Saturday, July 2, 2011

برمهنسا يوغانندا: شمس الوعي الكوني

شمس الوعي الكوني

المعلم پرمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

مزيد من تعاليم المعلم

برمهنسا يوغانندا Paramahansa Yogananda

على الرابط التالي:

www.swaidayoga.com


جلستُ على تلة صغيرة بعينين مغمضتين ورحتُ أرمق الظلام الدامس الذي كان يغلفني. فلم أبصر في البداية شيئا سوى الظلام، ومع ذلك كنتُ أبحث عن شيء مجهول لكنه مألوف ومعروف في نفس الوقت.
فتحت عينيّ ورحت أتأمل الدنيا الرائعة البهيجة، المزدانة بصفحةٍ لا بداية لها ولا نهاية من ضياء بدرٍ ونجوم متغامزة في قلب الفضاء السحيق وحقول وروابي باسمة ذات حشائش سندسية بلون الزمرد ونعومة المخمل، وسلاسل متألقة من الجبال، وأمواج متواثبة فوق بحار هائجة، ومدن تفخر وتزخر بما توصل إليه الإنسان من إنجازات ومخترعات لا تعد ولا تحصى. وكل ما رأيته بعين عقلي راح يلومني على صرف وقتي في التأمل ويتهمني بأنني حالم وسابح في دنيا الخيال.
وقال لي العالـَم ’لماذا يا هذا تغلق عينيك وتقصي جمالي عن بصرك وتعيش في ظلمة مفرغة وفراغ مظلم؟‘
فأجبته همساً: ’أيها المقتحم المتجاسر، لولا الجمال الباطني لما كان لجمالك من رونق أو رواء!
وما أن مرّت هذه الخاطرة في بالي حتى أحسست بنداء خفي صادر من ركن عميق داخل روحي فارتعشت أحاسيسي وانتعشت خلايا جسمي.
أغمضتُ عينيّ من جديد لأرى بحراً من الظلام فرُحتُ أمعن تحديقاً في قلب الديجور الحالك بحثاً عن وميض لضياء كنت أعلم أنه موجود وما عليّ إلا أن أفتش عنه حتى أعثر عليه. وفجأة أبصرت فكراً شبه مضيء بازغاً من إحدى زوايا تلك الحُجرة السرية العميقة. كثفت تركيزي على تلك الفكرة الخافتة فراحت تتألق أكثر فأكثر حتى أظهرتْ مجدها المخبوء.
ولقد اكتشفتُ أن باستطاعتي أن أبصر هناك دون عينين وأن أرى كل فكر مشع كالبرق الذي يلتمع ثم يختفي، أو يسطع كسرب من الشهب الغزيرة الومّاضة فتطلق رذاذاً من ضياء يظهر فجأة ثم يختفي في سماء عقلي، فاستطعت أن أعدّ كل ومضة.. كل قبس وأن أدرك المقدار الزمني والطاقي لكل منها، ويا لها من رؤية ما ورائية مجيدة.
ولقد تمكنتُ أيضاً من السماع دون أذنيّ فرحت أصغي لصوت أفكاري الخافتة والهادرة بكل وضوح. أجل، استمعت لإيحاءات الضمير الخفيضة ولصوت الحكمة الصامت. لقد سمعت بوضوح كل ما قالته تلك الأصوات كما لو لم أسمع من قبل. ولأول مرة شعرت بحضور هؤلاء الأقرباء الباطنيين غير المرئيين.

هؤلاء الأقرباء الذين عاشوا في أعماقي منذ أمد بعيد في حجرات مظلمة يخططون وينسقون ويصيغون قـَدري. ومع ذلك ظلوا متوارين، متواضعين، محتجبين كأن لا حضور لهم ولا وجود.
يا لها من أعمال جبارة تنجزونها أيها الأقرباء والأصدقاء الباطنيون! لماذا لا تظهرون بكل جلاء ووضوح؟
أتخيفكم نظرات العقول البشرية الفجة الخشنة؟ أم لعلكم تخشون الظهور في الشفق الباهت للعقليات التي لا تحسن التفكير الرقيق العميق! بل لربما ترهبون الاختناق من اهتزازات المادة الكثيفة العنيفة!
ومع ذلك ما أبرعكم في التسلل من الحجرات المظلمة لبناء ناطحات سحاب وجسور جبارة وكل الإنجازات المادية على اختلافها، ثم تعودون دون أن يلحظكم مُلاحِظ أو يحتفي بكم محتفٍ!
القطار المندفع في ظلام الليل، والطائرات الهادرة، والسفن الجبارة العائمة كالقرى على سطح المحيط، وروائع الفن ومعبد أثينا العذراء البارثينون والتاج محل.. كلها معجزات من صنع الإنسان، وكلها تذكرني بكم وبقواكم المستوحاة من الفكر الجبار!
ولكن عندما أبصر البحيرة ذات المياه المشعشعة تدعوني كي أروي ظمأي، والغيوم الداكنة التي تطلق أنهاراً وشلالات من الأمطار لتروي الحقول والأشجار ذات الثمار الحلوة الشهية. وعندما أرى نور البدر وقد اشتعل عند حلول الظلام، وألاحظ دورة الفصول، والأرض وقد اكتست ببساط من العشب سميك، والسحب الحمراء المرتسمة أشكالاً بفعل الشعاع على ستارة الأفق.. كل هذه الصور البديعة التي لا يمكن محاكاتها أبصرها فأتأمل تلك اليد الكونية التي تعمل بقوة وحكمة في كل مكان!
وأفكر مندهشاً بذلك الصوت الكوني الذي يأمر الشمس والقمر والكواكب والأرض والطبيعة والفصول وكل القوى العمياء والبحار ذات المد والجزر والإنسان والحياة والموت فتسمع صوته وتبذل له الطاعة.
تـُرى هل هناك من ركن خفي لا حد له ولا نهاية حيث تحتجب الأفكار المضيئة وتعمل عملها في الكون دون أن يلحظها أحد؟
لقد نظرتُ عبر نوافذ الذاكرة فتذكرتُ بواكير طفولتي، عندما بزغت شمس وعيي في سماء حياتي. وعندما ارتفعتْ تلك الشمس آنذاك ببطء من ظلمة العقل الباطن لم تضئ سوى جزء بسيط من أفق عقلي، فلم أبصر سوى أمي وألعابي وبعض قطع الحلوى ذات الألوان المختلفة.
فيما بعد عندما أصبح وعيي أكثر إشراقاً أبصرت جزءا أكبر من أفقي العقلي إذ أصبح مضيئا ورأيت فيه أشياء كثيرة لم أبصرها من قبل. أبصرت أصدقائي وأقربائي وجيراني وبلدي.. كلهم ظهروا وأصبحوا ضمن مجال رؤيتي.
وفي سماء فكري سطعت شمس وعيي سطوعا ثابتا وقوياً فأنارت كل ما كان محتجبا من قبل، فأبصرتُ كل الناس وكل الأمم وكل الكائنات والطبيعة والكواكب والنجوم وكل الإلكترونات المشعة. بل أبصرت الأكوان والفضاء اللامتناهي!
وما كنت أعرف قبل ذلك أنني سأكتشف في ظلمة عقلي شمس الوعي الكوني!

والسلام عليكم

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment