Sunday, December 30, 2012

التعامل مع الحواس

التعامل مع الحواس

للمعلم برمهنسا يوغانندا

الغربيون يشددون على الراحة الجسدية.  فعندما يكون الطقس شديد الحرارة يتألم الغربي في غياب وسائل التبريد، وعندما يكون شديد البرودة يشعر بالمضايقة لعدم توفر التدفئة الاصطناعية.  لكن معلمي الهند يلقنون فلسفة ذات طابع مغاير. فهم يقولون أن الحساسية للحرارة والبرودة واللذة والألم تحدث بسبب الإيحاءات الوهمية للحواس المخادعة وبفعل تحقق الإنسان مع حواسه والاستجابة لمتطلباتها التي لا تقف عند حد.  لكن الحكيم هو الذي يفلت من قبضة الحواس ويسمو على كل الثنائيات.

العظماء لا يقترحون بأن يهذب الإنسان نفسه لدرجة إلحاق الضرر بجسمه. إنهم بالأحرى ينصحون بالتحرر الفكري من الإحساس بالحر أو البرد عندما يكون الحر أو البرد لا يطاق، وفي نفس الوقت التماس علاج منطقي لتلك الحالة.

تقول الغيتا Gita: "إن المقيَّدين بالملذات الحسية لا قدرة لهم على إحراز الإتزان العقلي اللازم للتأمل، ولا يستطيعون التوحد مع الله عن طريق نشوة الصمادهي Samadhi للغبطة الروحية.

عندما يتمكن الإنسان من عزل نفسه فكرياً عن المضايقات الحسية يجلب لنفسه السلام. وإذ يبقى عديم التأثر بالإحساسات التي تأتي وتذهب يُظهر سكينة الروح الجوهرية التي لا تتغير أبدا. وفي ذلك الوعي الثابت الراسخ يصبح واحداً مع المطلق اللانهائي الممتنع التغيير. 

إن الإستجابة الخانعة لشتى الإحساسات الجسدية تضايق العقل والنفس معاً. وإذ تضطرب النفس يفقد الإنسان طبيعته الحقة التي هي الهدوء.  الله موجود في أشد مناطق الأرض حرارة وبرودة. إنه في القطب الشمالي وفي الربع الخالي ولا يتأثر بالحالات والدرجات القصوى لخليقته الأرضية. والإنسان المخلوق على صورته يجب أن يحاول الإقتداء به في تصرفه. لقد وضعنا الله في هذا الجسد الخاضع للحرارة والبرودة واللذة والألم، لكنه يريدنا أن ننظر إلى هذه الإزدواجيات بعين الإتزان العقلي. إنه يريدنا أن نترفع عن الثنائيات على اختلافها. ويجب أن ننمي القدرة والإحتمال دونما تهوّر وعدم تبصّر.  عندما لا نستطيع تجنب درجات الحرارة أو البرودة الشديدة يجب أن نفصل العقل عنها. فكلما بذلنا مجهوداً لممارسة ذلك كلما حرر العقل ذاته بحيث لا يمكن للإحساسات غير المرغوبة التأثير سلباً على الوعي أو الشعور.

إن سطح الجلد لا يشعر بإحساسات اللمس، فتلك الإحساسات يتم اختبارها أصلا في الدماغ. لا يستطيع الشخص أن يتذوق أو يلمس أو يشم أو يسمع أو يرى إلا بواسطة العقل.  يبدو لنا أننا نختبر الطـَعم على سطح اللسان، لكن في الحقيقة الدماغ هو الذي يسجّل ذلك الطعم.  وبالمثل، عندما يصاب أحد أعضاء الجسم بأذى يكون الألم أساساً في العقل وليس في العضو المتضرر. لدينا آلتان للإحساس بالألم: العصب ومادة الدماغ النخاعية، والإحساس يحدث عندما يسمح العقل بالإتصال بين العصب والنخاع. وما لم يعترف العقل بالألم فالألم غير موجود.  ذلك هو الإكتشاف الرائع لمعلمي الهند العظماء. عندما يكون الشخص تحت تأثير الكلوروفورم أو المخدر (البنج) لا يحس بالألم لإن الإحساسات لا تصل إلى الدماغ. وفي أطراف الأعصاب توجد شعيرات دقيقة من خلالها تنتقل إحساسات الألم إلى الدماغ. المخدر يحول دون انتقال إشارات الألم تلك.

ترجمة محمود عباس مسعود 
مزيد من خواطر وتعاليم المعلم برمهنسا في سويدا يوغا

No comments:

Post a Comment