يد عدلك الإلهي
 الذي لا يعرف المحاباة.
لتعمل مصاعبي اليومية كالترياق المضاد للوهم والخداع
 ولتخلصني من الآمال الكاذبة لسعادة دنيوية مزيفة.
ليت الدموع التي أذرفها بسبب فظاظة الآخرين
 تغسل من عقلي البقع واللطخات المتوارية.
ولتفتح كل ضربة حادة من معول التكدير
 أعماقا جديدة من الحكمة والفهم في أعماقي.
ليت ظلمة هذا الوجود المادي الكثيف تفزعني
 بحيث أهرول بحثاً عن آفاق نقائك ونورك الشافي.
لتضطرني وخزات الحياة وطعناتها المباغتة
كي أصرخ مستنجداً بعونك.
ولتكشف حفريات الظروف المؤلمة في تربة حياتي
 عن ينابيع عزائك الثرة الدائمة الجريان.
ليت بشاعة الخشونة في الآخرين
 تجبرني على تجميل نفسي بالرقة والطيبة
 وليذكّرني كلام رفاقي الجارح باستخدام الألفاظ العذبة فقط.
وإن رمتني العقول الشريرة بحجارتها
فلأقابلها بقذائف ودية من نوايا الخير.
وكشجرة الياسمين التي تنثر زهورها العاطرة
 على اليد التي تهوي بالفأس على جذعها
 هكذا فلأرشّ أوراق ورد التسامح
على كل من يعاملني بجفاء وعداء.

طريقة العيش بسلام وطمأنينة في هذا العالم

الحياة ليست كما تبدو. فلا تضعوا ثقتكم بها لأنها متقلبة مخادعة وزاخرة بالخيبات وتحطيم الآمال والأماني.

لا يمكن العثور على الكمال هنا. لا أريد أن أعطيكم صورة غير واقعية عن الحياة.  هذا العالم ليس جنات النعيم. إنه مختبر إلهي حيث يمتحن الله النفوس ليرى ما إذا كانت ستقهر الرغبات الشريرة بالطيّبة وتجعله – أي تجعل الله – رغبتها العظمى، علها تتمكن من العودة إلى ملكوته.

الحياة تعج بكل ضروب التراجيديا والكوميديا.. المآسي والملاهي. إنها مشهد كبير متغير ومختلف الألوان لصنوف لا تقع تحت الحصر. 

ما من شيئين اثنين لهما نفس الشبه والمواصفات. حياة كل إنسان فريدة. كل واحد له قسمات وجه مختلفة، ذهنية مختلفة، ورغبات مختلفة.

 لو أننا حصلنا على نفس الإختبارات كل يوم لاعترانا الملل ولسئمنا العيش.  وحتى الجنة لو كانت كل يوم على نمط واحد لما رغبنا بها.  إننا نحب الألوان والأصناف. لو كانت الجنة تبعث على الضجر لابتهل قديسو وأولياء الله من أجل الرجوع إلى الأرض للترفيه عن أنفسهم!

 الجنة دائمة التجدد بكيفية ممتعة إلى أقصى حد، بينما الأرض هي غالباً دائمة التجدد ولكن بكيفية مضجرة ومزعجة.

ومع ذلك، وبالرغم من كون الحياة مرهقة شاقة، يتعود عليها معظم الناس، محتسبين أنه ليس من طريقة أخرى للعيش. وإذ يعجزون عن مقارنة هذه الحياة بالحياة الروحية فإنهم لا يدركون مدى الألم والضجر الكامنين في تضاعيف هذه الدنيا.

(قـُلْ مَتاعُ الدنيا قليلٌ والآخرة ُ خيرٌ لمن اتقى.)

(ألا إنما الدنيا على المرءِ فتنة ٌ
                على كل ِ حال ٍ أقبلتْ أم تولـّتْ)

بالحقيقة الحياة ليست حقيقية.   وكما أن الأفلام القديمة يعاد عرضها مراراً وتكراراً، هكذا تتكرر نفس الأحداث القديمة بصور مختلفة.

وبالرغم من استمرارية الحياة إلى ما لا نهاية فإن نفس المواضيع المعروضة في أفلام ماضية يعاد عرضها الواحد تلو الآخر. حقاً أن التاريخ يعيد نفسه والناس قطع أثرية في متاحف الزمن.

لتفرغ الحياة ما في جعبتها من مفاجآت، تقبلها بموضوعية وتجرّد.
يجب أن يحافظ المرء على توازنه في الأفراح والأحزان، والربح والخسارة، والنصر والفشل حتى يتمكن من مواجهة تحديات الحياة بجرأة وثقة بالنفس.

المحافظة على التوازن النفسي بالرغم من كل الأحداث هي أفضل طريقة للتغلب على الرغبات المخادعة. هذا ما تعلمته من العظماء الذين لم تؤثر بهم أحداث الزمن، بل ظلوا صامدين عديمي التغير حتى النهاية. وحتى الأنبياء عندما عُذبوا لم يفقدوا وعيهم المقدس ولم يسمحوا لأحد بأن يسلبهم محبة الله.

 الفرح الروحي هو بحد ذاته حماية مباركة وهو أعظم حصن على الإطلاق.  ووسط المحن والآلام تذكر الخيرات التي أنعم الله بها عليك.  روحك هي معبد مقدس لله.   ويجب عدم السماح لظلام الجهل بتدنيس  ذلك المكان الطاهر. فما أروع أن يكون المرء في وعي الروح، عزيزاً كريماً، آمناً مطمئناً! لا تخشَ شيئاً ولا تكره أحداً.

 امنح محبتك للجميع.  اشعر بمحبة الله وابصر وجوده في كل الناس، ولتكن رغبتك الأقوى حضوره الدائم في قلبك.  تلك هي الطريقة للعيش بسلام وطمأنينة في هذا العالم. إنما من الصعب تذوق هذا الرضاء الذاتي ما دامت رياح الرغبات العاتية تعصف في واحة القلب وتهز أشجارها هزاً عنيفاً.

تتشكل الرغبات طبقاً لبيئة الشخص.  فهي وليدة مدركاتنا الحسية ومحدودة بمحدودية تلك المدركات. إن حضور معرض ريفي يحقق الرغبة في بعض الإثارة، لكن بعد أن تكون قد زرت معرضاً عالميا وشاهدت كل المعروضات المختلفة يفقد المعرض الصغير رونقه وقوته الجاذبة.

 وهكذا يجب أولا أن نتذوق فرح التواصل مع الله حتى نتمكن من المقارنة بين ذلك الفرح والمباهج الأرضية الأقل شأناً. عندئذ ستكون الرغبات ذات طبيعة أسمى. الرغبة لا نهاية لها، إذ ما أن تتحقق رغبة حتى تحل محلها رغبة أخرى.  لكن عندما تعثر على الله تتحقق رغباتك كلها. "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تعطى لكم. {وما عند الله خير وأبقى.}

 فلماذا لا نطلب أولاً تحقيق تلك الرغبة العظمى ونحصل من يد الله الكريمة على الأفضل والأكثر دواماً؟!

عندما يستجيب الله لدعاء المريد في التعرف عليه ستتحقق كل رغباته الأخرى على الفور وللأبد.

ذهب الحكمة وفولاذ القوة..

هذا العالم هو مكان بعيد عن الكمال.
إنه مدرسة للتجارب والإمتحانات،
ومن خلال تلك التجارب نتعلم دروس الحياة.

ليس الغرض من التجارب سحقنا بل تنمية قوانا.
إنها تأتي نتيجة للقانون الطبيعي الخاص بالنشوء والإرتقاء..
إذ من الضروري لنا أن نتقدم ونرتقي من أدنى الدرجات إلى أعلاها.

الله يمتحننا من كل ناحية لكي يشدد عزائمنا لا ليحطمنا.
الجهل يقضي علينا إذا ما وضعنا كل ثقتنا في الجسد.
الذين يواصلون بحثهم عن الحقيقة يعثرون على الحياة الأبدية .
ما هي غاية الألم؟ لكي لا نتألم ثانية.

هذا العالم هو فرن متأجج به تنصهر نفوسنا حتى يخرج منها ذهب الحكمة وفولاذ القوة والثبات. غالباً ما تبدو الحياة كأنها لعبة خشنة.. والتبرير الوحيد لذلك هو أنها مجرد حلم كوني لا ديمومة له.

لهذا السبب يعج العالم بالفوارق والتباينات. بعض الناس فقراء وبعضهم أثرياء.
بعضهم معافون وبعضهم مرضى.. وهكذا دواليك.

لقد اختبر الإنسان الكثير في الماضي وسيختبر الكثير في المستقبل، ولكن يجب أن لا تخيفه هذه الحقيقة.

الحياة مسرحية كونية، وقد أوكل الله لنا أدواراً يجب أن نؤديها ونحسن الأداء، موقنين أننا ما دمنا نعمل برضاء ونفكر بصفاء فإننا على توافق مع خالقنا ولا خوف علينا. ذلك هو العزاء العظيم الذي تقدمه لنا الحكمة.

أحياناً نفكر أنه من السهل القول بأن هذا الكون هو حلم، ولكن عندما تواجهنا التجارب القاسية يصعب علينا التفكير بأن هذه الحياة هي حلم. من الضروري أن ننمي قوة تفكيرنا بحيث ندرك بأن هذا الكون قد انبثق عن عقل الله وإرادته.

العلاقة بين العقل والمادة شفافة للغاية، ولكي نجتاز تجارب الحياة بنجاح يلزمنا تجديد الشباب جسدياً وفكرياً. علينا أن ننمي مرونة العقل ونوسع قوة تقبله. من يعجز عن مواجهة تجارب الحياة سيكون عديم الحول عندما تهب عواصف المحن وتثور أعاصير البلايا.

إن مفتاح السعادة والقوة والصحة موجود في داخلنا. لكن ما يحصل هو الآتي: إن تمتع الشخص بالصحة الجيدة لعدة سنين ثم مرض لستة شهور يظن أنه لن يتعافى ثانية. يجب أن لا يتمكن الجسم من إقناع الفكر بذلك. الفكر هو الذي يجب أن يقنع الجسم. يجب ألا يتأثر العقل بحالات الجسد. يجب أن ندرك أن الجسد هو مسكن الروح وينبغي أن لا تتأثر الروح به.

الفكر هو مصدر كل المشاكل ومنبع السعادة. في الحقيقة الإنسان هو أقوى من كل تجاربه، وإن لم يدرك ذلك الآن سيدركه فيما بعد.

لقد منحنا الله القوة للتحكم بالفكر والجسد والتحرر من الآلام والأحزان.

لا تقل أبداً "لقد انتهيت وقضي أمري" فهذه فكرة سلبية تسمم الفكر. البعض يفكر أنه إن سار قليلاً فسيصاب بالإجهاد، أو إن لم يتمكن من تناول بعض الأطعمة فسيتألم.. وهلم جرّا.

