Friday, July 1, 2011

برمهنسا يوغانندا: النشوة الروحية

النشوة الروحية: ما هيتها

المعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

لقد وهبنا الله قوة الإلهام الروحي: القدرة على تذوّق غبطة حضوره في داخلنا. لكن القوة الشريرة في الوجود ابتدعت ضروباً من المحاكاة الزائفة الكاذبة. فتأثير الإنشراح المؤقت للمشروبات الكحولية والمخدرات هو تزييف للتجارب الروحية الحقيقية. إن تعاطي الكحول والمخدرات يقود غالباً إلى الإنغماس في الممارسات الجنسية التي تحول دون الحصول على قوة الإلهام الروحي بفعل تقييد العقل بالوعي الجسدي الكثيف.

كثير من الناس يشربون الخمر لتبديد الهموم ومحو الذكريات الأليمة المزعجة. لكن ذلك الضرب من التناسي يسلب الإنسان حكمته الروحية الفطرية.. أجل، يسلبه نفس القوة التي تساعده في التغلب على مشاكله والعثور على السعادة الدائمة.

الله هو ينبوع الفرح والسعادة، ويريدنا أن نطلب غبطته الدائمة التجدد ونعثر عليها داخل نفوسنا.

هناك قوة كونية شيطانية مخادعة – الشيطان أو إبليس أو الضد أو الدجال – تحاول دون توقف العبثَ بكل المظاهر والمفاهيم الجميلة والجليلة في هذا الكون.

ففي طول الخليقة وعرضها نرى القوى الثنائية للخير والشر يناقض ويناهض بعضها بعضا: الله خلق المحبة، والقوة الشيطانية خلقت الكراهية. الله خلق اللطف والعطاء، والقوة الشيطانية خلقت الأنانية ومحبة الذات. الله خلق السلام والوئام، والقوة الشيطانية خلقت التنافر والتناحر.

وإذ يعرف المريد ذلك يجب أن يدرك أن المشروبات الكحولية والمخدرات هي شديدة الضرر بسعادته لأنها تطمس السعادة الروحية الحقيقية وتعطب خلايا الدماغ مما يؤثر سلباً على ذكاء الشخص وقوة تمييزه. إن مجرد جرعة واحدة من المشروب أو تعاطي المخدرات قد يخلقا إدماناً لا سيما إن كان هناك ميل فعلي لهذه المواد الضارة من حيوات سابقة. الأشياء الشريرة يجب تلافيها لأنها شريرة.

عندما تتذوق جرعة النشوة الروحية الفعلية ستجد أنه ما من اختبار آخر يمكن مقارنته بها. يجب أن يجتهد الآباء والأمهات دوماً لترسيخ الوعي الروحي في أولادهم بتلقينهم التأمل والتمييز الواعي لئلا يستسلموا لإغراء اللعب بنيران المسرات المخادعة المزيفة.

الغبطة المقدسة لا انتهاء لها. لكن الملذات المتأتية من الكحول والمخدرات هي سريعة الزوال ولا تجلب في أعقابها إلا الندامة والمشاعر الهدامة.

إننا نستمتع كل ليلة أثناء النوم الهادئ الهانئ بتذوق السلام والفرح. فعندما نغط في سبات عميق يجعلنا الله نحيا في الوعي السامي الساكن، الذي به ننسى كل مخاوف وهموم هذا الوجود. في التأمل يمكننا أن نختبر تلك الحالة النفسية المباركة حتى في ساعات اليقظة، وأن نتذوق سلاماً من مستويات أخرى.

عندما يحل الفرح المقدس يصبح تنفسي هادئاً وأرتفع بالروح فأشعر بغبطة ألف نوم مرة واحدة، ومع ذلك لا أفقد شعوري العادي. هذه التجربة الكونية هي من نصيب المتعمقين في بلوغ الحالة السامية للوعي.

عندما يمتلئ كيانك بنشوة الله العارمة يصبح الجسد ساكناً بالمرة ويتوقف النفـَس عن الإنسياب، وتصبح الأفكار هادئة، بل وتتلاشى تدريجيا ويحس المتأمِل بحقيقة روحه وبقربه من الخالق فينهل من النعيم الإلهي ويتذوق نشوة الفرح الذي تعجز عن تقديمها ألف جرعة خمر.

الشخص العادي يشعر بالنعاس عند الخط الفاصل بين اليقظة والنوم، فيحس ببعض السعادة، لكنه يفقد ذلك الإحساس بسرعة ويغط في نوم عميق. النوم ليس فقداناً كلياً للوعي لأنك عند اليقظة تعرف ما إذا كان نومك مريحاً أم لا.

هناك حالات متعددة للنوم.. بعضها خفيف وبعضها عميق. لكن الاختبارات الروحية التي تحصل للإنسان مع الله بحالة واعية هي أكثر انتشاءً وانتعاشاً من أعظم غبطة نوم أو كـَرى (الوسن أو النعاس الذي يسبق الإغفاءة)

(وإنْ لم تكن عندي كسمعي وناظري

فلا نظرتْ عيني ولا سمعتْ أذني

فإنكَ أحلى في جفوني من الكرىَ

وأعذبَ طعماً في فؤادي من الأمن ِ)

وما وراء غوامض النوم ومجاهله تكمن هذه المباهج المقدسة.

بمقدوري البقاء في أية حالة أرغبها. غالباً ما أظل بين دنيا النوم والإحساس بالعالم: في الحالة السامية.

إن لعقل المرء امتداداً كبيراً لا حد له، لكنه لا يدرك ذلك. باستطاعتي اختبار حالتين اثنتين مرة واحدة: النوم العميق واليقظة التامة. أو باستطاعتي أن أنام وأحلم وأسمع في نفس الوقت كل ما يحدث من حولي.

أحياناً أنام مثلما ينام الشخص العادي. وباستطاعتي أيضاً النوم ومراقبة نفسي نائماً بكامل وعيي. في الحالة السامية تجد أن جسمك وعقلك نائمان، ومع ذلك تكون على دراية تامة بكل ما يحصل. هذا ممكن فقط عند تنمية قدرة الدخول الإرادي الواعي إلى حالة الوعي السامي والرجوع بوعي وإرادة إلى حالة اليقظة العادية.

لا حاجة أبداً للتخوف من الإنطلاق من الجسد دون إمكانية العودة إليه بفعل التأمل أو السكينة الباطنية أو الخيال. تلك الفكرة التي يروجها البعض لا أساس لها من الصحة. فالتعلق بالجسد هو قوي للغاية بحيث لا يتسنى الإفلات منه بسهولة. وحتى لو امّحى الإدراك العادي ليس من الممكن مغادرة الجسد بصورة نهائية ما دام العقل الباطن أو اللاشعوري مرتبطاً به.

إن تصوّرت شيئاً ما بقوة كبيرة، سيصبح ذلك الشيء منظوراً على شكل هلوسة، دون أي حقيقة ذاتية. يجب معرفة الفرق بين الخيال ومعرفة الذات. البرهان الجوهري على معرفة الذات الإلهية – لوعي الله في داخلك – هو أن تكون سعيداً فعلاً وبدون شروط.

إن كنت تختبر الفرح المتزايد والمتواصل في التأمل فاعلم أنك تلمس حضور الله في روحك. أما إن حدثَ توقفٌ أو انقطاعٌ في انسياب السعادة المقدسة فهذا دليل على وجود عنصر غريب في الوعي ينبغي التخلص منه لاستعادة الفرح الباطني.

المعلم الروحي العارف بالله يمتلك رغبة واحدة وهي تقديم المساعدة الروحية لطالبيها وتشجيعهم على التفكير بالله والتقرب منه قلباً وروحاً وفكراً وعملاً. وكل من يتناغم معه يحصل على بركات الله من خلاله لأنه مجرد وسيلة متواضعة بين يدي الله جل وعلا.

هناك دعيّون مدّعون يريدون إيهام الناس بأنهم يعومون في بحار الغبطة وبأنهم آلهة متجسدة ومترفعون عن كل القوانين الإلهية والوضعية. (لكن ربك بالمرصاد. وكان الله على كل شيءٍ رقيبا.)

(إذا ما حذرتَ الأمرَ فاجعل إزاءهُ

رجوعاً إلى ربٍّ يقيكَ المحاذرا)

لا يستطيع الإنسان أن يكون مع الله لمجرد التفكير بأنه حاصل على الإستنارة الروحية. تقويم الذات وتحسين الأخلاق مطلبان أساسيان لبلوغ الحالات العليا. هناك بون شاسع بين معرفة الله الممكنة ومعرفة الله الفعلية. ليس بالإمكان التعرف عليه سبحانه إلا بالتواضع والحكمة والإخلاص والأخلاق الفاضلة والشوق الوجداني. المتواضع هو الذي يتعرف على الله ويعترف به الله. (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).

(تواضعْ إذا ما نلتَ في الناسِ رفعةً

فإن رفيع القوم من يتواضعُ)

الذين يتعمقون في ارتياد الوعي الكوني ينمّون – تلقائياً – قدرات روحية فائقة وسيطرة على القوى الطبيعية. لكن ما من إنسان حاصل على وعي الله الحقيقي يستخدم قواه للتفاخر والمباهاة، دون حكمة أو تعقل.

الحكماء يدركون أن الله هو العامل الأوحد في الوجود. وبتواضع يعيدون إليه المواهب الخارقة التي امتن عليهم بها.

أليس كل ما في الوجود معجزة؟ والإنسان لمجرد وجوده أليس هو الآخر معجزة؟

فإن كان بنو البشر غير قانعين بكل العجائب التي خلقها الله، فلماذا على القديسين القيام بمزيد من المعجزات؟

أولياء الله الصالحون لا يقومون بأي شيء ما لم يطلب الله منهم عمل ذلك، ولأسباب غامضة وعويصة الفهم أحيانا.

سأوضّح بالمثال كيف يختلف الوعي السامي عن الوعي الباطن.

الوعي السامي هو تلك الحالة التي تستطع بها – أثناء اليقظة والنوم وبكامل وعيك – استحداث أي إحساس في الجسد بالإرادة وبدون أي منبّه خارجي.

في عالم الخيال اللاشعوري (في دنيا الأحلام) تستطيع أن تشرب كوباً من الحليب الساخن، لكن هذا الإختبار يَفرض نفسه عليك فرضاً. في الوعي السامي تستطيع أن تختبر نفس الشيء أو أي شيء آخر بوعي إرادي أو بإرادة واعية.

فما لم يتمكن الشخص من فعل ذلك يجب أن لا يخدع نفسه محتسباً أنه بلغ آفاق الوعي السامي. الطريق قد يبدو طويلاً إنما رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. وما دام الإنسان متفائلا فلا يمكن لأي عائق أن يحول دون تحقيق الغاية المرجوة.

(فاستبشر اللهَ خيراً وارجُ حظوتهُ

لا تيأسنَ من بلوغكَ الهدفا!)

ملايين من الراغبين لا يتخطون مشاهد واختبارات العقل الباطن الذي يظهر عجائبه أثناء النوم. ولكن في الحالة السامية تستطيع أن تبصر أو تعرف ما تريده، ليس بالخيال بل بالواقع. باستطاعتي أن أجلس على هذا الكرسي وأحول عقلي إلى أي مكان وأرى بالضبط ما يحدث في ذلك المكان.

أحياناً يحيا المريدون في الوعي الباطن، وأحياناً يرتفعون إلى الوعي السامي. وهناك حفنة قليلة من المريدين ممن باستطاعتهم تخطي الوعي السامي وبلوغ الوعي الكوني: فضاء الروح الإلهي الذي لا منشأ له ولا علة.

في حالة الوعي الروحي النقي لا حاجة للمريد أن يتخيّل الأشياء مسبقاً كيما يختبرها. فعندما يتوحد بالوعي الكوني يتمدد وعيه ويمتزج في كل ذرة من ذرات الوجود ويصبح على دراية واعية بكل الكون والكائنات. ذلك الإختبار هو امتدادٌ للوعي لا انتهاء له. ومن يختبر ذلك الوعي يحس أنه موجود في ألياف الأعشاب وعلى قمم الجبال، كما يشعر بكل خلية من خلايا جسمه وكل ذرة من ذرات الفضاء.

لكن الوعي الكوني هو ما وراء ذلك أيضاً.

فعندما يستطيع الشخص الشعور بوجوده في كل الوجود..

ويعرف أيضاً الفرح ما وراء الوجود..

يتوحد مع الوعي الإلهي الكلي الوجود.. والسلام عليكم.

www.swaidayoga.com

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment