Friday, July 1, 2011

المعلم برمهنسا يوغانندا: أمراض روحية وعلاجها

أمراض روحية وعلاجها


المعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

مزيد من تعاليم المعلم

برمهنسا يوغانندا Paramahansa Yogananda

على الرابط التالي:

www.swaidayoga.com

حاولْ أن تتصور مجموعة من الأشكال البشرية عديمة التناسب والإنسجام:

واحد له رأس صغير بحجم حبة الحمّص وجسم كبير بحجم الجَمل!

آخر له يد جبارة كيد شمشون أو هرقل وجسم كجسم النغاشي أي القزم!

وثالث له رأس فيل ضخم وجسم فأر هزيل!

أفلا يكون ذلك المشهد بالنسبة لك مثيراً للدهشة والإستغراب أو للحزن والأسف فيما لو رأيت فجأة حشداً من تلك المخلوقات ذات التكوين الغريب المتنافر؟!

والآن تصور مجموعة أخرى من أناس طبيعيين من حيث الشكل والمظهر لكنهم مختلـّو التوازن العقلي ومشوهون نفسياً.

ومثلما تحجب الثيابُ الجروحَ والقروحَ وتشوهات بدنية أخرى، هكذا يحجب الجسم القوي المعافى والوجه الصبوح الجميل الكثيرَ من الأمراض النفسية والعيوب الخلقية الخطيرة.

لو قابلتَ حشداً كبيراً من البشر العاديين ممن يتميزون بالمظهر الأنيق والصحة الجيدة.. ولو استطعت النفاذ ببصرك الروحي إلى أجسامهم العقلية فستكون المفاجأة مذهلة وقد يعتريك حزن عميق لما ستكتشفه.

ربما ستلاحظ أجسامهم العقلية على النحو التالي:

العقل بصورة الرأس، الشعور والحواس بصورة جذع الجسم، والإرادة بصورة اليدين والقدمين.. وكلها شاذة وسقيمة ومشوهة.

ستجد أن البعض لديهم رأس دقيق الحجم فيه حكمة منقوصة النمو ومثبت على جسم مترهل ومنتفخ بالطموحات الأنانية والمشتهيات الحسية.

وستجد أيضاً أن للبعض جسماً لا شعور فيه ولا حيوية مع أن له ذراع مقدرةٍ عملية فائقة النمو.

آخرون قد يمتلكون دماغاً كبيراً خلاقاً، لكن جذع التعاطف والإحساس فيهم منكمش و(مقرقد) أي جاف. وهناك أيضاً صنفٌ آخر يمتلك تكويناً طبيعياً من حيث الجسد والرأس لكن أرجل الإرادة وضبط النفس لديهم هي إما واهنة أو مشلولة..

وقائمة الملاحظات تطول.. طال عمركم!

إن مثل هذه التشوهات السيكولوجية التي لا تعد ولا تحصى في الأجسام العقلية الناقصة النمو في بعض الجوانب، والمفرطة النمو في جوانب أخرى هي بالفعل موجودة – بالرغم من كونها متوارية – في الإنسان.. تسبب له آلاماً نفسية وتحول دون إظهاره لمواهبه وقدراته كما ينبغي إظهارها.

التطرق إلى بعض الأمراض السيكولوجية هنا قد يساعد على تحديد العلل الأساسية لكل المشكلات البشرية بحيث تصبح على الأقل معروفة لكل الذين يعانون منها ولو لاشعورياً، ليتسنى لهم الوقوف على طبيعة تلك العيوب وأعراضها وتغلغلها الصامت في النفس، لعلهم بذلك يتمكنون من صد زحفها الماحق للسلام، المدمر للسعادة.

السوداوية الروحية

هذا المرض متفشٍّ بين الخاملين فكرياً وجسدياً بحجة انهماكهم الكبير في الروحيات. هؤلاء المتألمون يهملون الواجبات الكبيرة والصغيرة للحياة المادية تحت شعار خدمة الله، وبذلك يفسحون المجال للشيطان كي يستحوذ عليهم ويوقع بهم أضراراً جسيمة. إنهم يعانون من التشاؤم وعدم التقدير لأي شيء نافع وجميل من حولهم. هذا مرض مُعدٍ، وعلى كل الطامحين الروحيين أن يتحرزوا له ويتحرروا منه بالمحافظة دوماً على دماء نشاطهم ساخنة وجيدة المناعة بالتفكير الإيجابي والنظرة المتفائلة والعمل الصحي المثمر.

عسر الهضم الروحي

هذا يحصل جراء (اللهط) العشوائي أي الإزدراد السريع لكميات كبيرة من الأدوية العقلية الجاهزة المسجلة تحت أسماء برّاقة، والمعروضة على شكل كتب روحية مزيفة ودروس "لأطباء روحيين" متمرسين في فن الدجل والشعوذة.

هذا المرض لا يقتل وحسب الجوع الروحي لمعرفة الحقيقة بل يقضي أيضاً على ملـَكة التمييز بين الصالح والطالح والنافع والضار.

إن الذي يلتهم أفكاراً ثيولوجية لاهوتية باستمرار ويلقم كل ما يقع تحت يديه لن يفرط في الأكل وحسب بل سيستهلك أيضاً أفكاراً مسمومة مع الأفكار النافعة مما يجلب لنفسه عسر الهضم الفكري وبالتالي الموت الروحي البطيء.

إن الإكثار من الدراسة الطويلة والمتواصلة لشتى الأفكار الروحية والفلسفية، دون تمييز أو دون مجهود لهضمها وتمحيصها بالتجربة الشخصية بغية التأكد من صحتها، يولـّد أخيراً في النفس الشكَّ واللامبالاة وعدم الثقة بكل المبادئ والقوانين الروحية.

الهوى والهوس

المصابون بهذا المرض يحيون حياة ضائعة فاقدة المعنى بسبب امتلاكهم للكثير من المال والوقت ولفقدانهم الهدف والفهم الصحيح للحياة.

هؤلاء منقادون لأهوائهم.. يفعلون كل ما يخطر في بالهم ويحلو لهم. يملأون الحياة بروايات رخيصة تافهة وأفلام مثيرة وتسليات سطحية عديمة الجدوى. هم لا يعرفون أنهم مصابون بهذا المرض الخطير إلى أن يتعرضوا لهزة عنيفة أو لانهيار عصبي، أي بعد أن يكون قد وقع الفأس في الرأس.

الزكام العقلي

هذا المرضى له إسم آخر هو القنوط. لا يدري الشخص متى سيصيبه ويعاني من أعراضه المزعجة مثل اليأس وعدم التسامح وضيق الصدر ونفاد الصبر. والأسوأ من هذا وذاك فإنه يطول أمده وغالباً ما يصاب به ضحاياه ثانية وبسهولة حتى ولو ظنوا أنهم قد تماثلوا للشفاء العاجل.

النزلة النفسية

هذا المرض يحدث بفعل إيواء الهموم الدنيوية المزمنة. المعانون منه عادة ما يغفلون استعمال سلاح إرادتهم وهكذا يخضعون بسلبية وخنوع لمخاوفهم الدائمة بدلا من مواجهتها بجرأة والقضاء عليها في مهدها.

التعلق السيكولوجي الشاذ

ضحايا هذا المرض يصبحون وحيدي الجانب في نشدانهم للسعادة. وإذ يظنون أن السعادة تكمن في تكديس المال أو تحقيق الشهرة أو امتلاك الصحة أو القوة فإنهم يضحّون كل شيء من صحة وسمعة طيبة وسلام فكري وشرف وكرامة على مذبح طموحهم المتأجج. وبعد فوات الأوان يدركون أن الحياة المتزنة المتمثلة في مراعاة قوانين الطبيعة ونواميس الله، والتوفيق ما بين النشاط والهدوء.. هي وحدها قادرة على جلب السعادة وتحقيق غاية الحياة الشريفة.

المصابون بمرض التعلق السيكولوجي الشاذ تستحوذ على أذهانهم أفكار التوق الجامح فتصبح نظرتهم للحياة منحرفة ومشوهة. مثال على ذلك حقق أحد رجال الأعمال نجاحاً كبيراً وجمع أموالاً طائلة لكنه قبل أن يتمكن من التنعم بماله انهارت أعصابه بسبب الهموم والمخاوف الكبيرة ومات مكسور الخاطر.

آخرون يعتبرون أن كل شيء مباح من أجل تحقيق الغاية. وبسبب هذا التخبط يخطئون هدفهم الفعلي فيعجزون عن تحصيل أدنى قدر من الرضاء حتى ولو امتلكوا تلك الأشياء التي طال تشوقهم إليها، لأن طبيعة الإنسان واسعة متشعبة وتتطلب تنمية متوازنة وعلى كل صعيد.

التشبث الروحي الأعمى

هذا التعصب الشاذ لمعتقدات معينة ينجم عن التمسك بآراء وأفكار محددة دون وضعها على المحك أو على بساط البحث مما يخلق في نفوس المصابين بهذا المرض الغضبَ والعداء لكل فكرة روحية سليمة أو فكر منفتح ومتحرر. وهذا التقوقع يفضي إلى التمرد على نواميس الله المتمثلة في الفعالية العقلية والرفاهية المادية والصحة النفسية والبدنية ومحبة واحترام الناس على اختلاف مشاربهم.

تلقين المبادئ الروحية

كون الأمراض البدنية محسوسة ومؤلمة وكريهة فإنها تستحث بنا المقاومة الفعلية، فنحاول التخلص منها بشتى الطرق العلاجية من تمارين وتغذية صحية وأدوية وعقاقير على اختلافها. لكن الأمراض النفسانية بالرغم من كونها سبب وعلة كل الآلام والمخاوف البشرية لا يتم توقـّيها أو علاجها بالسرعة الكافية، ويُسمح لها بأن تعبث في حياتنا وتعيث بها هدماً وتدميرا.

المربّون وأساتذة الصحة البدنية والواعظون والمصلحون والأطباء والمشرّعون سيتمكنون من دفع عجلة التقدم إلى الأمام عندما يتعلمون أولاً، بدءاً بأنفسهم، ومن ثم يلقـّنون الآخرين الطرق الصحيحة لتنمية الطبيعة الإنسانية تنمية متوازنة ومتوازية مع قوانين الحياة وأصول العيش الصحيح. تلك هي التربية الفعلية الفاعلة والثقافة البشرية الشاملة التي يحتاج إليها الناس في كل بقعة من العالم.

المؤسسات التربوية تعتبر أنه من المستحيل تلقين الأساسيات الروحية في المدارس العامة بسبب الخلط بين تلك الأصول وشتى المذاهب الدينية المختلفة. ولكن لو ركزت تلك المؤسسات على المبادئ العالمية للسلام والمحبة والخدمة والإيمان وسعة الأفق وقبول الآخر التي هي ثوابت روحية راسخة، ولو استنبطت أساليب عملية لغرس بذور تلك الأصول في التربة الخصبة لعقول الأطفال ونفوسهم لتم التوصل إلى حل معقول ومقبول لتلك الصعوبة المزعومة والموهومة. إنه لخطأ كبير أن يتم تجاهل هذه المسألة بسبب الصعوبات الظاهرة التي تقترن بها.

معظم خريجي الكليات يغادرون جامعاتهم برؤوس مثقلة ومنتفخة بمحتويات الكتب بحيث يتعذر عليهم المشي باستقامة على دروب الحياة لأن أرجل إرادتهم وضبط نفسهم قد أصابها الشلل تقريباً بفعل الإهمال وعدم الإستعمال. ولذلك تراهم يتهورون ويتدهورون باندفاعهم الحثيث إلى هاوية الزواج غير المتكافئ وسوء استخدام القوى الجنسية والتلهف على الدينار والدولار والفشل في مجال عملهم لأنهم لم يتعلموا الطريقة الصحيحة لاستعمال سكـّين ذكائهم الحاد المشحوذ أكاديمياً، ونتيجة لذلك يجرحون أيديهم ويلحقون الأذى بأنفسهم.

والغريب أن العديد من الشباب يطيب لهم فعل تلك الأشياء التي تعود عليهم بالضرر والألم في النهاية. هناك من يلجأون للسرقة ولممارسات خاطئة أخرى بل ولأعمال إجرامية دون وازع أو رادع. والذين لا يعملون على الحيلولة دون تفشي الرذيلة في المجتمع يشجعون التصرفات المغلوطة التي يقوم بها البعض. يجب أن يكون كل صاحب ضمير حي وإيمان صادق قدوة حسنة للآخرين من حيث الاستقامة والصدق والكرامة واحترام النفس. المدارس والكليات والجامعات والمؤسسات الإجتماعية لا تقدّم ما يكفي من طرق علمية للحد من الجريمة بالتخلص من مسبباتها الموجودة أصلاً في الدماغ.

كما يجب إنشاء مدارس خاصة لتلقين فن الحياة السعيدة الناجحة وتنمية إمكانات المرء وتعزيز قدراته الذاتية.

مثل تلك المدارس ستكون بمثابة الحدائق والرياض حيث تنمو نفوس الصغار في أرجائها وتترعرع. والبستانيون (المربّون) يجب انتقاؤهم بعناية والتأكد من حصولهم على تعاون الأهل والمجتمع. هذه المدارس ستساعد على صياغة النفوس بكيفية أفضل. ويجب الأخذ في الإعتبار أن التغذية الروحية للنبتة البشرية في مراحلها الأولى تحدد عافيتها وقدرتها على النمو فيما بعد.

إن أساليب التدريب العقلي والجسدي المتبعة في المدارس العصرية هي ولا شك مفيدة، ولكنها تفتقر إلى ركيزة روحية. وبدون تنمية الأخلاق الفاضلة سيكون النمو ناقصاً.

يجب تلقين علوم التنمية الجسدية والعقلية والروحية للأحداث الذين ما زالت عقولهم غضة مرنة وقواهم غير سالكة بعد في قنوات معينة.

بعد تدريب شامل ينبغي لطلاب تلك المدارس إجراء فحوص تأملية دائمة، وأما الشهادات المكتسبة فستكون عبارة عن صحة جيدة وسمعة حسنة وفعالية وثراء مادي وروحي وسعادة ونجاح وثقة بالنفس.

أما نتائج الإمتحان النهائي في ختام هذه الرحلة الأرضية فسيتم تحديدها بحسب المجموع العام للإنجازات والشهادات العقلية والروحية التي تم إحرازها إبّان الإمتحانات الفرعية طوال فترة العمر.

والمتفوقون في هذا الإمتحان الأكبر الأخير سيحصلون على شهادة مقدسة للإكتفاء الذاتي ..وعلى ضمير حر، نقي ومبتهج..

وعلى بركات منقوشة للأبد على صحيفة النفس.

وهذه الجائزة النادرة لن يعبث بها العث..

ولن تمتد إليها يد اللصوص

أو تمسحها ممحاة الزمن..

وستكون بمثابة جواز سفر

لعضوية الشرف في جماعة الحق.

(هي الأخلاقُ تنبتُ كالنباتِ

إذا سُقيتْ بماءِ المكرماتِ

وسوفَ نظنُّ بالأبناء خيراً

إذا نشأوا كِراماً في الحياةِ)

والسلام عليكم.



وتحية طيبة لكم قراءنا وأصدقاءنا الأعزاء أينما كنتم،

مع أطيب تمنياتنا لكم بالخير والسعادة.

الإدارة

لقراءة المزيد من الموضوعات رجاء النقر على Older Post أو Newer Post أسفل الصفحة

No comments:

Post a Comment