يجب عدم السماح للعقل بالتفكير بالمرض أو بالمحدوديات، وسيجد عندئذ أن الجسد يتغير نحو الأفضل. تذكر أن العقل هو القوة خلف الجسد. فإن كان العقل ضعيفاً كان الجسد ضعيفاً.

يجب أن لا نيأس ولا نغتم.. فالدنيا بخير والله معنا على الدوام.

قصتي مع الحلوى .. وتمرين الإرادة


سأقص عليكم اختباراً حدث لي وكنت لا أزال طفلاً صغيراً.

بداية، إرادة الطفل تدعى إرادة فيسيولوجية أي بدنية؛ فعندما يبكي الطفل يكون ذلك إشارة منه إلى أنه يريد شيئاً ما. إنه يصرخ بسبب حالة جسدية، لذلك الإرادة الأولى هي الإرادة البدنية.

بعدها، عندما يكبر الطفل ويمتثل لإرادة أمه يقال أن الطفل لديه "إرادة آلية" لأن إرادة الطفل تكون في هذه المرحلة مسيّرة بإرادة الأم.

أذكر أنني عندما كنت في طور الإرادة الآلية كنت أفعل كل ما تطلبه مني أمي، وكان لقبي آنذاك "الملاك". لكن في أحد الأيام أخذتني مربيتي بالعربة إلى الدكان، وهناك رأيت قطعاً من الحلوى بلون برتقالي، وقد استرعت انتباهي وجذبتني بشكل غريب.

طلبت من مربيتي أن تشتري لي بعضاً منها لكنها رفضت، فلم أنطق بكلمة وعدنا إلى البيت.

تناولت عشائي، وبعد ذلك عاودني التفكير بالحلوى فقلت لأمي بأنني أريد بعض الحلوى البرتقالية اللون، فقالت "لا.. اذهب إلى فراشك".

كررت الطلب بعد فترة قائلا: " يا أمي أريد قطع الحلوى البرتقالية." فأجابت أمي بلهجة حازمة جازمة "لن تحصل عليها ويجب أن تنام."

عندها صرخت بأعلى صوتي "أريد حلوتي البرتقالية" وألحفت في طلبي وبقيت مصرّاً إلى أن ذهبت والدتي وأيقظت صاحب الدكان من أجل جلب قطع الحلوى لي.

وشعرت بسعادة فائقة، لماذا؟ لأنني استخدمت إرادتي ونجحت! أجل.. أحسست بشعور مدهش لأنني استخدمت إرادتي الذاتية للمرة الأولى. ولكن في اليوم التالي تغيّر لقبي من "ملاك" إلى "شقي" لأنني مارست حريتي واخترت طريقي الخاص لمرة واحدة.

كنت كلما نويتُ الحصول على شيء ما عديم الضرر يستجيب أفراد أسرتي لي، ولكنني كنت دوماً أصغي لصوت العقل، وعندما كنت على خطأ كنت مستعداُ دوماً للتصحيح. ولكن عندما كنت على صواب لم أتزحزح حتى لو عارضني باقي أفراد العائلة.

على الأمهات تدريب إرادة أطفالهن، وألا يحطمن إرادتهم بحرمانهم من رغباتهم لمجرد أنهم أطفال. وإذا ما رغب الأطفال في تمرين إرادتهم في شيء ما صحيح وسليم يجب أن لا يُدعوا أشقياء. يجب عدم تحجيم حرياتهم وأن يحصلوا من الوالدين على مقترحات بمحبة وفهم لرغباتهم الصغيرة. أما إن فكر الآباء والأمهات بتوفير الوقت بضرب الأبناء فإنهم سيخسرون الوقت. يجب بحث الأمور مع الطفل وعدم فعل شيء آخر بعد ذلك، إذ ينبغي على الطفل أن يحصل على لطماته الصغيرة القاسية وعندئذ سيتعلم بطريقة أسرع.

الآباء غالباً ما يفرضون إرادتهم على أولادهم. يجب تنمية قوة إرادة الطفل والتعامل معه بمحبة وتفهّم ورحابة صدر.

بعد قوة الإرادة الآلية في الطفل تأتي "الإرادة العمياء" إرادة الشباب. هذه الإرادة هي كالبندقية التي يُطلق رصاصها في الهواء ولا من نتيجة سوى فرقعات مزعجة. الأحداث يصرفون ديناميت إرادتهم دون طائل.

ثم تأتي "الإرادة المتفجرة"، إذ عندما يصبح الطفل في طور الشباب يفجّر إرادته بالشهوات والتصرفات الطائشة. وقد يتعلم الدرس غالباً بعد أن يحصل على بعض الخضات واللكمات الموجعة.

يقال أن النحلة مغرمة بعبير اللوتس بحيث تبقى في قلب الزهرة لمدة طويلة تمتص الرحيق. وإذ تفعل ذلك تقفل أوراق اللوتس عليها فتواجه حتفها داخل اللوتس.

ثم هناك إيل المناطق الشمالية الذي تثمله ألحان الناي. فعندما يعزف الصياد على الناي يأتي الإيل إليه فيواجه مصيرة المميت.

وهناك كذلك بعض الفيلة المدجّنة (أنثى الفيل) التي تُستخدم لاستمالة واصطياد الأفيال الأخرى.

وفي هذا السياق قال فيلسوف عظيم ما معناه:

النحلة يفتنها العبير
والإيلُ صوتُ الصفير
والفيلُ في الأسرِ يقع
بسبب اللمس المثير.

لكن ماذا بشأن الإنسان الذي يمتلك كل تلك الحواس؟ ونصيحة الفيلسوف له هي:
"لا تكن عبداً لحواسك، ولا تدع شيئاً أو أحداً يسيطر عليك."

أما أنا فأقول:

تذكّر أن كل حواسك قد وُضعت في خدمتك ويجب أن تصغي لأوامرك وتمتثل لإرادتك الواعية."

الغضب وذاكرة الفيل اللاقطة

على الراغبين في السلام الذاتي فهم الطريقة التي يتولد فيها الغضب ويتسبب في كثير من الأحيان بعواقب وخيمة.

ونظراً لفقدان التوازن الداخلي بفعل الغضب فقد تحول العديدُ من البشر ضد إرادتهم إلى مجرمين وسفاكي دماء.

إعاقة الشهوات تعمي الفكر.. وعندما يسيطر ضباب الشهوات على فكر الإنسان فإنه يفقد رشده ويتصرف تصرفاً لا يليق بالمقام الإنساني النبيل.

فقدان الرشد يربك التمييز الفطري الذي هو القوة الدافعة وراء كل عمل سليم ونية طيبة.

عندما تنكسر عجلة التوجيه في السيارة العقلية لحياة الإنسان فإنه لا محالة سيتعرض لحادث وقد يجد نفسه في خندق التألم والشقاء. 

مثال على ذلك: يكون الزوج سائقاً السيارة بفرح، وفي الطريق نحو المنتزه تطلب منه زوجته أن يغير الإتجاه للذهاب إلى بيت أهلها بدلاً من المنتزه، وهنا ينقلب فرحه غضباً.

لقد انتقيت هذا المثال لأنه شائع الحدوث. في الحالات العادية تكون النتيجة إما رفض الزوج لطلب زوجته أو موافقته بحنق واستياء، وهذا ما يحدث على العموم.. وفي كلتا الحالتين يكون الغضب قد أصبح سيد الموقف فيتعكر الجو ويتكدر الصفاء.

في بعض الحالات يتحول الغضب بالنسبة لذوي المزاج العنيف إلى مأساة، وقد يؤثر الغضب على الذاكرة أو قد ينسى السائق القيادة بحذر وانتباه، أو قد يغفل مراعاة إشارات المرور، والنتيجة حادث اصطدام أو وفاة لا قدر الله.

واستنتاجاً، الغضب يقفل مقود الإرادة في عربة الحياة ويعيقها عن  بلوغ غايتها المادية والروحية.

ذاكرة الفيل

القوة المدعوة "ذاكرة" موهوبة للإنسان من الله، ويا لها من نعمة كبيرة! والذاكرة مُنحت للحيوانات أيضاً، إذ لولاها لتعذر عليها التعرّف على صغارها. بعض الحيوانات يتمتع بذاكرة جيدة كما تبيّن القصة التالية عن أحد الأفيال.

بينما كان فيل ضخم ينقل الأخشاب كما يفعل الكثير من الفيلة المدربة في الشرق، اقترب منه غلام ووخزه بإبرة على خرطومه وولى هارباً.

مرّ عام على هذه الحادثة، والتقى نفس الفيل بنفس الغلام، وكانت فرصة سانحة بالنسبية للفيل كي يأخذ بثأره. فما كان منه إلا أن لفّ خرطومه حول الغلام وقذفه بعنف إلى الجانب الآخر من الطريق.. إذاً الحيوانات تمتلك ذاكرة.

* * *

لقد حلمت أحلاماً عديدة، والآن فإنني متيقظ.. وعلى مذبح روحي أوقد نار تذكري الدائم لك يا إلهي. وبعينيّ اللتين فارقت هجعة السبات جفونهما أرنو إلى وجهك الجميل وأتلذذ برؤية أنواره القدسية.

وبنعمتك أصبحتُ أدرك أن الصحة والمرض والحياة والموت كلها ضروب من الأحلام.

لقد انتهيت من رواية الأحلام المرتسمة بألوان زاهية على ستارة الأوهام البراقة
والآن أبصرك الحقيقة الوحيدة في الوجود.

أراني الله في تلك الرؤية...

الطبيعة بأسرها غير حقيقية. ما فوق الطبيعة هو الجوهر الحقيقي.

كنت أتمشى ذات يوم على أرض المنسك وأرقب نور الشمس من حولي. وأثناء هبوطي الدرج المفضي إلى الشاطئ توقفت وصوّبت بصري نحو الأضواء الكهربائية للدرج التي كانت لا تزال مضاءة فلم أتمكن من تبيّنها لأن نور الله أتاني وغمرني بحيث تعذر عليّ التمييز بينه وبين الأنوار الأخرى الأقل سطوعاً..

{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

{ والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه}

ولم أستطع رؤية الشمس أبداً.. فعلمت آنذاك أن نور الشمس والأضواء الكهربائية غير حقيقية في المطلق أما النور الحقيقي فهو نور الله.

لقد أراني الله في تلك الرؤية العظيمة عوالمَ تلو العوالم.. مظاهر لامتناهية لنوره الإلهي وأدركت أن الأشياء التي أبصرها هي مجرد تعبيرات لوعيه الكوني.

وإذا ما توافقنا معه نسير في نوره حيثما سرنا ونحسّ بحضوره أنى توجهنا.

عندما نعرف الروح الكوني وندرك أننا في جوهرنا أرواح تذوب عندئذ الأرض والتراب والجبال والبحر والسماء ولا يبقى غير الله.

{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}

إن انصهار كل شيء في الذات الإلهية هي حالة لا يمكن التعبير عنها بالكلام.. غبطة عظيمة يتم تذوقها مع رضاء كامل من الحب والفرح والمعرفة (فرح المؤمن بلقاء ربه)

مثل تلك النشوة الروحية يمكن بلوغها بخلق التوازن الصحيح بين الحياة العملية والتأمل على الله.

تعزيل المستودع النفسي

تحليل الذات هو أمر بالغ الأهمية على الطريق...  قد يكون المرء مبغضاً أو نكد الطباع أو غضوباً.  إن كان الأمر كذلك فإن هذه المزايا المختزنة في وعيه هي نتيجة لتصرفات ماضية. 

ولتعزيل المستودع النفسي من ذلك الأثاث "المتختخ" البالي يتعين الشروع بالأفعال الإيجابية البناءة وبالإحساس بالمودة نحو الآخرين.  فعلى قدر محبتنا للناس سيحبنا الناس وسنشعر بمحبتهم.  أما إن انتقدناهم ولو بيننا وبين أنفسنا فإنهم سيحسّون بذلك الإنتقاد وسيعيدونه إلينا مضاعفاً!

افرض أن عدواً قديماً لك قد مات وبقيت مع ذلك تشعر بالحقد والكراهية نحوه، فستعاني نتيجة لتلك الضغينة وستظهَر أعراضُها السيئة في جسمك وعقلك.  من الأفضل أن تسامحه إكراماً لوجه الله لأنك بذلك تتحرر من رغبات الثأر الشريرة التي تفتك بسلامك النفسي وتمزق طمأنينتك.  فتكديس الكراهية على الكراهية أو مقابلة البغضاء بمثلها لا تضاعف خصومة عدوك نحوك فحسب بل تسمم أنت أيضاً جسمك ومشاعرك نتيجة لذلك. فاصفح الصفح الجميل.

 (  لما عفوتُ ولمْ أحقدْ على أحدٍ
          أرحتُ نفسيَ من هَمّ العداواتِ)

يجب أن يترك الإنسان بين الحين والآخر كل شيء ليكون مع ذاته لا غير، كي يتسنى له التفكير بغاية الحياة.  معظم الناس عائمون على تيار من التقاليد والأزياء. في الواقع  أنهم لم يحيوا حياتهم الخاصة أبداً بل يعيشون حياة العالم. فما الذي حققوه من ذلك وإلى أين وصلوا؟

لهذا من الحكمة أن ينتزع الإنسان نفسه بين الفينة والأخرى من المشاغل و"الواجبات" اليومية كي يهدّئ ثائرة عقله ويحاول معرفة ماهيته وتحديد الغاية التي يريد تحقيقها.

وتذكر أن أعظم شهادة يمكن أن تحصل عليها هي شهادة ضميرك: صوت الروح المميز الذي لا يُعلى عليه. ما يقوله لك ضميرك هو أنت على حقيقتك دون تمويه أو تزويق.

 فكر بقوة السيد المسيح الذي قال "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم يفعلون ما لا يعلمون."

وفكر بقوة النبي العظيم الذي قال: "ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات؟" قالوا نعم يا رسول الله. قال: "تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك."

الإصغاء لصوت الضمير المستنير سيجلب النور إلى طريقك والبركة إلى حياتك.  وعندما تشعر بدافع قوي في قلبك لتحقيق رغبة ما، استخدم تمييزك وسل نفسك: "أهي رغبة طيبة أم رديئة تلك التي أسعى لتحقيقها؟"

هناك مؤثرات عديدة تغذي الرغبات في الإنسان.  فعندما يرى سيارة من آخر موديل يريد أن يمتلك سيارة مثلها.  وعندما يرى بيتاً من طراز جديد، يرغب بامتلاك بيت مثله. زيّ جديد من اللباس يصبح شائعاً فتهفو له القلوب وتتلهف على شراء وارتداء ذلك الزي!

من أين تأتي الرغبات؟ لقد صرفتُ ساعات طويلة متفكراً بذلك. هل باستطاعتك تصنيف كل رغباتك؟  لقد تمكنتُ من فرز كل رغائبي وأبقيت على الصالح منها فقط. وعندما حصلتُ على الوصال الإلهي وجدتُ أن كل رغباتي الطيبة قد تحققت مرة واحدة.  اليوم يشتهي الإنسان شيئاً ما وغداً تتوق نفسه لشيء آخر.

  إن العقل الذي انبثق عن الله القدير لا يمكن أن ترضيه بضاعة هذه الدنيا، الله هو أعز وأنفـَس كنوز الروح وهو وحده القادر على إشباع حنين القلب وتحقيق أشواق الروح.

الوصول إلى المخزن الكوني الزاخر بالخيرات

الله هو ينبوع ومصدر كل القدرات الفكرية وصانع السلام ومخزن كل رخاء وبحبوحة.

ولكي نتناغم مع الوفرة الإلهية التي تفور وتفيض دوماً بالخيرات، علينا باستئصال أفكار العوز والفاقة من نفوسنا مرة وإلى الأبد.

العقل الكوني كامل متكامل ولا يعوزه شيء. وللوصول إلى المخزن الكوني المليء بالخيرات من كل صنف ونوع يجب أن يرسّخ الإنسان في ذاته وعي البحبوحة، وأن يستبشر دوماً بالخير حتى وإن كان لا يعرف من أين ستأتي الليرة أو الجنيه أو الدينار أو الدولار القادم!

فكر بالكرم الإلهي كمطر غزير ومنعش، تتلقفه بأي وعاء في يدك!

فإن حملت كوباً ستحصل على ملئه، وإن كان الوعاء أكبر من ذلك ستحصل على ملئه أيضاً.

ما هو نوع الوعاء الذي تستقبل فيه الوفرة السماوية؟

قد يكون وعاؤك غير سليم.. فيه ثقوب نفسية وفكرية . والحالة تلك يجب أن تصلحه بالتخلص من الخوف والكراهية والشكوك والحسد، وأن تغسله وتنظفه بمياه السلام والسكينة والإخلاص والمحبة النقية استعداداً لاستقبال الفضل العميم من يد الكريم.

الوفرة الإلهية تعمل بموجب قانونيّ الخدمة والعطاء. أعطِ أولاً ثم خذ.

امنح الناس أفضل ما لديك وستحصل في المقابل على الأفضل.

لا تتوقع النجاح في كل محاولاتك الأولى. بعض المحاولات قد تفشل ولكن بعضها أيضاً سينجح.

النجاح والفشل متداخلان. لا وجود لأحدهما دون الآخر، ويجب مواجهة المشاكل أو الواجبات الأكثر إلحاحاً بنشاط مركز وبذل قصارى الجهد من أجل تحقيق ما ينبغي تحقيقه.

ابذل – رعاك الله - المجهود بهمة وحماس حتى بلوغ الشوط الأخير. لا حاجة للنكوص والإرتداد على الأعقاب.

إن لم تعثر على الدرب فلا يعني ذلك أن تكف عن المحاولة.
وإن أخطأت الهدف إسأل عن كيفية الوصول إليه، ولكن لا توقف المجهود.
كثيرون يعترفون بالفشل حالما تعترض المصاعب طريقهم.
الفاشلون يجب أن يستشيروا الناجحين وليس الفاشلين أمثالهم.
فلنصمم على بلوغ النجاح
ولنجعل هذا المبدأ فلسفتنا في الحياة.

نشيد الغبطة

عندما يوافيني الأجل
ويصمّ الموت مسمعي
سأصغي لصوت محبوبي الإلهي.
وعندما يقطع الداعي الأخير أنفاسي
سأتنسم عبير حضوره الرباني.
وعندما تعقل المنية لساني
سأتذوق رحيق حبه.
وعندما يطمس الردى نظري
سأبصر نوره الكلي الوجود
متوجاً في كل مكان.
وعندما تجمّد الوفاة دمي وملمسي
سألتمس الدفء في صدر حبيبي الكوني.
وعندما تكف عيناي عن مشاهدة الأرضيات
سيخترق شعاع رؤيتي
قلب كل الأشياء ويصوّر خفاياها.
وعندما لا تقوى أذناي على السمع
سأصغي لهمس كل الأشياء السالفة والحاضرة
وتلك التي ستحدث في قادم الأيام.
وعندما يعجز أنفي عن التمتع بعطر الأرض
سأتعقب شذى خفايا الروح في كل اتجاه.
وعندما يعجز اللسان عن التذوق
سأتذكر كل الأشياء الطيبة والمباركة التي تذوقتها..
وعندما يتلاشى إحساسي بهذا الجسد
سيتحسس جسمي الكوني
 اللمسة السرية السحرية لكل الأشياء هنا وهناك..
سأحس بالأمواج المتراقصة على صفحة البحر
وبالفقاعات الكونية المندفعة في الفضاء اللامحدود..
خلايا الجسم ستفنى
وقيودها الوقتية ستُحل
إنما ستُبعث حية في لهب الأبدية..
سترى الفرح.. وستسمع الفرح
وستتذوق الفرح وتتنسم نفحات النعيم..
وستحس بالسرور الدائم المتجدد
وترقص على أنغام الغبطة الإلهية.
ألا فلتهجر الحواس رقصة الغيلان .. للألم والموت
ولتتحول إلى أحاسيس من النشوة الأبدية
في مملكة النور والسعد والسعادة.

طريق الحياة هو كالآتي:

عوائق النمو النفسي هي  محبة الذات والكبرياء والطمع والغضب والحقد والحسد، وغيرها من الصفات المظلمة التي تقود الإنسان أو تدفعه إلى جهل أعمق مما هو عليه.

ما تمس الحاجة إليه هو اتباع الطريق الذي يقود إلى الحرية لأن رغبات الإنسان مسيّرة بعادات تتجدد دوماً ولا تكاد تنتهي أو تقف عند حد.

هذه العادات تأسر النفس وتبقيها رهينة بحيث يتعذر على صاحبها السير على درب التحرر والإنعتاق.

طريق الحياة هو كالآتي:

على أحد جانبيه يوجد وادي الجهل المظلم وعلى الجانب الآخر يوجد نور الحكمة الساطع.

عندما نعمل بوحي الحكمة نخطو بأمان على طريق التحرر ونحصل على ما نحتاج إليه.

 الكون بأسره من صنع الإرادة الإلهية، وعندما نتوافق مع تلك الإرادة المباركة يأتينا ما نحتاج إليه دون عناء.

ما عدت أتمنى لنفسي شيئاً لأنني أعلم أن ما أفكر به سيتحقق بكل تأكيد.

امتلاك الحكمة الإلهية والحب الإلهي يحقق كل رغبات القلب، ويا لها من حالة مدهشة عجيبة يعجز اللسان عن وصفها.. عندما تدرك أنك سيد نفسك وقدَرك.. ملك السلام والطمأنينة، لا تخشى شيئاً.. بل العالم بأسره يعمل على تحقيق ما تريد بإرادة وعون الرحمن الرحيم.

وبما أن الله خلق الإنسان على صورته، فالذين يعثرون عليه يجدون أنه يحقق لهم أي طلب يطلبونه ويعطيهم ما يريدون {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} 

لكن ما دام الإنسان يمتلك أدنى رغبة في السيطرة على الآخرين أو في إظهار قواه فلن يعثر على الحرية في الله.

معرفة الله تبدأ في التواضع والمحبة والفرح الروحي. أما القوة الفعلية فتأتي مع معرفة الله.

لو علمت الموجة الصغيرة أن المحيط الأعظم خلفها يسندها لأمكنها القول "أنا واحدة مع المحيط".

يجب أن ندرك يقيناً أن محيط الله يكمن خلف وعينا وأنه قريب منا، ولا داعي للخوف والقلق.

الطبيعة الإلهية هي سلام وتواضع ومحبة وتمدد في الوعي ومعرفة شاملة.. ومن يتوافق مع الله لن يحتاج لأن يبرهن لنفسه أو للآخرين عن القوى التي يمتلكها، لأن روحه تعلم أن القوة الكلية تعضده وإن الله يحرسه ويرعاه أينما وحيثما كان.

العارفون بالله مستيقظون في طبيعتهم الروحية ونائمون في طبيعتهم المادية.. هم يعلمون أنهم يستطيعون الحصول على أي شيء من فضله تعالى.

وهكذا يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نصبو إلى تلك السيادة الذاتية، محاولين الإفلات من حبائل الدنيا ومغرياتها الخدّاعة، وأن نستثمر وقتنا في التفكير بالإيجابي المفيد وغرس بذور الخير في تربة هذا العالم لعلنا بذلك نتركه أفضل مما وجدناه.

ستنفتح في وجهنا الأبواب وتـُمهَد أمامنا الدروب

يجب أن تتمحور الحياة حول الخدمة الإيثارية، إذ بدون ذلك المثل فإن الوعي الذي وهبه الله للإنسان لن يبلغ غايته.

 عندما نخدم الآخرين وننسى تلك الأنا الصغير سنحس بالنفس العظمى.. بالروح الإلهي.

العمل ضروري وهو حافز قوي لعبقرية الإنسان وتفننه. لكن إن اقتصر الهدف من العمل على جمع المال فإنه يفقد قيمته وتنعدم أهميته.

 العمل خدمة، والسلعة التي تستحق البيع يجب أن تتميز بالجودة وتكون ذات نفعٍ فعلي للآخرين.

عندما نخدم الآخرين فإننا نساعد أنفسنا بنفس المقدار لأنهم امتداد لنا مثلما نحن امتداد لهم.
الشخص الراشد لا يقدم على أي عمل قبل أن يفكر برويّة.
عندما نمنح الخدمة فإننا نتقبل الخدمة أيضاً ولو بصورة غير مادية.
لذلك فإن خدمة الآخرين من خلال منحهم العون المالي أو النفسي أو الأدبي تعني الحصول في المقابل على الرضاء النفسي.

إن كل خدمة نقدمها لإخوتنا البشر تقرّبنا خطوة من الوعي العالمي. فعندما يبدي الإنسان اهتماماً صادقاً بالآخرين يمتزج وعيه بهم، أما المحبة غير المشروطة فتوسّع حدود الوعي نحو مشارف الوعي الكوني.

إن فكّرنا بسعادة إخوتنا سيكون حظنا من السعادة وافراً، وإن منحنا محبتنا للآخرين سيحسّون بقوتها وسيتغيرون نحو الأفضل.

التشبث الأعمى والكراهية غير المعقولة كلاهما عائق ضار في سبيل بلوغ مراحل متطورة من الوعي. يجب أن نتعلم محبة الجميع لأن الكل عيال الله.

وكل ما نقوم به من أعمال يجب أن يتم إنجازه عن طيب خاطر مثلما يجب أن نكون طموحين في أداء أعمالنا.

عندما يمتلك الشخص رغبة صادقة وهمة عالية للقيام بالأعمال بحب ورضاء وبدون كلل أو ملل، فإن النشاط الكوني ينساب بلا انقطاع إلى جسمه ونفسه وإرادته معاً.

 من لا يسمح لفكرة الوهن والإعياء بالتسرب إلى وعيه يتيح المجال لشحنات من الطاقة اللطيفة وتيارات من النشاط الحيوي كي تشحن أعصابه وتنعش خلايا وأنسجة جسمه.

عندما لا يمتلك الشخص الرغبة في القيام بعمل ما يحس بالتعب من البداية، ولكن عندما يمتلك الرغبة يطفح كيانه بالنشاط والحيوية.

من ينجز واجباته بهمة ورضاء يجد أن القوة الإلهية التي لا تنضب تعيله وتعضده.

بعض الناس غارقون في العمل بحيث لا يوجد لديهم متسع من الوقت لاستبطان الذات والتمتع بالحياة.

عندما نعمل ونبقي في نفس الوقت الفكر منهمكاً بأمور إيجابية سنحس بقوة خفية تسندنا وتمدنا بالمزيد من النشاط.

إن كان القلب مخلصاً وأميناً في أداء الواجبات ستنفتح في وجهنا الأبواب وتـُمهَد أمامنا الدروب.

نسأله تعالى أن يباركنا كي ننجز أعمالنا بفرح ورضاء في مصنع الحياة.

 وأن تلهم حكمته تفكيرنا

و تتراقص أمواج قوته فوق أنهار نشاطاتنا اليومية

غير قادرين على الرؤية بوضوح .. كالديك المذبوح!

لكي نعرف كيفية الإختيار الصحيح في أي ظرف أو موقف يتعين علينا توجيه حُكمنا بقوة البصيرة.

 كلنا موهوبون بهذه الحاسة السادسة لكن معظم الناس لا يستخدمونها. وبدلاً من ذلك فإنهم يعتمدون على تقارير من الحواس الخمس الأدنى مستوىً والأقل جدارة بالثقة، لأن تلك الحواس الخمس لا تزودنا دوماً بمعلومات أكيدة يمكننا الإعتماد عليها في اتخاذ القرارات الصحيحة.  

وبالإضافة لنطاقها وقوتها المحدودين، فإن الحواس - ومعها الفكر المقيد بالأنا - تفسّر الأشياء طبقاً لما تحبذه وتنبذه وليس وفقاً لما هو صحيح ويخدم في النهاية صالح الإنسان.

ولأن الإنسان يبني قراراته على التقارير التي تزوده بها حواسه وعلى الاستنتاجات التي يخبره بها عقله المرتبط بالحواس فإنه غالباً ما يجد نفسه متورطاً في أمور لا يُحسد عليها.

أتمنى أن يأتي اليوم الذي يدرك فيه العالم بأسره أهمية توجيه الفكر يومياً نحو الداخل لبعض الوقت، التماساً للهداية وطلباً للعون من الله { يَهْدِي مَن يَشَاءُ }.. {إسألوا تـُعطوا اطلبوا تجدوا}.

عندما يفعل الإنسان ذلك يصبح أكثر اتزاناً وأكثر هدوءاً وتمييزاً للأمور، إذ تنفتح بصيرته فيرى الأشياء بوضوح ويتخذ القرار الصائب، مثلما يتحرر من العادات المقيّدة والرغبات الناشزة والعواطف المؤلمة والتعلقات الشخصية التي تدفعه للتصرف بكيفية ما دون التفكير وإعمال الروية. 

التمييز هو  كالبصيرة من حيث كونه ميزة من مزايا النفس، يساعد المرء في معرفة الأمور التي ينبغي له أن يقوم بها عندما يتعين عليه القيام بتلك الأمور. تلك المزايا الروحية يمكن تنميتها بالتفكير الصحيح والتأمل على الله.

عندما تحجب الرغباتُ والعواطفُ تمييزَ النفس تعمى البصيرة سيكولوجياً وروحياً {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي آلصدور}.

وعندما تتسلط العواطف على الناس يعانون من الحيرة والإرتباك فيتخبطون ويصبحون غير قادرين على الرؤية بوضوح كالديك المذبوح!

العواطف تجعل الشخص متحيزاً في آرائه ونظرته للآخرين، وتشلّ القدرة على التفكير بصفاء والتعامل مع الموقف بحكمة ورزانة.

عندما نتعلم كيفية فصل الحقائق عن آرائنا الشخصية لا يعود حكمنا متأثراً إلى درجة كبيرة برغباتنا الذاتية. ولو تعلّم الجميع ذلك لكان العالم أكثر فهماً وسلاماً مما هو عليه الآن.

البصيرة عادة ما تظهر في القلب. فعندما يشعر القلب بعدم ارتياح، يدفع ذلك الشعور الشخص للتفكير بأن هناك خطأ ما ويتعين التعامل بحذر مع بعض الأشخاص والمواقف.

فإن شعرت بالتوجس تجاه شيء ما، أو رغبت بمعرفة الطريق الذي ينبغي أن تسلكه ركّز على القلب.

 وكلما تألبت عليك الهموم وحاصرتك المشاكل ضع فكرك على القلب وحاول أن تكون على دراية بالمشاعر المنسابة منه.

احتفظ بالهدوء وسيغمرك فجأة شعور فائق
 وسيظهر لك الله من خلال بصيرتك الخطوة التالية
التي ينبغي أن تتخذها في تلك اللحظة. 

تغيير الطبيعة غير السوية لخلايا الدماغ

لا قدرة للمعالجين الروحيين العاديين أو للكهنة على غفران الخطايا أو تحرير الخاطئين الذين يقصدونهم طلباً للنصح، إذ كل ما يقدرون عليه هو منحهم وصْفاتٍ روحية ليس أكثر.

أما العارفون بالله فقد بلغوا مراحل روحية متطورة جداً بحيث لا يكتفون بتقديم النصح الروحي وحسب للخاطئين، بل يمكنهم – بفضل الله وعونه - شحنهم بالقوة الروحية التي تحررهم من نتائج أعمالهم الآثمة.

إن كل الأعمال الصالحة والشريرة كامنة في خلايا الدماغ وتظهر على هيئة عاداتٍ أو نزعات صالحة أو شريرة في الفكر.

الإنسان الذي يعاني من عادات غير سليمة بسبب خلايا دماغه المشحونة بقوة تلك العادات يمكن تحرير نفسه بقوة الإرادة والتأمل والدعاء الصادق والتأكيد الإيجابي المتواصل إلى أن تتحول كل عاداته غير المرغوبة إلى عادات طيبة من السلام والهدوء.

هذا يحدث عندما تعمل قوة الحياة الموجّهة توجيهاً صحيحاً على تغيير الطبيعة غير السوية لخلايا الدماغ بحيث تصبح تلك الخلايا مفعمة بكل ما هو طيّب وصالح وجميل.

وهذا يعني أن خلايا الدماغ المليئة بالأفكار المغلوطة تكتوي بالنشاط الحيوي عند استجماعه بقوة في الدماغ واستخدامه للأغراض النافعة النبيلة.

الشخص المرتبط بقوة مع جسده المادي يستبقي على النشاط الحيوي منشغلاً بعضلاته وحواسه، لكن ذا الميول الروحية التأملية يُبقي عضلاته وجسده في حالة من الإسترخاء الناشط، وفكره بعيداً عن الحواس بحيث تكف قوة الحياة عن البقاء في الجهاز العصبي وتتجمع في الدماغ.

لهذا السبب فإن التأمل هو الوسيلة الأنجع لروحنة خلايا الدماغ واستئصال جذور أية عادة غير مرغوب بها من الفكر.

العادة قوةٌ، والناس يسيؤون استخدام تلك القوة باقتراف الأعمال الشريرة بدلاً من توظيفها في أعمال الخير.

إن الجهل، وعدم التروي، وعدم انتقاء المعشر الحسن، وإهمال الأعمال الطيبة، كل هذه غالباً ما توقع الشخص في أشراك وشباك العادات السيئة الشبيهة بالرمال المتحركة التي تبتلع السائر فوقها رغماً عن إرادته.

إن تأثير الصحبة لأقوى من قوة الإرادة ومن التمييز السليم:

(لا تصاحبْ من الأنامِ لئيماً .. ربما أفسدَ الطباعَ اللئيمُ)

الحكماء يتصرفون تصرفاً نبيلاً دون مجهود، أما محبو الأذى فيبدوا أنهم مجبرون على القيام بأعمال مشحونة بالضرر والأحقاد بفعل قوة العادة التي ترغمهم على مقارفة الإثم وارتكاب الشرور.

نسأله تعالى أن يلهمنا الأفكار الطيبة
كي نبصر الخير والجمال
ونميّز بين النافع والضار
وكي نتوجه إليه
ونتأمل عليه
مصدر كل خير
وينبوع كل صلاح

"يا جبل ما يهزك ريح"


الشخص المتزن يبقى – أثناء أداء واجباته – هادئاً رصيناً، سواء كان الربح أو الخسارة من نصيبه.

النجاح والفشل سيأتيان لا محالة في أوقات مختلفة بحسب قانون الإزدواجية الكامنة في الجسد والعقل والعالم. والشخص الذي يذكّر نفسه دوماً بطبيعة روحه هو أقل عرضة للمتناقضات والتأثر بأوهام العالم.  

على الراغب في تحقيق ذلك التوازن الداخلي ألا يسمح لنفسه بأن تتلوث بالوعي الثنائي الذي هو من طبيعة الجسد. مثل هذه الممارسة هي صعبة ولا شك لأن النفس التي تتعاطف مع الجسد الحسّاس تتقمص صفاته الصالحة والرديئة. وللتحرر من الإرتباط مع حالات الجسد المتقلبة يجب أن يترفع الشخص عن الوعي الجسدي الذي هو منبع كل شقاء.

من يعش تحت رحمة الظروف يبتهج بالمتع والمسرات ويكتئب للألم والمنغصات. أما ذو البصيرة النامية فيبقى هادئاً رصيناً، لا تهزه الاضطرابات والبلبلات التي هي لحمة الحياة العادية وسداها (يا جبل ما يهزك ريح).

المتزن من الناس يبقى – أثناء الحزن والألم – محتفظاً بسكينة باطنية تحت الظروف المادية والنفسية الطيبة والسيئة، وإلى ذلك يمتلك القدرة على التعاطف مع الآخرين والشعور بشعورهم ومساعدتهم دون أن تطغى عليه همومهم، وهكذا يستطيع بقوته النفسية تطييب خواطر الآخرين ورفع الأسى والحزن عن قلوبهم. ومن خلال هدوئه واتزانه يلقن الآخرين درساً مفيداً في عدم الإنغماس في الانفعالات العاطفية المدمرة.

الحكيم يرى الروح الإلهي في الجميع، وإذ يتحرر من الرغبات الأنانية فإنه يتقبّل بقناعة ورضاء كل ما يأتيه من الله للوفاء بحاجيات الجسد والعقل والنفس، ويتحرر من قيود (الأنا) ولا يشعر بالعداء نحو الآخرين ولا يحمّل نظراته وكلماته اهتزازات مؤذية تعكر صفو الناس وسلامهم لأنه يرى الروح الإلهي الذي يبحث عنه كامناً في الجميع.

وعندما يبلغ الهدف الأسمى يصبح النجاح والفشل عنده سيان، حيث يتلاشى إحساسه بالإزدواجية إذ يعثر على جوهر الوحدة الشاملة.

وإذ ينجز أعماله حباً لله وخدمة للإنسانية فإنه يبقى عديم التعلق على الدوام.

لبلوغ السعادة

لبلوغ السعادة يتعين على الإنسان أن يحيا حياة محكومة بضبط النفس. ومن يصمم على التحكم بظروفه طبقاً لنواميس الحياة العليا فإن ظروفه ستكيف ذاتها تلقائياً تبعاً لذلك.

الصعوبات التي تواجهنا في هذه الحياة تأتي لاستنهاض هممنا وحثنا على بذل مجهود أكبر حتى نتمكن من بلوغ مستويات أرقى.

إن كان ما تطلبه السعادة فاسلك الدروب الموصلة إليها ولن يتمكن أحد من صدّك عنها أو حرمانك منها.

لقد وهبنا الله العقل ويجب أن نشعل فيه أنوار الإيمان والتفاؤل والفرح ونحرره جهد المستطاع من كل الإختبارات المزعجة. كما ينبغي أن ننمي قوة الإرادة بحيث نتحكم بظروفنا بدلاً من أن تتحكم بنا.

من الضروري وضع خطط منطقية وسليمة لحياتنا بحيث نتمكن من إنجاز كل الأشياء الحسنة التي نريد إنجازها والتي نعرف ضمناً أن لا بد لنا من القيام بها.

وإذ نخطط .. ونسعى .. ونعمل .. فلنتذكر أن الله الكريم هو الذي يمدنا بالعون ويلهمنا الصواب، وبذلك سنمتلك العزيمة ومعها الصبر وقوة الإحتمال وسلامة الرؤية.

تمنياتنا لكم بالنجاح والسعادة أينما كنتم في أرض الله الواسعة

كلها أطياف وصور متعاقبة...

حدائق الورود
وأودية الدموع
وقطرات الندى المعتلقة بالبراعم الغضة
وأفراح الطفولة
والأهواء الجامحة
والمباهج العارمة في مدها وجزرها
والأحزان الثقيلة على القلوب
وشموع السماء تومض وتغيب
وسراب الولع يستدرجنا
من وهم إلى أوهام
والرغبات ذات الضرام
والتشبث الأخطبوطي العنيد
وصرخة الوليد
وحشرجة الاحتضار
وبهجة الصحة الفائرة
واللحظات العابرة
كلها أطياف وصور متعاقبة
على شاشة الوعي.

ساعدني يا رب
كي أنمّي المناقب والمزايا النبيلة في داخلي..
وكي أدرّب جنود السكينة وضبط النفس في ذاتي.
كن قائدها الرباني
في المعركة الحاسمة
ضد الجهل والجحود
ولأرفع رايتك المباركة والبنود..
راية الحق وبنود البر والصلاح
خفاقة فوق صروح روحي
وأقطار حياتي.

* * *

يجب مراعاة الحذر بدل الخوف.  يجب اتخاذ التدابير الوقائية وبذل قصارى الجهد  للتخلص من أسباب المرض والتحرر من الخوف.  الجراثيم موجودة وبكثرة في كل مكان بحيث لو راح الإنسان يرهبها لعجز عن التمتع بالحياة.  وحتى بالرغم من كل إجراءات الوقاية الصحية، لو تمكن الشخص من معاينة بيته تحت عدسة المجهر لفقد شهيته ورغبته في تناول الطعام.

مهما كانت الأمور التي تخشاها، حوّل فكرك بعيداً عنها. اتركها لله وعزز ثقتك به. الكثير من التألم عادة ما يكون بسبب القلق النفسي.  لِمَ التألم والمرض لم يأتِ بعد؟  وما دامت معظم أمراض الناس ناجمة عن الخوف فإن تخلوا عن الخوف سيتحررون على الفور وسيكون الشفاء فورياً.  كل ليلة، وقبل النوم، أكد لنفسك: "الله معي، ومن كان الله معه لا خوف عليه." حوّط نفسك فكرياً بروح الرب وطاقاته الكونية معتبراً أن أية جرثومة تهاجمك ستصعق. إن تكرار "يا الله يا قدير" أو "يا رب يا معين" بكل ثقة سيحميك ويقويك ويجعلك تشعر بالراحة والصحة.  إن تناغمت مع الله ستنساب حقيقته إليك وستعلم أنك في جوهرك روح لا يمسه العناء ولا يحيق به الفناء.

كلما شعرت بالخوف، ضع كفك على قلبك ملاصقاً للجلد ودلكه من الشمال إلى اليمين مردداً: "يا رب ابعد هذا الخوف عني وحرر فكري وعقلي من أي تشويش." وكما توجد طرق للتخلص من التشويش الإذاعي، هكذا إن دلكت القلب باستمرار من اليسار إلى اليمين، وإن ركزت باستمرار على فكرة إقصاء الخوف من قلبك سيزول الخوف بعونه تعالى وستشعر بالفرح الإلهي يغمر كيانك بأسره.

الخوف يلازم الإنسان على الدوام، والتخلص منه ممكن بالتفكير بالله والإحساس بحضوره.

اتكل على الله وكن أصيلاً في كل ما تفعله. المقلدون كثر، فلا تضف إسمك إلى قائمتهم الطويلة. أتقن ما تقوم به وافعله بكيفية فريدة لم يسبقك إليها أحد من قبل. المجال مفتوح للإبداع ما دامت الرغبة صادقة والإرادة متوفرة. الطبيعة بأسرها تتجاوب معك عندما تتوافق مع الله.

غالباً ما يضع الإنسان نفسه أولاً، ولكن يجب أن نفكر بالآخرين ونساعدهم على قدر طاقتنا، ونتمنى لهم الخير كما نتمناه لأنفسنا.  عندما نفعل ذلك عن طيبة خاطر ومن قلوبنا نشعر باتساع في دائرة تعاطفنا وبعمق وتعاظم الألفة بيننا وبين الآخرين.

في بيئة عدد سكانها ألف شخص، لو تصرف كل واحد تصرفاً ودياً لكان لكل واحد 999 صديقاً.  ولكن إن تصرف كل واحد في تلك البيئة كعدو للآخرين، سيكون لكل واحد 999 عدواً.

ضوء القمر و الأقطار البعيدة السعيدة

عندما يحل المساء، أمزج فكرك بضوء القمر
واغسل أحزانك بأشعته.

أشعر بالنور العجيب ينتشر بهدوء فوق جسمك
وفوق الأشجار والأقطار المترامية.

قف في الفضاء الفسيح وارنُ بعينيين هادئتين
إلى شعاع القمر وما يُظهره من مناظر رائعة.

أنظر الهُدب المغشّى للأفق المتألق..
ودع أفكارك التأملية تعبر حدود المنظور
إلى أرض الأحلام الذهبية.

انتقل بفكرك من الأشكال التي تظهرها أشعة القمر
إلى النجوم السحيقة والسماء القصية
الكامنة ما وراء السكينة الأبدية للأثير الحي
حيث كل شيء ينبض بالحب والحياة.

أرقب امتداد أشعة القمر
لا على الأرض وحسب
بل في كل فج من أصقاع اللانهاية لعقلك السامي.

تأمل بعمق حتى تتمكن من بلوغ الأقطار البعيدة السعيدة..
أقطار الإدراك الروحي العميق..
وتبصر الكون نوراً فضياً
لا حد له ولا انتهاء.

* * *

الإنسان مقيّد بعادات غير سليمة، وهذه العادات يتم تغذيتها باستمرار في الوقت الذي تحتضر فيه العادات الطيبة وتقضي سغباً.

ضيوفٌ غير مرغوب بهم احتلوا المكان الأول في حياة الإنسان، في حين لا يتلقى الزوار الكرام منه سوى التجاهل والإعراض، فيرتدون عن بابه مهانين، مكسوري الخاطر.

العادات الطيبة تحتاج تنميتها إلى تغذية بأعمال طيبة، وهذه تتكفل بها الصحبة الحسنة والكتابات الملهمة ، لأن تأثير البيئة أقوى من الإرادة.

البشر يسيرون باتجاه المادة، ونور الفكر الكشاف مسلّط نحو الخارج باستمرار بدلاً من توجيهه نحو الداخل.

الناس يركضون هنا وهناك، لكن لا يوجد مكان في العالم يحميهم من أنفسهم ومن ضمائرهم، ولا بد من وقفة مع الذات.

إن صلى الإنسان من أجل النجاح وكانت أفكاره في نفس الوقت تغص بأفكار الفشل والعشوائية واللامبالاة يكون كذلك الشخص الذي أرسل شخصاً في مهمة فهاجمه اللصوص على الطريق.

اللصوص الذين يسلبون نجاح المرء هم عاداته السيئة. فالإنسان يرسل أطفال صلواته إلى الله دون حماية فيهاجمهم لصوص القلق والهموم على الطريق قبل بلوغهم الله.

طبعاً الله يصغي للصلوات لأنه موجود في كل مكان وعليم بكل شيء، لكن تحت بعض الظروف لا تستجاب الصلوات. ولماذا لا تُستجاب أحياناً؟ الجواب هو بسبب البذور السلبية الكامنة في تربة العقل الباطن. تلك العادات السيئة التي تشكلت في الماضي البعيد والقريب تقف عائقاً بين الإنسان والله. لا بد من غرس الأفكار الإيجابية في تربة النفس حتى تنبت وتنمو في الظروف المناسبة وتأتي أ ُكلها. لا يمكن الإعتماد على الصحة والبحبوحة والظروف فقط، فهذه متقلبة وغير دائمة، ومن الحكمة الإستثمار في مجال الروح.

هناك قوى مدمرة تعمل دون توقف في حياة الإنسان وداخل نفسه، وهي ناجمة عن أفعال خاطئة قام بها في الماضي. لذلك عليه أن يكون دائم اليقظة والإحتراس في مجابهة تلك القوى العاتية والتعامل معها.

من يصلي من أجل النجاح وفي نفس الوقت يقول بينه وبين نفسه "لا أعتقد أنني سأنجح" فلن ينجح. الصلاة يجب أن تـُرفع بإيمان متقد وقلب متواضع كي تشرق الأنوار الربانية وتحل البركات السماوية.

وكما يتعذر التحدث من خلال هاتف معطل، هكذا لا يمكن بث الشخص صلواته بفعالية من خلال جهاز عقلي عطلته مطارق القلق والهموم والتبرم والتعلق بأمور زائلة.

بالسكينة العميقة والتناغم الهادئ مع الإهتزازات الراقية البناءة يمكن تصليح ومعايرة الجهاز العقلي بحيث تتضاعف قوة استقباله الروحية وبذلك يصبح من المستطاع بث الرسائل الوجدانية الحارة لله بكفاءة وفعالية والحصول على استجابة مباركة من السميع المجيب.

يا رب، بكفين مضمومتين إلى صدري أقدم إليك كل كياني، وأضمخ ابتهالاتي بالمحبة العميقة. امنحني محبة الأطفال الأبرياء نحوك، وساعدني كي أشعر بقربك خلف عبارات ابتهالاتي. دعني أحس بحضورك في كل مشاعري، ولأدرك أن حكمتك تسند فهمي وأن حياتي هي قبس من نورك ومظهر من مظاهر حياتك الكونية.

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}

{ "كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه}

هم عادة أسعد الناس

المحن والبلايا لا تأتي لتحطم الإنسان وتشلّ إرادته، بل لتجعله يقدّر الله حق قدره ويحترم قوانينه التي من خلالها يمكنه الحصول على السعادة الحقيقية.

الله لا يرسل تلك التجارب القاسية لأنها من صنع الإنسان في المقام الأول. وما على الإنسان إلا إيقاظ وعيه من سبات الغفلة وابتعاثه من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة.

في معظم الأحيان تعدنا الحواس بقليل من المسرات الوقتية الزائلة لكنها تمنحنا في النهاية آلاماً ومعاناة طويلة.

أما الفضيلة والسعادة الحقة فلا تعِدانا الكثير، لكن في النهاية تمنحانا فرحاً نقياً ودائماً. لهذا السبب أعتبر السعادة الباطنية الدائمة فرحاً والملذات الحسية المؤقتة متعاً.

إن كانت هناك عادة سيئة تضايق الإنسان وتقض مضجعه فللتخلص منها يمكنه تجنّب كل ما من شأنه أن يوقظها أو ينبهها، دون التركيز عليها بغية قمعها. تلك هي الطريقة غير المباشرة لمكافحتها.  ولكن هناك أيضاً طريقة إيجابية مباشرة تكمن في  توجيه الفكر نحو عادة طيبة والعمل على تنميتها حتى تصبح جزءاً من حياته يمكنه الركون إليه والإعتماد عليه.

ذوو الخلق القويم هم عادة أسعد الناس. فهم لا يدينون أحداً على مضايقات ومشاكل تحصل لهم، بل يعزونها إلى أنفسِهم ويعتبرون أنهم هم المسؤولون عنها شخصياً.

هم يدركون جيداً أن ما من أحد له القدرة على إسعادهم أو تكديرهم ما لم يسمحوا لأفعال وأقوال الآخرين وأفكارهم بالتأثير عليهم سلباً أو إيجاباً.

الجامدون من الناس هم غير سعداء.  إنهم فاقدو الإحساس تماماً كالحجارة.

يجب أن يحيا الشخص بكل أفكاره ومشاعره وبصيرته وأن يكون يقظاً ومتنبهاً لكل ما يدور حوله، تماماً  كالمصور البارع الذي يتحين أنسب الفرص لالتقاط أروع الصور لأبهج المناظر.

سعادة الإنسان الحقة تكمن في استعداده الدائم للتعلم والتصرف السليم والمحترم. وكلما قوّم نفسه كلما ساعد في ترقية الآخرين من حوله وإسعادهم.

السبب الأساسي للآلام

إن ارتباط الذات الروحية بالجسد والعقل وتحققها معهما هو السبب الأساسي لكل آلامنا وقيودنا وتقييداتنا وتقصيرنا وقصوراتنا.

وبسبب هذا الارتباط نشعر بالإثارة كالألم واللذة لدرجة لا يمكننا معها الإحساس بالغبطة أو الوعي الإلهي.

 فالدين في جوهره يشتمل على التلافي الدائم للألم وبلوغ الغبطة النقية أو الله.

وكما أن صورة الشمس الفعلية لا يمكن رؤيتها واضحة في سطح الماء المرتج، هكذا الطبيعة الحقيقية المغبوطة للنفس الروحية (انعكاس الروح الكلي) لا يمكن فهمها وإدراك كنهها بفعل أمواج الاضطراب والقلق الصادرة عن تماهي النفس مع حالات الجسد والعقل المتقلبة المتغيّرة.

  فكما أن الماء المخضوض يشوّه صورة الشمس الحقيقية، هكذا يشوّه الفكر المضطرب طبيعة النفس الباطنية دائمة الغبطة بفعل ذلك التماهي أو الارتباط.

تقول كتب الحكمة الشرقية:

"إن استطعت أن تسمو على الجسد وأن تدرك أنك روح، لامتلكت الغبطة الأبدية، ولتحررت من كل ألم." {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}

{وستعرفون الحق والحق يحرركم}

الحرية تأتي من السيادة الذاتية .. العادة الصالحة أعظم صديق

إن أكثر كلمات معلمي سري يوكتسوارجي تأثيراً هي ثلاث كلمات كان يرددها دوماً على مسمعي (تصرفْ تصرفاً لائقاً learn to behave) وإني لأعجز صدقاً عن تقديم واجب الشكر له على ذلك، علماً بأنه لم يكن من السهل التصرف دوماً بكيفية لائقة.

عندما ينبغي لك أن تقهر شيئاً ما فيجب أن تعرف السبب من التغلب على ذلك الشيء. يجب ألاّ تهجر ذلك الشيء وتبتعد عنه وحسب، بل ينبغي التخلص من التفكير به وطرده من الأفكار ذات الصلة. التفكير السلبي عدو لدود يتعين قهره.

إن غيّرت مجرى أفكارك من الوعي الحسي إلى الوعي الروحي فستكتب لك الغلبة وتجلب لنفسك السعادة. الإنجازات تكمن في العقل. يجب أن يسأل الإنسان نفسه: "هل أنا عبد لحواسي أم سيد لها؟ وهل أنا غني بالسلام أم فقير روحياً"

يجب ألا يصبح الإنسان ضحية لعدم الإعتدال. تمتع بالأشياء ولكن لا تسمح لها بأن تستعبدك. كن متحررا. كن لطيفاً ودوداً ومستبشراً فرِحاً، وكن سيد نفسك تحت كل الظروف.

ويجب ألا يكون المرء عبداً للحواس وحسب بل ينبغي أن يتصرف بحسب قناعاته السليمة. من يرغب بالترفع عن الثنائيات وبلوغ الوعي الكوني عليه أن يمتلك ضبط النفس وأن يدرّب نفسه على احتمال كل الأشياء وكل الظروف دون اضطراب نفسي ودون انزعاج.

إن عمل ما يحلو للإنسان ليس حرية، بل إساءة لاستخدام الحرية. الحرية تأتي باتباع قانون سيادة الذات أي ضبط النفس.  الحرية الحقيقية معناها عمل كل شيء بوحي الحكمة.
الحرية ضئيلة وضحلة بدون التوافق مع الله ونواميسه.

إن حياة معظم الناس محكومة بالرغبات والأهواء والطباع والعادات والمؤثرات البيئية والإجتماعية.

عندما تبتدئ العادات الجسدية بالسيطرة على الفكر يصبح من العسير على الجسد تنفيذ أوامر الإرادة. لهذا السبب يعجز السمناء عن التخلص من سمنتهم حتى ولو اتبعوا غذاء الحمية. فالخلايا الواعية قد شكلت عاداتها الخاصة ولا تستجيب بسرعة لأوامر العقل. لكن إن تم تدريبها بشكل صحيح ستمتثل عن طيب خاطر لإيعازات العقل دون أدنى مخالفة للقوى العقلية السامية.. القوى التي لها المقدرة على التحكم بالجسد إذا ما تم تدريبها وتمرينها بالكيفية الصحيحة.

العادة الصالحة هي أعظم صديق لك، والعادة السيئة هي عدو في ثوب صديق. فليحذر الإنسان إذاً من تكرار عادة أو فعل ما لأن التكرار يحوّل الفعل إلى عادة قبل أن يدرك الشخص ذلك، والعادة تصبح طبيعة ثانية، إنما يمكن تغييرها بالأفعال الطيبة المتواصلة والتفكير الإيجابي الخلاق.

دلائل النظام والاتساق في كل مكان

المفكرون الأوائل استدلوا بملاحظتهم أن كل إنسان هو مزيج من المادة والعقل، ونتيجة لهذه الملاحظة اعتقدوا بوجود قوتين مستقلتين: الطبيعة والعقل.

بعد ذلك أخذوا يتساءلون: "لماذا كل ما في الطبيعة منسّق بكيفية معينة؟ لماذا إحدى ذراعي الإنسان ليست أطول من الأخرى؟ ولماذا لا تتصادم النجوم والكواكب في الفضاء؟ إننا نبصر دلائل النظام والاتساق في الكون حيثما نظرنا."

ومن هذا المنطلق استنتجوا أن العقل والمادة لا يمكن أن يكونا منفصلين وفي نفس الوقت يكون لكل منهما سيادة مطلقة، إذ لا بد من وجود عقل واحد يضبط الكل.

وطبيعي أن يقود هذا الاستنتاج إلى فكرة وجود إله واحد هو علة وأصل المادة والعقل معاً، وهو موجود بهما وما وراءهما. إن الذي يكتسب الحكمة المطلقة يدرك أن كل شيء هو في جوهره روح، مع أن ذلك الروح محتجب في المظهر ومتوارٍ عن النظر.

من يمتلك المعرفة الروحية يبصر نور الله متجلياً في كل مكان.

والسؤال هو: كيف تمكـّن الباحثون من العثور عليه في البداية؟

كخطوة أولى، أغمضوا عيونهم للتخلص من الاتصال المباشر بالعالم والمادة، حتى يتمكنوا من تركيز الانتباه بصورة كاملة على معرفة العقل الكلي الكامن خلف العالم والمادة معاً.

لقد أدركوا بالبديهة أنه لا يمكنهم معاينة الحضور الإلهي في الطبيعة من خلال المدركات العادية للحواس الخمس. وهكذا فقد بحثوا عن طريقة للإحساس بوجوده داخل أنفسهم بالتركيز العميق والدقيق عليه.

وأخيراً تمكنوا من غلق وإقفال كل أبواب ومنافذ الحواس الخمس، مستغنين مؤقتاً عن وعي المادة استغناءً تاماً. عندئذ أخذ عالم الروح الباطني بالظهور لهم والانفتاح أمامهم. فللعظماء الذين واصلوا بحوثهم الباطنية دون كلل أو ملل تجلى الله أخيراً.

ضع قوة الله خلف مجهوداتك

اطلق – لأغراض نافعة بنـّاءة – القوى التي في حوزتك، وستحصل على المزيد. سر على الطريق بتصميم راسخ لا يتزعزع ولا يتراجع، مستخدما كل مقومات وعناصر النجاح.

اعمل على توفيق ذاتك مع قوة الروح الخلاقة وستكون على اتصال مع العقل اللانهائي القادر على إلهامك وحل كل مشكلاتك. وستنساب إليك – دون انقطاع – قوىً من المصدر الجبار لكيانك الروحي بحيث ستتمكن من القيام بإنجازات وإبداعات رائعة في كل مجالات الحياة.

يجب أن تجلس بسكون قبل البت في أي موضوع هام، ملتمسا ً العون والبركة من الله. عندها ستدرك أن خلف قوتك تكمن قوة الله، خلف عقلك عقل الله، وخلف إرادتك إرادة الله. ما دام الله يعمل معك فلن تحبط مساعيك ولن تفشل، بل ستتضاعف قواك وتزداد قدراتك. وعندما تنجز أعمالك لخدمة الله ستحصل على بركاته.

إن كان عملك في الحياة متواضعا ً فلا تعتذر عنه. كن فخورا ً لأنك تنجز الواجبات الموكولة إليك من الله. فهو يريدك أن تقوم بدورك على أكمل وجه. لا يستطيع الكل القيام بنفس الدور الذي تقوم أنت به. فما دمت تعمل من أجل مرضاة الله فإن كل القوى الكونية ستعمل بتوافق من أجل سعادتك وإسعادك.

عندما تؤكد لله بأنك تريده علاوة على كل شيء ستتوافق مع إرادته. وعندما تطلبه دون توقف مهما كانت العوائق التي تعترض سبيلك لتصدك عنه، فإنك والحالة هذه تستخدم إرادتك البشرية أفضل استخدام، وتستخدم أيضا ً قانون النجاح الذي كان معروفا للحكماء القدامى والذي يعرفه أيضا ً كل الذين أحرزوا النجاح الفعلي. القوة المقدسة هي في خدمتك ما دمت تبذل مجهودا فعليا لاستخدام تلك القوة المباركة من أجل إحراز الصحة والسعادة والسلام.

وإذ تحقق هذه الأهداف النبيلة ستسير على طريق معرفة الذات نحو بيتك الحقيقي في الله.

السعادة معيار النجاح

يجب التأكد أولا ً من أن الغاية التي ترغب في تحقيقها تستحق السعي في سبيلها وأن الوصول إليها يستحق أن يعتبر نجاحا فعليا ً.

ما هو النجاح؟ إن امتلكت الصحة والثروة  وكان لديك مشاكل مع كل إنسان (ومع نفسك أيضا) فحياتك ليست موفقة. الدنيا تصبح قاتمة والحياة عقيمة إن لم تعثر على السعادة.

عندما تفقد المال تكون قد فقدت القليل. وعندما تفقد الصحة تكون قد فقدت شيئا ً أكثر أهمية. أما عندما تفقد السلام وراحة البال تكون قد فقدت أثمن كنوز الحياة.

لذلك يجب قياس النجاح بمعيار السعادة، بالقدرة على التوافق والانسجام مع القوانين الكونية. فالنجاح لا يقاس أصلا بالمعايير الدنيوية من صحة وجاه وقوة. هذه الأشياء بحد ذاتها لا تمنح السعادة ما لم تـُستخدم استخداما ً صحيحا. ومن أجل ذلك يجب أن يمتلك الإنسان الحكمة ومحبة الله والإنسان.

لقد منحك الله المقدرة على مكافأة أو معاقبة نفسك باستخدام أو سوء استخدام عقلك وإرادتك. فإن تجاوزت قوانين الصحة والرخاء والحكمة فستعاني حتما من المرض والفقر والجهل.  لذلك يجب أن تقوّي عقلك وأن ترفض حمل الأعباء النفسية والخلقية المتراكمة من السنوات الماضية.

 احرق تلك الأكداس البالية في نيران مقرراتك المباركة الحاضرة ونشاطاتك البنـّاءة، وستبلغ آفاق الحرية.

تتوقف السعادة – بعض الشيء – على الظروف الخارجية، لكنها تعتمد أصلا ً على الحالة النفسية. ولكي تصبح سعيدا ً يجب أن تمتلك صحة جيدة وعقلا ً متزنا ً وحياة مزدهرة وعملا ً مناسبا ً وقلبا ً شكورا ً، وعلاوة على كل شيء الحكمة ومعرفة الله.

إن تصميماً قويا كي تصبح سعيدا ً سيساعدك كثيرا ً. لا تتوقع أن تتبدل ظروفك، محتسباً من قبيل الوهم أن المتاعب تكمن بها. لا تجعل التعاسة عادة قوية مستحكمة يصعب التخلص منها، مسببا بذلك الألم النفسي لك ولمن حولك.

إن من أكبر النعم عليك وعلى الآخرين أن تكون سعيدا ً ومتفائلا. إن امتلكت السعادة تكون قد حصلت على كل شيء. السعادة معناها التوافق مع الله، والتأمل يمنح القدرة على إحراز السعادة.

العادات الفكرية: تعجيل أو تأجيل النجاح

العادات الإنسان القدرة على تعجيل أو تأجيل نجاحه. ليست الإلهامات العابرة أو الأفكار المشرقة، بل عادات الإنسان الفكرية اليومية هي ما يقرر مسار حياته.

العادات الفكرية هي مغناطيس عقلي يجذب إليك صنوفا ً معيّنة من الأشياء والبشر والظروف. عادات الفكر الطيبة تمكـّنك من اجتذاب الفرص النافعة المواتية، أما العادات الفكرية السيئة فتقرّبك من ذوي الطباع والميول الدنيوية ومن ظروف غير مستحبة.

يمكنك إبطال مفعول العادات السيئة وشل قواها بتجنـّب كل ما من شأنه أن يوقظها أو ينعشها، دون التركيز المتواصل عليها. بعد ذلك قم بتوجيه فكرك نحو عادة طيبة واعمل على تنميتها باستمرار حتى تصبح عنصراً لا يتجزأ من حياتك يمكنك الوثوق به والاعتماد عليه.

في داخلنا قوّتان متعاكستان في صراع مستمر: قوة تدفعنا لفعل ما لا  ينبغي لنا  أن نفعله، وأخرى توحي لنا بفعل ما يتوجب علينا فعله من الأمور التي تبدو أكثر صعوبة. الصوت الأول هو صوت الشر، أما الصوت الثاني فهو صوت الخير أو الله.

وبفعل وفضل الدروس اليومية الصعبة سترى بجلاء أن العادات السيئة تغذي شجرة الرغبات المادية التي لا انتهاء لها، بينما العادات الطيبة تغذي شجرة الأماني والطموحات الروحية السامية.

يجب أن تركـّز جهودك أكثر فأكثر على التنمية الصحيحة للشجرة الروحية المباركة حتى تتمكن يوما ما من قطف ثمار معرفة الذات الناضجة الشهية.

إذا استطعت تحرير ذاتك من كل أنواع العادات السيئة، وإن تمكنت من القيام بكل ما هو طيب ونبيل محبة بالنبل والطيبة وليس لأن الشر يجلب الحزن والندامة فستنمو بالروح وستتقدم على الطريق.

ستتحرر عندما تهجر عاداتك السيئة طوعا ً واختيارا. لن تتحرر إلا عندما تصبح سيدا قادرا على إصدار الأوامر لمشاعرك وأفكارك وإرادتك كي تفعل ما ينبغي فعله، حتى ولو كان ذلك ضد رغباتك. في تلك القوة لضبط النفس والسيادة الذاتية تكمن بذور الحرية الأبدية.

لقد ذكرت حتى الآن عدة ميزات هامة للنجاح: التفكير الإيجابي، الإرادة الفاعلة، التحليل النفسي، روح المبادرة، وضبط النفس. هناك كتب عديدة تؤكد على واحدة أو أكثر من هذه الميزات ولكنها لا تعترف بالفضل للقوة الإلهية الكامنة خلف عوامل النجاح تلك. التوافق مع الإرادة الإلهية هو العنصر الأهم في تحقيق النجاح.

الإرادة الإلهية هي القوة التي تحرك الأرض وما عليها والكون وما فيه.

إنها إرادة الله التي تدفع النجوم في الفضاء، وإنها إرادته التي تحفظ الكواكب في مساراتها وتنظـّم دورات الولادة والنمو والتحلل لكل صور الحياة.

جمرات الأشواق
يا رب..
لتتوهج  جمرات أشواقي للأبد بحضورك المبارك.
 اقطف يا إلهي الحبيب لوتس محبتي من أوحال النسيان الأرضي، ورصِّع بها صدر ذاكرتك الدائمة التيقظ.

في محراب الأفلاك أسجد لك يا إلهي
لقد سمعت صوتك في أريج الورود
ولمست حنوّك في رقَّة الزنابق
وفي همس أشواقي كان حبك هو المجيب.

إنني أعلم بأن الله يمكن التعرف عليه بالتأمل وبالإدراك اليقيني لكن ليس بالعقل المشوش المضطرب.

سأفتح عينيَّ لغبطة التأمل وسأرى بأن الظلمة برمتها قد تبددت.

سأبترد في غدير السلام الإلهي المخبوء خلف أسوار التأمل، وسأجعل كياني الداخلي نقياً بالتأمل بحيث لا تعبث به المؤثرات الخارجية المعاكسة.

سأستقبل كل يوم بالتأمل على العلي القدير.

في محراب السكون أكتشف مذبح سلامك
وعلى مذبح السلام أعثر على سرورك الدائم المتجدد.

دعني أسمع صوتك يا رب في كهف التأمل وسأعثر عندها على السعادة السماوية الدائمة في ذاتي.. وسيغمر السلام قلبي ويعم كياني، سواء في السكون أو أثناء العمل.

كل نجمة بهية متلألئة في قبة السماء، وكل فكرة نقية طاهرة،
وكل عمل نبيل ومأثرة جميلة ستكون نافذة منها أرنو إليك يا إلهي الحبيب.

بتركيز ذهني تام وأشواق لا متناهية سأرسل وعيي عبر العين الروحية (بين الحاجبين) إلى مملكة الخلود.

وسأحرر روحي من أسر الجسد وأمزجها ببحر الروح الأعظم.

ضرورة التحليل النفسي

هناك سر آخر للنجاح هو التحليل النفسي. فاستبطان الذات هو مرآة فيها تبصر خفايا وخبايا عقلك التي بغير ذلك تبقى محجوبة عنك.

قم بتشخيص نقاط فشلك وافرز نزعاتك وميولك الطيبة والرديئة.

استخدم التحليل الذاتي لتعرف أين أنت الآن وما الذي تريد تحقيقه وما هي العقبات التي تعيق طريقك. حدد طبيعة عملك الفعلي واعرف ما هي مهمتك في الحياة.

حاول أن تمتلك كل مقومات الشخصية الأصيلة والنبيلة، غير مدفوع بالميول والأهواء.

وإذ تحتفظ بعقلك متوافقا ً ومتناغما ً مع الله ستتقدم بسرعة وبأمان واطمئنان على الطريق نحو غايتك المنشودة. هدفك الأسمى هو العثور على طريقك إلى الله.
ولكن هناك أيضاً واجبات ومسؤوليات ينبغي إنجازها والوفاء بها في هذا العالم.

الإرادة المقترنة بروح المبادرة ستساعدك على تحديد تلك الالتزامات وانجازها على أكمل وجه.

ما هي روح المبادرة؟

إنها مقدرة خلاقة في داخلك: شرارة من المبدع اللانهائي يمكن أن تمنحك القدرة على ابتكار شيء لم يبتكره غيرك أبدا من قبل. وهي تحفزك للقيام بالأمور بكيفية جديدة وخلاقة.

إنجازات الشخص الذي يمتلك روح المبادرة قد تكون رائعة ومدهشة كالشهاب الثاقب.

وإذ يبتكر – حسبما يبدو – شيئاً من لا شيء، فإنه يبرهن على أن ما يبدو غير مستطاع هو بالفعل ممكن باستخدام الإنسان لقوة الروح الأعظم الخلاقة.

روح المبادرة والابتكار تمكـّنك من الوقوف على قدميك، حرا ً مستقلا ً، وهي إحدى ميزات النجاح.

تنبيه أفكار النجاح

افرض أنك فشلت حتى الآن، فمن الحماقة أن توقف الكفاح معتبراً الفشل قضاءً وقدرا. 

من الأفضل أن يموت المرء مكافحا ً من أن يوقف بذل المجهود ما دام بإمكانه إنجاز المزيد، لأن جهوده ستستمر في حياة جديدة حتى عند موافاة الأجل.

النجاح والفشل هما النتيجة العادلة لما فعلته في الماضي، إضافة إلى ما تفعله الآن. لذلك يجب أن تنبـّه أفكار النجاح من تجسدات ماضية وأن تشحنها بالنشاط والحيوية كي تتمكن من السيطرة على أفكار الفشل في الحياة الحاضرة.

المصاعب والمتاعب التي واجهها الشخص الناجح قد تكون أكثر وأكبر من تلك التي واجهها الشخص الفاشل. لكن الأول درّب نفسه على رفض أفكار الفشل جملة وتفصيلا طوال الوقت.

يجب أن تحوّل ذهنك من الإحباط والقنوط
إلى الفوز والانتصار
 من الهم إلى الهدوء
 من الحيرة الفكرية والقلق النفسي إلى التركيز العقلي
 من التشويش والاضطراب إلى السلام
 ومن السلام إلى الغبطة الروحية المقدسة.

عندما تمتلك هذه المعرفة الذاتية
تكون غاية حياتك قد تكللت بالنجاح
 وتحققت تحقيقا ً مجيدا
بعونه تعالى.

قوة الفكر

إنك تبرهن عن النجاح أو الفشل طبقا ً لنوعية وطريقة تفكيرك الاعتيادي.
أيهما أقوى في حياتك: أفكار النجاح أم أفكار الفشل؟

إن كان تفكيرك سلبيا ً في معظم الأوقات فلن يكفي التفكير الإيجابي بين الحين والآخر لاجتذاب النجاح.  ولكن إن فكرت باستقامة فستعثر على ضالتك وستبلغ غايتك، حتى ولو شعرت أنك محاط بظلمة كثيفة.

أنت الوحيد المسؤول عن نفسك. ما من شخص آخر سيعطي جوابا ً أو يدفع حسابا ً نيابة عنك في اليوم الأخير. إنَ عملك في العالم حيث وضعتك كرماك (نتائج أعمالك السابقة) يمكن أن يقوم به شخص واحد هو أنت.  وعملك يعتبر ناجحاً فقط عندما يخدم بصورة ما أخاك الإنسان.

لا تستذكر أية مشكلة أو تداوم التفكير فيها.  دع المسائل تهجع بين فترة وأخرى وقد تحل ذاتها بذاتها. ولكن عليك ألا ترقد طويلا بحيث تفقد القدرة على التمييز.

 استعمل بدلا من ذلك فترات الاستراحة هذه للتعمق في التأمل والوصول إلى آفاق هادئة في أعماق نفسك. عندما تتناغم مع نفسك ستتمكن من التفكير بصفاء في كل ما تفعله. حتى وإن تشتتت أفكارك ستتمكن من استجماعها وتصويبها من جديد.

 والقدرة على التناغم المبارك يمكن اكتسابها بالجهد والممارسة.

الأم بالنسبة للمعلم برمهنسا

محاضرة ألقاها في عيد الأم

لنحمل هذا اليوم فكرة طيبة لكل الأمهات الطيبات اللائي غذين أطفالهن بالعطف والحنان.

لم تُمنح محبة الأم لنا كي تفسدنا بالتساهل والتغاضي، بل لتلهم قلوبنا الرقة علنا نرقق قلوب الآخرين باللطف ونحرر النفوس المتعبة من هموم العالم وقيوده. فالغارقون في المآسي والأحزان، الذين يعانون من مصائب ومصاعب جمة هم بحاجة لفهمنا الرقيق وتعاطفنا الودي.

لقد حصلت على إشراقتي الروحية من خلال محبتي العظمى لوالدتي؛ فمحبتي الصادقة لأمي كانت السبب الأول في حبي المتعاظم لله، إذ حفزني ذلك الحب للبحث عن مصدره النقي، فوجدته في الله ينبوع كل خير وفضيلة.

الأم أكثر رقة وتسامحاً من الأب. والأم هي المثال النقي لحب الله غير المقيد.  لقد خلق الله الأمهات ليعرب لنا عن محبته لنا بسببٍ أو بدون سبب. 

إنني أعتبر المرأة مظهراً بشرياً للأمومة الكونية، وما يثير إعجابي في المرأة هو حبها الأمومي الصادق. الذين يبصرون في المرأة جمالاً روحياً ومعنىً سامياً تتيقظ بهم أحاسيس نبيلة وتنفتح أمامهم فضاءات إلهامية رحبة. فالحب الكوني يتسرب إلى قلب من ينظر إلى المرأة نظرة تقدير واحترام ويعاملها بمودة وإكرام.

لو لم يغرس الله محبته في قلوب الأمهات لما استطعن محبة أطفالهن، ومع ذلك فالفضل يعود أيضاً إلى الوسيلة التي من خلالها ينساب ذلك الحب. كل العظماء اختصوا أمهاتهم بمحبة عظيمة.

البيت يمتلئ نوراً وبهجة وبركة لوجود الأم فيه.
فلنحتفظ بشعلة محبة الأم متقدة في قلوبنا على الدوام.

وتحية إلى كل الأمهات الفاضلات في العالم
وإلى كل من يعاملهن معاملة نبيلة
إكراماً لهن وعرفاناً بفضلهن.

تفضلوا بزيارة صفحة المعلم برمهنسا يوغانندا على الفيسبوك

وأيضاً موقع سويدا يوغا




باراماهانسا يوغاناندا بارامهانسا يوغاناندا بارماهنسا  
يوغا  برمهنسا يوغانندا 

No comments:

Post a Comment