Saturday, July 2, 2011

برمهنسا يوغانندا: النجاح وتنمية الإرادة

قـانون النجاح وتنمية الإرادة

للمعلم برمهنسا يوغانندا

Paramahansa Yogananda

ترجمة: محمود عباس مسعود

"أحكم الحكماء هو من يطلب التعرف على الله وأنجح الناجحين هو من عثر على الله."

- المعلم برمهنسا

حديقة العام الجديد

لقد تلاشت أصداء العام المنصرم بما فيها من أحزان وضحكات، وها صدى أنشودة العام الجديد يشدو مشجّعا ً، مبشّرا ً بالأمل، وهامسا ً:

" صُغ حياتك من جديد بصورة مثالية،

اهجر الأعشاب الضارة للمخاوف القديمة،

ومن حديقة الماضي المهجورة استجمع وادّخر فقط بذور الأفراح والتحصيلات والآمال والأفكار والأفعال الطيبة والرغبات السامية النبيلة.

وفي التربة الندية لكل يوم جديد ازرع تلك البذور الجبارة واسقها واعتن ِ بها حتى تنمو وتعبق حياتك بمزايا التفتح النادرة.

العام الجديد يهمس:

"يقـّّظ روحك أسيرة العادات واستحثها للقيام بجهود نافعة جديدة. لا تكفّ عن المحاولة ولا تسترح قبل بلوغ الحرية الأبدية والتفوق على الكارما {نتائج الأعمال السابقة الدائمة المطاردة والتعقـّب}.

وبفكر منتعش ومنتش ٍ بالسرور الدائم التجدد، فلنفرح معا ولنسر يداً بيد قاصدين البيت السماوي حيث لن نخرج بعدها خارجا ً.

- برمهنسا يوغانندا

حقي المقدّس

لقد خلقني الله على صورته

لذلك سأطلبه أولا ً وقبل كل شيء

وأتيقن من اتصالي الفعلي به.

عندها، وإن سمحت إرادته

فلأحصل على كل الأشياء

من حكمة وبحبوحة وصحة

كجزء من حقي المقدس.

أريد نجاحا ً وتوفيقا ً بدون حدود وبغير حساب،

لا من مصادر أرضية

بل من يد الله الكريمة ذات الملك والقدرة

والفيض الرباني المتدفق بالعطاء والنعيم

على الدوام.

قانــــــــون النجـــــــــاح

هل في الكون من قوة قادرة على إظهار مناجم الغنى والثراء، والكشف عن كنوز ما كانت في الحسبان ولم نحلم بها من قبل؟

وهل في الكون من قدرة نلجأ إليها طلبا ً للصحة والسعادة والتنوير الروحي؟

إن قديسي وحكماء الهند يؤكدون وجود هذه القوة وقد أثبتوا فاعلية قوانين ومبادئ الحق التي ستعمل من أجلك إذا ما جرّبتها بعقل منفتح.

إن نجاحك في العالم لا يتوقف كلياً على المقدرة الذاتية والتدريب، بل يعتمد أيضا ً على تصميمك على الاستفادة من الفرص المتاحة لك.

فرص الحياة لا تأتى مصادفة، بل يتم خلقها واستحداثها. فأنت بذاتك قد خلقت كل الفرص التي توفرت وتتوفر لك (سواء في هذه الحياة أو في الماضي، بما في ذلك الحيوات أو التجسدات السابقة.)

وما دمتَ قد أوجدتَ تلك الفرص فيجب أن تستخدمها وتستفيد منها بأفضل طريقة وعلى أكمل وجه.

إن استخدمت كل الوسائل والوسائط الخارجية المتاحة لك، إضافة إلى قدراتك الطبيعية، من أجل التغلب على كل العقبات التي قد تعترض طريقك، فستنمّي القوى التي وهبها الله لك: تلك القوى غير المحدودة التي تنبثق من أعمق أعماق كيانك.

إنك تملك قوة الفكر وقوة الإرادة، فاستخدم إلى أقصى حد هاتين الهبتين المقدستين.

قوة الفكر

إنك تبرهن عن النجاح أو الفشل طبقا ً لنوعية وطريقة تفكيرك الاعتيادي. أيهما أقوى في حياتك: أفكار النجاح أم أفكار الفشل؟ إن كان تفكيرك سلبيا ً في معظم الأوقات فلن يكفي التفكير الإيجابي بين الحين والآخر لاجتذاب النجاح. ولكن إن فكرت باستقامة فستعثر على ضالتك وستبلغ غايتك، حتى ولو شعرت أنك محاط بظلمة كثيفة.

أنت الوحيد المسئول عن نفسك. ما من شخص آخر سيعطي جوابا ً أو يدفع حسابا ً نيابة عنك في اليوم الأخير. إن عملك في العالم حيث وضعتك كرماك (نتائج أعمالك السابقة) يمكن أن يقوم به شخص واحد هو أنت. وعملك يعتبر ناجحاً، فقط عندما يخدم بصورة ما أخاك الإنسان.

لا تستذكر أية مشكلة أو تداوم التفكير بها. دع المسائل تهجع بين فترة وأخرى وقد تحل ذاتها بذاتها. ولكن يجب أن لا ترقد أنت طويلا بحيث تفقد القدرة على التمييز. استعمل بدلا من ذلك فترات الاستراحة هذه للتعمق في التأمل والوصول إلى آفاق هادئة في أعماق نفسك.

عندما تتناغم مع نفسك ستتمكن من التفكير بصفاء في كل ما تفعله. حتى وإن تشتتت أفكارك ستتمكن من استجماعها وتصويبها من جديد. القدرة على التناغم المقدس يمكن اكتسابها بالجهد والممارسة.

الإرادة هي مولـّد القوى

إضافة إلى التفكير الإيجابي يجب أن تستخدم قوة الإرادة وتعمل بجد ومثابرة لإحراز النجاح والتوفيق. كل الظواهر الخارجية هي نتيجة الإرادة، ولكن هذه القوة لا يتم استخدامها غالبا ً بكيفية واعية رشيدة.

توجد إرادة آلية مثلما توجد إرادة واعية، والمحرك الدافع لكل قواك هو العزيمة الثابتة أو قوة الإرادة التي لا يمكنك أن تسير أو تتحدث أو تعمل أو تفكر أو تشعر بدونها. لذلك فقوة الإرادة هي الدافع المحفـّز لكل أعمالك، وعدم استخدام هذا النشاط معناه أن تكون خاملا ً خامدا ً غير فعّال البتة، جسديا وعقليا. إنك تستخدم الإرادة حتى في تحريك يدك، ومن المستحيل أن تحيا دون استخدام هذه القوة.

الإرادة الآلية هي استخدام غير واع ٍ لقوة الإرادة. الإرادة الواعية هي طاقة حيوية مصحوبة بالتصميم والمجهود، وهي مولـّد القوى الذي ينبغي توجيهه بحكمة وتعقـّل. عندما تدرّب ذاتك على استخدام الإرادة المفكرة الحكيمة وليس الآلية غير الواعية، يجب في نفس الوقت أن تتأكد من استخدام إرادتك بطريقة نافعة بنـّاءة وليس لأغراض ضارة أو لامتلاك أشياء تافهة لا نفع لها.

ومن أجل خلق إرادة فعّالة وقوية التأثير يجب أن تنوي وتصمم على فعل الأشياء التي ظننت أنك لا تستطيع القيام بها. حاول القيام بالأشياء الأسهل أولا ً، وكلما ازددت ثقة وقوة وأصبحت إرادتك أكثر فعالية، حاول إنجاز أشياء أكثر صعوبة وتحديا ً.

يجب أن تتأكد أولا ً من تحديد غاية طيبة ونبيلة، وأن تسعى لتحقيقها بكل طاقاتك، رافضا ً الاستسلام أو الاعتراف بالفشل مهما كانت العوائق التي تعترض سبيلك. استخدم كل ما لديك من إرادة لإتقان عمل ما في المرة الواحدة. لا تبدد قواك أو تترك شيئا ً غير مكتمل قبل الشروع بمغامرة جديدة.

يمكنك التحكم بقدَرك

العقل يخلق ويبدع كل شيء، ولذلك يجب أن توجهه توجيها ً سليما ً بحيث لا يخلق سوى الأفكار والأشياء الطيبة فقط. إذا تمسكت بفكرة ما، بإرادة وإصرار، فإنها ستتخذ صورة ظاهرة ومحسوسة. عندما تتمكن دائما ً من استخدام إرادتك في أغراض نافعة وبنـّاءة عندها تصبح سيد قـَدَرك.

لقد ذكرتُ ثلاث طرق هامة لشحن إرادتك وجعلها قوية وفعّالة:

1- انتق عملا ً بسيطا ً، أو مهنة لم تتمكن من مزاولتها وإتقانها من قبل، وصمم على أنك ستنجح في ذلك العمل أو تلك المهنة.

2- تأكـّد أولا ً من أنك قد اخترت فعلا ً شيئاً بنـّاءً يمكنك تحقيقه، ولا تستسلم للإخفاق والفشل.

3- ركـّز قواك على غاية واحدة، مستخدما ً كل قدراتك وفرصك المتاحة لبلوغ تلك الغاية.

من المهم جدا ً أن تتأكد دوما، في أعماق ذاتك الهادئة، أن الذي تريده وتسعى في طلبه هو في صالحك ومطابقا ً للمقاصد الإلهية. عندئذٍ يمكنك استخدام كل قوة إرادتك لتحقيق هدفك، مع الاحتفاظ بعقلك مركـّزا ً على الله مصدر كل القوى والانجازات.

الخوف يوهن طاقة الحياة

العقل البشري هو مستودع هائل من الطاقة أو النشاط الحيوي. هذا النشاط يتم استخدامه على الدوام في الحركات العضلية وعمل القلب والرئتين والحجاب الحاجز والاستقلاب الخلوي وتفاعل الدم الكيماوي، وفي عمل أجهزة الحس الآلية (الأعصاب). بالإضافة إلى ذلك فإن كمية كبيرة من النشاط الحيوي يتم صرفها في التفكير والعاطفة والإرادة.

الخوف يوهن قوة الحياة أو النشاط الحيوي. إنه من ألد أعداء الإرادة الفاعلة. الخوف يقوم باعتصار وإعاقة نشاط الحياة الذي ينساب عادة بانتظام نحو الأعصاب فتبدو وكأنها قد أصبحت مشلولة، فيهمد الجسم وتتناقص حيويته بشكل محسوس وملحوظ. الخوف لا يساعدك على التخلص من مسببه. إنه يوهن الإرادة ويستحث الدماغ كي يبعث بإشارة عائقة إلى أعضاء الجسد. الخوف يعتصر القلب ويعيق عملية الهضم ويسبب العديد من الاضطرابات البدنية. عندما يظل الوعي مركـّزا ً على الله فلن تخشى شيئا ً وستتمكن من قهر كل عائق وعقبة بالشجاعة والإيمان.

الـ "أمنية" هي رغبة تعوزها الطاقة. و "النية" فهي اعتزام القيام بشيء ما: تحقيق أمنية أو رغبة. أما "الإرادة" فيمكن التعبير عنها بالقول: "إنني أعمل دون توقـّف حتى أحقق ما أريده." عندما تدرّب إرادتك يمكنك إطلاق قوى من النشاط الحيوي وتوجيهها، وليس عندما تتمنى الحصول على شيء ما دون القيام بما يلزم لتحصيل ذلك الشيء.

الجهود الجديدة بعد الإخفاق تثمر نمواً حقيقياً

حتى الفشل يجب أن يعمل كمحفـّز لإرادتك ولنموّك المادي والروحي. عندما تخفق في أي مشروع فمن المفيد أن تحلل كل العوامل والحالات والظروف ذات الصلة كي تتخلص بصورة تامة من احتمالية تكرار نفس الأخطاء في المستقبل. إن فصل الفشل هو أنسب وأخصب موسم لزرع بدور النجاح.

لطمات ولكمات الظروف قد تسبب لك الكدمات والرضوض، ولكن احتفظ بقامتك منتصبة وبهامتك عالية. لا تكف عن المحاولة. حاول مرة أخرى بغض النظر عن عدد المرات التي فشلت بها. كافح عندما تفكر أنه لا قدرة لك على المزيد من الكفاح، حتى تشعر في قرارة نفسك أنك أبليت البلاء الحسن وبذلت أفضل ما لديك من مجهود، أو إلى أن تتكلل مساعيك بالنجاح. الحكاية التالية ستوضّح هذه النقطة.

كان "أ" و "ب" يتلاكمان، وبعد جولة طويلة قال "أ" في نفسه: "لا قدرة لي على المواصلة." أما "ب" فقال: "بالرغم من الإعياء الشديد الذي أحس به سأوجه لكمة أخيرة لا غير." فناولها لـ "أ" الذي سقط على الأرض بسببها. وهكذا يجب أن تصمد في معركة الحياة حتى النهاية. استخدم قوة إرادتك الجبّارة في التغلب على كل صعوبات الحياة.

الجهود الجديدة بعد الفشل تأتي بنمو حقيقي، ولكن يجب تنسيق تلك الجهود وشحنها بالانتباه الدقيق والإرادة الديناميكية الفعّالة.

افرض أنك فشلت حتى الآن، فمن الحماقة أن توقف الكفاح معتبراً الفشل قضاءً وقدرا. من الأفضل أن تموت مكافحا ً من أن توقف بذل المجهود ما دام بإمكانك إنجاز المزيد، لأن جهودك ستستمر في حياة جديدة حتى عند موافاة الأجل. النجاح والفشل هما النتيجة العادلة لما فعلته في الماضي، إضافة إلى ما تفعله الآن. لذلك يجب أن تنبـّه أفكار النجاح من تجسدات ماضية وتشحنها بالنشاط والحيوية كي تتمكن من السيطرة على أفكار الفشل في الحياة الحاضرة.

المصاعب والمتاعب التي واجهها الشخص الناجح قد تكون أكثر وأكبر من تلك التي واجهها الشخص الفاشل. ولكن الأول درّب نفسه على رفض أفكار الفشل جملة وتفصيلا طوال الوقت.

يجب أن تحوّل ذهنك من الإحباط والقنوط إلى الفوز والانتصار، من الهم إلى الهدوء، من الحيرة الفكرية والقلق النفسي إلى التركيز العقلي، من التشويش والاضطراب إلى السلام، ومن السلام إلى الغبطة الروحية المقدسة.

عندما تمتلك هذه المعرفة الذاتية تكون غاية حياتك قد تكللت بالنجاح وتحققت تحقيقا ً مجيدا.

ضرورة التحليل النفسي

هناك سر آخر للنجاح هو التحليل النفسي. فاستبطان الذات هو مرآة فيها تبصر خفايا وخبايا عقلك التي بغير ذلك تبقى محجوبة عنك. قم بتشخيص نقاط فشلك وافرز نزعاتك وميولك الطيبة والرديئة. استخدم التحليل الذاتي لتعرف أين أنت الآن وما الذي تريد تحقيقه وما هي العقبات التي تعيق طريقك. حدد طبيعة عملك الفعلي واعرف ما هي رسالتك في الحياة. حاول أن تمتلك كل مقومات الشخصية الأصيلة والنبيلة، غير مدفوع بالميول والأهواء. وإذ تحتفظ بعقلك متوافقا ً ومتناغما ً مع الله ستتقدم بسرعة وبأمان واطمئنان على الطريق نحو غايتك المنشودة.

هدفك الأسمى هو العثور على طريقك إلى الله. ولكن هناك واجبات ومسؤوليات ينبغي إنجازها والوفاء بها في هذا العالم. الإرادة المقترنة بروح المبادرة ستساعدك على تحديد تلك الالتزامات وانجازها على أكمل وجه.

قوة روح المبادرة الخلاقة

ما هي روح المبادرة؟ إنها مقدرة خلاقة في داخلك: شرارة من المبدع اللانهائي قد تمنحك القدرة على خلق شيء لم يخلقه غيرك أبدا من قبل. وهي تحفزك للقيام بالأمور بكيفية جديدة مستحدثة. إنجازات الشخص الذي يمتلك روح المبادرة قد تكون رائعة ومدهشة كالشهاب الثاقب. وإذ يخلق – حسبما يبدو – شيئاً من لا شيء، فإنه يبرهن على أن ما يبدو غير مستطاع هو بالفعل ممكن باستخدام الإنسان لقوة الروح الأعظم الخلاقة. روح المبادرة والابتكار تمكـّنك من الوقوف على قدميك، حرا ً مستقلا ً، وهي إحدى ميزات النجاح.

صورة الله في الجميع

كثيرون يعذرون عيوبهم الذاتية ويدينون الآخرين دون هوادة. يجب أن نعكس هذا الموقف بأن نغض الطرف عن عيوب الآخرين ونضع شوائبنا تحت المجهر.

من الضروري أحيانا ً تحليل الآخرين، ولكن في مثل هذه الحالة يجب إبقاء الفكر متحررا من التحيّز والتمييز. الفكر المنصف الذي لا يعرف المحاباة هو كالمرآة الصافية الثابتة، غير المهتزة بالإدانة المتسرعة. وكل من يظهر في تلك المرآة سيبدو على حقيقته دون رتوش أو تشويه.

حاول أن ترى الله في كل إنسان، من أي جنس ومعتقد. سوف تتذوق طعم الحب المقدس عندما تشعر بوحدتك مع كل إنسان وليس قبل ذلك. في الخدمة المتبادلة ننسى الذات الصغيرة (الأنا) ونعاين الذات العظمى الواحدة التي لا حدود ولا قيود لها: الروح الإلهي الذي يوحّد كل البشر ويؤلف ما بينهم.

العادات الفكرية تتحكم بحياة الإنسان

لعادات الإنسان القدرة على تعجيل أو تأجيل نجاحه. ليست إلهاماتنا العابرة أو أفكارنا المشرقة، بل عاداتنا الفكرية اليومية هي ما يحدد مستوانا ويقرر مسار حياتنا.

العادات الفكرية هي مغناطيس عقلي يجذب إليك صنوفا ً معيّنة من الأشياء والبشر والظروف. عادات الفكر الطيبة تمكـّنك من اجتذاب الفرص النافعة المواتية، أما العادات الفكرية السيئة فتقرّبك من ذوي الطباع والميول الدنيوية ومن ظروف غير مستحبة.

يمكنك إبطال مفعول العادات السيئة وشلّ قواها بتجنـّب كل ما من شأنه أن يوقظها أو ينعشها، دون التركيز المتواصل عليها. بعد ذلك قم بتوجيه فكرك نحو عادة طيبة واعمل على تنميتها باستمرار حتى تصبح جزءا لا يتجزأ من حياتك يمكنك الوثوق به والاعتماد عليه.

في داخلنا قوّتان متعاكستان في صراع مستمر: قوة تدفعنا لفعل ما ينبغي أن نفعله، وأخرى توحي لنا بفعل ما يتوجب علينا فعله من الأمور التي تبدو أكثر صعوبة. الصوت الأول هو صوت الشر، أما الصوت الثاني فهو صوت الخير أو الله.

وبفعل وفضل الدروس اليومية الصعبة سترى بجلاء أن العادات السيئة تغذي شجرة الرغبات المادية التي لا انتهاء لها، بينما العادات الطيبة تغذي شجرة الأماني والطموحات الروحية السامية. يجب أن تركـّز جهودك أكثر فأكثر على التنمية الصحيحة للشجرة الروحية المباركة حتى تتمكن يوماً ما من قطف ثمار معرفة الذات الناضجة الشهية.

إذا استطعت تحرير ذاتك من كل أنواع العادات السيئة، وإن استطعت القيام بكل ما هو طيب ونبيل محبة بالنبل والطيبة وليس لأن الشر يجلب الحزن والندامة فستنمو بالروح وستتقدم على الطريق.

ستتحرر عندما تهجر عاداتك السيئة طوعا ً واختيارا. لن تتحرر إلا عندما تصبح سيداً قادرا على إصدار الأوامر لمشاعرك وأفكارك وإرادتك كي تفعل ما ينبغي فعله، حتى ولو كان ذلك ضد رغباتك. في تلك القوة لضبط النفس والسيادة الذاتية تكمن بذور الحرية الأبدية.

لقد ذكرت حتى الآن عدة ميزات هامة للنجاح: التفكير الإيجابي، الإرادة الفاعلة، التحليل النفسي، روح المبادرة، وضبط النفس. هناك كتب عديدة تؤكد على واحدة أو أكثر من هذه الميزات ولكنها لا تعترف بالفضل للقوة الإلهية الكامنة خلف عوامل النجاح تلك. التوافق مع الإرادة الإلهية هو العنصر الأهم في تحقيق النجاح.

الإرادة الإلهية هي القوة التي تحرّك الأرض وما عليها والكون وما فيه. إنها إرادة الله التي تدفع النجوم في الفضاء، وإنها إرادته التي تحفظ الكواكب في مساراتها وتنظـّم دورات الولادة والنمو والتحلل لكل صور الحياة.

قوة الإرادة الإلهية

الإرادة الإلهية لا حدود لها ولا قيود عليها. إنها تعمل بواسطة قوانين معلومة ومجهولة، طبيعية وما يبدو خارقة للطبيعة. تستطيع تغيير مسار القدَر وقيامة الموتى وإلقاء الجبال في البحار وخلق نـُظم شمسية جديدة.

الإنسان المخلوق على صورة الله يمتلك في داخله قوة الإرادة تلك ذات الإنجاز الكلي. واكتشاف طريقة التوافق مع تلك الإرادة، بالتأمل الصحيح، هو واجب الإنسان الأسمى.

الإرادة البشرية تخدعنا إن كانت مسيّرة بالأخطاء، ولكن عندما يتم توجيهها بالحكمة والصواب تصبح متوافقة مع الإرادة الإلهية. إن خطة الله من أجلنا غالبا ما تصبح غامضة مبهمة بسبب تناقضات الحياة البشرية. وهكذا نفقد الإرشاد الذاتي القادر على تخليصنا من مطبـّات التعاسة والشقاء.

قال السيد المسيح: "لتكن إرادتك". عندما يتمكن الشخص من مناغمة أو توفيق إرادته مع إرادة الله الموجّهة بالحكمة تصبح إرادته واحدة مع الإرادة الإلهية. فباستخدام الطرق الصحيحة للتأمل، التي تم استنباطها قديما ً على يد حكماء الهند، بإمكان الجميع إحراز توافق تام مع الإرادة الربانية.

بحر الوفرة والرخاء

فكما أن كل قوة تكمن في إرادة الله، هكذا كل الهبات الروحية والمادية تنساب من فيض نبعه الذي لا حصر له ولا انتهاء. ولكي تحصل على عطاياه يجب أن تستأصل من عقلك (الظاهر والباطن) كل أفكار العجز والعوز. العقل الكلي كامل بذاته ولا يعرف النقصان. وللتوصل إلى ذلك المدد الرباني الذي لا نضوب له، يجب أن تشبّع وعيك بأفكار الوفرة والبحبوحة. ويجب أن لا تعترف بالفقر ولا تسمح للخوف بالتسلل إلى قلبك حتى وإن كنت لا تعرف من أين سيأتي "الدولار أو الدينار" القادم. عندما تقوم بدورك وتتوكل على الله كي يقوم بدوره، فستجد أن قوى خفية تأتي لعونك وأن أمنياتك البنـّاءة والطيبة تتحقق بسرعة. التأمل يساعد على غرس هذه الثقة بالنفس والشعور بالوفرة والرخاء.

وبما أن الله هو مصدر كل قوة نفسية، وينبوع السلام والرخاء، فلا تأخذ القرار ولا تقـْدِم على العمل قبل الاتصال بالله. يجب أن تتأمل أولا ً وتتأكد من توافقك مع الإرادة الإلهية وعندها يمكنك حث إرادتك وتفعيل قواك من أجل بلوغ أسمى وأنبل الأهداف.

وكما يستحيل البث اللاسلكي من جهاز معطل، هكذا لا يمكنك إرسال صلواتك من جهاز نفسي معطل بالقلق والتشويش. يجب أن تقوم أولا ً بإصلاح الجهاز بالتأمل العميق وأن تحسّن قوة استقبال البصيرة الروحية، وستتمكن عندئذ من بث رسائلك لله والحصول على استجاباته لك.

بعد إصلاح الجهاز النفسي والتناغم الهادئ مع الاهتزازات الروحية ستتمكن من استخدام ذلك الجهاز للتحدث إلى الله والتوصل إليه. الطريقة الصحيحة للتأمل هي أنجع وأنجح الوسائل.

طريقة التأمل

يمكنك بقوة التركيز والتأمل توجيه قواك العقلية التي لا تنضب بالاتجاه الذي تختاره لتحقيق ما تصبو إليه ولسد كل ثغرات الفشل. كل الناجحين من الرجال والنساء يصرفون وقتا ً كبيرا ً في التركيز الذهني العميق. إنهم قادرون على الغوص العميق في بحر عقلهم والعثور على لآلئ ودرر الحلول الصحيحة للمشاكل والمصاعب التي تواجههم. فإن تمكنت من تحرير ذهنك من كل المشوشات والمشتتات وحصره في شيء واحد ستعرف كيف تجتذب بقوة الإرادة كل ما تحاج إليه.

قبل الشروع في مشاريع أو مهام هامة، اجلس بهدوء. سكـّن الحواس والأفكار وتأمل بعمق، وستوجَّه بقوة الروح العظيمة الخلاقة. بعدها يجب أن تستخدم كل الوسائل المادية الضرورية اللازمة لتحقيق غايتك.

الأشياء التي تحتاجها في الحياة هي التي ستساعدك على بلوغ هدفك الرئيسي. الأمور التي قد تريدها ولكن لا تحتاجها قد تبعدك عن هدفك. يمكنك إحراز النجاح بتكريس كل طاقاتك وقدراتك من أجل تحقيق غايتك الأساسية.

السعادة هي معيار النجاح

يجب التأكد أولا ً من أن الغاية التي ترغب في تحقيقها تستحق السعي في سبيلها وأن الوصول إليها يعتبر نجاحا فعليا ً.

ما هو النجاح؟ إن امتلكت الصحة والثروة وكان لديك مشاكل مع كل إنسان (ومع نفسك أيضا) فحياتك ليست موفقة. الدنيا تصبح قاتمة والحياة عقيمة إن لم تعثر على السعادة.

عندما تفقد المال تكون قد فقدت القليل. وعندما تفقد الصحة تكون قد فقدت شيئا ً أكثر أهمية. أما عندما تفقد السلام وراحة البال تكون قد فقدت أثمن كنوز الحياة.

لذلك يجب قياس النجاح بمعيار السعادة، بالقدرة على التوافق والانسجام مع القوانين الكونية. النجاح لا يقاس أصلا بالمعايير الدنيوية من صحة وجاه وقوة. هذه الأشياء بحد ذاتها لا تمنح السعادة ما لم تـُستخدم استخداما ً صحيحاً. ومن أجل ذلك يجب أن يمتلك الإنسان الحكمة ومحبة الله والإنسان.

إن الله لا يكافئك ولا يعاقبك. (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون... من أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها.) فالله قد منحك المقدرة على مكافئة أو معاقبة نفسك باستخدام أو سوء استخدام عقلك وإرادتك. فإن تجاوزت قوانين الصحة والرخاء والحكمة فستعاني حتما من المرض والفقر والجهل. لذلك يجب أن تقوّي عقلك وأن ترفض حمل الأعباء النفسية والخلقية المتراكمة من السنوات الماضية. احرق تلك الأكداس البالية في نيران مقرراتك المقدسة الحاضرة ونشاطاتك البنـّاءة، وستبلغ آفاق الحرية.

تتوقف السعادة – بعض الشيء – على الظروف الخارجية، لكنها تعتمد أصلا ً على الحالة النفسية. ولكي تصبح سعيدا ً يجب أن تمتلك صحة جيدة، عقلا ً متزنا ً، حياة مزدهرة، عملا ً مناسبا ً، قلبا ً شكوراً،ً وعلاوة على كل شيء الحكمة ومعرفة الله.

إن تصميماً قويا كي تصبح سعيدا ً سيساعدك كثيرا ً. لا تتوقع أن تتبدل ظروفك، محتسباً من قبيل الوهم أن المتاعب تكمن بها.

لا تجعل التعاسة عادة قوية مستحكمة يصعب التخلص منها، مسبباً بذلك الألم النفسي لك ولمن حولك. من أكبر النعم عليك وعلى الآخرين أن تكون سعيدا ً ومتفائلا.

إن امتلكت السعادة تكون قد حصلت على كل شيء. السعادة معناها التوافق مع الله، والتأمل يمنح القدرة على إحراز السعادة.

ضع قوة الله خلف مجهوداتك

أطلق – لأغراض نافعة بنـّاءة – القوى التي في حوزتك، وستحصل على المزيد. سر على الطريق بتصميم راسخ لا يتزعزع ولا يتراجع، مستخدما كل مقومات وعناصر النجاح.

اعمل على توفيق ذاتك مع قوة الروح الخلاقة وستكون على اتصال مع العقل اللانهائي القادر على إلهامك وحل كل مشكلاتك. وستنساب إليك – دون انقطاع – قوىً من المصدر الجبار لكيانك الروحي بحيث ستتمكن من القيام بإنجازات وإبداعات رائعة في كل مجالات الحياة.

يجب أن تجلس بسكون قبل البت في أي موضوع هام، ملتمسا ً العون والبركة من الله. عندها ستدرك أن خلف قوتك تكمن قوة الله، خلف عقلك عقل الله، وخلف إرادتك إرادة الله. ما دام الله يعمل معك فلن تحبط مساعيك ولن تفشل، بل ستتضاعف قواك وتزداد قدراتك. وعندما تنجز أعمالك لخدمة الله ستحصل على بركاته.

إن كان عملك في الحياة متواضعا ً فلا تعتذر عنه.

كن فخورا ً لأنك تنجز الواجبات الموكولة لك من الله. فهو يريدك القيام بدورك على أكمل وجه.

لا يستطيع الكل القيام بنفس الدور الذي تقوم أنت به. فما دمت تعمل من أجل مرضاة الله فإن كل القوى الكونية ستعمل بتوافق من أجل سعادتك وإسعادك.

عندما تؤكد لله بأنك تريده علاوة على كل شيء ستتوافق مع إرادته.

وعندما تطلبه دون توقف مهما كانت العوائق التي تعترض سبيلك لتصدك عنه، فإنك والحالة هذه تستخدم إرادتك البشرية أفضل استخدام، وتستخدم أيضا ً قانون النجاح الذي كان معروفا للحكماء القدامى والذي يعرفه أيضا ً كل الذين أحرزوا النجاح الفعلي.

القوة المقدسة هي في خدمتك ما دمت تبذل مجهودا فعليا لاستخدام تلك القوة المباركة من أجل إحراز الصحة والسعادة والسلام.

وإذ تحقق هذه الأهداف النبيلة ستسير على طريق معرفة الذات نحو بيتك الحقيقي في الله.

والسلام عليكم.

تأكيـــــــــــد

سأتبصر الأمور وسأستخدم إرادتي وأبذل المجهود الصحيح.

ولكن يا رب، وجه عقلي وإرادتي وجهودي

لعمل الأشياء الصحيحة والنافعة

التي ينبغي أن أفعلها.

والسلام عليكم

لمزيد من تعاليم المعلم برمهنسا تفضلوا بزيارة موقع سويدا يوغا على الرابط التالي

www.swaidayoga.com

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment