Friday, July 1, 2011

برمهنسا يوغانندا - تنمية الذاكرة

الذاكرة: تعريف وتنمية

المعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

مزيد من تعاليم المعلم برمهنسا يوغانندا Paramahansa Yogananda

على الرابط التالي:

www.swaidayoga.com

البشر كائناتٌ فريدة بفضل مَلـَكة الذاكرة التي تميّزهم عن سواهم من المخلوقات الأخرى. كل نفس تتوق للبحث عن منشئها الإلهي بكيفية تلقائية عن طريق التذكر اللاشعوري لأصلها المقدس. وهذا يفسر النشوء التصاعدي لكل ما في الكون. وتماشياً مع الخطة الإلهية فإن كل نفس لدى حصولها على جسم بشري – بما فيه من دماغ متطور وجملة عصبية – تمتلك أخيراً الوسائط التي تمكنها من التذكر الواعي لوحدتها الجوهرية مع الذات الإلهية.

الذاكرة هي تلك القدرة التي بواسطتها نستعيد اختباراتنا ذهنياً، ولولاها لنسينا إدراكنا للحياة ولتحتم علينا البدء من جديد كل يوم، تماماً كالأطفال الصغار. الشخص الذي فقد عقله وبالتالي ذاكرته يتصرف تصرف الأطفال.

ليس هناك من قيمة أو أهمية لحصولنا على اختبارات إن نحن عجزنا عن أن نتذكرها ونحياها ثانية. إننا نتعلم بفحص أفكارنا ومشاعرنا وبواعثنا وبتحليلنا لتصرفاتنا السابقة. وفي الذاكرة السليمة تكمن قيمة الإنسان وتبرز أهميته.

"سامي" على سبيل المثال يتذكر أنه سامي كل صباح لدى استيقاظه، ومن خلال التذكـّر يربط اختبارات حياته مع الإسم سامي.

فعندما نرغب باستذكار أي اختبار حصل لنا، أو عندما نحتاج إليه ثانية نستطيع استحضاره بالقدرة العقلية اللاشعورية. وبتذكـّر ما فعلناه أو ما حصل لنا سابقاً نستطيع إنجاز أي عمل يتطلب مهارة، كنا قد تعلمناه أو زاولناه من قبل. كما يمكننا أن نميّز بين ما ينبغي أن نفعله أو نتجنبه بحسب مقتضى الحال.

العقل الباطن أو اللاشعوري هو دائم اليقظة، يسجل كل اختبارات الشخص أثناء النهار ويظل يعمل حتى أثناء النوم، معتنياً بالجسد كما لو كان حارسَ ليل. ولدى الإستيقاظ يعرف الشخص دوماً إن كان نومه هادئاً مريحاً أو غير ذلك. فقوة ذاكرة العقل الباطن هي إحدى قدرات الوعي الإلهي الدائم اليقظة والمغبوط بالذات.

وبذرة ذلك الوعي مغروسة في كل نفس، لأن النفس تدرك بطبيعة ذاتها أنها تحيا للأبد في الله. الذاكرة هي بذرة الخلود التي إن عملنا على تنميتها وتطويرها نستطيع أن نتذكر كل أحداث هذه الحياة وحيواتنا السابقة أيضاً.

باستطاعتنا – كبشر – أن نتذكر كل الاختبارات التي حصلت لنا في هذه الحياة. فلماذا لا نتذكر كل الاختبارات الروحية التي حصلت للنفس؟

للذاكرة طبيعتان: الذاكرة البشرية التي تستعيد كل اختبارات هذه الحياة، والذاكرة المقدسة التي تسترجع اختبارات النفس عبر كل تجسداتها. معظم الناس على دراية بالذاكرة البشرية فقط.

ولكن لماذا ذاكرتنا المقدسة راقدة راكدة وغارقة في سبات عميق؟

بعض الناس يمتلكون المقدرة على تذكـّر تجارب شتى: بشرية وروحية. آخرون لا يستطيعون أن يذكروا بجلاء حتى تجاربهم الحديثة العهد.

للذاكرة مراتب ودرجات طبقاً لقدرة العقل على الإستيعاب. التربية وتركيز الذهن والتأمل وكل الإختبارات الجديرة بالتذكر هي ضرورية لتنمية الذاكرة الجيدة. إذ بدون تنمية الذاكرة لا يتسنى للإنسان أن يحصل على ثقافة غنية ومتكاملة. فإن حصل للواحد اختبار ثم نسيه بعد ذلك فإنه يفقد قيمة وأهمية ذلك الإختبار.

وبتحسين نوعية الذاكرة يمكننا تقويتها لدرجة تكفي لتذكر كل الأشياء، بما في ذلك أصلنا السماوي. وبإيقاظ الذاكرة المقدسة – بحيث نستطيع تذكـّر كل اختبارات تجسداتنا السابقة، وأيضاً طبيعتنا الروحية الخالدة – نبلغ الخلود.

الجلوس الصحيح والتمارين الجسدية الملائمة نافعة في تنمية قوة الذاكرة. في هذا العصر حيث تمت الإستعاضة عن العمل اليدوي بالآلات في شتى الوظائف وفروع الحياة أصبح الإنسان مترهلاً متراخياً وفي أمس الحاجة للتمرين المنتظم. ولذلك استـُنبطت الوسائل الآلية للتمرين داخل البيوت والمباني.

عند القيام بالتمارين الرياضية من الضروري تركيز العقل على الطاقة الحيوية من أجل الحصول على أكبر فائدة. يجب عدم الإكتفاء بمطـّ العضلات وتوتيرها بل العمل على أيقاظ وتوجيه قوة الحياة التي تمد الجسم بالمقدرة والنشاط.

هناك بعض الأغذية المناسبة للدماغ وأخرى للعضل والعصب وللتكوين البدني وصيانة أعضاء وأجزاء مختلفة من الجسم. ولتنمية الذاكرة ينبغي تناول أطعمة تضاعف قوة الدماغ. فتناول الجوز واللوز المطحون والممزوج ببعض قطرات من عصير الليمون الأخضر أو عصير البرتقال قبل النوم يزيد من قدرة الدماغ على التذكر.

يقول اليوغيون أن الحليب والجبن هما أيضاً من المغذيات الدماغية، كما يقترحون في أوقات الإرهاق والقلق النفسي شرب مزيج من عصير ليمونة خضراء (أو اثنتين) في كأس ماء، وغسل الرأس بالماء البارد وصبه أيضاً على الصدغين وما بين الحاجبين وعلى الخياشيم والأذنين. ونتيجة لذلك ترتاح الأعصاب ويهدأ العقل وتستيقظ الذاكرة الطيبة.

يجب تجنب الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة التي من شأنها أن تجعل الرواسب الدهنية تتشكل وتتكتل في الأوعية الدموية على سطح الدماغ.

يقول علماء الروح الهنود أن لحم الخنزير والبقر ضاران بصحة الإنسان. فهذان النوعان من اللحم يحتويان على كميات كبيرة من حمض اليوريك (البوليك). إضافة إلى ذلك فإن الخنزير والبقرة كليهما ضعيفا الذاكرة. وبتناول لحمهما فقد ينمّي الشخص خواصهما الجسدية والعقلية.

الذاكرة يمكن تنميتها بتمرينها. من غير الصواب القول بأن الرجل الضعيف جسدياً منذ الولادة لا يمكن أبداً أن يصبح قوياً. هناك دوماً احتمالات وإمكانات لإنجاز أشياء كبيرة وعظيمة في كل نواحي الحياة ومجالاتها.

يجب أن نعرف كيفية البحث عن السبيل القويم والطريقة الصحيحة.

بعض الأطباء يقولون أن الشخص الذي يعاني من ضعف عقلي وراثي سيلازمه ذلك العجز العقلي حتى نهاية عمره. لكن بخلاف ذلك تبَرهَن أن العديد من القصورات العقلية يمكن التغلب عليها بممارسة تمارين التركيز العقلي. البحث في هذا المضمار كان محدوداً في الغرب، ولهذا فإن العديد من علماء النفس ليسوا على دراية وثيقة بطرق التركيز العقلي العميق الذي لقـّنه يوغيو الهند العظام منذ قرون.

إن الأساليب الصحيحة لتنمية التركيز هي مجهولة لمعظم الناس. القدرات العقلية موجودة فعلاً لكنها غير نامية. والفشل في تنمية الشخص لطاقات وقوى استيعابه العقلية يؤدي إلى مشاكل خطيرة. وكالجسد فإن الدماغ يلزمه التمرين الصحيح من أجل الصحة والنشاط والحيوية.

إذاً تنمية الذاكرة الجيدة يلزمها تمرين الجسم وتناول الأغذية الصحية إضافة إلى التفكير الإيجابي السليم.

حاول أن تتذكر أشياءً بعينها، وقم بتفعيل التصوّر الذهني. انظر إلى شيء ما أو إلى مشهد أو منظر جميل ثم حاول استنساخ تلك الصورة ثانية في ذهنك. كما أن محاولة استذكار ألحان الأغاني والترانيم وإنشادها فكرياً يساعد على تنمية الذاكرة.

إن كل ما يتم إنجازه بإحساس عميق ويقِظ من شأنه أن ينمي الذاكرة.

الشعر والموسيقى لهما خصوصية عاطفية. كلنا نتذكر بسهولة أبلغ الأحزان وأكبر المباهج التي مرّت في حياتنا. لماذا؟ لأن الإحساس بتلك الإختبارات كان عميقاً. إن كل ما يشعر به الشخص بقوة ينمّي قوة الذاكرة. كما أن نظم الأشعار والجمع والطرح عقلياً هي أيضاً أساليب جيدة لتنمية الذاكرة والتركيز العقلي.

ولمضاعفة مقدرة الذاكرة يجب أن يتم إنجاز كل شيء بتركيز ذهني عميق. معظم الناس يقومون بنشاطاتهم بذهن شارد، ولذلك فهناك هوة سحيقة وبون شاسع بين أفعالهم وأفكارهم. وذلك هو السبب في عدم تذكـّرهم لأي شيء بصورة جيدة. وإن أراد الشخص أن يتذكر شيئاً ما فعليه أن ينجزه بكامل وعيه وشعوره.

وبالنسبة لمحبي الله فإن التفكير بالواجبات أثناء القيام بها لا يمنعهم من التفكير بالله في نفس الوقت. أما أثناء التأمل فينبغي التفكير بالله فقط. وليكن معلوماً أن قوة الذاكرة تتقوى ويتسع مجال استيعابها بالتأمل.

وما هو التأمل؟ إنه التوحّد مع الروح الكلي والترفع عن كل القيود البشرية ومحاولة التذكر بأن الإنسان روح لا جسد. وعندما يبدأ المتأمِّل بالمجهود العقلي الواعي لربط ذاته بالنفس الخالدة بدلا من الجسد الذي يستوطنه لحياة واحدة فقط سيتذكر الكثير من تجارب حياته السابقة، وسيذكر أخيراً أنه انبثق من قلب الله.

في الله تكمن ذكرى كل حياة الإنسان وحياة كل إنسان. وعندما يتناغم المرء مع ذاته الروحية فإن الأزمنة الغابرة والقوى المنسية للذات الإلهية التي لا تعرف الفناء ستبزغ ثانية في وعيه. التأمل يعني تذكـّر الإنسان بأنه ليس جسداً فانياً بل نفس خالدة: واحد مع الله.

نميل أثناء النهار إلى التفكير بأننا كائنات بشرية محدودة، لكن في الليل، أثناء النوم العميق غير الحالِم ننسى حالتنا البشرية.

وفي التأمل يمكننا بالمجهود الذاتي الإفلات ولو مؤقتاً من الإرتباطات الأرضية.. نستطيع التخلي عن الوعي الجسدي وأن نتذكر بأننا روح إلهي. والذين يواظبون على هذه الممارسة يصبحون سادة أنفسهم ومرشدين صادقين.

لقد منحنا الله الذاكرة كي نخلق ونتذكر كل ما هو طيب ونبيل. إن سوء استخدام الذاكرة يلحق في الإنسان أشد الضرر.

إن من يفكر بحقد وكراهية بشخص ما بسبب تذكـّر أذى ألحقه به ذلك الشخص يسيء استعمال ذاكرته. ومع هذا لا بأس من استذكار التجارب غير السعيدة من أجل تعلـّم الدروس الكامنة بها. لأن الشخص والحالة هذه يحلل تصرفه السابق ويتجنب تكرار نفس الأفعال الخاطئة التي جلبت عليه نتائجَ مريرة ومؤلمة.

يجب عدم استعادة الأفكار الخاطئة لأنها ستبقى عندئذ لفترة أطول في الذهن. لقد وهبنا الله الذاكرة لكي نحتفظ بدروس الحياة واختباراتها الطيبة حية في أذهاننا. كما يجب التخلص من الأفكار الماضية الخاطئة بتحاشي تذكـّرها. أما إن اقتحمت العقل عنوة فيجب رفض استضافتها أو تكريم وفادتها.

نكرر: إن تذكـّر الاختبارات أو التجارب السيئة وإمعان النظر بها هو إساءة لاستخدام الذاكرة الموهوبة لنا من الله. بدلاً من ذلك يجب أن يؤكد الشخص لنفسه بأنه سيستخدم ذاكرته لتذكر الأفكار الطيبة والإختبارات السامية النبيلة فقط، وبأنه سيطرد كل عفاريت الذكريات الكريهة البغيضة من عقله.

يجب أن نبصر ونسمع ونتذوق ونلمس ونشعر ونريد كل ما هو حسن وصالح وسليم ونافع. ويجب أن نحتفظ بالتجارب والإختبارات السعيدة في خزانة الذاكرة.

إن الشخص الذي يشعر بالعواطف الطيبة ويفكر الأفكار النبيلة ويرى الخير لا غير في الطبيعة والناس سيتذكر الأشياء الطيبة دون سواها.

لقد حصلنا على الذاكرة كهبة مقدسة لعلنا نمارس تذكّر الأشياء الخيّرة إلى أن نتمكن أخيراً من تذكّر الخير الأعظم: الله.

وإذ نعاين الطيبة والصلاح في كل شيء، سنجد ذات يوم أن القوة الإلهية الخفية ستحطم وتبعثر كل المنافذ الصغيرة للأفكار والإحساسات والمشاعر التي كنا نبصر من خلالها فقط ومضات من الجمال والتناغم الإلهي في الخليقة، وسنبصر من خلال نافذة الوعي الروحي الخيرَ الكلي والكمال المطلق.

نسأل الله أن يساعدنا على إيقاظ وتنشيط اللهب الأبدي للذاكرة المقدسة إلى أن يحرق قروم النسيان والغفلة فنتذكر أننا كنا وما زلنا واحداً مع روح الله وحبه الكوني.

وليس آخرا..

إن تذكّرتَ الإلهَ في الصباحْ

ولدى الظـُهر ِ وإبّانَ المسـاءْ

ستحِسُّ بنشاطٍ وانشــــراحْ

وتحلـّقْ كالنسور ِ في الفضاءْ

وستمضي وقتـَكَ بالإرتياحْ

وتـُزَفُ كالشذى فوق الهواءْ

ثقتـُكْ بالبارئ ِ أمضى سلاحْ

فتدرَّعْ باليقين ِ والرجـــــــاءْ

إنْ طلبتَ اللهَ يُنبوع الصلاحْ

تغتني بل تمسي أغنى الأغنياءْ

والسلام عليكم

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment