Saturday, July 2, 2011

برمهنسا يوغانندا: قهر الخوف

قهر الخوف

للمعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

كل ما في الكون مكوّنٌ من طاقة أو اهتزاز. فاهتزاز الكلام هو مظهرٌ أو تعبيرٌ أكثرَ كثافة من اهتزاز الفكر. أفكار كل البشر تتماوج في الأثير. ولأن للأفكار رتبة اهتزازية عالية فلم يتم الكشف عنها بعد. إنما لحسن حظنا أننا لا نعرف أفكار كل الناس!

بالضغط على أزرار الراديو أو إدارتها (وبوسائل أخرى هذه الأيام) تستطيع سماع ألحان وأصوات مختلفة. ولولا الوعي الكامن في طبقات الأثير التي تنتقل عبرها أمواج الراديو إلى جهاز الإستقبال لديك لسمعت كل الأصوات المبثوثة مرة واحدة.

لقد خلق الله الأثير وأوحى لعقل الإنسان كي يصنع وسائل لبث واستقبال الإهتزازات عن طريق هذا الوسيط. الأمواج الإذاعية تعتمد في انتقالها على الأثير وعلى الكهرباء في البث والإستقبال. أمواج الراديو الإهتزازية هي أفكار منقولة عبر الفضاء إلى أي جهاز استقبال متناغم.

عندما تكون قريباً من شخص عزيز عليك تشعر بأفكاره ولكن قد لا تستطيع الشعور بأفكار شخص بعيد عنك ما لم تمتلك مجال استشعار متطور. الذين يمارسون أساليب التركيز والتأمل بانتظام يشعرون بهدوء كبير وتزداد أفكارهم رهافة نتيجة لممارستهم العلمية تلك فيستطيعون الإحساس بأفكار ونوايا الآخرين حتى من مسافات بعيدة!

كلنا أجهزة بث واستقبال بشرية: إنك تستقبل رسائل الآخرين الفكرية عن طريق قلبك الذي هو مركز الشعور، وتبث رسائلك الفكرية الخاصة عن طريق العين الروحية التي هي مركز التركيز والإرادة. هوائيك هو في الدماغ مركز الوعي السامي البديهيّ الإدراك. افرض أنك بعيد عن بيتك وترغب في معرفة ما يحدث فيه، فإن كانت أحاسيسك ساكنة للغاية وفكرك هادئاً ستتمكن من حدس مشاعر وأفكار أسرتك في البيت. عندما تمتلك مقدرة كبيرة على التركيز تستطيع أفكارك النفاذ إلى أي مكان، ويصبح إحساسك مشحوناً بالطاقة الحيوية.

المسافات أمر نسبي لأن الطاقة تختزل الفضاء. المسافة تتضاءل مع تطوير وسائل التواصل والإتصال. وافرض أنك كنت نائما وحلمت بذهابك عن طريق الجو إلى بلد آخر، ومن هناك أخذت القطار إلى إحدى المدن، من بعدها سافرت بحراً إلى إحدى الجزر وفي الطريق توقفت في عدة موانئ. كل ذلك يحصل خلال بضع دقائق في الحلم لأن لا مسافات في الفكر.

العالم والفضاء بأسره موجود كفكرة وفي ذلك تكمن قوة العقل. أستطيع إغماض عيني والتفكير بأشياء تبعد عني آلاف الأميال. الفضاء والزمان هما مجرد مفاضلات فكرية. ما الفرق بين القهوة الساخنة والبوظة الباردة في الإختبار الحلمي؟ عندما تستيقظ تدرك أن البوظة في عالم الخيال لم تكن سوى فكرة وأن القهوة الساخنة كانت فكرة أيضا، وكلاهما كانتا مجرد فكرتين مختلفتين.

للعقل قوة كلية الإدراك والمعرفة. العقل الذي أتحدث عنه هو عقل الله. ومثلما هو كلي الحضور بواسطة الفكر، هكذا نحن.

عندما تحاول الإستماع إلى إذاعة ما يحدث أحياناً أن تسمع تشويشاً مصاحباً للبث. وبالمثل عندما تحاول إنجاز شيء ما ذي بال في حياتك تختبر تشويشاً من نوع آخر يحاول صدك وإعاقة تقدمك. ذلك التشويش هو العادات السيئة.

الخوف هو نوع آخر من التشويش الذي يؤثر على جهازك النفسي. وكالعادات الطيبة أو الرديئة فإن الخوف هو أيضاً بنـّاء ومدمّر معاً. مثال على ذلك عندما تقول الزوجة: "إن زوجي سيسخط إن أنا خرجت من البيت هذا المساء ولذلك لن أخرج." تكون مدفوعة بالخوف الودي الذي هو بنـّاء. هناك فرق بين الخوف الودي والخوف الخانع. إنني أتحدث هنا عن الخوف الودي الذي يجعل الشخص حذراً لئلا يؤذي غيره دون مبرر. الخوف الخانع يشل الإرادة. أعضاء الأسرة يجب أن يشعروا بالخوف الودي فقط، وألا يرهبوا قول الحقيقة أحدهم للآخر. القيام بأعمال مدفوعة بالإحساس بالواجب، أو تضحية الرغبات الشخصية خدمة ومحبة بشخص آخر هو أفضل بكثير من عمل ذلك من قبيل الخوف. وحتى عندما يكف الإنسان عن تجاوز القوانين السماوية يجب أن يفعل ذلك محبة في الله لا خوفاً من عقابه.

يأتي الخوف من القلب. فإن شعرت بالذعر من مرض أو حادث ما يجب أن تتنفس شهيقاً وزفيراً بعمق وببطء وبوتيرة منتظمة لعدة مرات، مستريحاً مع كل زفير. هذا سيساعد الدورة الدموية على استعادة وضعها الطبيعي. إن كان قلبك هادئاً فعلا لن تشعر بالخوف على الإطلاق.

يتيقظ القلق في القلب نتيجة الإحساس بالألم. وهكذا نرى أن الخوف يتوقف على بعض اختبارات سابقة. ربما يكون الشخص قد سقط في الماضي وكسر رجله، وهكذا فإنه يرهب تكرار نفس الإختبار. التركيز الدائم على مثل تلك الإختبارات الأليمة يشل الإرادة والأعصاب مما قد يؤدي إلى السقوط وكسر الساق ثانية! علاوة على ذلك عندما يصبح القلب مشلولاً بالخوف تنخفض حيوية الجسم إلى أدنى مستوى لها مما يسمح لجراثيم المرض بغزو الجسم وإلحاق الضرر به.

بالكاد يوجد شخص واحد لا يخشى المرض. لقد أعطيَ الخوف للإنسان كأداة احترازية لتجنيبه الألم، ولم يكن الغرض منه تضخيمه والتفكير الدائم به. الإنهماك المتواصل بالخوف يعرقل جهودنا لتفادي المصاعب وحل المشكلات التي تواجهنا. الخوف الحذر يقوم على الحكمة، كالتفكير على سبيل المثال أن نوعاً من الطعام لا يناسب الصحة بالرغم من الرغبة في تناوله. الخوف من المرض يجسّد المرض. الناس يجلبون المرض إلى أنفسهم لمجرد التفكير به. إن كنت دائم الخوف من الإصابة بالزكام ستكون أكثر عرضة له مهما فعلت لتلافيه. لا تشلّ إرادتك وأعصابك بالخوف. عندما يلازمك القلق ضد إرادتك فإنك تساعد على خلق نفس التجربة التي تتخوف منها. وليس من الحكمة أيضا الإختلاط – أكثر من اللازم – مع الذين يتحدثون عن أمراضهم وضعفهم على الدوام. فالتركيز على هذه الأمور قد يساعد على غرس بذور الخوف في عقلك. الذين يخشون الإصابة من السل الرئوي أو السرطان أو أمراض القلب يجب عليهم أن يطردوا هذا الخوف من أفكارهم لئلا يجلب لهم تلك الحالات غير المرغوبة. أما بالنسبة للمرضى والعجزة فيحتاجون إلى بيئة سارة رضية قدر الإمكان، بين أناس من ذوي الطبائع القوية الإيجابية بغية تشجيعهم ورفع معنوياتهم من خلال الأفكار والمشاعر الإيجابية. للفكر قوة عظيمة. العاملون في المستشفيات نادراً ما يمرضون بفضل ثقتهم بأنفسهم، بل أن أفكارهم القوية تجدد نشاطهم وتمدهم بمعين متواصل من الحيوية.

لهذا السبب من الأفضل أن لا يخبر الشخص الآخرين عن عمره عندما تتقدم به السن. فحالما يفعل يرون ذلك العمر معكوساً به ويقرنونه بالصحة والحيوية المتضائلتين. إن فكرة تقدم السن تخلق القلق وتسلب الإنسان الحياة والحيوية. لذلك احتفظ بعمرك سراً لنفسك. يجب أن نؤكد لأنفسنا بأننا أرواحٌ خالدة وأننا ولله الحمد نستمتع بنعمة الصحة الجيدة وأن الدنيا بألف خير.

لذلك يجب مراعاة الحذر بدل الخوف. يجب اتخاذ التدابير الوقائية وبذل قصارى الجهد للتخلص من أسباب المرض والتحرر من الخوف. الجراثيم موجودة وبكثرة في كل مكان بحيث لو راح الإنسان يرهبها لعجز عن التمتع بالحياة. وحتى بالرغم من كل إجراءات الوقاية الصحية، لو تمكن الشخص من معاينة بيته تحت عدسة المجهر لفقد شهيته ورغبته في تناول الطعام.

مهما كانت الأمور التي تخشاها، حوّل فكرك بعيداً عنها. اتركها لله وعزز ثقتك به. الكثير من التألم عادة ما يكون بسبب القلق النفسي. لِمَ التألم والمرض لم يأتِ بعد؟ وما دامت معظم أمراض الناس ناجمة عن الخوف فإن تخلوا عن الخوف سيتحررون على الفور وسيكون الشفاء فورياً. كل ليلة، وقبل النوم، أكد لنفسك: "الله معي، ومن كان الله معه لا خوف عليه." حوّط نفسك فكرياً بروح الرب وطاقاته الكونية معتبراً أن أية جرثومة تهاجمك ستصعق. تكرار "يا الله يا قدير" أو "يا رب يا معين" بكل ثقة سيحميك ويقويك ويجعلك تشعر بالراحة والصحة. إن تناغمت مع الله ستنساب حقيقته إليك وستعلم أنك في جوهرك روح لا يمسه العناء ولا يحيق به الفناء.

كلما شعرت بالخوف، ضع كفك على قلبك ملاصقاً للجلد ودلكه من الشمال إلى اليمين مردداً: "يا رب ابعد هذا الخوف عني وحرر فكري وعقلي من أي تشويش." وكما توجد طرق للتخلص من التشويش الإذاعي، هكذا إن دلكت القلب باستمرار من اليسار إلى اليمين، وإن ركزت باستمرار على فكرة إقصاء الخوف من قلبك سيزول الخوف بعونه تعالى وستشعر بالفرح الإلهي يغمر كيانك بأسره.

الخوف يلازم الإنسان على الدوام، والتخلص منه ممكن بالتفكير بالله والإحساس بحضوره.

اتكل على الله وكن أصيلاً في كل ما تفعله. المقلدون كثر، فلا تضف إسمك إلى قائمتهم الطويلة. أتقن ما تقوم به وافعله بكيفية فريدة لم يسبقك عليها أحد من قبل. المجال مفتوح للإبداع ما دامت الرغبة صادقة والإرادة متوفرة. الطبيعة بأسرها تتجاوب معك عندما تتوافق مع الله.

غالباً ما يضع الإنسان نفسه أولاً، ولكن يجب أن نفكر بالآخرين ونساعدهم على قدر طاقتنا، ونتمنى لهم الخير كما نتمناه لأنفسنا. عندما نفعل ذلك عن طيبة خاطر ومن قلوبنا نشعر باتساع في دائرة تعاطفنا وبعمق وتعاظم الألفة بيننا وبين الآخرين.

في بيئة عدد سكانها ألف شخص، لو تصرف كل واحد تصرفاً ودياً لكان لكل واحد 999 صديقاً. ولكن إن تصرف كل واحد في تلك البيئة كعدو للآخرين، سيكون لكل واحد 999 عدواً.

إن قهْر قلوب الناس بقوة المحبة هو أعظم انتصار يمكن لأي شخص أن يحققه في الحياة. حاول دوماً التفكير بصالح الآخرين وستجد العالم بأسره عند قدميك. تلك كانت أروع إنجازات العظماء الذين عاشوا وماتوا في سبيل الآخرين. أصحاب القوة المادية الجبارة الذين يعيشون من أجل أنفسهم لا غير سريعاً ما تلفهم أكفان النسيان. أما الذين يعيشون من أجل الآخرين يبقى ذكرهم خالداً على الدوام. الأنبياء لم تكن لديهم عروش من ذهب إبان إقامتهم الأرضية، لكنهم يتربعون على عرش المحبة في قلوب الملايين. ذلك هو أفضل عرش يمكن أن يعتليه أي إنسان.

يأتي الإنسان إلى هذا العالم باكياً في الوقت الذي يبتهج الجميع بقدومه. ويجب أن يعمل ويخدم إبان فسحة العمر الممنوحة له بحيث عندما يحين وقت مغادرته هذا العالم يرتحل باسماً في حين يبكيه العالم.

لقد خلق الله هذه الدنيا علّ الإنسان يستخدم ذكاءه من أجل بلوغ المعرفة الروحية وإدراك الذات الإلهية. الفكر قوة كبرى وينبغي توجيه تلك القوة في المسار الصحيح بما يعود بالنفع على نفس الإنسان والآخرين.لو لم يمنحنا الله الحب بغرس حبه في قلوبنا لما تمكنا من معرفة الحب البشري على الإطلاق. وما دام الله كريماً معنا ومحباً للغاية فينبغي أن يكون قصدنا وغاية بحثنا. لا يريد أن يفرض نفسه علينا ولكن لا سعادة يمكن تحقيقها دون التفكير به والتواصل معه.

الطريقة الغامضة التي يعمل بها الجسم والعقل الذي ميّزنا به الله عن سائر المخلوقات..

وكل أعجوبة ومعجزة أخرى في الحياة يجب أن تكون حافزاً كافياً لجعلنا نعتزم البحث عنه والعثور عليه.

من يحاول ذلك بصدق وإخلاص سيفلح في مسعاه وسيحصل على مبتغاه.

uندما شرعتُ على هذا الطريق كانت حياتي في بادئ الأمر مشوشة وغير منتظمة، لكن بالمحاولة المتكررة والعمل المتواصل أخذتْ الغيوم تنقشع والأمور تتجلى بكيفية مدهشة. وكل ما حصل لي كان برهاناً قاطعاً على وجود الله وإمكانية التواصل معه والتعرف عليه في هذه الحياة. فيا للطمأنينة ويا للراحة النفسية والسكينة الباطنية التي يحصل عليها المريد لدى عثوره على الله. ستصبح الدنيا عندها مشرقة باسمة وسيكون كل شيء على ما يرام، ولن يقوى شيء على إلقاء الخوف في القلب.

هكذا يجب أن نواجه التحديات ونخوض معركة الحياة بجرأة وبسالة تليق بأبناء الحياة والنور.

(وكل شجاعةٍ في المرءِ تغني

ولا مثلُ الشجاعةِ في الحكيم ِ)

والسلام عليكم.


تفضلوا بزيارة موقع السويداء يوغا http://www.swaidayoga.com/


لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة


ملاحظة: إسم المعلم برمهنسا يكتبه البعض أحياناً باراماهانسا

No comments:

Post a Comment