Sunday, December 30, 2012

تهذيب العقل

 تهذيب العقل
للمعلم برمهنسا يوغانندا
 
إن تعاليم اليوغا الروحية تعالج تفاصيل الحياة بدقة متناهية وتلقن الكيفية التي ينبغي بواسطتها أن يتصرف المرء تحت كل الظروف. الناس مخلوقون على صورة الله لكنهم فقدوا التواصل مع تلك الصورة المباركة وعليهم اكتشافها من جديد في باطنهم.

الذهب الصافي المطمور تحت أكداس التراب يبقى ذهباَ خالصاً ويحتفظ بكامل خواصه بالرغم من احتجابه. وللكشف عليه يجب الحفر في التربة والتنقيب عنه حتى يتم العثور عليه.  وبالمثل فإن طبقات عديدة من العادات الصلصالية والإحساسات الطينية تغطي النفس الذهبية الشريفة. هذا "الطين" هو علة مشاكل الإنسان النفسية من عصبية وخوف وحقد وحسد وعُقد نقص ونظرات خاطئة وأساس كل الصفات الذميمة الأخرى. وللتخلص من ذلك الطين المهين يجب تنمية حالة نفسية قوية ومنيعة إزاء الجسد والحواس.  التعلق بالجسد تنجم عنه مخاوف شتى. لقد تصورتُ في عقلي كل ضروب الألم وقهرتها جميعاً.

ولكي يدرك الإنسان أنه مصاغ على صورة الله النقية يجب أن يترفع عن الخوف والغضب ويقضى على الحساسية المفرطة. بعض الناس يصعب إرضاؤهم لأنهم مكبَّلون ومثقلون بعادات سطحية وتفاصيل حياتية تافهة. أما صاحب العقل القوي فبإمكانه القول: "باستطاعتي اليوم أن أنام على سرير وثير وغداً على الأرض لأنهما عندي سيّان." وقس على ذلك.  هذا الحياد النفسي يدرّب العقل ويجعله يأتمر بأوامرك وينفذ ما تطلبه منه. 

العقل أيها الأصدقاء مخادع للغاية. لكن بالتهذيب يتعلم الأدب ويحسن التصرف. عندما تقول "لا يمكنني الإستغناء عن ذلك النوع من الطعام" يردد العقل "الإستغناء عن ذلك النوع من الطعام أمرٌ مستحيل!"
ولكنكَ روحٌ أسمى من العقل. فلو قلتَ "لن أسمح لأي إنسان أو لأي شيء بأن يستعبدني" سيستجيب العقل ما دام الأمر حازماً والإيحاء قوياً.  أنت سيد العقل والجسم معاً فلا تكن خادمهما ولا ترقص على أنغامهما.
التحرر من عبودية الحس هي الطريقة الوحيدة للسلام والسعادة. ومهما تكن الأحول والظروف حاول الترفـّع عن كل الحساسيات المؤلمة واجعل نفسكَ سعيداً لأن باستطاعتك ذلك!
تقول نصوص الحكمة الشرقية:

"إن حالة السكينة النفسية التامة التي يتم بلوغها بتأمل اليوغا..
والتي بها تفرح النفس برؤية الذات العليّة ساطعة كالشمس في عز الظهيرة..
حيث تدرك وتتذوق بصيرة ُ الروح الفرحَ الأعظم..
ويبتهج اليوغي بمعرفة السر المكنون.
من يصل إلى تلك الحالة المباركة يهنئ نفسه لعثوره على كنز الكنوز..
ويظل آمناً من غدر الدهر ومفاجآت الحياة.. مطمئناً في ذاته..
تلك الحالة التي تعرف باليوغا.. هي حالة التحرر من الحزن والألم.
فطوبى لمن يسعى لبلوغها بقلب جريء وتصميم قاطع..
وهنيئاً لمن يعثر عليها ويتنعم بغبطتها التي تفوق حد الخيال..
 وتعصى على الوصف.."
والسلام عليكم.

ملاحظة إلى القارئ الكريم:
ندعوك لمعاودة قراءة هذه المواضيع الروحية مؤكدين لكَ  بأنك إن أعدت قراءتها بتمعن بحثاً عن درر الأفكار وروح المعاني فستجد في كل مرة مدركاتٍ جديدة تختلف عن سابقاتها وكأنك تقرؤها للمرة الأولى. وفي هذا تكمن أهمية هذه التعاليم ومصداقيتها. وهذا يذكرنا بالقول المأثور:
في الإعادة أكبر إفادة  It is through repetition that we learn the most  

ترجمة محمود عباس مسعود 
مزيد من خواطر وتعاليم المعلم برمهنسا في سويدا يوغا



 

No comments:

Post a Comment