Thursday, April 9, 2015

بوارق روحية



بوارق روحية

 

للمعلم برمهنسا يوغانندا
PARAMAHANSA YOGANANDA
ترجمة محمود عباس مسعود

                                         

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء الضغط
 على Older Posts أو  Newer Posts

في أسفل الصفحة أو أحد السهمين


هل من ثمة غاية مشتركة وعامة من وراء أعمال سكان هذا العالم؟
وهل هناك ضرورة مشتركة تدفعنا جميعاً للقيام بالأعمال؟

إن تحليلاً بسيطاً لدوافع الإنسان وغاياته تظهر أن هناك ألف غاية وغاية.. منها المباشرة ومنها غير المباشرة، لكن غاية الغايات تبقى بلوغ الغبطة أو السعادة المطلقة.

غاية الإنسان الأولى هي تحاشي الألم والعوز وبلوغ الغبطة الدائمة. أما إن تمكنا من التخلص الدائم من الألم والفاقة والحصول على الغبطة الدائمة فذلك مبحث آخر. لكن الواقع يشير إلى محاولتنا الحثيثة والجادة للتخلص من المعاناة والألم وتحصيل المتعة أو السعادة.

لماذا يعمل الشخص كمبتدئ في حرفة ما؟
لأنه يرغب في أن يصبح خبيراً في أحد مجالات العمل.
ولماذا يتعين عليه مزاولة ذلك العمل؟
لأنه بذلك يتمكن من كسب المال؟
ولماذا يجب أن يكسب المال؟
لأنه سيحقق بكسبه حاجيات شخصية وعائلية.
ولماذا ينبغي تحقيق تلك الاحتياجات؟
لأن مثل هذا التحقيق يساعد على إقصاء الألم وتحصيل السعادة.

لذلك نرى أن تحقيق حاجة ما، والتخلص من ألم ما، جسدياً أو نفسانياً، مهما كان طفيفاً أو حاداً، وبلوغ الغبطة يشكلان غايتنا القصوى.

ولا حاجة لأن نتساءل أكثر من ذلك عن السبب في تحصيل الغبطة لأن لا جواب لذلك، وتلك هي غايتنا القصوى.

إذاً مهما كانت طبيعة أعمالنا أو طموحاتنا.. الشروع في عمل تجاري، أو تحصيل المال، أو السعي وراء الصداقات أو تأليف الكتب أو اكتساب المعارف أو إدارة الممالك أو التبرع بالملايين، أو اكتشاف البلدان، أو التطلع إلى الشهرة، أو مساعدة المحتاجين، أو الرغبة في أن نصبح من محبي خير الإنسانية... إن دققنا في غايتنا الحقيقية وأبقيناها نصب أعيننا يصبح البحث عن الله حقيقة واقعة ومنطقية لأن الله هو تلك الغبطة التي نسعى لتحقيقها وتتعطش نفوسنا إليها. 

*  *  *

لو أن شخصاً حجب وجهه بقناع يبقى بإمكانك أن تعلم أن إنساناً موجود هناك.

وبالمثل فالطبيعة هي أشبه ببرقع عظيم منتفخ بالحضور الإلهي. فالله موجود خلف حُجب الطبيعة وأقنعتها، لكن الإنسان يلقي نظرة عابرة غير متعمقة فلا يتبين حضور الكائن المستتر خلف ستائر الطبيعة.

حينما أجلس في التأمل ساكتاً ساكناً متنبهاً أشعر برعشة من الغبطة داخل كياني وأسمع الله هامساً "إنني هنا."

إن العقل الذي وهبه لنا الله هو المدخل إلى السماء: الباب الخارجي لمملكته، لكن الناس لا يستخدمونه كما ينبغي.

لا حاجة للإنتظار حتى مغادرة الأرض كي نستخدم عقولنا في البحث عن الله، فالوقت هو الآن، والمكان هو هنا. ومن لا يستخدم عقله في البحث عن أسرار الحياة وخفايا الوجود إبان إقامته على هذه الأرض فلن يتمكن من العثور عليها في أي مكان آخر.

*  *  *

كل إنسان هو تعبير لقوة الله اللامتناهية ويجب أن يظهر جانباً من تلك القوة في كل ما ينجزه.

عندما ترغب في ابتكار شيء ما، لا تعتمد على المصادر الخارجية فقط، بل غص أولاً في داخلك وابحث عن المصدر اللانهائي، فكل الأساليب العملية للنجاح، وكل الاختراعات المفيدة للإنسان، والإهتزازات الموسيقية الراقية، والنصوص المقدسة، مدوّنة في محفوظات الله.

إرادة الإنسان هي مولّد ضخم للطاقة، وباستخدام قوة الإرادة والرغبة في التوصل إلى مصادر الطاقة الحقيقية، يمكن للشخص أن يتصل وبسرعة مع الموزّع اللانهائي للقوى الباطنية.

من لا يرغب في القيام بعمله اليومي يحس بنقص في النشاط، أما العامل المُجد الذي يعمل بهمة وحماس فيشحن جسمه وفكره بالتيار الكوني.

*  *  *

من واجب الإنسان أن يطمح إلى تحقيق الأغراض السامية.

 إن الإهتمام بالأشياء الزهيدة وعديمة الجدوى هو تبديد لقوى العقل دون طائل.

 يجب اقتلاع الأعشاب الضارة من حديقة العقل وتجميلها بزهور الحب الإلهي حتى تجتذب إليها الإله الجميل الذي يحب الجمال.

إن رغبت في أن تبقى هذه الروضة العقلية مزهرة مزدهرة في تربة الحكمة يتعين تبسيط الحياة وجعلها خالية من التعقيد.

فبإنجاز كل شيء  بذهن مركـّز وغير مشتت تستطيع تحليل نشاطاتك واختيار ما هو هام وجوهري وترك ما هو سطحي وغير ضروري.

 وحال الإنتهاء من إنجاز عمل ما، بالإمكان سحب العقل منه واستخدامه في تحقيق مطامح خلاقة أخرى.
*  *  *

الناس غالباً ما يفكرون بشيء آخر أثناء قيامهم بعمل ما، ولا يعرفون الطريقة الصحيحة لتركيز أذهانهم على الشيء الذي يفعلونه.

 يجب أن نتعلم التفكير بشيء واحد في المرة الواحدة بكل قوانا العقلية.  الإنتباه الكلي يجب أن يكون محصوراً بذلك الشيء فقط.

يجب أن لا يكون الشخص فاتر الهمة فاقد الحماس والإحساس. فإنجاز الأشياء بتكاسل وتراخٍ يؤدي إلى فقدان الحيوية وبالتالي إلى الإخفاق والتعاسة.

ويجب أن لا يكون المرء مجرد آلة سيكولوجية ذاتية الحركة، كالحيوان الذي يتصرف بدافع الغريزة.

إنه لخطأ كبير أن لا يعمل الإنسان على إيقاظ نفسه وتفعيل قواه العقلية. فالله  وهبنا تلك القوى ويريدنا أن نستخدمها خير استخدام وأن نكون على وعي ودراية تامين بكل ما نفعله.

كما يجب أن نفكر جيداً قبل الإقدام على عمل ما وأن نستخدم عقولنا بما يساعدنا على الإرتقاء وعلى إدراك وحدتنا الجوهرية مع البارئ الأعظم.

وكل ما نقوم به يجب أن يكون مبنياً على تفكير سليم وتخطيط حكيم.

*  *  *

هناك تشبيه لعربة تجرها خيول ويقودها أو يوجهها سائق يمسك بمقود العربة أو أعنة الجياد. 

هذا التشبيه هو كناية عن النفس التي تستقل العربة الجسدية التي تجرها جياد الحواس.

يمسك الفكر بالأعنة (الأرسنة) وتتولى الإرادة الواعية التوجيه.

صاحب العربة هو في الدرجة الأولى من حيث الأهمية يليه السائق والمقاود الضرورية لكبح جماح الجياد، بعد ذلك الجياد نفسها وأخيراً العربة.

وبالمثل، فإن النفس هي الأهم، يليها الإرادة الواعية، ثم الفكر الذي يتولى كبح الجماح، ثم الخيول، وأخيراً الجسد.

الفكر الدنيوي الذي يقود جسداً ضعيفاً في الحياة يسمح لدوافعه الجامحة بالجري على هواها بدلاً من تقوية بنيته الجسدية وتهذيب حواسه باستخدام ضبط النفس وتوجيهها بالتمييز الفطري نحو غايته الروحية التي من أجلها وُجدت كل هذه الأمور.

وإذ يسير فوق دروب الحواس الوعرة والشائكة فإنه يحطم عربة حياته وتتقطع به السُبل.

المريد الذي يسعى إلى معرفة الذات يدرك جيداً أن الغرض الأهم في الحياة هو البحث الجاد عن السعادة الروحية الكامنة في أعماق النفس، وفي نفس الوقت يتعلم تنمية قواه العقلية أو النفسية الكامنة وتهذيب الحواس بغية مواصلة السير على دروب التقدم نحو الهدف المنشود، محاولاً تجنب الوقوع في حفر الآلام الجسدية والنفسية.

وبعبارة أخرى، فإن المريد يدرك الطريقة الصحيحة التي بواسطتها يمكنه إحراز النمو الروحي من كل النواحي وعلى كل الصعد.

أما الدنيوي الموهوم فإن همه الوحيد هو إشباع مشتهياته الجسدية وإرضاء أهوائه، ضارباً بعرض الحائط واجبه نحو تنمية ملكاته العقلية والروحية.

*  *  *

الإضطرابات العصبية يمكن شفاؤها.

يتعين على المتألم من هذه الإضطرابات تحليل حالته والتخلص من العواطف الهدامة والأفكار السلبية التي تدمره تدريجياً.

إن التحليل الموضوعي للمشاكل الشخصية والإحتفاظ بالهدوء في كل المواقف والظروف كفيلان بشفاء الحالات العصبية المزمنة.

يجب على من يعاني من العصبية أن يتفهم حالته وأن يدرك بأن الإستغراق المتواصل في الأفكار المغلوطة هو عله عدم توازنه وعدم تأقلمه مع الحياة.  

الجسم الهادئ المرتاح يريح الأعصاب ويستجلب الطمأنينة النفسية.

-------------------------
ملاحظة: هذا لا يعني عدم استشارة الأخصائيين في هذا المجال ولذا اقتضى التنويه.

*  *  *


في عصور وأمكنة مختلفة اكتسب الإنسان بواسطة العقل أفكاراً عديدة عن الحياة والنفس.

مثال على ذلك عندما يصيب أحد أفراد القبائل البدائية صداع يظن ذووه أن نفسه قد أفلتت من جسمه فيستدعون الطبيب الساحر كي يرد الروح إليه، فيذهب الطبيب إلى الغابة بحثاً عن النفس التي يعثر عليها ويعيدها معه في صندوق ويدخلها ثانية إلى رأس المريض فيزول الصداع بحسب الإعتقاد السائد.

وفي ثقافة أخرى فإن "تشميت العاطس" المريض يتم بوضع كلابات (حدائد معقوفة ذات رؤوس حادة) في جسده كيما لا تفلت روحه لدى العطس، بل يتم الإمساك بها بالكلابات!

ومثلما توصّل بعض الناس إلى استنتاجات خاطئة عن النفس البشرية بسبب أساليب التفكير غير السليم، هكذا بلغ آخرون – بالإدراك الفعلي –  فهماً آخر، غزيراً وسليما.

نحن نعلم أن النـَفـْس ليست النـَفـَس لأن هناك بعض الأشخاص ممن ظلوا لفترة طويلة في حالة الغيبوبة دون أي تنفس، مبرهنين بذلك أن النـَفـْس لا يمكن تقييدها بالنـَفـَس. النـَفـْس أسمى من النـَفـَس ومن أية حالة جسدية أخرى.

وسواء آمن الإنسان بأنه روح أم لم يؤمن يبقى الناموس الكوني مع ذلك يحتم عليه الكشف عن طبيعته الروحية.

ومهما كان عمل الإنسان أو وضعه في الحياة فإن وعيه يتطور ويتوسع كلما استخدم ذكاءه بكيفية خلاقة ونافعة. فكل عمل بنـّاء يساعد على تطوير الإنسان وتوسيع مداركه.

*  *  *

إنني أحب القراءة، لكنني بالكاد أطالع صفحتين قبل استدعائي لمعالجة أمر آخر، ولهذا فقد استعضت عن القراءة بالتأمل.

وإذ أغوص في أعماق النفس تبدو الأنوار الساطعة ويهلّ الفرح الأعظم، ذلك الفرح الذي يلازمني طوال اليوم. ذلك ما أختبرته في حياتي وما يختبره كل الذين يناجون الرب المغبوط بهمس الروح وحنين الفؤاد.

