Friday, July 1, 2011

برمهنسا يوغانندا - مفهوم الصداقة

الصداقة: الأسس والديمومة

تعاليم المعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

مزيد من أفكار وأشعار المعلم

برمهنسا يوغانندا Paramahansa Yogananda

على الرابط التالي:

www.swaidayoga.com

هل الصداقة رداء مبارك منسوج من خيوط القلب؟

أم هل هي امتزاج عقلين في عقل واحد مترامي الأبعاد فسيح؟

أم نافورتا حبٍ منبثقتان من ينبوع واحد

لتعزيز فيض المحبة وإرواء تربة النفوس العطشانة؟

أم هل هي وردة وحيدة وسط غصنين نابتين على أيكة الفهم الودود؟

أم تفكير واحد في جسمين اثنين؟

وهل يمكن تشبيه الصداقة بجوادين

يسحبان – بالرغم من اختلاف لونيهما - مركبة الحياة معاً

نحو هدف سامٍ برؤية موحدة؟

أتقوم الصداقة على أسس التفاوت أم المساواة؟

وهل تشادُ جدرانها بحجارة التباين والتمايز ؟

وهل هي توافق أعمى على الخير والشر

والسير بهمة وابتهاج على دروب الطيش والحماقة

نحو هوة الخيبة وانجلاء الأوهام؟

الصداقة نبتة شريفة ومثمرة ومقدسة!

عندما يتعاهد اثنان على الوفاء المقيم

ويسيران على دروب الحياة بالرغم من عدم التوافق في الرأي..

وعندما يختلفان ويتفقان بمودة واحترام

فيعضد أحدهما الآخر .. ويتمنى له الخير كما لنفسه

ويفرح بنجاح صديقه فرحه بنجاحه..

حيث لا ينشد المحب المتعة أو الراحة على حساب المحبوب

عندئذ.. في روضة الإيثار تلك

تزهر وتزدهر الصداقة فتـنـتـشـي بعطر المحبة والإخلاص.

لأن الصداقة نبتة هجينة، مولودة من نفسين

وعبيرها منبثق من وردتين مختلفتين

ومحمولٌ على نسمات الحب الراسخ

الذي لا تهزه نائبة ولا تشوبه شائبة.

تولد الصداقة من قلب المحبة التي لا يمكن تفسيرها

وتنبجس ثرة من ينابيع المشاعر النقية.

وتنمو في تربة التوافق والاختلاف.

لكنها تهجع..تتجمد.. وتقضي في التباسط الزائد وانعدام الاحترام المتبادل

كما تختنق وتلفظ أنفاسها الأخيرة تحت أكداس الرغبات الأنانية الكثيفة.

أما قلبها الرقيق فلا يقوى عليه سوى التوقعات والمتطلبات..

والمخادعة والتضليل..

والريبة وحب التملك

والكلام المبطن الواخز الجارح

أجل.. هذه الآفات تعمل عملها في نبتة الصداقة وتنهش قلبها الورديّ نهشا.

أيتها الصداقة.. يا نبتة السماء الزاهرة الندية..

بيئتك المثالية هي التربة الغنية بالحب المجرد عن كل غاية وهوى..

حيث يسعى الأصدقاء لبناء وتدعيم بعضهم البعض

وتمهيد الطريق الواحد للآخر على طول الدرب..

لا شيء يروي جذورك أيتها الصداقة

غير مراعاة المشاعر واحترام أصحابها

ولا شيء يرطب أوراقك سوى رذاذ العذوبة المنهمر شفافاً

من سماء القلوب المخلصة المحبة..

أيتها الصداقة الصادقة..

حيثما تتناثر أوراق ورودك

تتقدس تلك البقعة

فتصبح معبداً مباركاً

يؤمه كل مؤمن بالله وبقدسية الحياة.

بينما كان أحد الشيوخ مستلقياً على الحشائش الخضراء أمام بيته المطل على نهر الغانج، وكانت شمس حياته قد آذنت بالغروب، سأله أحد الشباب السؤال التالي: يا شيخ، لو أعيدتْ عقارب الساعة إلى الوراء وأعطيتَ فسحة جديدة ومديدة من العمر فماذا كنت ستفعل؟

أجاب الشيخ بشفتيه المرتعشتين: "يا بني، لو حدث ذلك لكنت أود أن أصرف نصف عمري مع أصدقائي القدامى والنصف الآخر في بناء صداقات جديدة."

تلك هي عذوبة الصداقة التي تمد جذورها في تربة النفس وتبعث العزاء في القلب والروح حتى الرمق الأخير. الصداقة الصادقة بالنسبة لفلسفة اليوغا هي مطلب لازم للتقدم الروحي. فمن خلال الصداقة يتخلى الإنسان عن أنانيته فيتمدد وعيه في مجالات فسيحة ومريحة تعود عليه وعلى الغير بالنفع والخير. فالصداقة هي هبة إلهية وكل من يمتلكها ويعرف قيمتها محظوظ ويستحق التهنئة، لأن الإمتداد هو نمو وتفتح.

لولا الأصدقاء الطيبون لكانت الحياة كرمل الصحاري الجاف، فما أصعب الحياة بدون أصدقاء وما أبهجها معهم!

الحياة هي سلسلة من المفاجآت غير السارة تتخللها أحزان وإحباطات لا نهاية لها. لكن وجوه الأصدقاء المشرقة بالابتسامات العذبة تجعل من تلك الحياة منبعا للفرح وتحولها إلى روض بهيج من الأزاهير والورود الناضرة.

ذات مرة التقى فيلسوفٌ كئيب فلاحاً أمياً في غاية السعادة، فسأله عن سر سعادته وسط حياة كلها صراع واكتئاب. فابتسم صاحبنا الفلاح وبفرح غامر أجاب قائلا: "لأنني لست وحيداً في الصراع إذ عندي لله كوكبة من الأصدقاء المحبين هنا وهناك أثق وأعتز بهم وبصداقتهم الثابتة كالصخرة التي تتكسر عليها الأمواج المتلاطمة."

المفكرون يقللون أحياناً من أهمية الصداقة التي هي مكسب ثمين بالنسبة للشخص العادي. إذ بالرغم من كل القوى المعاكسة التي تحاول أن تسد منافذ الحياة وتضع العصي في العجلات والعراقيل على الدروب، تبقى الحياة متألقة بالسعادة النابعة والنابضة من قلب الصداقة والأصدقاء الأوفياء.

وهذه الصداقة عندما تكبر وتتوسع تضفي معانيَ جديدة على الحياة وتجعلها أكثر بهجة ورونقا، بل وأكثر قدسية. ذات مرة فقدَ أحد المستثمرين كل أمواله في سوق المال. وبدلا من أن يولول ويندب حظه العاثر قال: "دوام الحال محال، إنما ما من شيء يبقى راسخا في ذاكرتنا سوى الصداقة الحقة."

أجل، ما من شيء يمنح النبل والسمو لشخصية الإنسان ويغذي روحه كالأصدقاء المحبين. الناس لا يقدّرون قيمة الحياة إلا بعد فقدانها. هذا صحيح وينطبق على الأصدقاء الأعزاء الذين غالبا ما لا نقدرهم حق قدرهم إلا عندما يفارقوننا.

الصداقة النبيلة تسمو بالنفس وتأتي إليها بإشعاعات محيية من العزيمة والقوة والفرح. أما الأنانيون الذين لا يفكرون إلا بمصالحهم ومنافعهم الشخصية فيبقوا متقوقعين داخل أفقهم الضيق المحدود، ولا يكتسبون شيئا يذكر في الحياة، لأن الحياة مبادلة ومشاركة، أخذ وعطاء، استفادة وإفادة. وهذا هو ناموس الوجود.

التاريخ يخبرنا أن والدة الشاعر الإغريقي الأشهر هوميرس دمرت مملكة بكاملها بسبب أصدقاء مزاجيين متقلبين. أما الحكيم نارادا الذي أصبح متنورا فقد كان ابن عبدة لكنه طمع بصداقة الحكماء المتنورين فاستفاد الكثير من مصاحبتهم وأصبح واحدا منهم. لكن كيف تسنى له مقاربتهم بالرغم من أصله الوضيع؟ الجواب هو أنه كان مثابراً وجادا في مسعاه، والله لا يحرم المخلصين ذوي النوايا الطيبة من تحقيق آمالهم وبلوغ ما يصبون إليه في الحياة. لقد ابتدأ بخدمة الحكماء وانتهى بمصاحبتهم ويا له من إنجاز كبير! فصحبة العظماء تلهمنا الشوق لبلوغ آفاق بعيدة وسعيدة وتستحثنا لمواصلة السير دون تلكؤ حتى نبلغ محجتنا.

لقد ساعدته مصاحبة الحكماء على فتح بصيرته على خفايا الوجود فانتعشت أحاسيسه وتجددت قواه وثمل قلبه بموسيقى الأفلاك، فامتلأ طيبة وصلاحا وفتحت أبواب الخير في وجهه.

الصداقة إذاً هي تعاطف كوني. فليغسل الإخلاص كل الشوائب من العقل والقلب حتى تتواصل القلوب وترتبط المشاعر وتتعزز الأواصر بين الناس. عندما تتلبد السماء بالغيوم تحجب الشمس ولا نبصر سطوعها. وبالمثل فعندما لا تكون الصداقة مؤسسة على الوفاء والإخلاص يحتجب التعاطف الكوني ولا يمكن للإنسان أن يحس بلمسته.

المغناطيس وحده يمغنط والصداقة الصادقة تؤثر إيجابيا في شخصية الإنسان، وهي ضرورة ملحّة للنفس وصفة ملازمة لها. وهي تعمل بموجب إيقاع التجاذب الكوني، لأن التجاذب ذو طبيعة كونية. ويقال أن القمر الباسم يجذب المياه الراقصة على الأرض مثلما تجذب الشمس الجبارة الكواكب السيارة. ومثلما تجذب البرودة الثلج والالكترونات تجذب البروتونات هكذا تجذب القلوبُ القلوبَ والنفوسُ النفوسَ.

وفي هذا الصدد سألت فتاة هندية والدها، وكانت شعلة من الذكاء: "لماذا يا أبتِ نلاحظ هذا التعاطف الكوني يسري في عروق الحياة والكائنات والموجودات على اختلافها؟"

فأجابها والدها الفخور بابنته اللامعة:

"هذا يحدث يا بنيتي العزيزة لأن روحاً كونية تكمن في قلب كل شيء. البعض يدعونها الحق السرمدي، وآخرون يسمونها الحقيقة المطلقة أو الذات العليا أو النفس الكلية. وكل ما في الوجود متصل بتلك الروح بأسلاك غير مرئية، مثلما ترتبط الكائنات ببعضها من خلال ذلك التعاطف الفطري الحميم والكريم.

الصداقة هي أسمى تعبير بشري لرغبة الله في إظهار حبه للإنسان.

الله يغدق العطف والحنان على الوليد من خلال الأب والأم.. فشعورهما نحو الرضيع فطري غريزي، لأن الله قضى بأن لا يمكن لأبوينا إلا أن يحباننا. أما الصداقة فتأتينا كتعبير نقي عن محبة الله غير المشروطة لنا.

غريبان يلتقيان، وباختيار فوري لقلبيهما يرغبان في مساعدة أحدهما الآخر. هل سبق وحللت هذه الظاهرة؟ إن الرغبة التلقائية المتبادلة للمصاحبة تأتي مباشرة من قانون الجذب الإلهي المقدس. فأفعال الصداقة المتبادلة والمعززة بين نفسين من حيوات سابقة تخلق تدريجياً رباطاً روحياً يجتذبهما لبعضهما في هذه الحياة – أينما كانوا – بكيفية لا تقاوم.

وما لم يتلوث هذا الدافع بالأنانية والإنجذاب نحو الجنس الآخر، فهو طاهر نقي. لكنه للأسف غالباً ما يكون مشوباً بالاعتبارات غير النقية.

تتفتح الصداقة وتزدهر كزهرة ندية على شجرة مشاعرنا الوجدانية، وتتدنس بالرغبات الفاسدة الكريهة والتصرفات الأنانية الإستئثارية.

فلو وضعتَ نوعاً مغايراً من السماد على جذور شجرة ما ستأتي الثمار هزيلة سقيمة. وبالمثل عندما يغذي الشخص شجرة الصداقة بمشاعر الأنانية فإن بواعثه غير الجديرة بالاعتبار تشوه ثمار الصداقة وتلحق بها التلف. إن الإهتمام بشخص ما لمجرد أنه غني أو صاحب نفوذ وبمقدوره أن يفعل شيئاً ما من أجلنا لا يمكن أن يدعى صداقة. كما أن الإنجذاب لشخص ما بسبب امتلاكه وجهاً جميلاً ليس صداقة أيضا. إذ عندما يفقد ذلك الوجه جاذبيته الفتية الفتانة ستتبخر "الصداقة" وتصبح في خبر كان.

صحيح أنه من الصعب العثور على الصداقة في كل مكان. بعض الأشخاص تراهم كل يوم ولا تعرفهم أبدا. آخرون تشعر أنك تعرفهم حق المعرفة حتى ولم تقابلهم من قبل. يجب أن يتعلم الإنسان ويدرك ذلك الحدس الباطني الصائب.

احتفظ بعينيك مفتوحتين حيثما كنت، وإن شعرت بانجذاب وجداني صادق نحو شخص ما فيجب تعزيز الصداقة مع ذلك الشخص لأنه كان صديقاً لك من حياة سابقة.

هناك أصدقاء كثيرون عرفناهم من حيوات ماضية، لكن لم تنضج تلك الصداقات في حينها ولم تكتمل بعد. من الأفضل الشروع في البناء على أساسات تم وضعها سابقاً بدلا من الحفر لإرساء دعائم على رمال التعارف الوقتي. من السهل أن يفكر الواحد أن له أصدقاء كثر حتى يسببوا له ألماً أو يلحقوا به ضرراً فيشعر عندها بالخيبة المريرة.

(عاشر أناساً بالذكاءِ تميّزوا واخترْ صديقكَ من ذوي الأخلاق ِ)

هناك العديد من الأشخاص ممن يرتكبون غلطاً في انتقاء الأصدقاء لأنهم منخدعون بالمظاهر السطحية. الطريقة الوحيدة لتمييز الخلان القدامى هي أن تتأمل وتسأل الله أن يجمعك بهم. يجب محاولة العثور على الأصحاب بطريقة سليمة مقدسة. هذا معناه تطهير الوعي من كل تفكير بالوجه الجميل أو بأية مظاهر أخرى تعتبرها عوامل جوهرية تحدد مشاعرك نحو الآخرين. إن فعلت هذا ستتمكن ذات يوم بفضل الله من العثور على أصدقاء صادقين حولك أينما كنت، وسيجمع الله أيضاً شملك ولو بالروح مع أصدقاء بعيدين عنك لأن المشاعر النقية لا تخضع لقوانين المادة وغير مقيدة بالزمان والمكان. وستشعر بحب الله من خلال تلك الوسائل البشرية المتواضعة التي لا تقاومه بل تسمح لمودته بالانسياب من خلالها صافية نقية. فمن أنقياء القلب تأتي بركات الصداقة المقدسة إليك وتشع بأنوارها عليك.

مستحيل اجتذاب الأصدقاء الحقيقيين ما لم يتم إزالة بقع الأنانية والصفات غير المستحبة من أخلاق الشخص. إن أعظم فن للمصادقة والتصاحب هو التصرف بكيفية نبيلة محترمة. هي أن يكون الشخص روحيّ الطباع، نظيفاً في دوافعه ونواياه، غير أناني، بعيداً عن الأوهام والإيهام، وأن يشرع في بناء صرح الصداقة العظيم على الأسس التي سبق وضعها في الماضي البعيد.

