Saturday, November 23, 2013

لاهيري ماهاسايا: معجزاته



لاهيري ماهاسايا
تتلمذ والداي في مستهل حياتهما الزوجية على معلم بنارس العظيم لاهيري ماهاسايا،  فعززت تلك العلاقة الروحية المزاج الزهدي المترسخ أصلا في طبيعة أبي.  وفي إحدى المرات أدلت أمي لأختي الكبرى روما بهذا الاعتراف العجيب:  "إن أباك وأنا نعيش معا كزوج وزوجة مرة واحدة في السنة فقط من أجل إنجاب الأطفال".

وقد تعرف والدي على لاهيري ماهاسايا عن طريق أبيناش بابو الموظف بسكة حديد بنغال ناغبور.  وفي غوراخبور سمعت من أبيناش قصصا مذهلة عن العديد من القديسين الهنود،  وكان دوما يختتم كل قصة بتمجيد وتبجيل معلمه الفائق.

"ألم تسمع بالظروف الخارقة التي أصبح فيها والدك تلميذا للاهيري ماهاسايا؟"

كان ذلك في أصيل أحد أيام الصيف وأنا أجلس مع أبيناش في فناء منزلنا حينما فاجأني بهذا السؤال المحيّر.  فهززت رأسي بابتسامة وكلي شوق لمعرفة المزيد،  فقال:

"قبل أن تولد بسنوات سألت أباك – رئيسي الأعلى – أن يمنحني إجازة لمدة أسبوع من واجباتي المكتبية كي أقضيها في زيارة معلمي في بنارس،  ولكنه سخر من فكرتي وسألني قائلا:  ’هل ترغب في أن يستحوذ الهوس الديني على عقلك؟ ركـّـز اهتمامك على عملك إن كنت تبغي التقدم والترقي‘.

"وسرت مكتئبا إلى بيتي في طريق مظلل بالأشجار حيث التقيت بأبيك وقد صرف الخدم مع العربة وسار بجانبي محاولا مواساتي وموضحا فوائد العمل لبلوغ النجاح الدنيوي.  ولكني أصغيت إليه بذهن شارد،  إذ كان قلبي يردد:  لاهيري ماهاسايا،  لا أستطيع العيش دون رؤيتك!

"سرنا حتى بلغنا حقلا هادئا حيث كانت شمس الأصيل تتوج النبات الطويل المتماوج،  فوقفنا نتأمل ذلك المنظر الرائع.  وفجأة بزغ في الحقل على قيد خطوات منا شكلُ معلمي العظيم وقال مخاطبا أباك:

’بهاغاباتي،  إنك قاسٍ جدا في معاملة موظفك‘!

"وقد دوى صوته في آذاننا الذاهلة ثم اختفى شكله بنفس الكيفية الغامضة التي ظهر بها.  فجثوت ساجدا وأنا أهتف:  ’لاهيري ماهاسايا! لاهيري ماهاسايا.،

"أما أبوك فقد أصبح لبضع لحظات ذاهلا عديم الحركة.  ثم قال بعد لحظة:

’أبيناش،  سأسمح ليس لك فقط،  بل لنفسي أيضا بالذهاب إلى بنارس غدا.  فيجب أن أتعرف على هذا العظيم لاهيري ماهاسايا الذي له القدرة على تجسيد ذاته بإرادته كي يتشفع لك! وسوف أصطحب زوجتي وأطلب من ذلك المعلم أن يلقننا مبادئ طريقه الروحي.  فهل لك أن تأخذنا إليه‘؟

"أجبته:  بكل سرور!  والفرح يغمر قلبي للاستجابة المعجزة تلبية لصلواتي وللتحول الإيجابي السريع للأحداث.  وفي مساء اليوم التالي ركبت مع أبويك القطار إلى بنارس،  وإذ وصلنا بعد ذلك بيوم أخذنا إحدى عربات النقل لمسافة ما وسرنا بعدها على الأقدام في أزقة ضيقة إلى منزل معلمي المنعزل.  وإذ دخلنا حجرته الصغيرة انحنينا أمام المعلم الذي كان متربعا في وضع اللوتس الاعتيادي وقد رمش عينيه النفاذتين ثم سددهما نحو أبيك قائلا:  ’بهاغاباتي،  إنك قاس جدا في معاملة موظفك‘!

"وكانت تلك نفس الكلمات التي استخدمها منذ يومين في الحقل المعشب.  ثم أضاف:  ’إنني مسرور لأنك سمحت لابيناش بزيارتي وأنك رافقته أيضاً مع زوجتك.‘

"ولفرط سرور أبويك فأنه لقنهما التدريب الروحي لعلم كريا يوغا(9).  وكأخوين في التلمذة فقد أصبحت وأبوك صديقين حميمين منذ يوم الرؤيا المجيدة.  وقد أبدى لاهيري ماهاسايا اهتماما خاصا بمولدك.  وبكل تأكيد فإن حياتك مرتبطة بحياة ذلك المعلم العظيم الذي لا تخيب بركاته أبدا."

غادر لاهيرى مهاسايا هذا العالم بعد دخولي إليه بقليل.  وكانت صورته الموضوعة في إطار مزخرف تزيّن دوما محراب أسرتنا في المدن المختلفة التي دعت مقتضيات عمل والدي انتقالنا إليها.  وكم من صباح ومساء جلست مع أمي نتعبد أمام هيكل مرتجل ونقدم الزهور المغموسة  في عجينة خشب الصندل الطيب الرائحة مع البخور واللبان إضافة إلى أشواقنا المشتركة تكريما للإلوهية التي ظهرت كاملة في لاهيري ماهاسايا.

وكان لصورته أبلغ الأثر في حياتي.  وكنت كلما تقدم بي العمر تطور تفكيري بالمعلم.  وفي التأمل كنت غالبا أرى رسمه الفوتوغرافي يبرز من إطاره ويتمثل بشرا سويا متربعا أمامي،  حتى إذا ما حاولت لمس قدمي الجسم المنير تغيّر وتحول ثانية إلى صورته.  وإذ تحولت الطفولة إلى الشباب وجدت لاهيري ماهاسايا قد تبدل في عقلي من شكل في إطار إلى وجود حي مانح للاستنارة الروحية.  وعندما كنت أتوجه إليه بالدعاء في أوقات الشدائد أو المحن كنت أجد في داخلي إرشاده المواسي.

في البداية كنت أشعر بالحزن لأنه لم يكن موجودا بجسمه المادي،  ولكني كففت عن ذلك حينما أدركت وجوده الكلي.  وأحيانا كان يكتب لتلاميذه المتلهفين شوقا لرؤيته العبارة التالية:

"لماذا تأتون لرؤية عظامي،  في حين أنني معكم وفي متناول بصركم الروحي على الدوام؟"

وقد بوركت حول الثامنة من عمري بشفاء عجيب عن طريق صورة لاهيري ماهاسايا،  وقد عزز ذلك الاختبار من يقيني وضاعف حبي له.  فحينما كنت في منزل الأسرة في إيشابور بالبنغال أصبت بالكوليرا الآسيوية،  وقد يأس الأطباء من شفائي.  وبجانب فراشي وقفت أمي تحثني بقوة كي أتطلع إلى صورة لاهيري ماهاسايا المعلقة فوق رأسي وتقول:  "اسجد له بعقلك." وكانت تعلم أنني كنت ضعيفا لدرجة أنني لم أتمكن من رفع يدي بالتحية،  فقالت:  "إنك إن أعربت عن خشوعك وركعت أمامه في روحك فلن تفقد حياتك!"

نظرت إلى صورته فرأيت بها نورا وهاجا يخطف الأبصار،  غمر جسمي والغرفة معا.  وفي تلك اللحظة بالذات فارقني الغثيان واختفت الأعراض القوية الأخرى  فأصبحت سليما معافى.  وعلى الفور شعرت بقوة مكنتني من الانحناء ولمس قدمي والدتي تقديرا لثقتها المطلقة بمعلمها.  وقد ضغطت أمي برأسها مرارا وتكرارا على الصورة الصغيرة مرددة:

"أشكرك أيها المعلم الكلي الحضور لأن نورك قد جلب الشفاء إلى ولدي!" وقد تحققت إذ ذاك أن أمي قد رأت أيضا البريق الساطع الذي أبرأني فورا من مرض فتاك في العادة.

ومن بين أثمن مقتنياتي نفس هذه الصورة التي ناولها لاهيرى مهاسايا بنفسه لوالدي،  وهي تحمل خفقة قدسية مباركة.  وللصورة قصة عجيبة سمعتها من كالي كومار روي الذي كان أخاً لأبي في التلمذة.

يبدو أن المعلم كان غير راغب في أن تؤخذ صور له.  لكن أحدهم قام – خلافا لرغبته - بالتقاط صورة له مع مجموعة من تلاميذه من بينهم كالي كومار روي.  وقد بهت المصور حينما اكتشف أن لوح التصوير الذي ظهرت عليه صور التلاميذ لم يكن في وسطه سوى فراغ أبيض حيث توقع المصور أن يجد ملامح لاهيرى مهاسايا.  وقد نوقشت هذه الظاهرة غير العادية على نطاق واسع.

غير أن غانغادهار بابو  التلميذ والمصور البارع تباهى بأن الشكل الشارد لن يتمكن من الإفلات من آلة تصويره.  ففي الصباح التالي بينما كان المعلم يستوي على مقعده الخشبي في وضع اللوتس وخلفه ستارة،  أتى غانغادهار بآلة تصويره،  وبعد اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة التي تكفل له النجاح أخذ له – بنـَهَم – اثنتي عشرة صورة.  لكنه مرة أخرى وجد على جميع الألواح رسم الستارة والمقعد الخشبي دون شكل المعلم.

وبدموع وكبرياء  محطم قصد غانغادهار بابو معلمه.  وانقضت ساعات قبل أن يقطع لاهيري ماهاسايا حبل السكون بتعليق ذي مغزى!

"إنني روح،  فهل يستطيع جهاز تصويرك التقاط غير المنظور،  الكلي الوجود؟"

أجاب غانغادهار بابو:  "أرى أنه لا يستطيع! ولكنني يا سيدي القديس أطمع من كل قلبي في الحصول على صورة لهيكلك الجسماني.  لقد كانت رؤيتي قاصرة فلم أدرك لغاية اليوم أن الروح الإلهي يسكن بك بكليته."

فقال لاهيري ماهاسايا:  "تعال إذاً في صباح الغد،  وسأجلس خصيصا لك."

جاء المصور مرة أخرى وصوّب جهاز تصويره.  وفي هذه المرة ظهر الشكل المقدس جلياً على اللوح دون أن تحجبه الأسرار الغامضة.   ولم يجلس المعلم قط للتصوير بعد ذلك،  أو على الأقل لم أر له صورة أخرى.

وهذه الصورة ذاتها منشورة في هذا الكتاب (فلسفة الهند في سيرة يوغي).  وتقاطيع لاهيري ماهاسايا الوسيمة ذات القالب العام لا تنبئ بسهولة عن السلالة التي ينحدر منها.  وتتجلى غبطته الفائقة في الوصال الإلهي في ابتسامته الملغزة.  أما عيناه نصف المفتوحتين دلالة على اهتمامه الطفيف بالعالم الخارجي فهما أيضا نصف مغلقتين إشارة إلى استغراقه في الغبطة الباطنية.  وإذ كان مترفعاً عن الإغراءات الدنيوية الزهيدة فقد كان يقظا في كل الأوقات للمشكلات الروحية للباحثين الذين كانوا يقصدونه لفضله وكرمه. 


برمهنسا يوغانندا 
مذكرات يوغي: السيرة الذاتية Autobiography of a Yogi (المعروفة أيضاً بـ فلسفة الهند في سيرة يوغي)
 
المزيد عن لاهيري ماهاسايا وعن تعاليم المعلم برمهنسا يوغانندا 
في موقع سويدا يوغا أو صفحة برمهنسا يوغانندا في فيسبوك


No comments:

Post a Comment