Wednesday, May 2, 2012

الفكر سلاح ذو حدين

شجرة الأماني.. ماذا تحقق
للمعلم برمهنسا يوغانندا

في سالف الأزمان عاش ناسك متعبد في إحدى البلدان وأمضى سنيناً طويلة متنقلاً بين الجبال بحثاً عن شجرة نادرة تدعى شجرة الأماني.

الأساطير تقول أن هذه الأشجار العجيبة غرستها حوريات الجنة ولا يعثر عليها إلا المتقشفون مكافأة لهم على ممارساتهم الجادة لرياضات روحية صارمة. ويقال بأن لهذه الأشجار القدرة على تحقيق أماني وأشواق كل من يجلس تحت أغصانها.

هذا الناسك أحس في قرارة نفسه بأنه يستحق العثور على تلك الشجرة بفضل جهوده المتواصلة وتذوقه الإختياري لشظف العيش والالتزام بنهج الإنضباط الدقيق الذي رسمه لنفسه. ولكن مع كل هذه النشاطات والرياضات كانت هناك دروس لم يتعلمها بعد. صحيح أنه كان يرغب في الحصول على الإستنارة لكنه كان يمتلك أيضاً رغبات أخرى أقل شأناً.

من بين تلك الرغبات كانت رغبة العثور على شجرة أماني. فالمسالك الجبلية الوعرة أكلتْ (شقفة أو شقفات) من قدميه الحافيتين في بحثه المتواصل الحثيث عن مُنية القلب ورغبة الرغائب. وكان إحساسه الباطني يؤكد له دوماً أن تحقيق الوطر أمر حاصل وأن الشجرة في الإنتظار كثمرة طبيعية لجهوده الروحية التي تفوق طاقة واحتمال الشخص العادي.

كان صاحبنا مصيباً في حدسه. ففي إحدى الوديان في مرتفعات الجبال عثر على شجرة ذات أوراق عريضة عرف للفور ببصيرته أنها الكنز الذي طالما بحث عنه وتشوق للعثور عليه.

بلهفة وعلى الفور اقترب من أغصان الشجرة المرحّبة وجلس تحتها. ولكي يختبر القوى الخارقة لهذه الشجرة الفريدة أغمض عينيه وقال في نفسه: "إن كانت هذه بالفعل شجرة أماني، فلتجسّد لي قلعة حصينة!"

وما أن مرّ الخاطر في ذهنه حتى بزغ بجانب الشجرة صرح فخم تحيط به حدائق غناء فيها ما فيها من الورود الناضرة والرياحين العابقة والأشجار الباسقة.

ابتهج لهذه المعجزة وغمرته نشوة الظفر بأعز أمنياته، إذ عثر أخيراً على الشجرة التي طالما بحث عنها. ولم ينتظر طويلا قبل أن يعرب عن أمنيته التالية، فقال: "أريد أن أرى من حولي جوقة من الصبايا يقدمن لي أفخر وأشهى المأكولات على أطباق من ذهب ويسقينني شراباً ولا أطيب من أباريق فضية في كؤوس مشعشعة كالإبريز المتوهج.

ومثل لمح البصر تحققت أمنيته إذ وجد أمامه مائدة عامرة عليها من كل ما لذ وطاب في صحون ذهبية وحوريات بارعات الجمال يقدمن له ألواناً من الطعام والشراب تليق بالملوك والأمراء.

وإذ أدرك أن القلعة الجديدة وما حولها من رياض وبساتين تحتاج إلى أمن وحراسة طلب من الشجرة أن تجسّد له جيشاً قوياً لحمايته وصيانة كنوزه الجديدة. وعلى الفور ظهر جيش جرار وعسكـّرَ قرب القلعة، وقد وقف الحراس بكامل عدتهم وعتادهم عند أبواب القصر لتوفير الحماية اللازمة.

وبعد أن استمتع بالمأدبة المترفة الباذخة راح يتفقد صرحه الجديد. فصعد الدَرَج الرخامي الصقيل وتمشى في الحجرات المرصعة بالجواهر ذات البريق الأخاذ.

أخيراً تعب ناسكنا المحظوظ من المشي فالتمس السكينة والراحة في إحدى غرف الطابق الأرضي. وكانت النوافذ المنخفضة لتلك الغرفة تظللها أغصان مديدة لشجرة الأماني المجيدة.

وإذ استلقى على سرير قريب من النافذة لاحظ أن الأغصان الكثيفة لشجرة الأماني قد حجبت النور عن النافذة فشعر بالوحدة وتسرّب الخوف إلى قلبه. ولم يقطع حبل السكون سوى بعض أصوات راح يتساءل عما إذا كانت آتية من الحديقة أو صادرة عن حيوانات الغابة الكاسرة التي تسرح وتمرح وتصول وتجول خلف جدران القصر.

وإذ تعاظم قلقه اجتاحت عقله فكرة قوية فقال بينه وبين نفسه: "صحيح أنه يوجد هنا جيش جبار لحمايتي، لكنني لا أرى جندياً واحداً يقف قرب هذه النافذة، والنافذة غير محمية بشبكة من القضبان الحديدية. فماذا لو تمكن نمر من نمور الغابة من الدخول من النافذة؟ والحالة هذه سيفترسني وستكون النهاية بالنسبة لي.

وما أن راودته فكرة الخوف تلك حتى انقضّ نمر كاسر من النافذة فحمل الناسك المرعوب وانطلق (ليتعشى به).

للأسف لم يكن حضرة الناسك يدرك أن شجرة الأماني لا تميّز بين الأفكار الصالحة والطالحة.  فغايتها هي تحقيق الأفكار التي تعتمل في نفوس أصحابها. وبالفعل فقد جسّدت شجرة الأماني التصوّر الذهني القوي للناسك وتلك كانت أمنيته الأخيرة.

كل إنسان يعيش تحت شجرة أمانيه السحرية التي تحقق له كل رغباته. تلك الشجرة هي الإرادة.

فمن لم يحسن بعد التحكم بأمانيه ورغباته وأفكاره فليحمد ربه لأن أفكاره غير المنضبطة لا تتحقق على الفور، وإلا لتسببت تلك الرغبات الجامحة بتجسيد تلقائي لنمور نحس تنقضّ على صاحبها وعلى الآخرين.

مغزى القصة هو أهمية حصر الفكر بالأشياء الإيجابية الطيبة أثناء الجلوس تحت أغصان شجرة الأماني التي هي ليست سوى إرادة الإنسان وفكره الجبار.

أما تركيز الفكر على الخوف والفشل والمرض والجهل فقد يتسبب في بزوغ غيلان من عالم الفكر غير المنظور، تخلق له مشاكلَ لا تنتهي وتفاجئه بما لا يشتهي.

والسلام عليكم

ترجمة: محمود عباس مسعود


مزيد من تعاليم المعلم برمهنسا في موقع سويدا يوغا
 




No comments:

Post a Comment