(لعمْرُكَ ما شيءٌ من العيش ِ كلـِّهِ

أقرَّ لعينيَ من صديق ٍ موافق ِ

وكلّ ُصديق ٍ ليسَ في الله ودّهُ

فإننـــــــي في ودّهِ غيرُ واثق ِ)

الصداقة والمودة يجب أن تتواجد في كل العلاقات البشرية: بين الآباء والبنين، بين الأزواج والزوجات، بين الرجال والرجال، بين النساء والنساء، وبين الرجال والنساء كأخوة وأخوات. إنها خالصة متحررة من القيود والشروط. عندما تشعر بالرغبة في مصاحبة الآخرين، فالذي تشعر به هو حضور الله.

الصداقة هي دافع إلهي. إن الله لا يكتفي برعاية عياله البشر من خلال الوالدين وبعض الأقرباء لا غير. إنه يأتي أيضاً بصورة الأصدقاء لكي يمنحنا فرصاً للإعراب عن حب خالص نقي من أعماق قلوبنا.

كلما تضاءلت العيوب البشرية وبزغت الخصال الحميدة في حياة الإنسان، كلما ازداد عدد أصدقائه. لقد كان الأنبياء والعظماء أصدقاء الجميع، ولكي نكون مثلهم يجب أن ننقي محبتنا من شوائب الأنانية.

عندما نستطيع إقناع الآخرين بمودتنا..

وعندما نتيقن من خلال تجارب الزمن واختبارات أخرى

أن شخصاً ما يودنا فعلا من روحه..

وأننا كذلك نشعر نحو ذلك الشخص بنفس الكيفية..

ليس من أجل مكاسب شخصية بل لمجرد الإحساس بنبض الصداقة..

فإننا نرى انعكاس الله.. ونلمس حضور الله..

ونسمع صوت الله في تلك الصداقة المباركة.

يجب أن لا نسمح لمودتنا بأن تبقى حبيسة شخص واحد، بل ينبغي توطيد دعائم هذه المودة القدسية في الآخرين من ذوي المثل النبيلة.

إن حاولتَ – رعاك الله – بناء صداقة مع شخص سيء القصد والنوايا فسيخيب ظنك. صاحِبْ الطيبين أولا، ومن بعدها تابع بث مشاعر الإلفة للآخرين حتى تشعر بالمودة نحو الجميع إلى أن تتمكن من القول: "أنا صديق الجميع."

لقد شعر الأنبياء العظام بالمحبة نحو الآخرين فصفحوا الصفح الجميل وأهابوا بالبشر كي يعفوا عن الإساءة ويترفعوا عن المقابلة بالمثل.

الصداقة الصادقة هي محبة مقدسة لأنها نزيهة، نقية، وحقيقية ودائمة.

لقد وصف أحد الفلاسفة الروحيين الصداقة وصفاً رائعاً عندما قال:

"إن أسمى عهد يمكن أن نعقده مع أصدقائنا هو القول: ليكن الحق ما بيننا إلى الأبد. ما أجمل أن نقول عن فلان: ليس من الضروري أن أقابله أو أتحدث إليه أو أراسله لأبرهن له عن صداقتي.. ولسنا بحاجة لإرسال الهدايا لتأكيد صداقتنا وتذكـّر بعضنا.. فأنا أثق به وأعتمد عليه اعتمادي على نفسي أينما كان وكيفما كان.."

باستطاعتنا التحدث بكل راحة وصراحة مع أصدقائنا دون أن يسيئوا فهمنا. ولكن لا يمكن للصداقة أن تنمو وتترعرع ما دام هناك أي تلميح أو تصريح، أو مطالبة بشيء من الواحد نحو الآخر.

الصداقة لا يمكن بناؤها إلا على أسس من الحرية والمساواة الروحية. لذلك يجب أن نعامل الجميع على هدي ذلك النور المبارك، مدركين أن كل إنسان هو صورة الله. إن أسأتَ معاملة شخص ما فلن تتذوق طعم صداقته.

يوجد الكثير ممن يسيرون على دروب الحياة دون أصدقاء. لا أستطيع أن أتصور كيف يمكنهم متابعة المشوار.

الأصدقاء الحقيقيون نادراً ما يفهموننا خطأ. وإن فعلوا فلوقت قصير فقط. إن عبثَ أحدهم بثقتك وولائك واصلْ منح محبتك وفهمك له كما لو لم يحدث شيء تماماً مثلما تأمل بالحصول على الفهم والمحبة من الآخرين.

ولكن.. إن استمر ذلك الشخص في تصرفه الدال على الإحتقار والحقد نحوك، وظل يصفع يد المودة الممدودة نحوه، فمن الأفضل عندها أن تسحب يدك إلى أن يصحح سلوكه ويصبح أهلاً لأن يستحق شرف الصداقة.

الصداقة يجب أن تبدأ في البيت. فإن وجدت في أسرتك واحداً منسجماً معك بصورة خاصة، اعمل على تنمية المودة مع ذلك القريب أولا. بعد ذلك إن شعرت بالإنجذاب نحو شخص من بين معارفك ذي مُثل مشابهة فحاول تعزيز تلك الصداقة.

يجب القضاء على كل الرغبات وليدة الأنانية والمشاعر الجنسية بين الأصدقاء. ويجب توطيد العلاقات الودية مع الطيبين من الناس. كلما تأملت كلما تعرفت على أصدقاء الماضي. فالتأمل يوقظ ذكريات هاجعة لأصدقاء عرفتهم وأحببتهم في ماضيك البعيد.

هناك الكثير من الأشخاص الذين أبصرتهم بالرؤيا الروحية أولا ثم التقيت بهم فيما بعد.

الصداقة هي قوة كونية عظيمة. فعندما تكون رغبتك في الصداقة قوية، وإن وُجد شخص مجهول متناغم معك روحياً حتى في القطب الجنوبي فإن مغناطيسية الصداقة ستقربكما بكيفية ما من بعضكما.

الأنانية وحدها لها القدرة على إتلاف مغناطيس الإئتلاف في نفوسنا.

من يفكر بنفسه كل حين يقوّض دعائم الصداقة ويعبث بمقدساتها.

هؤلاء الأشخاص لا قدرة لهم على اجتذاب الأصدقاء لأنهم عاجزون عن التوسع وتقبّل خيرات الحياة. لقد وهبك الله أسرة، أيها الصديق، لعلك تتعلم أولا كيف تحب الآخرين ثم تمنح نفس المحبة للجميع.

إن أحبابنا يؤخذون منا بالموت وظروف أخرى لعلنا نتعلم عدم محبة الأشخاص في العلاقات البشرية وحسب، بل محبة الحب ذاته.. ذلك الحب الذي هو الله الموجود خلف كل الأقنعة البشرية. ومع امتلاك الحب الإلهي سنتمكن من محبة الجميع كمظاهر متعددة لسيد الأكوان.

الصداقة معناها استثمار محبتنا بعيداً عن الاعتبارات الذاتية. في الحياة الزوجية هناك الإرغام الجنسي، وفي الحياة العائلية هناك غرائز وراثية. أما في الصداقة فلا يوجد إلزام أو إجبار ولا مكان للإرغام أو الإكراه والاضطرار من أي نوع كان، بل مودة تلقائية نابعة من القلب وغير مقيدة بشروط باستثناء شرط الوفاء الذي لا دوام لصداقة بدونه. وهذا الشرط هو من مسؤولية الصديقين لأن يداً واحدة لا تصفق!

فلنمنح محبتنا للجميع. ولنبتهل كي نلتقي بأصدقائنا من الماضي، ولنرسّخ صداقتنا معهم علنا نتفهم أخيراً صداقة الله ونستحقها.

وما لم نحب عيال الله من خلال روح الإلفة والوئام، فلن نستطيع الإحساس بمحبة رب الأنام.

لا أعرف غريباً. ويا لها من سعادة وفرح عظيم.

وحتى من يعتبر نفسه عدوي ليس بوسعه أن يجعلني أشعر بأنني أكرهه.

عندما تأتي تلك اليقظة تحس بمحبة الجميع.

وترى صورة الله في الكل.


الحب الذي تشعر به نحو مخلوقات الله لا يموت أبد الدهر.. لكنه ينمو ويتعاظم.. إلى أن تلمس في محبة الأصدقاء الحب الإلهي النابع

من قلب الله في السماء..

وعليكم السلام أصدقاءنا الأعزاء

وطيّب الله أوقاتكم بكل خير.

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment