Sunday, December 30, 2012

الجبناء والشجعان

الجبناء والشجعان

للمعلم برمهنسا يوغانندا

إن معظم ساكني الأرض اليوم ما كانوا هنا منذ مائة سنة. آخرون كانوا هنا قبلنا. ونحن أيضاً لن نكون هنا بعد سنين من الآن. سينتهي دورنا وينقضي أجلنا، والأجيال القادمة لن تفتكر بنا، بل سيشعر الناس آنذاك مثلما نشعر الآن أن هذا العالم هو عالمهم، لكنه سيؤخذ منهم ويؤخذون منه الواحد تلو الآخر. لا بد أن الموت ضرورة بشرية وإلا لما سمح الله الرحيم بحدوثه لأي شخص. فيجب أن نعزز ثقتنا بالله وأن لا نخشى الموت.

الذين يرهبون الموت لا يمكنهم التعرف على طبيعة نفسهم الحقيقية. قال شكسبير: "الجبناء يموتون مراتٍ عديدة قبل موتهم، أما الشجاع فلا يذوق الموت إلا مرة واحدة."

الجبان يصرف أيامه في حالة نفسية من الألم والموت البطيء. الشجاع يختبر الموت الأخير وحسب، بسرعة وبدون ألم. إن مات شخص موتاً طبيعياً أو كان متقدماً روحياً فإن وعيه الروحي يستيقظ فور موت الجسد ويجد نفسه في مستوى آخر من الوجود.. مستوى له كل الإحساسات لكن من دون الجسد.

الإدراك مقره العقل. في الموت يسلخ الإنسان عنه جسمه المادي الكثيف الذي هو صورة للعقل من طبقة دنيا وعلة كل متاعب النفس.

هناك نوعان من الناس: الشكاؤون البكاؤون على مساوئ العالم، والمتغلبون بابتساماتهم على مصاعب الحياة.. المحافظون على إيجابيتهم بالرغم من الظروف المعاكسة. لا حاجة لأخذ الأمور على محمل كبير من الجدية. لو كان كل إنسان على قدر أكبر من الإيجابية والإنسجام لكانت أحوال هذا العالم أفضل بكثير مما هي عليه الآن.
في أدغال الحضارة.. في مصاعب وتعقيدات الحياة العصرية يكمن الإمتحان. كل ما يصدر عن الإنسان سيعود إليه إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ. من يكره الآخرين سيكرهه الآخرون. ومن يملأ نفسه بالأفكار السلبية والعواطف المتنافرة يدمر شخصيته ويقضي على سعادته بنفسه. إن شعرت بالغضب تمشَّ وعِدّ من واحد إلى خمسة عشر، أو حوّل تفكيرك إلى شيء محبب بهيج. عندما يسيء الغير معاملتك فليس من الحكمة أن ترغب في معاملتهم بالمثل. حينما تكون غاضباً يغلي دماغك وتعاني صمامات قلبك ويصبح جسمك مسلوب الحيوية منهوك القوى. ابعث بأمواج السلام والخير التي تعبّر خير تعبير عن الطبيعة الحقة لروحك،  لصورة الإلوهية في داخلك.  عندها لن يقوى أحد على خضّك أو تعكير صفوك.

خلاصة القول كل شيء يبدأ في العقل. الخطيئة من خلق العقل. الأطفال الصغار يسيرون عراة دون أي شعور بالخطيئة. كل شيء نقي لصاحب الفكر الطاهر النقي، أما بالنسبة للفاجر الخليع فكل شيء يبدو سيئاً وشريراًً.
(إذا ساءَ فعلُ المرء ساءتْ ظنونهُ     وصدَّق ما يعتادهُ من توهّم ِ)

العقل غير المنضبط يخلق الإضطراب في حياتنا. ذوو العقول المستعبدة للحواس هم مشعلو نيران الفتن والحروب وأقطاب الظلم والظلام.

لقد ركـّب الله أرواحنا في هذه الأجساد المزودة بالإحساسات لكي نتمكن من العيش في هذا العالم والإستفادة من تجاربنا وتجارب الآخرين، دون أن نرهن سعادتنا بما يدور حولنا من أحداث ومتغيرات دائمة التقلب والتبدّل. كما يريدنا الله أن نتحكم بمشتهياتنا بدلا من السماح لها بالتحكم بنا وأن نمتلك اتزاناً عقلياً ليس عندما يكون كل شيء باسماً مشرقاً وحسب، بل في صميم المصاعب وخضم المتاعب أيضاً. إن معرفة الذات تمنحنا تلك السيادة.
رقصة الحياة والموت لا تتوقف، لكن الإنسان يمتلك المقدرة النفسية للترفع عن كل الإختبارات الحسية وعدم التأثر بتناقضات الحياة.

بإمكان الإنسان التغلب على نسبيات الحياة إن هو نظر إلى الأشياء والأحداث نظرة متوازنة.  وبذلك يُظهر طبيعته الروحية التي لا يقوى شيء على قهرها والنيل منها.

الذين توصلوا إلى هذه المرحلة من الانضباط يعيشون ملوكاً بين الأنام ويتوحدون مع المطلق اللانهائي الذي لا يخضع للتغيير والتبدّل.

ترجمة محمود عباس مسعود 
مزيد من خواطر وتعاليم المعلم برمهنسا في سويدا يوغا


No comments:

Post a Comment