الوقت أثمن من أن يُضيَّع سدىً. الله يريدنا أن نكون متوازنين. من يسمح لحياته بأن تصبح عديمة التوازن سيُعاقب من القانون الكوني.

إن عشت ببساطة ومرّنت الجسم يومياً وطالعت الكتب القيّمة المفيدة ونميّت عادة التفكر اليومي بالله ستنبض أحاسيسك بالسعادة وتجري تيارات حيوية في دمك وتفعم خلايا جسمك بالخفة والنشاط بكيفية لم تعهدها من قبل. وستحصل على كل معرفة تتوق إليها من الروح في داخلك.

على هذا النحو كانت ولم تزل حياتي. إنني لم أقرأ عشرين كتاباً منذ عشرين سنة. لستُ فخوراً بذلك، ولولا حصولي على وعي الروح الإلهي بالتأمل لكنت جاهلاً بالمرة.

عندما أنظر إلى كتاب ما أجد أن الحقائق التي يتضمنها قد أطلعني الله عليها سلفاً.

إن الأفكار السامية والحقائق تأتي جميعها من الله العليم، وإن تأملت عليه ستحصل على حكمته مباشرة.

لذلك مطالعة الكتب الجيدة أفضل من إضاعة الوقت على ضروب النشاط العقيمة، وأفضل من المطالعة التأملُ وترسيخ الوعي في الحق المطلق الذي هو الله.

*  *  *

هناك العديد ممن يقرؤون على الدوام لكنهم لا يستطيعون إفادتك بشيء مما يطالعونه.

إن أفضل طريقة لقراءة كتاب ما هو أن تتأمل في محتوياته لترى كيف يمكن أن تنطبق على حياتك الشخصية.

كما ينبغي التمييز الحصيف بحيث لا تتقبل على نحو أعمى كل ما تقرؤه. فما تطالعه يجب أن يشبع عقلك ويرضي منطقك. ولكي تكون جديرة بالقراءة، ينبغي للكتب أن تستحثك على التفكير وعندها ستشعر أن عقلك آخذ في التطور والإنفتاح.

إن الذين لا يقرؤون ولا يتأملون، بل يحيون حياة سطحية لا هدف لها ولا معنى، لا ينمّون أي فهم عميق ولا يكتسبون معرفة أكيدة.

التناغم يجعلنا متوافقين منسجمين مع القوة الإلهية التي تلهمنا التفكير وتشع على عقولنا بأنوار الإلهامات العليا.

التأمل هو الطريقة للوصول إلى الذات العليا.

 البشر يظلمون أنفسهم إن لم يقرؤوا، لكن التفكّر هو أفضل حتى من المطالعة.. {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

*  *  *

التوازن ضروري في كل جانب من جوانب الحياة. من المستحسن الإحتفاظ في المتناول بمواد قراءة مفيدة ومطالعتها أثناء لحظات الفراغ. وأفضل تلك المواد من حيث الأهمية هي الكتب الروحية ثم العلمية وبعض التاريخ والفلسفة والأدب الرصين وسِير العظماء والرحلات وأي شيء آخر من شأنه توسيع المدارك ومنح الإلهام الرفيع.

يمكن للكتب أن تكون أصدقاء أوفياء، وإن كانت مختاراتك من النوع الراقي فإنك ستحصل منها على فائدة أكبر.

 قد يبدو من الصعب في البداية النفاذ إلى جوهر التعاليم الروحية وأفكار العظماء، لكن بعد فترة ستجد أنك تتفكر بكتاباتهم وتتفاعل مع أفكارهم. وستشعر أنك اكتسبت شيئاً مفيداً، لأن كل أولئك الحكماء حصلوا على حكمتهم ومعرفتهم من خزانة علوم الله اللامتناهية.. أفكارٌ ربما ما كانت لتخطر على بالك مدى الحياة.

*  *  *

الزهور والورود جميلة ناضرة، لكن خلفها تكمن روضة أعظم بما لا يقاس حسناً ورواءً.

 ومع أن تلك الروضة هي في منتهى الشفافية ومن الصعب ملاحظتها في البداية، لكن إن استطعت النفاذ إلى البُعد الروحي عن طريق باب العين الروحية ستتمكن من استكشاف ذلك البُعد الأثيري والتمتع بروائعه.

إنني أعيش في تلك المنطقة اللطيفة حيث المزايا الرائعة والأفكار الغضة الرقيقة الأطيب عَبَقاً والأزكى أريجاً من أية زهرة أو وردة أرضية.

هناك ترتشف نحلة عقلي على الدوام رحيق الحضور الإلهي.

عندما نوجّه تركيز عقلنا نحو الداخل، ونعيش أكثر فأكثر في تلك الدنيا الخفية في داخلنا، نجد أن مزايانا الروحية تتخذ أشكالاً خاصة تعمل كنوافذ من خلالها ندرك عذوبة الله التي تفوق حد الوصف والخيال.

*  *  *

إن كل من يسمع أو يقرأ هذا الكلام يعرف أنني أتكلم الصدق.

لو أنني عرضت كل القوى التي وهبها لي الله لالتف الناس حولي لا محبة بالله بل بالمعجزات. لكنني لا أرغب بهذا الصنف من المريدين السطحيين.

يجب أن لا تجذبهم القوة بل محبة الله وتلك هي غايتي في الحياة.

لو لم أتعرف على الله لما تحدثت بهذه الكيفية.  وكل واحد يمكنه التعرف عليه إن هو رغب بذلك.

لا أحاول استمالة الناس من خلال دغدغة عواطفهم بل أتحدث إلى عقولهم وأخاطب بهم المنطق وملكة التمييز.

الإيمان الأعمى لا يجدي نفعاً.  يجب أن يفعّل الإنسان قوى الإدراك التي وهبها له الله وأن لا يقبل الأمور على علاتها، بل يجب أن يعرف الأسباب والمسببات والمنطق خلف توجهاته وممارساته الروحية.

لو كان لي ألف فم لتحدثت بها كلها عن الله وأهمية التوجه إليه والتعرف عليه.

*  *  *

الله لا يطلب من الإنسان أن يكون واجماً كئيبا، عابساً مستوحشاً قطوبا.   هذا ليس المفهوم الصحيح عن الله، ولا هي الطريقة الصحيحة لكسب رضاه.

 كلما تزايد سلام المرء كلما تمكن من الشعور بالحضور الإلهي بمقدار أكبر. وكلما تعاظمت سعادته كلما أصبح أكثر تناغماً مع الله.

 الذين يعرفون الله هم سعداء لأن الله هو ينبوع الفرح الأعظم.

يحاول الناس العثور على السعادة في الخمر والجنس والمال، لكن صفحات التاريخ تغص بقصص آمالهم المحطمة وأحلامهم التي لم يُكتب لها التحقيق.

الوقت الذي صرفته في التأمل جعل حياتي مثمرة بكيفية لا يمكن تصورها.

في النشوة الروحية تكمن الهداية والحكمة الإلهية.

 وعندما يتناغم الإنسان مع الله، فحتى إن أخطأ عن غير قصد سيعرف كيف يصحح الخطأ، وإن صدر عنه رأي غير سليم سيتداركه الله ويصوّبه محبة بمريده.

*  *  *

يجب خلق توازن ما بين المعرفة الروحية والعلوم الطبيعية.  وبدون ذلك التوازن سيتعثر الأفراد والأمم وسط الشقاء والدمار. لو كان قادة العالم المعاصرون مستنيرين روحياً ويعملون معاً لتمكنوا من القضاء على الحروب والفقر من الأرض في غضون أعوام قليلة. 

الوعي الروحي معناه إدراك الإنسان للحضور الإلهي في ذاته وفي كل الكائنات الحية الأخرى.

ذلك الوعي وحده قادر على إنقاذ العالم وبدونه لا أرى أملاً في السلام.  فليبدأ الإنسان بنفسه.  الوقت أثمن من أن يُبدَد سدىً. 

الواجب يقتضينا القيام بدورنا لجلب مملكة الله إلى الأرض.

كثيرون يترددون في البحث عن الله، محتسبين أن الحياة ستصبح قاتمة مكفهرة، وفاقدة للرونق والمتعة.

لكن العكس هو الصحيح!  فالسعادة النقية التي يعثر عليها العارفون في التناغم التام مع الله تعجز الكلمات عن وصفها.

إنني في حالة من الفرح الروحي ليل نهار.  ذلك الفرح هو الله، والتعرف عليه معناه تكفين كل الأحزان ودفنها غير مأسوف عليها.

*  *  *

إبان إقامته الموقوتة هنا، يولي الإنسان أهمية كبيرة لهذا العرض. لكن يجب عدم الإنغماس الزائد به وبأحداثه التي لا تنتهي، لأننا إن فعلنا نبتعد عن الله الذي يحاول كل الوقت وبشتى الوسائل والطرق اجتذابنا إليه لاهتمامه الكبير بنا ولعظيم محبته لنا.

 إنه يضع أمامنا كل المعجزات التي نرغب في رؤيتها: عجائب الأشياء النامية ونظام الطبيعة المتناهي الدقة.

إنه خلف الزهور والورود، ومن يبحث عنه بصدق سيجده لا محالة.

علماء الطبيعة لم يتوصلوا إلى اكتشافاتهم عن طريق الابتهالات العمياء، لكنهم اتبعوا قوانين العلم التجريبي.

وبالمثل، فإن كل من يستخدم القوانين الروحية العلمية بإخلاص ورغبة صادقة سيجد الله بجانبه تلقائياً.

 لقد آن للإنسان أن يفتح بصره الروحي ويدرك أن العثور على الله يلزمه رغبة متحمسة ومتواصلة ومراعاة دقيقة لنواميس الله.

*  *  *

من الأرشيف: حديد في اليوبيل الفضي!

ذات مرة دُعيت لحضور يوبيل فضي لزوجين كان الإنطباع السائد عنهما بأنهما من أسعد الأزواج.

لكن في اللحظة التي دخلت فيها بيتهما شعرت أن هناك شيئاً خطأ، فطلبت من اثنين من التلاميذ أن يلاحظا معاملتهما لبعضهما أثناء السهرة، وقالا لي فيما بعد:

"الزوج والزوجة يبتسمان لبعضهما أمام الآخرين فقط ويخاطبان بعضهما بأعذب الألفاظ مثل "صح يا عيني" و "بالطبع يا روحي" وما إلى ذلك من هذه العبارات الودية، ولكن ما أن يظنان أنهما بمفردهما حتى يتناقران ويوجهان عبارات جارحة أحدهما للآخر."

تحدثت إليهما وقلت:

"دعوتماني لحضور حفلكما لكن الجو مشحون وأشعر بوجود قدر كبير من الخلاف في هذا البيت، ويبدو لي أن هناك الكثير من الحديد في هذا اليوبيل الفضي."

في البداية أخذ على خاطرهما، لكنهما اعترفا بعد ذلك بصحة كلامي وقدما اعتذاراً.

واستطردت قائلاً:

"ما الذي تكسبانه من المشاحنة والخصام طوال الوقت؟

يبدو أنكما تعيشان معاً حفاظاً على سمعتكما بأنكما زوجان مثاليان، لكن عليكما أن تكونا كذلك مع بعضكما وأن تعيشا بسلام ووئام من أجل سعادتكما وراحتكما النفسية."

*  *  *

إن الله يقرع بصمت أبوابَ قلوبنا وينادينا كي نعود إليه لكن معظم الناس غير راغبين في العودة.

ومع ذلك فعندما تسوَّد الدنيا في عيونهم ويَعلقون في فخاخ المشاكل أو يقعون فريسة المرض يسارعون في الدعاء إليه والتماس عونه.

من يُمتـّن روابط الوفاق والإنسجام بينه وبين الله في أوقات السعادة والرخاء سيجد الله بجانبه عندما يحتاج إليه. أما الذي يسوّف في تعزيز تلك العلاقة يحكم على نفسه بمواجهة مصاعبه ومصارعة تجاربه بمفرده إلى أن يتمكن – بالحكمة والتسليم الكامل – من التوجه إلى الصديق الأبدي وقرع بابه الكريم.

إن من بين حشود البشرية الهائلة قلائل جداً من يبحثون عن الله بجدية.

أين الذين ظنوا أن هذه الأرض هي لهم منذ مائتي سنة؟ كلهم مضوا، ومن بينهم كلهم ربما لم يفهم حقيقة الحياة سوى قلة قليلة ممن قصدوا الله وعرفوا أنفسهم.

ومع ذلك فإن كل جيل من الأجيال التالية يحتسب أن هذه الحياة حقيقية!

*  *  *

قبل أن يكون معنا أي إنسان آخر من كان معنا؟ الله.

وعندما نغادر هذه الأرض من سيكون معنا؟ الله لا غيره.

ولكن من الصعب التعرف عليه عندئذ ما لم نسعَ للتعرف عليه الآن.

إن بحثتَ عن الله بصدق وعمق ستعثر عليه وسيتعزز يقينك بأنه معك دائماً، وستفارقك الهموم والأوهام ولن تنخدع بعدها أبداً.

إن كل ما في الوجود هو تجربة لإغراء الإنسان كي يبتعد عن الله. لكن الله أكثر إغراءً من أي تجربة أرضية.

لو حصلتَ على لمحة واحدة منه لأدركت هذه الحقيقة ولاستطعت العثور عليه بالدعاء والتأمل الروحي والتصميم القوي.

*  *  *

المعبد الذي يحبه الله أكثر من سواه هو معبد السكون والسلام الباطني لمريديه، حيث يدخلوه للتأمل والمناجاة، تاركين وراءهم الدنيا ومشاغلها التي لا تنتهي.

وإذ يؤسس الإنسان معبداً من الجمال والسلام الروحي في داخله سيتمكن من الإحساس بحضور الله والشعور بقربه. ما عدا ذلك فأوهام العالم كثيرة، دائمة الحضور وهمومه ملء الصدور.

كل واحد منا سيؤخذ من هذه الأرض عاجلاً أم آجلا ولذلك يجب أن نتعرف الآن على غاية الحياة.

الغاية الأساسية من تجارب الإنسان في هذا العالم هي لحثه على البحث عن معنى الحياة.

يجب أن لا ننبهر بموكب البشرية هذا الدائم البزوغ والحركة. ومع مواصلة قافلة الزمن سيرها ستدرك أخيراً أنك جزء لا يتجزأ من الكيان الأعظم.

اجعل معرفة الله غايتك واعلم أن البحث الجاد والصادق عن سر الحياة سيجنبك الكثير من المصاعب وينقذك من مخاوفٍ شتى.

إن توجُّس الموت أو الفشل أو المتاعب والأحزان يوقظ في المرء هلعاً كبيراً.

عندما يعجز الإنسان عن مساعدة نفسه ولا تستطيع أسرته وأصدقاؤه تقديم أي شيء له يستولي عليه القنوط وتظلم الدنيا في عينيه.

لكن لا حاجة له في الوصول إلى تلك الحالة. فهو إن فكر في الله أثناء حياته وتواصَلَ معه سيجده قريباً منه في الساعات العصيبة والأيام الحرجة.

*  *  *

إن تبيّن للأكثرية أن شخصاً ما غير جذاب فينبغي أن يحلل نفسه.

قد تكون هناك بعض خصال في شخصيته تبعث على النفور.

ربما يثرثر كثيراً، أو أنه معتاد على التدخل في شؤون الآخرين، أو قد يجد نفسه ميالاً لأن يخبر الآخرين عن تصرفاتهم الخاطئة وكيف يتعين عليهم أن يعيشوا حياتهم، دون أن يتقبل أي اقتراح لتحسين ذاته.

هذه بعض الأمثلة عن الخصائص السيكولوجية التي تجعلنا غير جذابين للآخرين.

الإعتقاد بوجود الله والإيمان بالله شيئان مختلفان.

لا قيمة للإعتقاد ما لم نختبره ونحيا به.

الإعتقاد الذي يتحول إلى اختبار يصبح إيماناً، والإيمان الراسخ لا يمكن نقضه أو مناقضته لأنه اقتناع بديهي بالحق وغير قابل للتزعزع. إنه قوة عظيمة ونتائجه فورية ومدهشة.

الإيمان يعمل بدقة متناهية وليس فيه احتمال للخطأ.

*  *  *

في عينيّ الإنسان تاريخ حياته بأسره، ولا يمكن حجبه عن الذين يحسنون قراءته.

هناك عيون روحية وعيون دنيوية.. عيون غادرة ماكرة وعيون شهوانية..

كل ما يفعله الشخص مدوّن في العينين، ولو حللت ما أراه في العيون لدهش الناس من فراستي.

يجب عدم فعل ما من شأنه تلطيخ العقل وتلويث النفس.

الأفعال الخاطئة تحدث ذبذبات عقلية سالبة أو شريرة تنعكس في مظهر الشخص وكيانه.

يجب القيام بتلك الأفعال، والتفكير بتلك الأفكار التي تغذي المزايا الطيبة التي نرغب بامتلاكها.

ومن يأخذ هذه الحقائق في الإعتبار سيجد أن حياته قد أصبحت جميلة على نحو رائع.

*  *  *

الأصدقاء الحقيقيون نادراً ما يسيؤون فهمنا.

بإمكانك التحدث بكل صراحة مع الصديق دون أن يُساء فهمك، ولكن لا يمكن للصداقة أن تنمو وتترعرع ما دام هناك أي تلميح أو مطالبة من الواحد نحو الآخر.

الصداقة يمكن بناؤها على أسس من الاستقلالية والمساواة الروحية فقط.

لذلك يجب أن يكون التعامل بين الأصدقاء من هذا المنطلق وعلى ضوء هذه الحقيقة.

إن أسأت معاملة شخص ما فلن تتذوق طعم صداقته.

يوجد كثيرون ممن يسيرون على دروب الحياة دون أصدقاء. ولا يمكنني أن أتصور كيف يستطيعون متابعة المسير!

الأصدقاء الحقيقيون نادراً ما يسيؤون فهمنا، وإن فعلوا فلوقت قصير فقط. إذا ما عبث أحدهم بثقتك وإخلاصك، تابع منحه محبتك وفهمك كما لو لم يحدث شيء، تماماً مثلما ترغب أنت بالحصول على الثقة والإخلاص.

ولكن إن استمر ذلك الشخص في تصرفه الدال على الإحتقار والحقد نحوك، وظل يصفع يد المودة الممدودة نحوه، فمن الأفضل أن تسحب يدك لوقت ما.
*  *  *



كل واحد منا سيؤخذ من هذه الأرض عاجلاً أم آجلا، ولذلك يجب إدراك غاية الحياة الآن.

الهدف الأكبر من تجارب الإنسان هنا هو تنشيطه وتشجيعه للبحث عن معنى الحياة وغايتها.

يجب عدم إعطاء الأهمية القصوى لهذا الموكب البشري.

وإذ تواصل قافلة الزمن مسيرتها، سندرك أخيراً أننا جزء من الوجود الأعظم، ولهذا السبب يجب أن نجعل معرفة الله غايتنا.

إن الخوف من الموت أو الفشل أو المتاعب أو الأحزان المؤلمة يوقظ في الإنسان هلعاً كبيراً.

عندما يعجز المرء عن مساعدة نفسه، وعندما لا تستطيع أسرته تقديم العون له يكون في حالة نفسية لا يحسد عليها. لكن الله لن يتخلى عن المؤمنين به الواثقين بقدرته على مساعدتهم.

قبل أن يكون معنا أي إنسان، كان الله معنا. وعندما نغادر هذه الأرض سيكون الله معنا.

إنما لا يمكن التعرف على الله ما لم نبذل المجهود الآن ونسعى بكل إخلاص للتواصل معه والتقرب منه.

*  *  *

في بواكير العمر كنت أعاني من حساسية مفرطة، ونتيجة لذلك كنت أنا من تألم بدرجة أكبر.

لقد كانت عملية من العذاب الذاتي. ولأنني كنت شديد الحساسية، فقد بدا لي أن الآخرين كانوا يستمتعون بإزعاجي وسلبي راحة البال.

لا تسمح لأحد بأن يسلبك سلامك.

لم تكن مضايقتي ناجمة كلياً عن تهكم الآخرين واستهزائهم، بل كان سببها أيضاً تحسسي من تعليقاتهم. وقد اكتشفت أنه كلما كنت أجادل مع المنتقدين كلما كانوا يستمتعون أكثر.

أخيراً عقدت العزم على أن أحداً لن يستطيع تدمير سلامي الذاتي، وقلت بيني وبين نفسي: "لينتقدوا ما شاءوا لكنني لن ألقي بالاً لانتقادهم بعد اليوم."

وهذا ما حدث، إذ تجاهلت تعليقاتهم اللاذعة غير العادلة ولم أتأثر بها تماماً كما لو كانوا غير موجودين. وتدريجياً فقدوا رغبتهم في التهكم وأصبحوا أصدقائي، وبعضهم اتبع طريقي.

من العبث محاولة طلب اللطف والإحترام من الآخرين، بل علينا أن نكون مستحقين لذلك عن جدارة.

إن كنا مخلصين مع الآخرين وإن أبدينا احتراماً نحوهم وبادلناهم الطيبة والمودة، سيعاملوننا دوماً باحترام.

كما ينبغي أن لا نشل إرادة الآخرين الطيبة نحونا بحساسيتنا الشديدة عندما ينتقدوننا انتقاداً بنّاءً، بل يجب أن نتعاون مع كل من يحاول مساعدتنا.

*  *  *


هذا العالم سيختبر دوماً مشاكل واضطرابات.

وبدلاً من الاستسلام للخوف والقلق، يجب أن يتوجه الإنسان إلى الله ويحصل على السلام والأمن والأمان، ليس فقط لنفسه بل أيضاً لأعزائه الذين وضعهم الله في عهدته.

يجب أن لا نكون شديدي التعلق بأحلام هذه الحياة العابرة وأن نكون بدلاً من ذلك على توافق وثيق مع الله.

خارج الله لا يوجد أمن في أي مكان. يجب أن ندرك صلتنا بالله علنا نتخلص من أحلام الوهم مرة وإلى الأبد.

بالتأمل على الله نشعر بحضوره السعيد ونتخلص من كوابيس الحياة.

*  *  *


تمرين لإراحة الجسم وتهدئة الفكر:

شد عضلات الجسم شداً معتدلاً باستخدام الإرادة.. وبقوة الإرادة قم بتوجيه قوة الحياة (أثناء عملية الشد أو التوتير العضلي) لتغمر الجسم أو أي جزء من الجسم بالنشاط.

أشعر بالطاقة تهتز وتنبض وتشحن الجسم وتنعشه بالحيوية.

استرح واشعر بفيض من الحياة والنشاط يسري في خلايا الجسم وأنسجته.

أشعر أنك لست الجسد، بل الحياة التي تعيل الجسد.

واشعر بالسلام والحرية وبالهدوء المتزايد الذي يأتي مع تطبيق هذا التمرين.

*  *  *

إن كنت موجهاً بالوعي الإلهي، فحتى إن بدا المستقبل قاتماً بالمرة ستتعدل مع ذلك الأوضاع وتتحسن الأمور ولن تفشل ما دمت تسير بنور الله وتستهدي بهديه.

يجب أن نتخلص من الفكرة بأن الله بكل قواه العجيبة بعيد في السماء، وبأننا ضعفاء ومطمورون تحت أكداس من المصاعب والمشاكل على هذه الأرض.

لنتذكر أننا لسنا وحيدين، وبأنه خلف إرادتنا البشرية تكمن الإرادة الإلهية العظمى، وأن من يطلب العون بصدق وإخلاص يحصل عليه بكل تأكيد.

*  *  *

كل ما في الكون مترابط وتجمعه بغيره صلة وثيقة.

ومن خلال الاستخدام الصحيح للعقل البشري الموهوب لنا من الله ندرك بأن الحياة كلها متصلة بالعقل الأسمى. -

قد نظن أحياناً أننا ألعوبة بيد القدر ولكن عندما نطلق وعينا إلى ما وراء الأشكال الوهمية المحدودة ونختبر مدى إدراكنا وفهمنا، نصبح على دراية بأن في داخلنا شرارة من القوة الإلهية التي تخلق وتعيل الحياة بأسرها، وأنها بانتظار الإيقاظ.

*  *  *

عقدة النقص هي وليدة إدراك خفي لضعف حقيقي أو متصوَّر.

وفي محاولة للتعويض عن ذلك الضعف، قد يلجأ بعض الأشخاص لارتداء درع من الكبرياء الكاذب وينتفخون غروراً.

الذين لا يعرفون السبب الحقيقي من وراء تلك الحالة النفسية غير السوية قد يقولون أن الشخص لديه عقدة تفوق.

كلتا العقدتين تشيان بعدم انسجام داخلي وهما مدمرتان للنمو الذاتي. إنهما وليدتا الخيال وتجاهل الحقائق، ولا تمتـّان بصلة لطبيعة النفس الجبارة.

يجب ترسيخ الثقة بالذات على أسس من الإنجازات الحقيقية والإدراك بأن النفوس المستنيرة لا ينقصها شيء لأنها غنية بالله.

*  *  *

للجهاز العصبي وظيفتان:

الأعصاب تسمح لنا بالتفاعل مع العالم. وقد اكتشف اليوغيون في الأزمان الغابرة أن الأعصاب تعمل أيضاً على وصل الإنسان بالله.

فقوة الحياة في جسم الإنسان تنساب عادة نحو الخارج، من الدماغ والعمود الفقري عبر الأعصاب إلى الحواس وتجاربها الحسية الخارجية.

وعندما يتم التحكم بقوة الحياة تلك – عن طريق التأمل– تعكس انسيابها نحو الداخل بدل الخارج، وتسحب معها الوعي إلى المحاور أو المراكز الشفافة حيث الإدراك الروحي ومعرفة الله.

العصبية - التي هي تنبيه مفرط للأعصاب - تقيد الوعي بالجسد، في حين يستدر الهدوء الوعيَ الإلهي.

عندما تقفل بالتأمل الطاقة الخارجية العصبية وتهدّئ نفسك، تنسحب قوة الحياة من الحواس إلى مراكز الوعي الروحي ويحصل عندئذ تواصل بين جهازك العصبي والوعي السامي فتشعر بالحضور الإلهي وتصبح في أرض النور ما وراء منطقة النوم واللاوعي.

*  *  *

كثيرون مهتمون بنضارة الشباب، إذ بطريقة أو بأخرى الكل يبحث عن "ينبوع الشباب الدائم" ولكن ما هو الشباب؟

جميع صغار السن ليسوا بالضرورة شباباً إذ بعضهم قد شاخ فعلاً ويبدو منهكاً أكثر بكثير من عمره الحقيقي.

وفي المقابل، هناك بعض كبار السن ممن يحافظون على شبابهم بالرغم من تقدم العمر بهم. فهم يحتفظون بعقولهم فتية، وحيويتهم تنساب من أرواحهم النشيطة إلى أجسامهم ووجوههم، ودماؤهم تنبض بفرح الوجود.

على نقيض ذلك، هناك أشخاص سلبيون، مزاجيون، مكتئبون، مولعون بالإنتقاد، ومثبطون للهمم، وكأنهم فارقوا الحياة – طالت أعماركم.

لا مبرر للحالات النفسية المغلوطة. يجب أن نكون دائماً إيجابيين، متفائلين، مفعمين بالحياة والنشاط، مقدرين نعم الله ومغمورين بفيض من الشباب النفسي المنبثق من أعماق كياننا.

*  *  *

يا إخوتي وأخواتي في هذا العالم، أرجو أن تتذكروا بأن الله واحد وبأننا أفراد أسرة كونية واحدة.

وعلى هذا الأساس يجب أن نتبنى وسائل بنّاءة لمساعدة بعضنا بعضاً.. مادياً ومعنوياً ومالياً وروحياً كي نصبح مواطنين مثاليين في أرض الله هذه.

لو حاول كل فرد - في مجتمع تعداد سكانه ألف نسمة - اللجوء إلى أساليب الغش والخداع والقتال لإثراء نفسه على حساب الآخرين، لكان لكل واحد 999 عدواً.

في حين لو حاول كل واحد أن يتعاون مع الآخرين ويعمل معهم وليس ضدهم، لكان لكل واحد 999 صديقاً.

وبالمثل، لو ساعدت كل البلدان بعضها البعض عن طريق المحبة، لنعمت الأرض بالسلام ولكان هناك الكثير من الفرص لتحقيق حاجيات الجميع وتعزيز رفاهيتهم.

*  *  *

العارفون الواصلون يجمعون في ذاتهم المزايا المثالية: الرجولية والأنثوية.

عندما يحقق الإنسان حالة التوازن التام بين العقل والشعور، يكون قد تعلم واحداً من أهم الدروس التي أتى إلى هذه الأرض من أجلها.

يجب على الإنسان أن يدرك بأن طبيعته الجوهرية هي روحية وليست جسدية.

عندما ينظر الرجل والمرأة إلى بعضهما كوسيلة لإشباع غرائزهما فإنهما يجازفان بتدمير الوئام وفقدان السعادة الحقيقية.

يجب على الرجل أن يُشعِر المرأة بأنها ليست معه لمجرد تحقيق شهواته الحسية، بل كشريكة ورفيقة، يقدرها ويحترمها ويعتبرها تعبيراً لأروع مظاهر الحياة وأسمى معانيها، وعلى المرأة أيضاً أن تنظر للرجل بنفس الكيفية.

عندما يحب الزوج والزوجة بعضهما محبة نقية وصادقة يختبران توافقاً تاماً على المستوى الجسدي والعقلي والروحي.

وعندما يعبّران عن حبهما تعبيراً راقياً تكون النتيجة اتحاداً موفقاً وسعادة متجددة.

*  *  *

عندما لا يكون الإنسان سعيداً في حياته فإنه يدرك ذلك تمام الإدراك في قرارة ذاته.

هناك طريق مباشر وحيد للسعادة وهو التواصل مع الله.

الله لن يهجر الواثقين به ولن يخذل محبيه أبداً.

العارفون يمكنهم أن يرسموا معالم الطريق وينبّهوا إلى مواضع العقبات والمطبات، لكن على المريدين الجادين أن يبذلوا المجهود ويقطعوا المسافة بأنفسهم.

في التناغم الروحي مع العارفين الذين هم على صلة فعلية بالله فائدة روحية للراغبين في السير على الطريق وبلوغ الهدف المنشود

*  *  *

طمأنينة النفس

عندما تفقد الهموم الحارقة حرارتها
تبزغ الطمأنينة برداً وسلاماًً.

إنها الصارية البيضاء لقارب الحياة
يملؤها نسيم السعادة الدائمة، الخالية من الإثارة
فتدفع القارب دفعاً رفيقاً على صفحة بحيرة الرضى.

الطمأنينة هي نهر القناعة
المنساب رقراقاً في اتجاه بحر السكينة
بمعزل عن أمواج الهموم.

إنها مظلة الروح
المنتشرة فوق عقل الإنسان وقلبه
لتقي أفراح حياته، صغيرها وكبيرها
من أمطار الخوف والقلق.

إنها النغمة السماوية
المنبثقة من قيثارة الحياة.
وهي الملح المقدس
على مائدة العمر،
والرذاذ المتطاير من شلالات الإنجاز
وهي المزاج الرائع الرائق
الذي به تساس مملكة النفس
بوئام وانسجام.

الطمأنينة ليست حكراً على الخلوات المنعزلة
ولا هروباً من الجلبة والضوضاء.
بل تأتي إلى حيث ترحب بها القلوب
وتمكث حيث تأنس بها النفوس
بغض النظر عن الزمان والمكان.

إنها زهرة رقيقة حساسة
لا تتحمل اللمسات الخشنة
بل تحيا وتزهر وتزدهر
إن هي سقيت بمياه الطيبة المنعشة.

الطمأنينة هي بحيرة الشعور الساجية
الخالية من تغضنات الأحزان
التي تذرف دموع الخوف
لأقل هبّة من هبّات الجزع والكدر.

عندما تغطي صفحة النفس المطمئنة
طبقة من الثلج الأبيض الناصع النقي:
ثلج الهدوء وراحة الضمير
فلن تقوى عواصف المخاوف وأعاصير الهموم
على تعكير الصفاء والسكينة
تحت هذه الطبقة الصلدة اللامعة
لهذا التلألؤ المبارك الوضاء.

*  *  *

الصداقة هي أنقى صور الحب الإلهي
لأنها وليدة الخيار الحر للقلب
ولا تفرض علينا بغريزة عائلية.

الأصدقاء المثاليون لا يفترقون أبدا

ولا يقدر شيء على قطع وشائج مودتهم الأخوية.

إن كنز الصداقة هو أثمن الممتلكات
لأن الصداقة الحقيقية تلازم الروح
إلى ما وراء حدود هذا العالم.

جميع الأصدقاء الذين جمعتنا بهم أواصر المودة
سنلتقيهم ثانية في البيت السماوي
لأن الحب الحقيقي لا يموت أبداً.

*  *  *

كثيرون يأتون إلى الطريق الروحي، لكن الذين يثابرون حتى النهاية سيتذوقون الغبطة الروحية وينعمون بالسلام الحقيقي.

المريدون الصادقون - الذين يدركون أن طرق العالم الموحلة المظلمة تقود إلى الخيبة والإحباط – يتوجهون إلى الله ويبحثون عنه بكل إخلاص، ولا تراودهم الشكوك بقدرته على نجدتهم وجبر خواطرهم.

وسواء حصل المريد من الله على استجابة ملموسة أو لم يحصل، لا يفقد ثقته به بل يواصل مناجاته له في أعماق روحه، متيقناً أنه يسمع الدعاء وبأنه سيستجيب لنداء القلب في الوقت المناسب.

*  *  *

كل جزء من المادة غير قابل للفناء، وكل موجة من الطاقة غير قابلة للتلاشي حسبما برهن العلم.

وهذا ينطبق أيضاً على نفس الإنسان أو جوهره الروحي غير القابل للفناء.

المادة تخضع للتبدل، ونفس الإنسان تختبر تجارب متغيرة.

التغير النهائي يدعى موتاً، لكن الموت أو تغير الشكل لا يغير الجوهر الروحي ولا يدمره.

*  *  *

يا سيد الأكوان وحبيب القلوب، لتواكبنا عنايتك. دعنا ندرك بأنك الملك الرباني الأوحد المتربع على عرش طموحاتنا.

خلف بوابة الحياة والموت، أنت يا رب الهدف الأوحد والأسمى.

أنت الحياة الحقيقية، ولا وجود للموجودات بدونك.

باركنا كي نرى الخير ونسمع الطيب ونفكر الأفكار الملهمة والنافعة.

المتواضعون هم عظماء الدنيا.

يجب على المريد أن يبحث عن الله بنفسه، إذ لا يستطيع أحد أن يمنحه تلك المعرفة، بل يتعين عليه أن يعمل للحصول على الجائزة الكبرى.

عندما يعقد المريد العزم للعثور على الله ويقرن التصميم بالتأمل الجاد سيعثر عليه.

حالما تلامس الحضور الإلهي تتخطى قانون السبب والنتيجة.

السعادة التي يتصورها الإنسان ويبحث عنها موجودة في الله، والذين على تواصل معه هم السعداء حقاً.

باركنا يا رب كي نمنحك المقام الأول في حياتنا وكي لا نسمح لمغريات العالم بأن تنافس حبك في قلوبنا.

فلنفتح قلوبنا للحب الإلهي كي يدخل حياتنا ويغمرها بالنور ويزينها بورود السعادة.

كل عمل طيب نقوم به هو استثمار رابح إلى الأبد.

خلف وعي الإنسان المحدود تكمن قوة الله اللامتناهية.

الحياة البسيطة تمنح الحرية.

عندما تهدأ الأفكار يصبح بالإمكان الإصغاء للبرنامج الإلهي عن طريق لاسلكي الأشواق.

وعندما نمتلك الإخلاص نجذب المخلصين إلينا، ونشعر بطيبة ومحبة الله من خلالهم.

*  *  *

مهما كان عمرك، إن قلت "أستطيع" فأنت شاب.

العقل الذي وهبه الله لنا هو أداة جبارة ويريدنا أن نستخدمه في عمل الخير.

كلما تأملت على الله في داخلي كلما بدا لي حضوره بوضوح أكبر في العالم من حولي.

*  *  *

باركنا يا رب واجعلنا نحبك حباً عظيماً
حتى نتذوق حضورك وننتشي بك
كل يوم من أيام حياتنا
بحيث يعجز العالم ومغرياته عن امتلاك قلوبنا
أو تشويشنا وصدنا عن التفكير بك.

باركنا كي نعيش كل يوم بنورك وسلامك
ولنتشوق إليك ونتلهف على التواصل معك
بدلاً من التلهف على أمور دنيوية لا ديمومة لها.

وجّه مسار حياتنا نحوك
بحيث عندما تحاول العادات السيئة
الإستحواذ علينا وربط وعينا بقيود الدنيا
تنطلق أفكارنا على جناح السرعة إليك.

العالم، يا رب، يخلق بنا القلق
في حين التأمل عليك
يجلب الأمن والطمأنينة لنفوسنا.

أنت حياتنا
وأنت حبيبنا
وحلاوة وجودنا.

بأعمق إخلاص نسجد لك
يا سيد قلوبنا.

نسألك أن تملأ حياتنا بحبك
وأن تظهر ذاتك لنا
ولكل مريديك ومحبيك.



 
تفضلوا بزيارة صفحة المعلم برمهنسا يوغانندا على الفيسبوك
وأيضاً موقع سويدا يوغا
  لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء الضغط على Older Posts أو  Newer Posts
في أسفل الصفحة



ملاحظة: إسم المعلم برمهنسا يوغانندا يكتب أحيانا برمهنسا يوجانندا أو برمهنسا يوجنندا والبعض يكتبه باراماهانزا أو باراماهانسا يوجاناندا
يوغا  برمهنسا يوغانندا 

No comments:

Post a Comment