Sunday, July 3, 2011

برمهنسا يوغانندا: مشاهد ورؤية

مشاهد من الهند ورؤية

المعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

الهند هي صورة مصغرة عن العالم في كل شيء. فهي بلد كل الأجواء والمناخات والأديان والأعمال والفنون والشعوب والمناظر واللغات والثقافات على اختلافها.

الحضارة الهندية تعود إلى آلاف السنين، وقد ترك حكامها وحكماؤها ومرشدوها سجلات تشهد بوجود وأصالة الحضارة الآرية في بلاد الهند والسند.

الكثير من السياح الأوروبيين يزورون الهند ويشاهدون في شوارعها بعض السحرة وبالعي السيوف والحواة من مروضي الأفاعي فيظنون أن هذا أفضل ما يمكن أن تقدمه الهند، غير مدركين أن هؤلاء لا يمثلون الهند. إن حياة الهند الحقيقية وحيويتها تكمن في ثقافتها الروحية التي جعلتها بوتقة الأديان والمعتقدات من عصور سحيقة.

صحيح أن الغرب باستطاعته تعليم الهند الكثير من الطرق الصحية وأساليب ومبادئ التجارة وتنمية وتطوير الموارد الطبيعية والبشرية. وصحيح أن الهند بحاجة إلى أرباب عمل عباقرة من أمثال هنري فورد وتوماس أديسون، لكن العالم الغربي هو أيضا ظمآن شعورياً أو لاشعورياً وبحاجة إلى الدروس الروحية العملية التي تخصصت بها الهند على مر العصور.

لقد تقدم العلم كثيرا في المدن الغربية وخطا خطوات واسعة وحثيثة بحيث أصبحت احتياجات الإنسان المادية من مأوى ومأكل وملبس متوفرة ومتاحة دون كبير عناء. لكن الراحة الفيزيقية والمادية دون الراحة النفسية والسلام والعزاء الروحي لا تكفي.

وتراث الهند الأعظم والأغنى يكمن في الوسائل والطرق الروحية التي اكتشفها علماء الروح الهنود من ذوي الرؤى والحكماء المتنورين على مدى القرون. ذلك التراث ساهم ويساهم بثقافة الإنسان الروحية العلمية.

الهند هي بلاد الأسرار، لكنها أسرار لا تفتح قلبها إلا للمتعاطفين معها، الباحثين عن الحقيقة بجد وإخلاص.

الهند تمتلك أعلى وأروع جبال الدنيا: الهملايا. أما دارجيلنغ في شمال الهند فهي سويسرا الهند من حيث الجمال الطبيعي الأخاذ. وتمتلك أطلالا قديمة لقلاع وحصون فريدة ولقصور الأمراء في دلهي، مثلما تمتلك نهر الغانج العريض ومرتفعات الهملايا حيث كهوف وخلوات التأمل على نور الله وحكمته.

وتفخر مدينة أغرا في الهند بأحد روائع الدنيا ألا وهو صرح التاج محل ذروة الفن المعماري وأجمل أحلام البشر المجسدة في الرخام الصقيل والمرمر البديع تخليدا للحب البشري.

وفي الهند أيضا غابات داكنة وأحراش كثيفة حيث تصول النمور والأسود، كما تتمتع الهند بسماء زرقاء تزداد روعة وجمالا عند الأصيل حيث تتحول أشعة الشمس إلى كتلة من اللهب البرتقالي المشتعل.

وفي الهند أيضا صنوف وألوان لا حصر لها من الفواكه والخضروات الشرقية وأجناس عديدة من البشر، وكلها تتضافر لتجعل من الهند بوتقة مدهشة عجيبة رائعة تعصى على النسيان.

الهند هي أرض التناقضات الكبرى، حيث الغنى الفاحش والفقر المدقع، وحيث ذروة النقاء العقلي والحياة العادية الخشنة. في الهند سيارات الرولز رويس والعربات التي تجرها الثيران، مثلما فيها الفيلة ذات الهوادج المزخرفة والعربات الفخمة التي تجرها الخيول المطهمة.

في شمال الهند نجد أناساً ذوي عيون زرقاء وشعور شقراء، أما في الجنوب الأكثر حرارة فنبصر البشرات السمراء التي لوحتها حرارة الشمس الاستوائية.

فمن البداية وحتى النهاية نجد أن الهند هي بالفعل بلد المفاجآت والتناقضات. الحياة تصبح مملة إن هي سارت على وتيرة واحدة. أما في الهند فيشعر الشخص أن الحياة مغامرة كبرى ذات مفاجآت وأسرار لم تخطر على البال من قبل.

قد لا تمتلك الهند ناطحات سحاب مادية ولا وسائل ترف وترفيه عصرية زائدة ترهق الأعصاب الروحية.

صحيح أن للهند عيوبها كما لكل الأمم عيوبها..

لكن الهند تمتلك ناطحات سحاب روحية: عمالقة روح يتحلون بالتواضع والواقعية وباستطاعتهم تعليم إخوتهم في الإنسانية كيفية استخلاص الفرح الروحي الكامل من أي ظرف من ظروف الحياة.

وهؤلاء الصوفيون ذوو الأسس العلمية الذين عرفوا الحق والحقيقة بجهودهم وتجربتهم الذاتية يمكنهم مساعدة الآخرين على تطوير بصيرتهم واستخراج مياه السلام والرضاء المنعشة من تربة حياتهم اليومية.

رؤية أثيرية عند الغروب

يصف المعلم الحكيم برمهنسا رؤيته على النحو التالي:

من شرفتي رنوت ببصري نحو الغرب، فانطلقتُ على أجنحة الخيال ووقفت على شواطئ الأفق البعيد. وقد أبصرت عن يميني وشمالي سلسلتين من الجبال ما لبثتا أن تحولتا إلى لون بنفسجي غامض. وعندما أعدت النظر إليهما كانت يد خفية قد غلفتهما بغلالة من اللون الأزرق الغامق. وكانت تقبع خلفي مدينة وادي الحجارة Guadalajara المغمورة بشفق الغروب. أما السماء الشرقية فقد باتت موشحة بألوان وردية خفيفة. وإذ تطلعت إلى الأمام أبصرتْ عيناي مدينة سحرية من الجـُزر الزرقاء السابحة في بحيرة من ذهب.

وفي أرخبيل الجـُزر الزرقاء السحرية هذا برزت تلة ضخمة من الكلس الأزرق كانت تحيط بها سحب بركانية بلون أبيض رمادي وهي تقذف فوارات من حمم بلون الذهب الأحمر الوهاج، تتساقط مائلة كقوس قزح نحو البحيرة الساكنة. أما اللهب الذهبي الكثيف فقد أحاط الجزر الزرقاء بهالات ضوئية مشتعلة.

القمة الزرقاء وتاجها اللهبي انعكسا كتوأمين على صفحة تلك البحيرة الذهبية الصامتة. وإلى أقصى اليمين كانت بحيرة هادئة صغيرة مشعشعة وقد توسدت صدر إحدى الجـُزر الزرقاء كالبدر السابح وسط أمواج الغيوم.

لقد تجولتُ طويلا في مدينة الغروب والغيوم السرابية، عائماً على سطح البحيرة ذات الضوء الذهبي الرقيق. ويا لروعة تلك المياه الذهبية المرصعة بعناقيد الجليد الحمراء المنتشرة في كل اتجاه حتى حافة الأبدية.

خِلتُ أن حوريات صغيرة من النور كانت أرواحاً طيبة على هذه الأرض، وبعد اجتيازها بنجاح كل امتحانات الحياة سُمح لها كي تمرح وتجسد أحلامها حسبما شاءت. كل يوم عند ساعة الغروب كانت تلك الحوريات تكثف أحلامها السماوية في مدن أثيرية تحيط بها بحور وبحيرات من ذهب. هناك وخلف قبضة الأحزان وما وراء مصائد هذا العالم الأرضي بما فيه من مآس وآلام.. هناك ما وراء المنغصات كانت تلك الكائنات تتنفس أضواءً حمراء وتشرب أشعة برتقالية وتنأى وتدنو وتسرح وتسبح في خضم أنوار متعددة الألوان.

هنا كانت تلك الحوريات تحقق أحلامها وتجسد خيالاتها على الفور مثلما تريد، ثم تذيبها وتلاشيها بإرادتها.

هنا كانت تنعم تلك الكائنات بكنوز القناعة والرضى وتجود بتحقيق أحلام كل من يزورها في عالمها السحري العجيب.

هنا لم يحتم عليها الإنتظار والتمني كالبشر كي تتحقق أحلامها وتدرك أمانيها، بل حلمت كما شاءت وحققت كل تلك الأحلام والأماني بمحض إرادتها.

مدينة الغروب تلك في جزر الأحلام كانت حلماً من أحلامي المتناومة في طيات اللاشعور وقد تحقق اليوم أيما تحقيق. حقاً لقد أبصرتُ كنوز روحي الدفينة وذخائرها المخبئة فغمرني نورها وبهرني سطوعها!

والسلام عليكم

تفضلوا بزيارة موقع السويداء يوغا www.swaidayoga.com

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة


ملاحظة: إسم المعلم برمهنسا يوغانندا يكتب أحيانا برمهنسا يوجانندا أو برمهنسا يوجنندا أو باراماهانسا يوجانندا

No comments:

Post a Comment