Sunday, December 30, 2012

تحكم العقل بالجسم

 تحكم العقل بالجسم
للمعلم برمهنسا يوغانندا

ذات مرة أصيب أحد المعلمين بكسر في ذراعه وسمح بمعالجتها وتضميدها. وعندما أتى أحد الأثرياء لزيارته بعد فترة قصيرة من الحادث ظن التلاميذ المتوجسون خوفاً أن الزائر سيخيب ظنه لدى رؤية ذراع المعلم في حمّالة اليد. فقال المعلم للزائر: "كما ترى (شوفة عينك)! ذراعي مكسورة وأحس بالألم.. والتلاميذ يتصورون أنك لدى رؤية ذراعي المكسورة ستحسب أن الله قد تخلى عني ولم يعد يهتم بي، فلا تلق بالاً لهم."

وفي مرة أخرى كان نفس المعلم ينشد لله في حالة نشوانية سامية عندما سقط على كومة قريبة من الفحم المتوهج، ومع ذلك واصل غناءه. وعندما رفعه التلاميذ وجدوا أن بعض الفحم الحي قد التصق بظهره ويشوي لحمه، فذعروا من ذلك المشهد المريع، لكن المعلم ابتسم وقال بهدوء "طيب انتزعوا الفحمات بدلاً من كل هذا الارتباك!" ولم يشتكِ من أي ألم. ذلك هو الترفع العقلي الذي يثبته المعلمون. وفي هذه المناسبة برهن المعلم أنه كان بالفعل فوق الألم. أما في المناسبة الأولى فقد أظهر أنه كان متأثراً بالألم لكنه احتمله بصبر وتواضع.
يجب اتخاذ موقف حازم من الجسد ومتطلباته. تقول الأسفار المقدسة أن أفكار الحرارة والبرودة واللذة والألم تنجم عن ملامسة الحواس لمولـّدات تلك الأفكار أو الإحساسات. لكن تلك الأفكار والإحساسات محدودة ببداية ونهاية. إنها عابرة زائلة في طبيعتها فينبغي احتمالها بصبر وأناة. لماذا التأثر بقليل من البرودة أو الألم. يجب تنمية شجاعة نفسية أكبر بتهذيب العقل على التحمل إلى أن يتمكن أخيراً من الترفع عن كل ضروب الألم والمتاعب الأخرى.

الجسد هو مجرد قفص مكسو باللحم، به يعيش طائر الحياة لفترة زمنية محدودة. الحياة بذاتها متحررة تماماً من الجسد، لكن الحياة أصبحت مرتبطة ومقترنة بحالات الجسد المحدودة المقيّدة، ولهذا فإنها تتألم. 

أثناء ساعات اليقظة تكون على دراية بالإحساسات الجسدية. أما أثناء النوم، عندما يكون عقلك متحرراً من الجسد لا تكون على دراية بتلك الإحساسات، بل تشعر بسلام عميق.

وكون الإنسان مخلوقاً على صورة الله فباستطاعته العيش في الجسد منفصلاً كلياً عن الإحساسات الجسدية. لكنه بدلاً من ذلك يأخذ على عاتقه حالات الجسد ويجعلها حقيقية أكثر من اللزوم. 

للتحرر من الإحساسات يجب أن يفصل الشخص نفسه عقلياً عن الجسد. لهذا ينصح القديسون بالترفع النفسي عن أحاسيس اللذة والألم معاً، وهذا لا يتم إلا بالممارسة. لقد برهنت هذه الحقيقة لذاتي وأعلم أن الحساسية المفرطة تنطوي على أضرار كثيرة. إن الاستجابة الصاغرة لمتطلبات الحواس هي علة كل ألم وشقاء. الله لم يكتب علينا التألم والمعاناة. لقد خلق المدركات الحسية كي تهدينا وتسلينا، وأرادنا ويريدنا أن نستخدم الآلة الجسدية بحكمة لا أن نرتبط بها لدرجة تجعلنا تعساء أشقياء. إن أحب إنسانٌ حيواناً أليفاً بتعلق كبير فإنه سيتجاوب مع إحساسات ذلك الحيوان، مع أنه غير مرتبط جسدياً بالجملة العصبية به. وبنفس الكيفية فإن آلامنا الجسدية ناجمة عن التعلق النفسي الكبير بالجسد.

يجب أن يحرز العقل سيادة أكبر على الجسد. رائع أن يتمكن الإنسان من العيش بقوة العقل لأن العقل يستطع فعل كل ما تطلبه منه. وما هي الطريق للإعتماد أكثر فأكثر على العقل؟ بتعويد النفس تدريجياً على الحرارة والبرودة، على النوم على فراش قاسٍ، وعلى التقليل من الإعتماد على وسائل الراحة المألوفة.

أثناء تحدثي كنت ساهياً تماماً عن درجة الحرارة المرتفعة اليوم، ولكنني لمجرد ذكر الحرارة أخذت أشعر بها.
ذات مرة كنت أحاضر في طقس حار للغاية. إضافة إلى ذلك فقد ازدادت الحرارة داخل جسمي، مثلما تزداد كلما أحاضر في الروحيات. وقال عقلي: "لا تستطيع إكمال المحاضرة دون أن تمسح وجهك الذي يتصبب عرقاً."
تحسست جيبي بحثاً عن منديل لكنني لم أجده. عندها نظرت إلى العين الروحية وأوحيت إلى عقلي: "لا يوجد حر على الإطلاق." وعلى الفور تلاشى الشعور بالحر الخانق وواصلت المحاضرة بهدوء واستمتاع ببرودة ملطفة.

مارس هذه الأشياء بنفسك وتأكد ما إذا كان ما أقوله صحيحاً أم لا. باستطاعتك مضاعفة الألم بالحساسية وتخفيفه بالتحرر العقلي. عندما يتوفى عزيز علينا فبدلا من الحزن المفرط يجب أن نتيقن أنه ذهب إلى مستوى أرقى تلبية للإرادة الإلهية وأن الله يعلم ما هو أفضل له. يجب أن نشكر الله على تحريره ونبعث له بأفكار المحبة والأماني الطيبة سائلين الله أن يتقبله ويبسط عليه رحمته ورضوانه في دار الخلود حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. 

من الطبيعي أن نفقد أحبّاءنا المفارقين وإلا لما كنا بشراً. لكن مشاعر الحزن تؤثر بهم سلباً وتبقيهم أقرب إلى المستوى الأرضي من السماوي. الكآبة المفرطة تمنع النفس المفارقة من التقدم نحو سلام أعظم وحرية أكبر.

ترجمة محمود عباس مسعود 
مزيد من خواطر وتعاليم المعلم برمهنسا في سويدا يوغا


No comments:

Post a Comment