Friday, July 1, 2011

برمهنسا يوغانندا - الحق والحقيقة

الحق والحقيقة.. في العمق

المعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

مزيد من تعاليم المعلم

برمهنسا يوغانندا Paramahansa Yogananda

على الرابط التالي:

www.swaidayoga.com

الحقُ كلمة يكتنفها الغموض ويشوبها الكثير من الإبهام. إنه مفهوم يصعب شرحه وتوضيحه. كل واحد لديه قناعات واعتقادات يجزم ويقسم جهد إيمانه بأنها الحق كل الحق. ولكن كيف يمكن القطع بما هو حق وحقيقي وسط هذا الكم الزاخر من الأفكار؟

الحق هو نسبي ومطلق في آن. فهو يمر عبر العديد من المراحل النسبية للإرتقاء والتبلور قبل بلوغه الحالة المطلقة. على سبيل المثال، شخصان يبحثان مشروع عمل، أحدهما يقترح فكرة تضمن النجاح، في حين يبدي الآخر رأياً معارضاً يضمن تحقيق نفس الهدف إنما بمنافع إضافية. ثم يأتي شخص آخر بفكرة أفضل وهكذا دواليك. الطرق المطروحة كلها كانت "صحيحة" عن جدارة، إنما من ناحية نسبية.

الحق هو ما يمنح سعادة دائمة

في المعنى المطلق، كل ما يناقض السعادة الحقيقية هو غير صحيح، وما يمنح سعادة دائمة هو حقيقي. السعادة الحقيقة لا تعني الإثارة المؤقتة التي تصاحب النجاح المادي أو المتعة العابرة، لكنها تشير إلى الفرح الناجم عن تناغم النفس مع مصدرها: الله. وبهذا المعيار يمكنك الحكم على أي عمل تقوم به بالنظر إلى نتيجته وما إذا كان سيجلب لك سعادة دائمة أم لا (حقاً أن الأعمال بخواتيمها!)

الحق النهائي هو الله والله هو الحق النهائي. الكون بأسره قائم على هذا الحق بواسطة قوانين الله السرمدية. هذه القوانين هي حقائق أساسية أزلية وغير خاضعة إطلاقاً لأي تحوير أو تزوير من قِبل الإنسان. مثال على ذلك، الحق المطلق يقضي بعدم القتل أو إلحاق الأذى، لكن أهون الشرّين هو استعمال القوة لحماية الأبرياء من الأشرار أو لحماية مخلوقات أكثر تطوراً من أخرى أقل تطوراً. لكن القضاء على أي شيء لمجرد الرغبة في القتل هو أمرٌ خاطئ.

القانون الكوني يقضي بالتآلف والتقارب عن طريق المحبة، مما يعني المودة والتسامح. إن كنا نرغب في العثور على الحق فمن الضروري أن تكون أفكارنا سليمة وأفعالنا صحيحة، مادياً وأدبياً وروحياً بما يتناسب مع النواميس الأبدية للحق الإلهي.

الحق هو الجوهر النهائي. ولكن أين يكمن ذلك الجوهر وما هو السبيل للعثور عليه؟

هناك ثلاث طرق للوصول إلى الحق: عن طريق الإدراك الحسي، عن طريق الإستدلال المنطقي، وعن طريق البديهة أو بصيرة الروح.

إن كان إدراكك الحسي خاطئاً سيكون استنتاجك المنطقي خاطئاً أيضاً. قد تنظر إلى الأفق وترى ما قد يبدو لك بأنه نار لأنك ترى دخاناً؛ ولكن ما أن تقترب من المكان حتى تجد أن ما بدا لك دخاناً لم يكن سوى سحابة من الغبار. إنك تعتمد - لمعرفة حقيقة أي شيء- على بصرك وسمعك وكذلك على حاسة الشم والذوق واللمس، بالإضافة إلى قوة العقل. لكن هذه العناصر مجتمعة لا يمكن أن تكون البرهان النهائي على الحق، لأنه إن كذِبتْ الحواس سيكذب العقل أيضاً. العقل يكوّن انطباعاته ويتوصّل إلى استنتاجاته وقناعاته بناء على التقارير التي يحصل عليها من الحواس، لكن الحواس محدودة للغاية بطبيعتها. لهذا السبب خاطبَ الأنبياءُ الناسَ على قدر أفهامهم وعقولهم، لأنهم – أي الناس – يرون ولا يبصرون، يسمعون ولا يعون ولا يفهمون (صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون)!

أذنا الإنسان لا تلتقطان إلا رتبة محددة من الإهتزازات فلا يمكنهما التقاط أكثر الأصوات علواً وخفوتاً. لو أن قوة سمعك ازدادت بما فيه الكفاية لتمكنتَ من سماع الصوت الرائع العجيب الذي يحدثه الكون في اندفاعه في الفضاء اللامتناهي. كل ما في الوجود متحرّك وتلك الحركة يصحبها صوت. لا يوجد شيء دون حركة إلا في مجال الروح الكوني الفائق حيث لا حركة ولا اهتزاز. ولو كانت ملكات الروح في الإنسان نامية نمواً كافياً لتمكن من سماع أصواتٍ لطيفة بأذنه الأثيرية.. تلك الأصوات هي عبارة عن قوى شفافة تزوّد الجسم بحاسة السمع الكثيفة.

وبالمثل، لو تضاعفت قوة عينيك لأبصرتَ أنواراً من كل الألوان والأصناف. عيناك الجسديتان تظهران لك حيّزاً محدوداً جداً من الضوء، في حين عينك الروحية (الأثيرية) ترى الطبيعة الحقة للأشياء كصور قوامها نور الله الخلاق. وجسمك بكامله الذي تراه ككتلة من اللحم الكثيف، هو ليس سوى أمواج كهرومغناطيسية. لقد برهن الدكتور كرايل أن دماغ العجل الميّت وأيضاً دماغ الإنسان الميّت يطلق كمية ضخمة من الأشعة الكهربائية. عندما تغمض عينيك لا ترى عادة سوى الظلام. ولكن مع التطور الروحي ستتمكن من رؤية أنوار عجيبة.. والنور يسطع في الظلمة والظلمة لم تدركه (نور السموات والأرض).

تلك حقائق جوهرية لا يدركها الإنسان لأن حواسه متناغمة فقط مع مجال محدود من الإهتزازات الكثيفة.

الحدس أو الكشف: قوة الروح الكلية المعرفة

ما هو السبيل إذاً لمعرفة الحقيقة الكامنة خلف الحواس ومدركاتها؟ ذلك غير ممكن عن طريق التحليل أو التعليل العقلاني، لأن العقل رهينة الحواس، ولا يمكنه استخلاص سوى ما تزوّده به الحواس من معطيات، ولا قدرة له على إدراك القوى اللانهائية من حوله. فقط بتنمية بديهة الروح أو الحدس اليقيني يمكن معرفة الحق. البصيرة هي إدراكٌ مباشر عن غير طريق الحواس.. إحساس الروح النقي الصادق والصائب دوماً.

يمكنك تكوين فكرة عن طبيعة تلك البديهة من خلال تلك الأحاسيس التي تختبرها إنما لا يمكنك تعليلها والتي يشار إليها أحياناً بعبارة (الإنسان قلبه دليله). تحس أن شيئاً ما على وشك الحدوث دونما دليل حسي. حقيقة ٌ تظهر ذاتها دون ربط منطقي للأحداث. قد تكون جالساً بهدوء تفكر بشخص لم تره أو لم تتصل به منذ وقت طويل وفجأة تقابله أو تسمع منه. فكيف حصل ذلك؟ ذلك يحدث عن طريق ومضات حدسية مؤقتة. لا بد أن كل واحد قد حصلت له مثل تلك الومضات.

الخطأ في الحكم ينجم عن عدم تنمية الحدس. معظم الناس يحسّون في قرارة أنفسهم أن بمقدورهم أن يكونوا عظماء وأن ينجزوا أشياء كبيرة في الحياة، لكن نظراً لعدم امتلاكهم القوة الحدسية فإن تلك القوة الكامنة ظلت في طور السبات. ولكي ينجح الإنسان ويتفادى التعاسة التي تسببها الأخطاء، يجب أن يحاول معرفة الحقيقة الكامنة في كل شيء. هذا ممكن فقط عند تنمية الحدس البديهي. تلك هي الحقيقة العملية لهذه المسألة. ولهذا السبب أنصح الجميع كي يعرفوا الأمور على حقيقتها، سواء في علاقاتهم مع الآخرين أو في مجال العمل أو الحياة الزوجية.. وباختصار في كل جانب من جوانب الحياة. الحدس أمر جوهري لا يمكن التصرف بدونه أو الإستغناء عنه.

عدم تنمية مَلـَكة الحدس يعني اتخاذ قرارات خاطئة وخطوات غير محسوبة العواقب، لا سيما في انتقاء شركاء عمل غير موثوق بهم أو التورط في علاقات شخصية مغلوطة. وبما أن حكم العقل محدود ومقيد بالمعلومات التي تزودها له الحواس، فإن خـُدعِت الحواس فقد تظن أن شخصاً ما هو أكثر من رائع دون معرفةٍ لحقيقة ما يضمره في داخله.

أو قد تظن أنك وجدت شريك أو شريكة حياتك (توأم روحك) فترتبط بالزواج مع ذلك الشخص لتنتهي علاقتكما إما بالطلاق أو بجحيم من التنافر نظراً لعدم التكافؤ وانعدام الإنسجام بينكما. لكن الحدس الباطني لا يقترف مثل تلك الأخطاء. فهو لا ينظر إلى المغناطيسية المتدفقة من العينين، ولا إلى الوجه الصبوح الجذاب، بل يشعر ويدرك بدقة متناهية ما يكمن في قلب ذلك الشخص ويعرفه على حقيقته.

بفضل الحدس الذي تمكنت من تنميته بمساعدة معلمي العظيم سري يوكتسوار لم أخطئ إطلاقاً بمعرفة الطبيعة البشرية. فالحس الباطني كان ولم يزل عوناً لي من هذه الناحية. لكنني لا أحاول رؤية الجانب السلبي من الناس. ولكي أساعد الآخرين فإنني أمنحهم محبتي غير المشروطة، حتى عندما أعرف أنهم قد يستغلون ثقتي لغايات شخصية.

كثيرون ممن يعوزهم الحدس يستثمرون أموالاً في مشاريع مالية متعثرة ونتيجة لذلك يخسرون كل شيء. لقد كنتُ ناجحاً في كل قرار اتخذته بفضل حدسي الصائب الذي لا يخطئ.

مع نمو المرء وتطور ملكاته يأتي الحدس كشعور مميّز أو كصوت هادئ. ولأن النساء أكثر تناغماً مع الشعور من الرجال فعادة ما يمتلكون حدساً أكبر، إلا عندما يستولي عليهن الإنفعال. الرجال بوجه عام يسيّرهم العقل والنساء الشعور. وإن امتلك الرجل عقلاً راجحاً وحساً رقيقاً فلا بد أن يساعده ذلك التوازن بين العقل والشعور على امتلاك الحدس.

معرفة غاية الحياة بواسطة الحدس

إن استعملتَ حدسك ستعرف الغاية من وجودك على هذه الأرض، وعندما تدرك تلك الغاية تحصل على السعادة. هذه الأرض هي مسرح، والله هو مدير المسرح. إن أصرّ كل واحد على القيام بدور الملك أو الملكة فمن المستحيل أن تكون هناك مسرحية ناجحة. الخادم والبطل والملك يجب أن يقوموا جميعهم بأدوارهم حتى تنجح المسرحية. الأوغاد هم الذين يفسدون الحبكة الخيّرة للمسرحية الإلهية. الذين يختارون تلك الأدوار سيدفعون ثمناً باهظاً لمخالفتهم التوجيه الإلهي.

وبغض النظر عن المنصب الدنيوي الذي يحصل عليه الشخص أو الثروة التي يكدّسها، لا يمكن أن يُدعى ناجحاً إن هو استعمل وسائل شريرة لبلوغ أهدافه وإحراز مكاسبه. السعادة الحقيقية ممكنة فقط عندما يقوم الشخص بتمثيل دوره على الوجه الصحيح، وليس بخلاف ذلك. من يقوم بدور المليونير ومن يقوم بدور التاجر الصغير، كلاهما متساويان في نظر الرب، لأنه في اليوم الأخير يجرّد الله كل واحد من ممتلكاته وألقابه. ما تكتنزه في روحك هو ما سيرافقك بعد مغادرتك لهذه الدنيا.

العظماء الراسخون في العلم، من أنبياء وحكماء، يعرفون الحق بفضل قواهم الحدسية. فهم لا يدركون الأشياء بعيونهم وعقولهم وحسب، بل بواسطة حدسهم الشفاف والكشاف الفائق النمو، والذي بواسطته يعرفون كل شيء.

ليس المهم في عين الله الدور الذي نلعبه بل الكيفية التي نلعب بها ذلك الدور. لا تحزن ولا تيأس إن كان دورك صعباً. أداؤك الصحيح لدورك سيضمن لك النجاح في نظر الله، وإلا فلن تكون متحرراً تماماً.

التأمل ينمّي الحدس

الطريقة الوحيدة لمعرفة الحق والعيش بمبادئ الحق هي تنمية بصيرة الروح أو الحدس. عندئذ ستدرك أن للحياة معنى وأن الصوت الداخلي سيرشدك ويسدد خطاك مهما كان دورك في الحياة.

ذلك الصوت طغت عليه وطمرته – منذ زمن طويل – الأفكار غير السليمة. والطريقة الأضمن لاستعادة ذلك الشعور اليقيني الصادق هي بالتأمل عند الإستيقاظ صباحاً وقبل النوم ليلا.

مثلما يحتفظ المرء بمواعيده العملية والإجتماعية، هكذا يجب أن يحتفظ بموعده مع الله. قد نظن أن مشاغلنا أكثر من أن تسمح لنا بالتفكير في الروحيات، لكن الله لا يصده شيء عن التفكير بنا ومنحنا الحياة ومتطلباتها. يجب الإبتهال والتأمل بعمق وانتظار استجابته. إن ناجيناه بمحبة وتركيز عميق سيستجيب لدعائنا. عندئذ سنحس بحضوره كفرح وسلام في قلوبنا. عندما يحل ذلك الفرح وذلك السلام يحصل تواصل حيّ وفعّال مع تلك القوة العليا. يجب أن نحاول الإستفادة من تلك الفرصة إذ ما من نجاح يمكن بلوغه دون محاولة.

إن صرفتَ حياتك بالإثارة تلو الإثارة فلن تعرف السعادة الحقيقية. عش ببساطة وخذ الحياة بسهولة أكبر. تكمن السعادة بإعطاء نفسك ما يكفي من الوقت للتفكير المعمق والتأمل بالأشياء العظيمة.

انفرد بنفسك بين الحين والآخر ومارس الصمت لبعض الفترات وستلمس النتيجة بنفسك. إن كان الراديو أو التلفزيون شغالاً طوال الوقت، أو إن كانت الإثارات والتسليات تشغل الحواس بصورة متواصلة سيلحق ذلك ضرراً بالأعصاب بحيث يصبح الإنسان عصبياً.

لا تفكر كثيراً بإصلاح الآخرين. أصلح ذاتك أولاً – أصلحك الله! إن أعظم مجال للتفوق والنجاح هو في البيت. المَلاك في بيته هو مَلاك في كل مكان. فعذوبة صوت الشخص وتصرفه المتسم بالسلام تمس لهما الحاجة داخل بيته أكثر من أي مكان آخر.

قوة لا تفشل أبدا

عندما نتصل بالله سيلهمنا الإدراك الحدسي ويوجّهنا في كل ما نفعله. يجب أن نمتلك تلك القوة المباركة بصورة واعية. تلك القوة موجودة في داخلنا ولن نحتاج سوى للكشف عنها. لا أهتم بالباحثين الفضوليين بل بالباحثين الجادين عن الحقيقة. إنني على تواصل دائم مع الله وأبحث فقط عن الراغبين الصادقين في معرفته.

ستجد أن تلك القوة تعمل في كل شيء لتحسين أحوالك وتسهيل أمورك. وعندما تلامس تلك القوة ستنبض عافيتك بالطاقة الكونية وسيصبح فكرك أكثر رهافة وتركيزاً وحدة ونفاذاً. وستدرك أن نفسك هي وعاء لحقيقة الله الحية وحكمته التي لا تعرف النضوب.

الله هو ينبوع الصحة والرخاء والحكمة والفرح الأبدي. عندما نتواصل معه تصبح حياتنا كاملة متكاملة. الحياة بدونه ناقصة. يجب أن نفكر بتلك القوة العظمى التي تمنحنا الحياة والقوة والحكمة. ويجب أن نبتهل كي ينساب ذلك الحق إلى عقولنا، وتنساب تلك القوة إلى أجسامنا، وينساب ذلك الفرح غير المنقطع إلى أرواحنا.

خلف ظلمة العيون المغمضة توجد قوى الكون العجيبة، وكل النفوس الطيبة والأرواح الراقية والإمتداد اللامتناهي لأفلاك الروح. إن تأملتَ ستدرك الحق المطلق وسترى عمله العجيب في حياتك وفي كل ما هو رائع ومجيد في الخليقة.

وبالله التوفيق والسلام عليكم.

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment