Friday, July 1, 2011

برمهنسا يوغانندا: أين تكمن السعادة؟

السعادة: أين تكمن؟

المعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

مزيد من تعاليم المعلم برمهنسا يوغانندا Paramahansa Yogananda

على الرابط التالي: www.swaidayoga.com

إن الله برحمته المطلقة يمنحنا فرحه وإلهامه..

ويمنحنا الحياة الحقيقية..

والحكمة الحقيقية..

والسعادة الحقيقية..

والفهم الحقيقي من خلال كل اختبارات حياتنا المتنوعة.

لكن مجد الله لا يظهر إلا في السكينة الروحية التي تحسها النفس وفي محاولة الفكر الجادة للتناغم معه. هناك نقف وجهاً لوجه مع الحقيقة. في الخارج الأوهام قوية للغاية، وقلائل جداً هم الذين يستطيعون التخلص من تأثير البيئة الخارجية. العالم يستمر بتعقيداته اللامتناهية وتجاربه التي لا تعد ولا تحصى. إن صوت الله يكمن خلف مظاهر الحياة، ينادينا دوماً ويتحدث إلينا من الزهور والكتب المقدسة ومن ضمائرنا، ومن خلال كل الأشياء الجميلة التي تجعل الحياة جديرة بالعيش.

كلما أكثرنا من التركيز على الأشياء الخارجية كلما قلت إمكانية إحساسنا بالمجد الباطني الذي يمكننا اختباره بتذوق الغبطة الأبدية للروح الإلهي. وكلما توجهنا إلى الداخل كلما قلـّت مصاعبنا الخارجية. إنها معادلة ثابتة لا تتغير. لكن معظم الناس لا يدركون هذه الحقيقة بفعل تأثير الصحبة الدنيوية والمجتمع الذي يعيشون فيه والعادات غير السليمة. المجتمع يُبقي الشخص غارقاً ومنهمكاً في أمور سطحية دون السماح له بالتفكير في حقائق أكثر عمقاً.

وحتى الأماكن الروحية يزورها البعض دون رغبة حقيقية في الإستفادة من جوها المبارك، فلا يستفيدون شيئاً يُذكر من تلك الزيارات.

من يرغب في معاينة الله يبصره في كل مكان. عادات الإنسان السلبية سالبة ناهبة، مفترسة ضارية، تهدم وتتلف وتمحق وتبيد. لقد آن الأوان كي يتعلم الإنسان كيف يكون سعيداً، قنوعاً بما لديه. ويجب ألا يرغب في أي شيء أكثر مما يأتي إليه. الله كريم، يعرف ما يلزمنا ويزودنا به في حينه. هذا لا يعني أن نتوكل على الله دون بذل المجهود. إطلاقاً. المقصود هو أن نقوم بدورنا خير قيام ونترك الباقي على الله الذي لن يحرمنا أبداً مما نحتاجه ونستحقه.

إن أفضل طريقة لأن نكون سعداء بغير انتهاء هي الشعور بالحضور الإلهي. رغبتنا السامية يجب أن تكون معرفة الله والتصميم لكي نكون معه. يجب أن يكون لله المقام الأول والأرفع في أفكارنا وأحاسيسنا وأن نعتبره الركن الأقوى والأكثر رسوخاً في حياتنا.

(فاشدُدْ يديكَ بحبل اللهِ معتصماً

فإنه الرُّكنُ إن خانتكَ أركانُ)

لقد أدركتُ أن غاية الحياة الوحيدة هي معرفة الله. هناك أناس قد لا يكونوا مقتنعين بأن العثور على الله هي غاية الحياة. ولكن ما من أحد ينكر أن هدف الحياة هو العثور على السعادة. وأقولها بكل ثقة ويقين أن الله هو منتهى السعادة. هو النعيم العظيم. هو الحب الكوني المطلق. هو الفرح الأبدي الذي لا يفارق نفوس المتناغمين معه. فلماذا إذاً لا نحاول الحصول على تلك السعادة الكلية؟ لا يستطيع شخص آخر أن يمنحها لنا. يجب أن ننميها ونغذيها في نفوسنا على الدوام. قوى الطبيعة تحاول جاهدة وباستمرار منح الناس ملذات العالم، لكن مثل تلك المتع العابرة نهايتها الحسرة والمرارة والندامة. وحتى أوفر الناس حظاً، ممن يبدو حاصلاً على كل شيء، قد لا يكون مع ذلك سعيداً. ولن يرضى بالأرضيات طويلا لأنها لا تروي عطشه الحقيقي ولا تشبع جوعه الروحي.

الأشياء المادية تمنح سلاماً مزيفاً ورضاء كاذباً ليس أكثر. العالم بجملته غارق في مغاصات التشويش والتخبط بفعل الرغبات الأنانية الجشعة التي تخلق الحروب. لا شيء آخر يخلق الحروب.

البَطل الأعظم في معركة الحياة هو الذي يقهر نفسه ويتغلب على أهوائه. المال والشهرة والرغبات وكل ما يناقض هذا المبدأ هو ضار بسلامنا وسعادتنا. لو أن الناس يتعلمون كيف يفكرون دائماً بقيم الحياة الحقيقية لوجدوا السعادة التي ينشدونها، لكنهم ينحرفون عن قصدهم وينجرفون مع تيار الرغبات الأرضية. لقد وجدت أنه ما من إغراء يمكن أن يبعدني عن الدرب الذي اخترته وانتهجته لنفسي.

أستطيع أن أسحر الألوف بالقوة التي وهبها الله لي، لكن ذلك المسلك سيكون ضاراً بي. وعلى أية حال لا أرغب في سحر الألوف واستلاب عقولهم. أحب فقط أن أرى المريدين الصادقين الراسخين في الله. محبو الله سيتذوقون هذه الأفكار والذين يتواصل حماسهم سيشعرون ببركات الله وحضوره من خلال هذه التعاليم.

مستحيل أن يستطيع الإنسان مخادعة الله لأنه موجود خلف أفكاره مباشرة، ويعرف ما يدور في خلده وما يشتهيه. ومتى زهد بالعالم ورغب في التناغم الروحي سيأتي الله إليه. متى تأصلت تلك الرغبة في قلب الراغب يأتي الله إلى ذلك القلب ويملأه خيراً وبركة. الشيء الوحيد الذي يستحق أن يحيا الإنسان من أجله هو التوافق مع الله والحصول على رضاه. ذلك التوافق يجب أن يكون عهداً أبدياً وميثاقاً لا يُنقض (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق.)

كل واحد يرغب في الحصول على أكثر مما لدى الشخص الآخر من مال. وعندما يحصل عليه يبقى غير قانع لأنه يكتشف أن شخصاً أخر أغنى منه. الناس يعيشون في مستنقع من الشقاء من صنع أيديهم وخلق مشتهياتهم. يجب أن نرضى بما لدينا. الأشياء المادية لا تمنح السعادة بل كثيراً ما تضاعف هواجس الإنسان وتزيده قلقاً وتحسباً.

الطريق إلى الله هو أبسط وأسهل الطرق، ومع ذلك فقلائل هم الذين يسيرون عليه بالرغم من الطقوس والشكليات الدينية العديدة. من الأفضل أن نتوجه بقلوبنا إلى الله ونطلب منه ما هو أفضل لنا وأبقى. في الحقيقة أن الله بانتظارنا لأنه يريد أن يبعدنا عن بؤر الشر ومطبّات الخطر. يريدنا معه في قلوبنا وأفكارنا لأن بضاعة الدنيا الرخيصة لا تشبع حنين الإنسان ولا تسد الفراغ الروحي الذي يحسه في أعماقه. إن الله يتحدث إلينا على الدوام ولكن قلائل هم الذين يسمعون صوته. ذلك الصوت الهادئ غالباً ما يطغى عليه زعيق الأفكار الصاخبة والمشتهيات الصارخة. لكن عندما تهدأ الأفكار وتهجع الرغبات نسمع صوت الله بكل جلاء بالرغم من كونه صامتاً خافتاً. حقاً أن الله يفعل كل شيء لمساعدة الإنسان، يفتح أمامه الأبواب ويضيء دروبه ليتبين مواقع خطواته فلا يعثر ولا تزل قدمه ولكن أكثر الناس لا يدركون هذه الحقيقة.

لا أريد أن يظن الناس أن بمقدورهم بلوغ المعرفة بمجرد الإصغاء إلى الآخرين أو مطالعة الكتب. يجب أن يطبّقوا ما يقرؤونه ويسمعونه. الذهاب إلى أماكن العبادة أفضل من البقاء في البيت والإستماع إلى الثرثرة العقيمة. لكن حتى في أماكن العبادة يجب أن يشعر الإنسان بحضور الله في قلبه، ويجب أن يعرف الطريقة التي بواسطتها يمكنه ملامسة حضوره. الثورات العاطفة والتحليلات العقلانية لا يمكن أن تمنحنا المعرفة التي تحن نفوسنا لاكتسابها.

عندما نسلم أنفسنا لله ونودّع الرغبات الأنانية.. وعندما نتيقن أن الله معنا على الدوام، يسكن أرواحنا ويلهمنا الأفكار والمشاعر الطيبة النبيلة سنمتلك السعادة والحرية وسنعاين شروق شمس الحكمة في أفق الروح.

تصوروا! بعد عشرات السنين من الآن سيصبح وجودنا هذا حلماً، وكل ما نفعله الآن سيصبح جزءاً من ذلك الحلم. وحتى عظماء الإنسانية أصبحوا خيالاً في وعي البشرية. لكن أولئك العظماء نالوا الأرب لأنهم بلغوا الغاية القصوى وما زالوا أحياء بالروح وهم على دراية حية وواعية بكل ما يحدث لأنهم متوحدون في الوعي الإلهي. وكل من يحاول التناغم معهم من خلال أفكارهم وتعاليمهم سيحس حتماً بحضورهم ويستجلب بركاتهم وسيعلم في قرارة نفسه أنه على تواصل فعلي معهم.

الحياة حلم كبير. ومع ذلك فعندما تنظر إلى جسمك الآن وتجده نابضاً بالحياة تتولد لديك قناعة تامة بحقيقة هذا الحلم. تظن أنه ينبغي لك الحصول على هذا الشيء أو ذاك حتى تصبح سعيدا. لكن مهما تحققت رغباتك لن تعثر على السعادة من خلالها. كلما زادت مكتسبات المرء زادت رغبته في الحصول على المزيد. يجب غربلة المشتهيات وتبسيط الحياة إن أراد الإنسان أن يحيا براحة وطمأنينة ورضاء باطني.

تقول الأسفار المقدسة أن الذي تنساب رغباته دوماً نحو الداخل (باتجاه روحه) هو إنسان على درجة عالية من الرضاء النفسي. وهو في ذلك يشبه البحر الذي لا يتغير ولا ينقص، بل يبقى زاخراً بالمياه التي تنساب إليه دون انقطاع. أما الذي يُحدث ثقوباً من الرغبات في صهريج سلامه ويسمح للمياه الحيوية بالتسرب والهدر لا يعرف شيئاً عن السلام الروحي والسعادة الباطنية.

إننا بحاجة إلى التوجيه من العارفين بالله الذين لهم القدرة على التواصل معه والإحساس الواعي بحضوره. لقد طلب منا الأنبياء كي نطلب الله في السكينة الباطنية، في خلوات النفس حيث الروح الأمين والفرح الروحي الفائق. معلمو الهند المستنيرون يؤيدون أيضاً هذه الأفكار ويؤكدون على أهمية التأمل العميق لإدراك الذات العلية في أعماق النفس.

كل ما في الوجود هو اهتزاز موجيّ موجّهٌ بعقل الله. وذلك الإهتزاز الموهوب بالذكاء هو الروح القدس أو الروح الأمين الذي يمكن التواصل معه عن طريق الدعاء والتأمل.

في سكون روحك وفي خميلة تركيزك العقلي لا نهاية لحكاية الغرام مع المطلق اللانهائي. لكن من الصعب الحصول على الله إن سعينا وراء المال أولا. يجب أن نجعل الله جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وعندها سنحصل على كل ما نحتاجه في هذه الحياة. من يجعل لله مكاناً دائماً في قلبه يجعل الله نصيبه وافراً من خيرات الأرض والسماء ويفتح أمامه آفاقاً واسعة تسطع فيها شموس الحكمة فتنير دروبه وتبدد الظلام من حوله. الله هو المحب الأبدي ولا سعادة للإنسان إلا عندما يحب الله كمحبته – على الأقل - لأعز الناس لديه، لأن لولا الله لما عرفنا ماهية الحب ولا تذوقنا طعمه.

يجب أن نتعلم استخدام الإرادة وتركيز العقل من أجل البحث عن الله بمجامع الفؤاد. أفعال الإنسان تفرضها رغباته. وتلك العادات تضطره دوماً لفعل ما لا يريد أن يفعله. حقاً إن الإنسان عدو نفسه ولا يعرف ذلك. هو لا يعرف كيف يجلس بهدوء، ولا يخصص وقتاً لله، ومع ذلك يريد أن يحصل على السعادة ويضمن وصوله إلى الجنة دون إبطاء. لا يمكن الحصول على الإختبار المقدس بقراءة الكتب فقط، أو الإصغاء للمواعظ أو القيام بالأعمال الخيرية وحسب. هذه كلها نافعة ولا شك لكنها غير كافية. الوصول إلى الله يلزمه تركيز دقيق وتأمل عميق.

يجب أن ننشد رضاء الله أولا. لا يمكننا إرضاء الجميع لأن ذلك أمر مستحيل. إنني أحاول أن لا أزعج أحداً. أعمل ما بوسعي وهذا كل ما أستطيع أن أفعله. غايتي الوحيدة هي مرضاة الله. أستعملُ يديَّ لأبتهل بخشوع أمامه، وقدميَّ لأبحث عنه في كل مكان، وعقلي لأفكر به وأتأمل روائعه. يجب أن يحتل الله المقام الأول في قلوبنا حتى نتمكن من الإحساس به سلاماً ومحبة وفهماً ولطفاً وتعاطفاً وحكمة. هذا لا سواه ما أتيت لأشهد به وأحدثكم عنه.

إضافة إلى التأمل ينبغي الإحتفاظ بالصحبة الطيبة. يجب أن لا نركض وراء الناس بل وراء الله. وإن كنت تجد فائدة من هذه الأفكار فاعتبرها بركة من الله لأن الفضل كل الفضل يعود إليه، وتحدث عنها للآخرين لعلهم يجدون فيها ما تجده. (وأما بنعمة ربك فحدّث.) ولا تنسَ أن تساعد أحداً كل يوم على قدر طاقتك. ما دام في جيبي مال لا أكف عن العطاء، لأن بنكي لا ينفد ولا ينضب معينه هو الله.

أخيراً يجب أن نعرف الله مثلما عرفه العظماء. ذلك مستطاع عن طريق التأمل والمجهود الشخصي.

ذات مرة كنت أتمشى خارج الصومعة مفكراً بمعلمي العظيم سري يوكتسوار الذي كان قد فارق الحياة قبل ذلك ببضع سنين. شعرت بشوق غامر له وحزنت لأنه لم يكن معي ليستمتع بجمال الصومعة وجوّها، وفجأة تراءى لي من السماء وقال: "أتظن أنك الوحيد المستمتع بهذا المكان الجميل؟ فأنا أيضاً أستمتع به مثلك!"

يجب أن يجتهد المريد الراغب للتوحد مع الله عن طريق الممارسة اليومية للتأمل ومحبته ومحبة الجميع بتلك المحبة. تلك هي الطريقة الوحيدة لتلافي الحروب. التعاون الروحي مطلوب. بدون الروحانية الحقة لا توجد سعادة فردية أو عالمية. التناغم المقدس هو الحل الوحيد لكل المشكلات الجسدية والمالية والزوجية والخلقية والروحية.

السعادة تأتي من الإحساس بقرب الله. لقد سجن الإنسان نفسه خلف قضبان الجهل وآن له أن يتحرر من هذا السجن المهين. يجب أن يبقى الفكر دائم التوجّه إلى الله مهما كانت الظروف، وعندها ستشعر بسلام وفرح عظيمين.

إن الذين يتشوقون لله ويكرّسون كيانهم له، ويشجعون وينوّرون بعضهم بعضا، ويلهجون بذكر الله دوماً هم السعداء في هذه الدنيا وهم الفائزون بنعيم الآخرة.

والسلام عليكم.

وليس آخرا..

نأمل أيها القارئ الكريم أن تجد متعة وفائدة

في هذه المواضيع الروحية

التي يسعدنا أن نواصل ترجمتها لك لأننا نشعر بالقرب منك

وبالرغبة في التواصل الروحي معك

أينما كنت في أرض الله الواسعة.

مع المحبة والدعاء بالخير.

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment