Sunday, December 30, 2012

السيطرة على الحواس

السيطرة على الحواس
المعلم برمهنسا يوغانندا

منذ سنين كان الطقس حاراً للغاية، والكل كانوا يلهثون. وعن طريق الترابط العقلي انتقلت إليّ مضايقاتهم بحيث لم أتمكن من تركيز الفكر وكتابة بعض المقالات. ثم عنفت نفسي قائلاً "لمَ كل هذا؟" وصليت لله:
"يا رب إن نفس الكهرباء تصنع الحرارة في الفرن والجليد في الثلاجة. فالطقس معتدل!"

وعلى الفور أصبح الجو لطيفاً بالنسبة لي كما لو أن طبقة من الثلج أحاطت بجسمي، وأخذت أشعر بإلهام عظيم وكتبت دون أية صعوبة.

في مرة أخرى منذ سنين، كنت أقوم برحلة عبر الولايات في سيارة تجوال مكشوفة بصحبة مجموعة من الشباب من طلاب معرفة الذات، وكان أحدهم سكرتيري. هو وأنا نمنا في السيارة وتقاسمنا بطانية صغيرة. الليل كان قارساً لدرجة التجمد. فعندما غطيّت في نوم عميق سَحبَ عني الغطاء، وعندما استيقظت جزئياً سحبت البطانية عنه بصورة لا شعورية! هذا استمر لبعض الوقت. من ثم قال عقلي: "لماذا تتصرف بهذه الكيفية؟ كل شيء تمام. إنك دافئ!" 

عندئذ ألقيت البطانية عني ثم جلست ورحت أتأمل فأصبح جسمي كالرغيف الساخن. أما التلاميذ فلدى استيقاظهم بعد ساعتين وهم يرتجفون من البرد وجدوني عديم الحركة. لقد كنت مستغرقاً في النشوة المقدسة، فظنوا أني قد فارقت الحياة وأيقظوني من الإنخطاف الروحي بصراخهم، لكنني ابتسمت وقلت: "لمَ كل هذا الضجيج يا شباب؟ هيا بنا نواصل رحلتنا." فاحتجوا قائلين: "لقد كنت جالساً في الزمهرير والبرد المرير دون معطف أو حِرام!" ومع ذلك لم أصب بالزكام. وأنا الوحيد الذي كنت دافئاً!

ما ينبغي عمله هو تدريب العقل كي يصبح أكثر إيجابية. فإن صممتَ على أنك لن تصاب بالبرد أو الزكام تصبح احتمالية إصابتك بالزكام قليلة. كما ينبغي تدريب العقل أيضاً للتغلب على الألم. الحساسية العقلية تضخم الألم، وتضخيم الألم معناه تناسي صورة الله في النفس.. تلك الصورة المقدسة التي لا تـُقهر أبدا.

قال حكماء الهند القدامى أن كل العادات يبتدئ تكوينها في الإنسان في سن الثالثة. ومن العسير جداً تغيير تلك العادات بعد أن تكون قد رسخت وتجذرت في تربة الوعي.  فإن كانت أسرتك وبيئتك قد خلقتا في عقلك ما تحبه وما تكرهه فقد تلازمك تلك الإنطباعات مدى الحياة. إن أول ما تعلمته من مرشدي الحكيم سري يوكتسوار هو التغلب على الأهواء النفسية فيما يتعلق بالإحساسات. فعندما ذهبت إليه لأول مرة قصد التدريب كنت أصاب بالزكام إن لم أستعمل بطانية دافئة في الطقس البارد. لكن معلمي علمني كيف أستعمل قوة العقل للتغلب على تلك الفكرة. ونتيجة لذلك تحررت من التعرض للزكام الذي رافقني منذ الطفولة ولغاية الحصول على تدريب المعلم!
بعض الناس يقولون أنه يتوجب علينا الإعتماد على العقل فقط. آخرون يعتقدون أنه ينبغي لنا إشباع الحواس. كلتا الحالتين متطرفتان.

طبقاً لإحدى النظريات يستحسن الحصول على فحص طبي بانتظام للتأكد من صحة وسلامة الجسم، تماماً كفحص السيارة من حين إلى آخر. هذا أمر منطقي. لكن الإنسان ليس آلة. فإن كانت حالتك النفسية الصحيحة تتوقف على حالة الجسد فعاجلاً أم آجلاً سيصبح العقل رهينة لمتطلبات الجسد بحيث لا تنفع أنواع وكميات الأدوية ووسائل العلاج الجسدي الأخرى. هذا يفسر إصابتنا بالأمراض المستعصية. لقد أصبح الوهن الجسدي مستحكماً لأن العقل رفض أن يكون سيد الجسد.

من الأفضل التزام الإعتدال في البداية.  فإن أصبتَ بجرح طفيف ضع قليلاً من اليود عليه ولكن لا تعتمد اعتماداً كلياً على الدواء. اتخذ الإحتياطات المعقولة المناسبة إلى أن تستطيع الإعتماد تدريجياًً أكثر فأكثر على العقل.  المعلمون العظام أنفسهم استخدموا الأدوية المصنوعة أصلاً من أعشاب ومواد كيماوية خلقها الله. الأدوية والعقاقير ليست ضرورية للمعلم الروحي، لكن لكي يبرهن أن قوة الله تعمل في طرق لا تحصى فقد يختار أحياناً استخدام بعض المستحضرات الطبية. وعلى أية حال فإن الظـَفر يكمن في قوة العقل. فعندما تتوصل إلى القناعة التامة بأنه يمكنك الإستغناء عن كل الأدوية  دون أي تأثير سيء تنتصر وتكتب لك السيادة على الجسد.

ترجمة محمود عباس مسعود 
مزيد من خواطر وتعاليم المعلم برمهنسا في سويدا يوغا


No comments:

Post a Comment