Monday, December 31, 2012

السبب الأساسي للألم -

إن ارتباط الذات الروحية بالجسد والعقل هو السبب الأساسي لكل آلامنا وقيودنا وتقييداتنا وتقصيرنا وقصوراتنا.  وبسبب هذا الارتباط نشعر بالإثارة كالألم واللذة لدرجة لا يمكننا معها الإحساس بالغبطة أو الوعي الإلهي.  فالدين في جوهره يشتمل على التلافي الدائم للألم وبلوغ الغبطة النقية أو الله.
وكما أن صورة الشمس الفعلية لا يمكن رؤيتها واضحة في سطح الماء المرتج، هكذا الطبيعة الحقيقية المغبوطة للنفس الروحية (انعكاس الروح الكلي) لا يمكن فهمها وإدراك كنهها بفعل أمواج الاضطراب والقلق الصادرة عن تماهي النفس مع حالات الجسد والعقل المتقلبة المتغيّرة.  فكما أن الماء المخضوض يشوّه صورة الشمس الحقيقية، هكذا يشوّه الفكر المضطرب طبيعة النفس الباطنية دائمة الغبطة بفعل ذلك التماهي أو الارتباط.
الغرض من هذا الفصل هو بحث أسهل وأصوب وأنجع الطرق التي يمكن للجميع ممارستها، والتي من شأنها تحرير الذات الروحية دائمة الغبطة من ارتباطها الأليم بالعقل والجسد، وبالتالي تجنيبها الدائم  للألم والمعاناة والارتقاء بها إلى الغبطة الروحية التي هي لب الدين.
تقول كتب الحكمة الشرقية:
"إن استطعت أن تسمو على الجسد وأن تدرك أنك روح، لامتلكت الغبطة الأبدية، ولتحررت من كل ألم."
 هناك أربع طرق دينية جوهرية عالمية تساعد ممارستها اليومية على تحرير الذات الروحية من قيود الجسد والعقل. وهذه الطرق الأربع تشمل كل الممارسات الدينية المعقولة والتي علـّمها أو أوصى بها الأنبياء والقديسون والحكماء المستنيرون.
الممارسات الدينية هي ما أقرّها الأنبياء ولقـّنوها في صورة مذاهب متعددة.  ذوو البصائر المحدودة يقصرون عن فهم الأهمية الفعلية لهذه المذاهب فيتقبلون معانيها الظاهرية وتدريجياً يهبطون إلى مستوى الطقوس والشعائر والأشكال والعادات والتقاليد والممارسات الصارمة. وهذا هو مصدر التعصب للأحزاب والطوائف.
يجب أن ندرك أننا لم نـُُخلـَق للأحكام والقوانين ولكنها وُجدت من أجلنا، فهي تتغير بتغيّرنا وتتطور بتطورنا، ومن واجبنا التمسك بجوهر القاعدة لا بمظهرها الخارجي بجهل وتعصّب.
العادات وصنوف العبادات تختلف باختلاف المذاهب، لكن الجوهر النقي لمذاهب الأنبياء المختلفة هو واحد في صميمه، غير أن معظم الناس لا يفقهون ذلك!
كبار المفكرين يحاولون التعرف على الحق الأسمى باستخدام قواهم العقلية فيخفقون في مسعاهم لأن الحقيقة العظمى لا يمكن إدراكها عن طريق المعرفة العقلية وحسب.
المعرفة تختلف عن الفهم المجرد.  فمن غير المعقول أن نفهم بالعقل حلاوة العسل إن لم نكن قد تذوقنا العسل من قبل. وبالمثل فإن المعرفة الدينية تبزغ من أعماق تجربة النفس البشرية. هذا ما نفعله غالبا عندما نحاول فهم الله والمذاهب الدينية والأخلاقية، إذ نادراً ما نسعى لمعرفة هذه الأمور عن طريق التجربة الروحية الباطنية.
ومن المؤسف أن ذوي القوى العقلية القادرين على استخدام عقولهم للكشف عن حقائق العلوم الطبيعية وحقول المعارف الأخرى يظنون أن باستطاعتهم أن يدركوا بالعقل الحسي أسمى الحقائق الدينية والأخلاقية. لكن وللأسف فإن عقول هؤلاء وقواهم المفكرة بدلاً من أن تكون عوناً لهم غالباً ما تعمل كحواجز تصدّهم وتحول دون تعرفهم على جوهر الحقيقة.
والآن دعنا نلاحظ الطرق الدينية الأربع التي تميّز النمو الروحي:
أولاً: الطريقة العقلية - وهي الطريقة الطبيعية الشائعة لكنها غير فعّالة من حيث الإدراك السريع للغاية. إن التطوّر والنمو العقلي هما أمران طبيعيان ومشتركان لكل الكائنات المدرِكة.  إن وعينا بالذات هو ما يميّزنا عن الحيوانات الدنيا التي تتمتع بدرجات متفاوتة من الوعي ولكن ليس وعياً بالذات.
وفي مراحل وعمليات النشوء والارتقاء نجد أن هذا الوعي يصبح تدريجياً وعياً بالذات. فمن الوعي الحيواني يبزغ الإحساس بالذات، وتدريجيا يحاول الوعي تحرير ذاته ومعرفة ذاته بذاته. وهكذا ينتقل إلى الوعي بالذات؛ وهذا الانتقال مردّه سنـّّة النشوء والتطور.  فالنفس البشرية المرتبطة بالعديد من الحالات الجسدية والعقلية تحاول تدريجياً وبكيفية طبيعية الرجوع إلى ذاتها عن طريق ذاتها.
وتنمية عملية التفكير الواعي هي إحدى الطرق التي تختارها الذات الروحية كي ترتقي بذاتها وتتحرر من القيود الجسدية والروابط العقلية.  ومجهود الذات الروحية في الرجوع إلى ذاتها عن طريق تنمية الفكر والتفكير هو أمر طبيعي. تلك هي طريقة العالم.
الروح الكلي يعرب عن ذاته في مراحل مختلفة من النمو:  من الأدنى إلى الأعلى. في الحجر والتراب لا يوجد وعي أو حياة بالكيفية التي ندركها، أما في الأشجار فهناك نمو نباتي، أي اقتراب من الحياة. ومع ذلك لا توجد حياة طليقة غير معوّقة أو عملية تفكير واعية على الإطلاق. في الحيوانات توجد حياة ويوجد وعي بالحياة.  أما في الإنسان – الذروة – فتوجد حياة مع وعي بها، إضافة إلى وعي ذاتي داخل النفس.  لذلك من الطبيعي للإنسان أن يطوّر ذاته عن طريق التفكير والتحليل والتأمل من خلال الدراسة المعمقة للكتب، وعن طريق  البحث والتنقيب والتمحيص والتجريب ومحاولة الوصول إلى أصل العلل والمعلولات في العالم الطبيعي.
- الحكيم برمهنسا يوغانندا
ترجمة محمود عباس مسعود
مزيد من خواطر وتعاليم المعلم برمهنسا في سويدا يوغا


No comments:

Post a Comment