Sunday, December 30, 2012

الألم واللذة من صنع العقل

الألم واللذة كلاهما من صنع العقل

للمعلم برمهنسا يوغانندا 

الدماغ هو الجهاز الحساس للعقل، وكل إحساسات الجسد تـُنقل إلى العقل عن طريق الأعصاب والدماغ. وكون العقل مقترناً بالدماغ فإنه يستقبل تلك الإحساسات ويفسّرها. العقل القوي بفعل التفكير الإيجابي هو قليل التأثر بإحساسات اللذة والألم. إنه على دراية بتلك الإحساسات لكنه ليس مقيداً بها
 
لقد مُنح الإنسان الحساسية بغية حماية الجسد. فبدون الشعور قد يصاب الشخص بجرح بالغ أو حرق خطير دون أن يعرف ذلك. الحيوانات لم تنمِّ هذه المقدرة التي يتمتع بها الإنسان ولذلك فإن إحساسها بالألم أقل، وإلاّ لكانت الفظاعة التي تمارس على الحيوانات باستخدام بعض أساليب القتل والذبح لا تطاق. السرطان البحري يُلقى في الماء الحار، عند درجة الغليان، وهو حيّ! 

ولأن الألم واللذة كليهما من صنع العقل، فالألم الجسدي يمكن تخفيفه بممارسة ضبط العقل. عندها يستطيع الشخص أن يختبر إحساساً كمؤشر لوجود حالة غير طبيعية، دون الشعور بالألم. البهاغافاد غيتا تعالج الموضوع بتعمق أكبر. ففرط الحساسية سواء للذة أو الألم يقوّي مفعولهما، بينما الحساسية المخففة تجعل الشخص أقل تأثراً بالألم وأقل خضوعاً واستعباداً للملذات الحسية. لقد درّبتُ جسمي وعقلي كي يصبحا أقل حساسية للمؤثرات فوجدت نفسي متحرراً من المشوشات الحسية. ذلك التدريب هو الطريق للتحرر من قبضة الحواس ومتطلباتها التي لا تنتهي.

أحد الأطباء كان يتمتع بمثل هذه القوة العقلية بحيث تمكن من إجراء عملية جراحية خطيرة على نفسه! طبعاً هذا غير ممكن بالنسبة للعقل المستعبد للتعلقات الجسدية. لكن بالتدريب يمكن أن يصبح العقل قوياً جباراً. فكلما درّب وهذب الإنسانُ عقله كلما تمكن من التحكم به. إن الطفل المدلل أو (المدلـّع) يتألم جداً لمجرد أذى طفيف يلمّ به، في حين قلماً ينكمش الطفل المدرّب على التحمل والجلـَد أو ينكص ألماً أمام إصابات خطيرة.

ومن هذه الناحية فإن منهاج التدريب الذي يقول به معلمو الهند العظام يختلف كلياً عن نظيره الذي يُدرَّس في الغرب. معلمو الهند الروحيون يدربون تلاميذهم على تحرير أنفسهم تحريراً تاماً من الإستعباد للجسد وإحساساته. إن وسائل الراحة المستنبطة في الغرب تشجع على تدليل الجسد، ونتيجة لذلك فإن الجهد المبذول في تنمية القدرات العقلية هو ضئيل وهزيل للغاية. في الهند نتعلم (في صوامع مرشدينا) كيفية القضاء على سلطة الحواس في مهدها حتى لا نصبح عبيداً لها. في مدرستي في مدينة رانشي بولاية بيهار كنا نجعل الصغار ينامون أحياناً على حصائر صغيرة على الأرض القاسية، فنشأوا أصحاء أقوياء جسدياً وعقلياً. 

الغربيون متعودون على وسائل خارجية عديدة من أجل الراحة والنوم المريح. في الهند كنا نجلس على الرمل الساخن قصد التأمل. وبالتدريج استطعنا الجلوس في الحر طوال اليوم، وفي البرد بالمثل. ونتيجة لهذا التدريب حصلت على مقدرة عقلية كبيرة بحيث لا يقوى شيء على تعكير وعيي أو التأثير به. عندما أفصل عقلي عن الحواس لا يزعجني شيء على الإطلاق.

ترجمة محمود عباس مسعود 
مزيد من خواطر وتعاليم المعلم برمهنسا في سويدا يوغا


No comments:

Post a Comment