Friday, July 1, 2011

برمهنسا يوغانندا - تأثير النجوم

التغلب على تأثير الكواكب والنجوم

المعلم برمهنسا يوغانندا

قال لي المعلم ذات يوم:

"لماذا يا موكندا (برمهنسا) لا تحصل على سوار كوكبي للذراع؟"

قلت: "هل هذا ضروري بالنسبة لي يا معلم؟ فأنا لا أؤمن بالتنجيم. "

أجاب: "المسألة ليست مسألة إيمان. بل الموقف العلمي السليم الذي ينبغي أن يتخذه الشخص هو ما إذا كان ذلك الموضوع صحيحاً. فقانون الجاذبية عمل بنفس الفاعلية قبل نيوتن كما عمل بعده. ولو كان عمل قوانين الكون يتوقف على موافقة الإنسان لعمّت الفوضى وساد الاضطراب.

"لقد أوصل الدجالون علم النجوم القديم إلى حالته الشائنة الراهنة. فالتنجيم علم غزير وفسيح من الناحيتين الحسابية والفلسفية، لا يمكن استيعابه استيعاباً صحيحاً إلا من قِبل المتبحرين في المعرفة، الراسخين في العلم. فإذا أخطأ الجاهلون في قراءة وتفسير السماء ورأوا (خربشات) بدلا من كلام مفهوم فهذا متوقع حدوثه في هذا العالم الذي يشوبه النقص وعدم الكمال، ويجب أن لا يصرف المرء الحكمة مع "الحكماء" في عيون أنفسهم."

واستطرد معلمي قائلا: "إن جميع أجزاء الكون مترابطة ترابطاً وثيقاً وتتبادل التأثيرات فيما بينها. والإيقاع المنتظم والمتوازن للكون يقوم على التبادل أو الأخذ والعطاء. والإنسان في مظهره البشري يتوجب عليه مقاومة مجموعتين من القوى أولها الاضطراب الداخلي الناجم عن تمازج عناصر التراب والماء والنار والهواء والأثير، والثانية هي قوى التحلل الطبيعي الخارجية. وطالما بقي الإنسان في صراع مع وجوده الفاني فإنه يتأثر بآلاف التحولات التي تحدث في الأرض والسماء.

"التنجيم هو دراسة استجابة الإنسان للتأثيرات الكوكبية. فالنجوم لا تمتلك إحساناً أو إساءة واعيين، بل تطلق إشعاعات موجبة وسالبة. وهذه الإشعاعات بحد ذاتها لا تنفع ولا تضر الإنسانية لكنها توفر وسيلة مشروعة للعملية الخارجية لموازنة الأسباب والنتائج التي استحدثها الإنسان في الماضي.

"الطفل يولد في يوم وساعة معينين حينما تكون الأشعة السماوية في توافق حسابي مع كرماه أو ماضيه الذاتي. فخريطة البروج الخاصة به هي صورة دقيقة تنبئ عن ماضيه الذي لا يتغير وعن النتائج المقبلة المحتملة. لكن خريطة المولد هذه لا يستطيع قراءتها أو تفسيرها إلا ذوو البصيرة النامية، وهؤلاء نادرون.

"والرسالة التي تـُذاع بكل وضوح في الآفاق وقت الولادة ليس المقصود منها الاعتراف بالقدر – نتيجة ما سلف من أعمال طيبة أو رديئة – بل حث وإيقاظ إرادة الإنسان للإفلات من عبوديته الكونية. فكل ما ربطه الإنسان يمكن أن يحله، وهو وحده المسؤول عن خلق تلك الظروف التي تتحكم الآن في حياته، مهما كان نوعها. وبما أنه خلق تلك الأسباب والظروف فلديه القدرة للتغلب على كل المحدوديات بفضل موارده الروحية التي لا تخضع للضغوط الكوكبية.

"إن الخوف الخرافي من علم التنجيم يجعل من الشخص إنساناً آلياً يعتمد بخضوع وخنوع على التوجيه الأوتوماتكي. والشخص الحكيم يقهر الكواكب أي أنه يفلت من ماضيه بنقل ولائه من الخليقة إلى الخالق. وكلما ازداد إدراكه لوحدته مع الروح الإلهي كلما قلـّت عبوديته للمادة. فروح الإنسان حرة أبد الدهر، لا تموت لأنها لا تولد، ولا يمكن ربط مصيرها بالكواكب والنجوم أو إخضاعها لتأثيرها.

"الإنسان روحٌ له جسد. وحينما يفهم جوهر ذاته حق الفهم يترك وراءه كل النماذج والأنماط القسرية القهرية. لكنه إن بقي مشوشاً وفاقداً لذاكرته الروحية فسيخضع للقيود الخفية لقانون البيئة والطبيعة.

"الله هو توافق وانسجام، والمتعبد الذي يتناغم معه لن يأتي بتصرف خاطئ، بل تتوافق كل نشاطاته بكيفية صحيحة وطبيعية مع القوانين الفلكية، ويحس بعد الصلاة والتأمل العميقين باتصاله بالروح الإلهي. ولا توجد قوة أعظم من تلك الحماية الباطنية."

حاولت فهم تفسيرات سري يوكتسوار الجليلة، وقلت بعد صمت طويل: "إذاً لماذا تريدني يا سيدي العزيز أن ألبس هذا السوار؟"

فأجاب المعلم: "فقط عندما يبلغ السائح وجهته يكون محقا في التخلي عن الإرشادات والخرائط. ولكن أثناء الرحلة يحاول الاستفادة من كل طريق قصير ملائم. وقد استنبط الحكماء القدامى طرقاً ووسائل عديدة لتقصير مدة اغتراب الإنسان في عالم الوهم والخداع. وهناك بعض الميزات الآلية في قانون الكارما يمكن ضبطها بمهارة بأصابع الحكمة.

"إن جميع أمراض البشر ناجمة عن مخالفة الناموس العام. والأسفار المقدسة تنصح الإنسان بالامتثال لقوانين الطبيعة، مع الاحتفاظ بثقته التامة في القدرة الإلهية الكلية. وواجبه أن يقول: "يا رب إنني أثق بك وأعلم أنك تستطيع مساعدتي، ومع ذلك سأقوم أيضا ببذل كل ما في وسعي لإبطال مفعول ما ارتكبته من أخطاء." وبواسطة عدة وسائل – بالصلاة وبقوة الإرادة وتأمّل اليوغا وباستشارة الحكماء والقديسين، وباستخدام الأساور الكوكبية – يمكن تخفيف المؤثرات الضارة الماضية أو تحييدها بالمرة.

"ومثلما يجهّز المنزل بقضيب نحاسي لامتصاص الصواعق البرقية، هكذا يمكن لجسم الإنسان الانتفاع من إجراءات وقائية منوعة. الإشعاعات الكهربائية والمغناطيسية الشفافة هي دائمة التنقل في أرجاء الكون وتؤثر بجسم الإنسان تأثيراً طيباً أو رديئاً. ومنذ عصور غابرة تأمل حكماؤنا كيفية مقاومة المفعول العكسي للمؤثرات الكونية الرقيقة. وقد اكتشفوا أن المعادن النقية تطلق أشعة كوكبية ذات فاعلية مضادة للجذب السلبي للكواكب. وقد تبين أيضاً أن بعض المركبات النباتية هي ذات نفع. والعناصر الأكثر فاعلية هي الجواهر النقية الخالية من الشوائب، والتي لا تقل عن القيراطين وزنا. فالاستعمالات العملية الواقية للتنجيم قلما حظيت بعناية الباحثين خارج الهند. وهناك حقيقة بسيطة مؤكدة هي أن الجواهر الملائمة والمعادن أو المستحضرات النباتية هي عديمة القيمة ما لم تكن من الوزن الصحيح، شريطة أن تستعمل هذه العوامل الشافية بحيث تكون ملاصقة للجلد. "

وقلت: "سيدي، بالتأكيد سأعمل بنصيحتك وأحصل على إسوار، ولكن يدهشني مجرد التفكير بالتغلب على الأجرام السماوية!"

فأضاف سري يوكتسوار تعليمات دقيقة قائلا:

"بالنسبة للأغراض العامة أنصح باستعمال إسوار من الذهب والفضة والنحاس، إلا إنني في حالتك الخاصة أريدك الحصول على إسوار من الفضة والرصاص. "

وقلت: "سيدي، ما الذي ترمي إليه بالضبط؟"

فأجابني المعلم: "إن الكواكب تتأهب لاتخاذ موقف غير ودّي منك يا موكندا. ولكن لا تخف فسوف تحميك العناية الإلهية. في غضون شهر من الآن ستعاني من اضطرابات كبيرة في الكبد. وهذا المرض يفترض أن يستمر لستة شهور، ولكن باستخدامك السوار الكوكبي ستختزل هذه الفترة الزمنية إلى أربعة وعشرين يوما فقط. "

وبحثت عن صائغ في اليوم التالي وبسرعة حصلت على السوار ولبسته. وكانت صحتي على ما يرام بحيث غابت عن ذاكرتي نبوءة معلمي الذي كان قد ترك سيرامبور وذهب في زيارة إلى بنارس. وبعد ثلاثين يوما من حديثنا شعرت بألم مباغت في منطقة الكبد. وكانت الأسابيع التالية كابوسا من الآلام المبرحة. ولما كنت غير راغب في إزعاج معلمي فقد حسبت أن بإمكاني أن أتحمل محنتي بمفردي، بصبر وشجاعة. لكن وهن العزم مني بعد ثلاثة وعشرين يوماً من العذاب فارتحلت بالقطار إلى بنارس حيث رحّب بي سري يوكتسوار بحرارة غير عادية. لكنه لم يدع لي فرصة لإخباره على انفراد عن حالتي المتردية. وكان قد زاره الكثير من المتعبدين ذلك اليوم للتبرك برؤيته. وإذ كنت مريضاً فقد انتحيت جانباً في إحدى الزوايا. ولم يغادر الضيوف إلا بعد وجبة العشاء حينما استدعاني معلمي إلى شرفة المنزل ذات الثماني زوايا. وخاطبني وهو ينظر إلى بعيد ويسير جيئة وذهابا ويحجب ضوء القمر أحياناً:

"أظن أنك أتيت بخصوص اضطراب كبدك. لقد مضى على آلامك أربعة وعشرون يوماً، أليس كذلك؟"

أجبت: "نعم يا سيدي. "

قال: "أرجو القيام بتمرين المعدة الذي لقنتك إياه. "

فقلت: "لو أنك تعلم يا سيدي مدى آلامي لما طلبت مني أن أتمرّن." ومع ذلك فقد قمت بمحاولة ضئيلة امتثالا لأمره. وقد تطلع إليّ المعلم متسائلا:

"أنت تقول أنك تحس بالألم، وأنا أقول أنه لا يوجد ألم. فكيف يعقل وجود هذا التناقض؟"

وشعرت بدوخة، ثم غمرني شعور من الغبطة فلم أعد أحس بالعذاب المتواصل الذي حرمني نعمة الرقاد لأسابيع طويلة. ولمجرد كلمة سري يوكتسوار تلاشى الألم تماماً كما لو أنه لم يكن.

ورحت أنحني عند قدميه اعترافا بالجميل، لكنه منعني من ذلك وقال:

"دعك من هذا. انهض واستمتع بجمال القمر فوق الغانج." وكانت عينا المعلم تتهللان فرحاً عندما وقفت صامتاً بجانبه. وقد أدركت من موقفه أنه يريدني أن أشعر بأن الله هو الذي شفاني وليس هو.

ولغاية الآن لا زلت ألبس نفس السوار الفضي الرصاصي الثقيل تذكاراً لذلك اليوم الذي مضى وبقيت ذكراه العزيزة عندما أدركت أنني كنت أعيش بالفعل مع شخصية فائقة ونادرة المثال. وفي أوقات تالية كنت آتي بأصدقائي إلى سري يوكتسوار من أجل الشفاء، وكان ينصح دوما بالجواهر أو الأساور، ممتدحا استخدامها كإجراء ذي حكمة كوكبية.

ومنذ طفولتي كنت أحس بنفور تجاه التنجيم لسببين اثنين: أولاً رؤيتي الكثيرين ممن كانوا مولعين بالتنجيم باستسلام وخنوع، وثانياً لنبوءة تنبأ بها منجّم الأسرة بقوله: "ستتزوج ثلاث مرّات وستترمل مرتين." وكنت أطيل التفكير في هذا الأمر وأحس أنني شبيه بالشاة التي تضحى على مذبح الزيجة المثلثة. وذات يوم قال لي أخي الكبير أنانتا:

"من صالحك التسليم لقدرك، فخريطة برجك بيّنت فعلاً أنك ستهرب في سنواتك الأولى من المنزل إلى الهملايا وتضطر إلى العودة قسراً. وبالمثل لا بد من أن تتحقق النبوءة المتعلقة بزيجاتك."

وفي إحدى الليالي شعرت أن تلك النبوءة هي كاذبة من أساسها، فأشعلت النار بخريطة البرج ووضعت رمادها في مظروف كتبت عليه ما يلي: "إن بذور الكارما (نتائج الأعمال) الماضية لا يمكن أن تفرّخ إن تم حرقها بنيران الحكمة المقدسة." ثم وضعت المظروف في مكان بارز. وقرأ أنانتا هذا التحدي الصريح فضحك ساخراً وهو يقول:

"لا يمكنك تدمير الحقيقة بنفس السهولة التي أحرقت بها هذه الورقة."

وقد حدث فعلا في ثلاث مناسبات قبل بلوغي طور الرجولة أن حاولت أسرتي ترتيب خطوبتي، وكنت أرفض في كل مرة لعلمي أن حبي لله هو أقوى من أي اعتبارات كوكبية من مخلفات الماضي. وكنت أتأمل دوماً كلمات معلمي الرشيدة:

"كلما تعمق الإنسان في معرفة ذاته كلما ازداد تأثيره على الكون بأسره بفعل اهتزازاته الروحية الشفافة، وكلما قلَّ في نفس الوقت تأثـّره بالأحداث الخارجية."

وأحياناً كنت أطلب من المنجمين أن يتخيّروا أسوأ أوقاتي طبقاً للدلالات الكوكبية، ومع ذلك كنت أتمكن من إنجاز أي عمل أرسمه لنفسي في تلك الأوقات. صحيح أن نجاحي في تلك المناسبات كان محفوفاً بصعوبات غير عادية، لكن ثقتي كان لها ما يبررها. فالإيمان بالعناية الإلهية والاستخدام السليم للإرادة - التي هي هبة الله للإنسان – هما قوة هائلة تفوق الأمواج الأثيرية المنبثقة عن الكواكب والنجوم.

ولقد أدركت أن ما تسجله النجوم وقت الولادة لا يعني جعل الإنسان دمية في يد ماضيه. بل أن المؤشرات الكوكبية هي بالأحرى محفـّز للارتقاء. فالأفلاك تعمل على إيقاظ عزيمة الإنسان للتحرر من كل قيد. لقد خلق الله كل إنسان روحاً موهوباً بذاتية مميزة، ولذلك فكل فرد له دوره الجوهري في التكوين العام، سواء كان ذلك الدور الحالي دعامة تسند غيرها أو عالة تستند على سواها. والخلاص العاجل للإنسان يتوقف لا على الانتصارات الخارجية بل على الفتوحات الروحية الباطنية.

المصدر: مذكرات يوغي – السيرة الذاتية Autobiography of a Yogi بقلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة جديدة منقحة: محمود عباس مسعود

www.swaidayoga.com

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment