Sunday, November 9, 2014

الأشباح: حقيقتها وماهيتها



الأشباح: حقيقتها وماهيتها
المعلم برمهنسا يوغانندا
PARAMAHANSA YOGANANDA
ترجمة: محمود عباس مسعود

هناك كل أنواع القصص والحكايات عن الأرواح والأشباح والعفاريت راصدة الكنوز والسحرة والغيلان آكلة الجثث ومصاصة الدماء. أما عدد الأشخاص الذين أكـّدوا بأنه حصلت لهم اختبارات مع هذه الكائنات فليس بالقليل.
ومن الحالات العديدة التي عُرضت عليّ فإن معظم الأشخاص المعنيين كانوا يعانون من تصورات ذهنية حادة.  أحد هؤلاء كانت امرأة قرأت كتاباً عن كائنات جهنمية مصاصة للدماء، وكانت تصوراتها في غاية الوضوح لدرجة أنها كانت تشعر أن غولاً كان يمتص دمها كل ليلة. غير أنها كانت تتعافى كلما زارتني، لكن فكرة وجود غول ليلي كانت مترسخة في ذهنها لأن المرض كان يعاودها من جديد. لقد ماتت قبل أوانها إذ قضت عليها أفكارها الذاتية.
لقد كان الإعتقاد بالسحر منتشراً على نطاق واسع في القرن السادس عشر، ومئات الأشخاص المشتبه بأنهم سحرة اتهموا زوراً بأنهم من حلف الشيطان ولقوا حتفهم نتيجة لذلك. جان دارك شُدت إلى عمود وأعدمت حرقاً لأنها اعتبرت ساحرة.
في القرآن الكريم نقرأ "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"
والسيد المسيح تكلم عن الشيطان وعن الأرواح الشريرة التي طردها من أشخاص عديدين، ومع ذلك فقد اتهم بأنه على صلة مع رئيس الشياطين.
يوجد عالم آخر هو العالم الأثيري المستتر خلف هذا الكون.  سكانه مزملون في أشكال كوكبية قوامها النور. تلك الكائنات أو "الأشباح" هي  غير منظورة لأعيننا وعادة ما تبقى محصورة في عالمها مثلما نحن مقيدون بعالمنا المادي. ولو كان من اليسير لذوي النيات الخبيثة من سكان العالم الكوكبي النفاذ بسهولة إلى مستوانا الأرضي قصد إيقاع الضرر بنا لكنا نحيا في هلع وذعر دائمين.
في أرضنا هذه ما يكفي من صنوف الهول والرعب. وبكل تأكيد لا يريد الله أن يضيف إلى آلامنا تدخلات الأشباح والعفاريت!
ومع ذلك توجد بعض الكائنات الكوكبية التي تـُعرف بالأرواح الهائمة. تلك الأرواح مقيدة بالأرض بسبب تعلقات قوية وأنها تشتهي دخول أحد الأجسام البشرية لتستعمله كوسيلة قصد الاستمتاع بالملذات الحسية. تلك الكائنات تكون عادة غير منظورة، ولا قدرة لها على التأثير بالشخص العادي. الأرواح الشريرة تفلح بين الحين والآخر في دخول جسد وعقل شخص ما والإستحواذ عليه. إنما يتم ذلك فقط عندما يكون ذلك الشخص مختل التوازن العقلي، وعندما يكون قد أوهن عقله بإبقائه فارغاً أو غير مفكـّر، مثله في ذلك مثل الشخص الذي يترك سيارته دون إقفال والمفتاح داخل السيارة. والحالة هذه فقد يدخل السيارة أحد المتشردين وينطلق بها.
الأرواح الهائمة هي تلك النفوس التي فقدت أجسادها بالموت وبقيت متعلقة تعلقاً شديداً بتلك الأجسام، ولذلك تحاول بشتى الطرق استعمال جسم أي شخص لتنفيذ مآربها.  لكن لحسن الحظ فإن الأرواح الهائمة لا طاقة لها على احتمال الإهتزازات العالية للأفكار الروحية والوعي الروحي.  المخلصون من الباحثين عن الله ممن يتفكرون بالله ويتأملون عليه لا خوف عليهم من تلك الكائنات الضالة الضائعة. فالله هو الروح الأعظم ولا يستطيع أي روح مهما كان شريراً إلحاق الأذى بمحبي الله، المفتكرين به دوماً.
ولكي نتمكن من فهم ماهية الكائنات الكوكبية يجب أن نعرف أنفسنا أولا.  عندما خلقنا الله فقد أوجدنا أولاً كوعي. فمن عقله الكلي أبدعنا، ومن هذا المفهوم فإننا كائنات عقلية في المقام الأول. أليس صحيحاً أنه عندما تبتكر شيئاً جديداً فإن الخطوة الأولى هي تصور نموذج لذلك الشيء في عقلك؟ بعد ذلك تستجمع المواد اللازمة وأخيراً تقوم بتجسيد تلك الفكرة.  وهذا ينطبق أيضاً على تكويننا وتكوين كل ما في الخليقة. فنحن ذوو طبائع ثلاث: الطبيعة العقلية (الفكرة) والطبيعة الأثيرية (مادة التكوين) والطبيعة الجسدية (المُنتج الكثيف).
الجسم الفيزيقي مكوّن من 16 عنصراً. أما كيف مُزجت تلك المواد الكيماوية للعناصر المادية بحيث أصبح الجسم أداة للعقل فهو أمر يبعث على الدهشة!
بعض الناس يرغبون في شراء سيارة جديدة كل عام. ولكنهم مضطرون للإحتفاظ بموديلهم الجسدي القديم لستين أو سبعين سنة أو أكثر! وحتى عندما يصبح الجسم متداعياً تبقى الرغبة قوية في الاحتفاظ به إلى أن يقول الله "كفى. أخرج من هذا الجسد!" عندها يقفز صاحبه من جسده المتهرئ ليجد نفسه في جسم أثيري قوامه النور والنشاط.  فيبتهج إذ يجد أن له القدرة على السمع والرؤية واللمس من خلال جسمه الجديد وأنه ليس به من عظم قابل للإنكسار أو لحم عرضة للأضرار.
عندما يموت الإنسان يتحلل جسده المادي، لكن جسمه الكوكبي يبقى على حالته الأصلية بكاملها.
أين تلك النفوس التي غادرت الأرض؟ إنها تجوب أجواء الأثير. قد تقول "هذا مستحيل" لكن دعنا نقوم بهذه المقارنة:
لو قلت لأحد أفراد القبائل البدائية أن الموسيقى موجودة في الأثير ويمكن التقاطها وسماعها لضحك مني، أو لربما أصيب بالذعر. ولكن إن أحضرت مذياعاً وفتحته على محطة تبث الموسيقى والأغاني فلن يتمكن بعدها من تفنيد قولي. وبالمثل أستطيع أن أبرهن للآخرين أن الكائنات الكوكبية تذرع الأثير فلا يقوون على النكران. العالم الكوكبي هو هنا، خلف الاهتزاز الكثيف للكون المادي.
لو تسنى للناس رؤية جموع الكائنات الكوكبية في الأثير من حولهم لتملك الخوف العديد منهم ولحاول البعض البحث عن أحبابه المفارقين.
إن ركزت بعمق على العين الروحية تستطيع بالرؤيا الباطنية معاينة العالم المشع الذي به تحيا كل النفوس التي انتقلت إلى العالم الأثيري. في الإنسان يعمل القلب كجهاز استقبال وتقوم العين الروحية بالبث.  وحتى إن لم تستطع رؤية أحبابك المفارقين فإن ركزت مشاعرك بهدوء على القلب ستشعر بحضور أولئك الأعزاء عليك الموجودين في أجسام نورانية، المستمتعين بحريتهم من عبودية الجسد.
إنني أرى العديد من الكائنات الكوكبية التي غادرت المستوى الأرضي، لكنها لا تستطيع رؤيتي. لا أجعل نفسي بادياً لها، لكنني أستطيع أن أبصرها إن رغبت بذلك.
إذاً لا نتحرر كليا عندما نفارق الجسد بالموت. فنفوسنا تظل مغلفة في الشكلين اللطيفين الكوكبي (جسم الطاقة) والسببي (جسم الأفكار).
عندما يرتدي الإنسان شكلا جسدياً يصبح كائناً منظوراً في هذا العالم. وبعد موت جسده المادي يبقى في العالم الكوكبي كـ "شبح" أي ككائن غير منظور مزود بالقدرة العقلية وبنفس الذهنية والخاصيات التي تميز بها إبان إقامته الأرضية.
قاطنو العالم الكوكبي يستطيعون بالطبع مشاهدة بعضهم بعضا في أجسادهم اللامعة، لكن الكائنات الكوكبية عادة ما تكون غير مرئية بالنسبة لنا على الأرض ما لم نعرف طريقة النفاذ إلى العالم الكوكبي عن طريق العين الروحية. عندما تنضو النفوس عنها الجسد الأثيري وتدخل الحالة العقلية في العالم السببي لا تتلاشى بالمرة، بل تصبح غير منظورة تماما كما الأفكار غير منظورة.
عندما تتحرر الأنفس من المشتهيات الجسدية لا تحتاج للتجسد ثانية على الأرض. تلك النفوس تتنقل عندئذ ما بين العالم الكوكبي والفردوس السببي، وتظل تتجسد على المستوى الكوكبي إلى أن يتم التحرر الروحي من تلك الحالة أيضاً. وعندما يتم استهلاك كل الرغبات السببية يصبح الإنسان طليقاً أو نفساً حرة.
إن كان الروح المفارق ما زال لديه رغبات لم تتحقق أثناء الوجود الأرضي سيظل يشعر بتلك الرغبات في العالم الكوكبي ويتشوق للإعراب عن ذاته في جسد مادي. وهكذا فإن ذلك الروح ينجذب ثانية بجسمه الكوكبي إلى خلية (نطفة) مكونة من جرثومة منوية وبويضة ويعود ثانية إلى التجسد كمولود جديد.
ليس من الحكمة أن ينسب الشخص لنفسه أي عجز جسدي بصورة دائمة. لنفرض أن ذلك الشخص فقد ذراعاً في هذه الحياة وأن فكرة فقدان تلك الذراع أصبحت مترسخة في وعيه وأقنع ذاته بأن لا قدرة له على استعمال ذراعه ثانية، فعندما يتجسد في المرة القادمة يجلب معه ذلك الشعور بالذراع المفقودة، وإن كانت تلك الفكرة السلبية قوية بما فيه الكفاية فقد تعيق العمل الخلاق للنشاط الحيوي الواعي الذي يخلق ذراعيّ الجسد الجديد. لهذا يجب أن لا يحقق الشخص ذاته أبداً مع شوائب وقصورات الجسد المادي.  ذلك العجز لا يخص النفس التي هي صورة الله النقية الكاملة.
وهكذا ترى أنك قبل أن تتخذ الشكل الجسدي كنت روحاً، وعند الوفاة ستعود روحاً مرة أخرى. إننا أرواح عندما ننام أيضاً، لأننا أثناء النوم لا نشعر بأنفسنا كأجسام مادية على الإطلاق. فما دمت روحاً عندما تكون غافياً، وستكون روحاً بعد الموت، فلماذا تخاف الأرواح؟  هذا ما كنته من الأزل.. روحاً.. ولم تزل.. وهذا ما ستكونه طوال الأبد.
الفارق الوحيد هو أنه عندما تدخل العالم الكوكبي وقت الموت لا تستطيع أن تخلق حسب الإرادة جسداً مادياً كالذي لديك الآن. فقط السادة العظام الذين توحدوا مع المبدع الأقدس يستطيعون ذلك. النفوس المتقدمة روحياً يمكنها تكثيف الإهتزازات الشفافة للمركبة الكوكبية إلى جسد محسوس.
إننا نرهب الموت بسبب الألم وبسبب فكرة التلاشي. تلك فكرة مغلوطة. لقد أظهر السيد المسيح ذاته لتلاميذه في صورة جسدية بعد موته. ولاهيري مهاسايا عاد بلحمه ودمه في اليوم التالي من مفارقته الجسد. لقد برهنا أنهما لم يفنيا.
(والرسول عليه السلام قال "أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا." و "من رآني في المنام كأنما رآني في اليقظة").
ولئن كانت حالات أقطاب الروح نادرة فيجب أن لا يقال بأن شهاداتهم غير صحيحة.
وأنا شخصياً رأيت معلمي سري يوكتسوار الذي بعث حياً بعد حوالي ثلاثة شهور من موته. (راجع عوالم الروح: حقيقتها وطبيعتها في هذا الموقع).
تقول أسفار الحكمة المقدسة أن النفس البشرية هي في جوهرها انعكاس للروح الإلهي. وأنها لا تعاني أبداً حشرجة الموت أو آلام الولادة، ولا ينعدم وجودها ما دام الوجود قائماً. هذه النفس دائمة الحياة وغير خاضعة للتغيير، لا يمسها التحلل ولا يحيق بها الفناء.
كثيراً ما جذب أحد التلاميذ المرضى القاطنين بعيداً جسمي الكوكبي إليه بقوة إخلاصه ومحبته. إحدى تلك الحالات حدثت هنا لتلميذة اسمها سيفا ديفي. لقد كانت تلميذة شديدة الإخلاص. ذات مرة مرضت مرضاً شديداً لكنها كتمته عن الجميع. وعندما زرتها في المستشفى قالت لي "أرجوك أن تسأل الله كي لا يبقيني في هذا الجسد بعد الآن."
فيما بعد عدت إلى صومعة إنسينيتاس على شاطئ المحيط الهادي وذات صباح شعرت فجأة بالإهتزاز الكوكبي الشفاف لسيفا ديفي وقد جذبت جسمي الأثيري إليها من خلال إخلاصها ومحبتها الروحية. وعلى الفور تسمّر جسدي المادي كما لو أن الحياة قد فارقته.  بعد ذلك قيل لي أن سيفا ديفي صاحت فجأة قبل مفارقتها الجسد (سواماجي هنا!)، إذ كانت على دراية واعية بنقلي لها إلى العالم الآخر.
فيما بعد رأيتها بجسم متألق جالسة في أحد صفوفي، تماماً مثلما كانت تظهر إبان حياتها. فلو أن أحداً لمسني آنذاك لتمكن من رؤيتها أيضاً، مع أن الذين يكونون في تلك الحالة من الوعي الروحي لا يسمحون للآخرين بملامستهم.
لقد عبرنا أعتاب الموت وعدنا إلى الحياة مرات عديدة فلمَ الخوف من الموت؟ إنه يأتي ليحررنا. بالطبع يجب أن لا نتمنى الموت ولكن يجب أن نجد به عزاءً – عندما يأتي من تلقاء ذاته - لتخليصنا من متاعب شتى.
الناس يرهبون الموت أيضاً نظراً لإقامتهم الطويلة في هذا السجن الجسدي حتى صاروا يخافون مفارقته. لكن من الحماقة أن يخاف الإنسان.
ما دامت إرادة الله تقضي بامتلاك هذا الموديل الجسدي القديم حتى الموت فعلينا أن نحتفظ به ونوليه العناية اللازمة.
هناك قصة في الهند عن شاب محتضر صاح قائلا عندما سمع نشيج الأسى ولوعة الفراق من حوله:
لا تهينوا روحي بصراخ تعاطفكم..
عندما تنطلق إلى عوالم النور والحب الأزليين.
أنا الذي ينبغي أن أشفق عليكم وأرثي لحالكم.
أما بالنسبة لي
فلا مرض بعد اليوم
ولا عظم حطيم..
ولا حزن ولا آلام مبرحة
لأنني أحلم بالفرح وأعوم في بحر الفرح
وأتنفس الفرح
مديد الدوام!
لا يعرف الإنسان ما سيحصل له في هذا العالم. إنه يعيش وسط المخاوف والقلق النفسي. المفارقون يشفقون عليه ويباركونه من عالمهم. لقد قلت هذا لأم كانت قد فقدت ابنها، وما أن أنهيت الشرح حتى كفكفت دموعها على الفور وقالت: "لم أشعر من قبل بمثل هذا السلام. إنني سعيدة لعلمي أن ابني يتمتع بالحرية. لقد كنت أظن أن شيئاً فظيعاً قد حصل له."
كثيرون من المتقدمين روحياً يستطيعون رؤية أجسامهم الأثيرية.
عندما يرتفع الجسم الأثيري أو يغادر الجسد وقت الموت يرى المفارق جسده ميتاً.  ذلك الإختبار بعينه يحدث عندما يتخطى اليوغيون المتقدمون الجسد المادي بالإرادة فيستطيعون مغادرة أجسامهم والعودة إليها كما يشاؤون. لكن العديد من الأشخاص ممن يظنون أن بمقدورهم فعل ذلك هم واهمون. فمجرد التفكير باختبار ما لا يعنى حدوث ذلك الإختبار. معرفة الطريقة أمر ضروري.
ذات مرة أتى إليّ رجل في نيويورك وأكد لي أنه يستطيع الإنطلاق أثيرياً (من جسده المادي) فقلت له: "لا أعتقد ذلك، حضرتك تتوهم أنك تمتلك تلك المقدرة." لكنه أصرّ على امتحاني له. وافقت وقلت: "حسناً، إذاً انطلق أثيرياً واذهب إلى الطابق الأسفل واخبرني ما يحدث في المطعم هناك."
ظل هادئاً للحظة ثم قال: "يوجد بيانو كبير في الزاوية اليمنى."
كنت على يقين أنه كان يتخيل ذلك لأن تنفسه كان عادياً وكذلك نبضه.
فقلت: "بل على العكس، أعتقد أنك ستجد هناك امرأتين جالستين حول طاولة." فهزأ مني. ثم ذهبنا معاً إلى المطعم فلم يكن من بيانو في الزاوية بل امرأتين جالستين حول طاولة هناك. أخيراً فهم صاحبنا أنه كان مغتراً بأوهامه.
غالباً ما أرى بالرؤيا الكوكبية الباطنية أحداثاً رهيبة لكنها تبدو كفيلم سينمائي بالنسبة لي. لقد كان القصد من العالم تسليتنا لا تعذيبنا أو ترهيبنا.  والله سبحانه جعل أفلام خليقته معقدة جداً، ملأى بتناقضات الخير والشر.
يجب أن ندرّب أنفسنا على فهم طبيعتنا الروحية المحتجبة. ولكن لا سبيل إلى ذلك ما دام الإنسان يحصر كل تفكيره بالجسد على الدوام. الإنهماك المتواصل بالأمور المادية يجعل الإنسان مادياً ويميت به الطموح الروحي.  يجب أن نجعل الله الإعتبار الأهم في حياتنا. أما إن خصصنا له المقام الثاني فلن يأتي إلينا ولن نتعرف عليه. مغريات العالم كثيرة ودائمة الحضور على مدار الساعة. ويجب على الراغب في الروحيات تفعيل إرادته وشق طريقه وسط غابة الإغراءات الكثيفة وصولاً إلى الأجواء الآمنة اللطيفة.
الإنطلاق الكوكبي الأثيري يمكن اختباره بصورة واعية فقط عندما يدخل الشخص حالات عميقة من النشوة الروحية بحيث يتمدد وعيه إلى الإدراك السامي. ومن خلال عينه الروحية يستطيع أن يرى أية نقطة في الفضاء في هذا العالم أو في العالم الأثيري. كما يمكنه أن يتخطى بوعيه عوائق الزمان والمكان. وهناك نفر من المتقدمين روحياً لهم القدرة على تكثيف أجسامهم الأثيرية وحتى المادية في أي مكان. هذه الحالة تدعى الظهور أو التواجد المزدوج bilocation في مكانين أو أكثر في نفس الوقت. في هذه الحالة يكون الجسد المادي في حالة جمود شبيهة بالغيبوبة. وعندما يبلغ المعلم أسمى مراحل النشوة الروحية (مرحلة العلم بالله) يستطيع القيام بكل وظائفه بصورة طبيعية بينما يبقى مستغرقاً في نشوة قدسية.
من يحصّن نفسه بالله لا يقدر أحد على إيذائه ولا خوف عليه ما دام يؤمن بالله ويعتصم بحباله. ولكن عندما يسمح الشخص للأفكار السلبية بالتسلل إلى عقله ويعتقد بأن شخصاً ما يوقع به الضرر فإنه يمنح ذلك الشخص القدرة على إلحاق الأذى به.
افرض أن إنساناً ما يرسل إليك فكرة خاطئة وأنك تتقبل تلك الفكرة، فبكل تأكيد ستتأذى من تلك الفكرة. ولكن لديك القدرة على عدم تقبّل الأفكار الشريرة. لا تخف من أهل الخبث والمقاصد السيئة إذ لا قدرة لأحد على التأثير بك ما لم تكن ضعيفاً نفسياً.  فالخوف والإستبقاء على الفكر فارغاً يسمحان بدخول الشر إليه. ولكن عندما تؤكد لنفسك قائلا: "الله معي ويحرسني" فلن يأتيك سوى الخير من أفكار الآخرين. لأنه حتى إن أرسل إليك أحدهم أفكاراً شريرة لن تصل إليك بل سترتد على مرسلها وتلحق به الأذى من حيث يدري ولا يدري. حوّط نفسك بالله واستعن باسمه المبارك الذي هو أقوى قوة في الكون. إنه جدارٌ غير قابل للإختراق وعليه تتكسر كل سهام الشر والإفك والنفاق، وعنه تنحرف كل الأفكار السالبة وترتد مدحورة إلى مَصْدَرها ومُصَدّرها!
لا تلقِ بالاً لقوى الأشباح الهائمة والأرواح الشاردة، أو لممارسي السحر الأسود. هناك تجاذبات كونية كثيرة وكبيرة دائمة الصراع والاعتراك في ميادين الحياة. هناك حرب كونية بين الخير والشر. إنما لا خوف على المؤمنين الصادقين والعاملين بإيمانهم ونواياهم الطيبة لأن الغلبة للخير في نهاية المطاف.
هذا العالم تحكمه كائنات وقوى غير منظورة: الله وأنبياؤه وأولياؤه من جانب، والشيطان وأعوانه وتحالفاته الشريرة من جانب آخر. هناك لعبة شد حبل كبيرة بين الله وملائكته وإبليس وحلفه. لا يمكن صرف المشكلة على أنها محض أوهام. لو لم يوجد شيطان لما استعنا بالله عليه (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) و (نجنا من الشرير). الشر موجود وينبغي تلافيه بشتى الوسائل والطرق.
عندما خلق الله الإنسان خلق الشيطان أيضاً. إبليس بقوته الخداعية موجود لامتحان الناس. ما لم تصهر النارُ الحديدَ لا يمكن طـَرق الفولاذ ودقـّه.  فعندما يحل المرض أو الآلام تذكر أن ذلك امتحان ويجب اجتيازه (استفقاد الله رحمة). يجب عدم التذمر أو الإنزعاج من تلك الامتحانات. كثيرون من ذوي النفوس العظيمة قضوا بفعل أمراض مريعة وقاسوا آلاماً فظيعة. بعضهم كان مصاباً بعاهات خطيرة ومع ذلك حافظوا على إيمانهم وانتقلوا راضين مرضيين إلى الأمجاد العليا.  
إن كوكبنا الأرضي من أكثف المستويات. هناك عوالم أفضل بما لا يقاس من هذه الأرض التي تغص بشتى أنواع المتاعب والمضايقات. ومع ذلك فإن الله لا ينسانا من رحمته بل يحاول مساعدتنا بطرق كثيرة للتغلب على آلامنا وتخطي العقبات التي تعترض سبيلنا.
إن الله وملائكته وملايين من الأرواح الطيبة يحاولون توطيد نظام الوفاق المقدس على الأرض. كل ميزة طيبة ومزية نافعة هي من خلق روح طيب، فالأرواح الصالحة ترش على الدوام بذور الأفكار والنوايا الخيرة في تربة عقولنا. ولكن في نفس الوقت فإن ملك الظلام – الشيطان – يخلق بمعونة أتباعه من الأرواح الشريرة تشويشاً ومتاعبَ في العالم. من سِوى الشيطان خلق جراثيم المرض؟ فقد أوجد العديد من صنوف الطاعون، ثم السل الرئوي، وضربٌ آخر فتاك هو السرطان وغيره.. كل الأساليب الشيطانية لتعذيب الكائنات البشرية. لكن الله يلهم العديد من الباحثين لاستنباط طرق جديدة ومفيدة للقضاء على المرض.
المتعة الجنسية هي نظير مخادع للغبطة الإلهية. فعندما يُفصل الجنس عن الحب الأمين ويُستخدم لإشباع الغرائز البهيمية يصبح آلة في يد الشيطان كي يحتفظ بالوعي البشري في أسر الحواس، غير قادر على تذوق الوعي الإلهي.
هناك ثالوث مزيّف ابتكره الشيطان كبديل للنشوة الروحية. ذلك الثالوث هو الشهوة الجنسية غير المنضبطة والرغبة في الخمر والتكالب على المال.
عندما تذوّق آدم وحواء الإحساس الجنسي سقطا من الفردوس، أي فقدا الوعي الإلهي الذي بواسطته كان بمقدورهما الشعور بوحدتهما مع الله في نشوة روحية، ولذلك طردا من جنة عدن.  ومنذ ذلك الحين تعيّن على الجنس البشري التناسل بالطريقة الجنسية كباقي المخلوقات الأخرى. المرأة تلد بطريقة موجعة شاقة. بعد ذلك على الزوج والزوجة القبول بما يأتيهما. فإن أنجبا طفلا أنانياً رديئاً تحتم عليهما تربيته. في الأصل كانا يمتلكان القدرة على خلق ما يريداه بقوة العقل كما يفعل الله. سقياً لأيام البراءة الأولى تلك. حقاً لقد كانت أياماً سعيدة ومجيدة.
وبعد كل هذا وذاك.. وفي نهاية المطاف فإن الشيطان نفسه سيتحول إلى أداة في يد الله. الشيطان لا يفي بوعوده للإنسان، ولذلك فإن الشخص المُحْبط والمُخيّب الأمل يتوجه إلى الرب الأمين لمساعدته وتحقيق آماله.
ولكن لا حاجة لأن ننتظر خيبة الأمل كي تحفزنا للتوجه إلى الله. يجب أن لا نضع كل بيض السعادة في سلة واحدة.
يجب أن لا نحصر آمالنا في السعادة في سلة الجسد الهشة وملذات العالم القصيرة الأجل.
دعونا أيها الأصدقاء نصغي لصوت الله متحدثاً إلينا من أفكارنا الطيبة. إن الله وأنبياؤه وأرواحه الملائكية يخلقون هذه الأفكار النبيلة. الشيطان وأعوانه يخلقون أفكاراً ووساوسَ على شاكلتهم.
كلما راودتكم فكرة خبيثة اطردوها غير مأسوف عليها، وعندها لن يتمكن الشيطان من بسط سلطانه عليكم وإلحاق الأذى بكم. وتذكروا أنكم حالما تفكرون تفكيراً خاطئاً تقتربون خطوة من الشيطان.
الإنسان في حركة متواصلة للأمام والخلف بين الخير والشر.
وللإفلات من هذه الحركة المكوكية يجب الذهاب إلى حيث لا تمتد يد الشيطان وأعوانه..
إلى قلب الله
والسلام عليكم.

تفضلوا بزيارة موقع سويدا يوغا وصفحة المعلم برمهنسا يوغانندا على فيس بوك

 لقراءة المزيد رجاء الضغط على Older Posts أو  Newer Posts
في أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment